2024-07-01
الإمارات وتعزيز الشراكــــــــات مع الصيـن وكـوريا
في ضوء زيارة صاحب السمو رئيس الدولة للصين وكوريا الجنوبية:
تحظى الصين وكوريا الجنوبية بأولوية استثنائية ضمن اهتمامات السياسة الخارجية الإماراتية، حيث تطورت الشراكة الاستراتيجية الخاصة والشاملة بين الإمارات وكلا البلدين بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة، وباتت نموذجاً للتعاون الدولي المثمر بين الاقتصادات الصاعدة، حيث أصبحت الموضوعات الاقتصادية والتنموية هي الركائز الأساسية في إدارة العلاقات بين الدول التي تتسابق خططها التنموية مع الزمن في إطار سعيها لتعزيز تنافستيها العالمية، وحيث أصبح الاقتصاد والاستثمارات وتنويع مصادر الدخل القومي وتحقيق الاستدامة في برامج البيئة والطاقة المتجددة وغير ذلك من مجالات التعاون، المحرك الأساسي والموجه الأنشط في ديناميات السياسة الخارجية الإماراتية.
إعداد: هيئة التحرير
وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على نتائج الزيارتين المهمتين اللتين قام بهما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ إلى كوريا الجنوبية والصين خلال شهر مايو الماضي.
أولاً: العلاقات الإماراتية ـ الصينية
علاقات تاريخية: شملت الجولة الأسيوية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، زيارة العاصمة الصينية بكين، والتي جاءت لتشكل محطة تاريخية جديدة في مسار العلاقات المتنامية بين البلدين وتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الدولتين. هذه الشراكة المتينة التي أسسها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في عام 1971، ففي الثالث من ديسمبر عام 1971، أي بعد يومين فقط من الإعلان رسمياً من قيام الاتحاد، بعث القائد المؤسس، طيب الله ثراه، ببرقية إلى شون إن لاي رئيس مجلس الدولة الصيني يبلغه فيها بقيام دولة الامارات، حيث رد الزعيم الصيني السابق ببرقية تهئنة إلى المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد، معلناً اعتراف الصين رسمياً بدولة الامارات العربية المتحدة.
وكانت العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية قد انطلقت في الأول من نوفمبر 1984 فيما افتتحت السفارة الإماراتية في بكين في مارس عام 1987. وجاءت المحطة النوعية الثانية في مسيرة العلاقات عبر زيارة القائد المؤسس، طيب الله ثراه، إلى بكين في عام 1990، في أول زيارة لأحد قادة دول مجلس التعاون للصين، حيث دشنت تلك الزيارة مرحلة جديدة في التعاون بين البلدين الصديقين، كما وضعت الأساس للعلاقات الثقافية بين البلدين، إذ تم خلالها وضع حجر الأساس لانشاء مركز الامارات لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وهو أحد قنوات التواصل الحضاري والثقافي بين الشعب الصيني والشعوب العربية والخليجية، منذ تم افتتاحه في عام 1994، ولا يزال هذا المركز يحظى بدعم الامارات حتى الآن.
وكان للقائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رؤية ثاقبة استشرف بها ما ينتظر الصين من مستقبل اقتصادي واعد، ودور كبير في العلاقات الدولية، فزار بكين في عام 1989 لتمثل هذه الزيارة نقطة انطلاق محورية في علاقات تنامت بسرعة وكثافة على كافة الأصعدة، وقد توجت بتوقيع العديد من الاتفاقيات، واستكملت مسيرة ترسيخ دعائم العلاقات بين البلدين على يد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، بـ 6 زيارات قام بها سموه لبكين، آخرها في مطلع يونيو الماضي، حيث لعبت هذه الزيارات الرسمية رفيعة المستوى لعبت دورًا محوريًا في تعزيز التعاون الاستراتيجي المتنامي بين الإمارات والصين، حتى أضحت علاقات البلدين نموذجًا للتعاون الدولي ارتكازاً على أسس متينة من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية.
التعاون الاقتصادي: تعتبر الصين من أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، حيث ارتفع حجم تجارة السلع بين الإمارات والصين بنسبة %8.66 ليصل إلى 33.29 مليار دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2024، وفقًا لبيانات حديثة صادرة عن الإدارة العامة للجمارك الصينية، كما ارتفعت صادرات الإمارات إلى الصين بنسبة 1.78% إلى 12.55 مليار دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، بينما سجلت واردات الإمارات من الصين نحو 20.74 مليار دولار خلال الفترة ذاتها، وفي أبريل الماضي بلغ إجمالي صادرات الصين إلى الإمارات 5.13 مليار دولار، فيما بلغ حجم الواردات الصينية من الإمارات 2.96 مليار دولار، وتقوم الشركات الصينية بدور أساسي في مشاريع البنية التحتية في الإمارات، مثل مشروع قطار الاتحاد، كما تعكس مؤشرات التبادل التجاري تطور علاقات البلدين بشكل مستمر خلال السنوات الأخيرة.
التعاون السياسي: على المستوى السياسي، هناك تفاهم وتنسيق في المواقف بين البلدين تجاه معظم القضايا الدولية والإقليمية، خاصة في ظل وجود قيادتين في البلدين تدركان أهمية تنسيق المواقف وتعزيز الحوار المشترك، وتؤمنان بحتمية ترسيخ الشراكة بينهما، باعتبارها ضرورة لإرساء أسس الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتدعم الإمارات الموقف الصيني بشأن قضية تايوان في المحافل الدولية. وقد أعربت بكين عن شكرها للإمارات لدورها في إحباط محاولة تايوان الحصول على اعتراف دولي خلال اجتماعات الدورة الـ 122 للمجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية. كما رفضت الإمارات طلب تايوان الانضمام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وأكدت أن زيارة الوفود التجارية القادمة من تايوان لا تمثل تغيرًا في الموقف الإماراتي الرسمي من قضية تايوان، بل هي مجرد نشاط تجاري بحت. وفي المقابل، تؤيد الصين موقف الإمارات الداعي إلى حل قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران، سلميًا من خلال التفاوض المباشر أو عبر التحكيم الدولي ووفقًا لقواعد القانون الدولي.
التعاون في مجال الطاقة: تتوافق رؤى الإمارات والصين في مجال الطاقة، حيث يسعى البلدان إلى تحقيق الأمن الطاقي من خلال تنويع مصادر الطاقة وتعزيز الاعتماد على الطاقة المتجددة. تعد الإمارات من أكبر موردي النفط للصين، كما أنها تستثمر بشكل كبير في مشاريع الطاقة الشمسية والنووية. في المقابل، تستثمر الشركات الصينية في مشروعات الطاقة المتجددة في الإمارات، مما يعزز التعاون المشترك بين البلدين في هذا المجال الحيوي.
الابتكار والتكنولوجيا: تشترك الإمارات والصين في رؤية واضحة لتعزيز الابتكار والتكنولوجيا كركيزة أساسية للتنمية المستقبلية. تستثمر الإمارات بشكل كبير في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والبيانات الضخمة، وذلك من خلال مبادرات مثل «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031». تتلاقى هذه الرؤية مع استراتيجية الصين التكنولوجية، حيث تعتبر الصين من الدول الرائدة في تطوير التكنولوجيا والابتكار. يشمل التعاون بين البلدين تبادل الخبرات، وإنشاء مراكز بحثية مشتركة، وتطوير مشاريع تقنية متقدمة.
الاستقرار والأمن الإقليمي: تشترك الإمارات والصين في رؤية مشتركة لتعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي. تدعم الإمارات مبادرة الصين لتعزيز السلام والتنمية في منطقة الشرق الأوسط، وتسعى إلى تعزيز العلاقات الثنائية من خلال التعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب. وينسق البلدان مواقفهما في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة، لدعم قضايا السلام والأمن والتعاون الدولي.
التعاون الثقافي والعلمي: لا تقتصر العلاقات الإماراتية الصينية على الجانب الاقتصادي والسياسي فقط، بل شملت أيضًا التعاون الثقافي والعلمي، وشهدت السنوات الأخيرة تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية المشتركة، مثل المهرجانات الثقافية والمعارض الفنية، مما ساهم في تعزيز التفاهم المتبادل بين الشعبين. كما تزايدت أعداد الطلاب الإماراتيين الذين يدرسون في الجامعات الصينية، وتم افتتاح معاهد كونفوشيوس في الإمارات لتعزيز التعليم الثقافي واللغوي، بالإضافة إلى ذلك، يشمل التعاون العلمي مجالات التكنولوجيا والابتكار، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
ثانياً: العلاقات الإماراتية ـ الكورية الجنوبية
تشهد العلاقات الثنائية بين الإمارات وكوريا الجنوبية تطورًا نوعيًا على كافة الأصعدة، حتى باتت نموذجًا متميزًا للعلاقات الاستراتيجية القائمة على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، عززها اتساق المواقف بين الدولتين ورؤيتهما التنموية الطموحة، وخلال زيارة دولة قام بها فخامة يون سوك يول رئيس كوريا الجنوبية للإمارات العام الماضي، وصف دولة الإمارات بـ «الشريك الأمثل»، وجاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، إلى كوريا الجنوبية لتكلل هذه العلاقات والشراكة المتنامية وتزيدها رسوخًا ومتانة، كما أن زيارة الدولة التي قام بها سموه للعاصمة الكورية الجنوبية، تعد هي الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات التي تتم بين قادة الدول، وجاء الاستقبال الشعبي والرسمي بحفاوة بالغة ليعكس حجم المكانة التي يحظى بها سموه لدى كوريا الجنوبية قيادة وشعبًا، حيث رافقت طائرة سموه 4 مقاتلات كورية جنوبية منذ دخولها المجال الجوي للبلاد، وقال النائب الرئيسي لمستشار الأمن الوطني في كوريا الجنوبية، كيم تيه هيو «بما أن هذه هي أول زيارة دولة يقوم بها رئيس إماراتي سيتم الترحيب به بأعلى مستوى من حسن الضيافة».
تطور مسيرة الشراكة الاستراتيجية الخاصة: انطلقت العلاقات الاماراتية ـ الكورية الجنوبية في عام 1980، حيث قام القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ بافتتاح سفارة دولة الامارات في سيؤول عام 1987، ثم شهدت العلاقات مستويات متزايدة من التعاون المشترك، حتى ارتقت إلى صيغة الشراكة الاستراتيجية في عام 2009، ثم تطورت إلى مستوى أعلى مع عقد مشروع «براكة» في العام ذاته بقيمة تقدر بنحو 18.6 مليار دولار أميركي، وهو يمثل أهمية استثنائية للجانبين، في ضوء رهانات الامارات التنموية على الطاقة النووية كمصدر بديل للطاقة فضلاً عن كونه أول محطات للطاقة النووية السلمية في العالم العربي، بينما تتجلى هذه الأهمية بالنسبة لكوريا الجنوبية في كونه أول مشروع بناء محطات للطاقة النووية خارج كوريا الجنوبية، ما يعكس عمق الثقة الاماراتية في التكنولوجيا الكورية الجنوبية في هذا القطاع الحساس.
وتشير الزيارات الرسمية المتبادلة إلى تقارب رؤية قيادتي البلدين وحرصهما في مختلف المراحل التاريخية على تقوية العلاقات حتى بلغت مستوى الشراكة الاستراتيجية الخاصة في عام 2018، وهي الصيغة الوحيدة التي تربط بين كوريا وإحدى الدول العربية والخليجية. ويعود الفضل في هذا التطور المستمر في العلاقات بين البلدين إلى حرص قيادتي البلدين على دعم هذه العلاقات وتقويتها، فضلاً عن دور وتأثير الزيارات المتبادلة التي تمت على مستوى القادة والمسؤولين رفيعي المستوى بين الجانبين، والتي كان أحدثها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، إلى سيئول في نهاية مايو الماضي، والتي مثلت إضافة مهمة لمسيرة تطور علاقات البلدين، ولاسيما وقد سبقتها زيارات لسموه في فبراير 2019، و2014، ومارس 2012، ومايو 2010 ويونيو 2006. أما من الجانب الكوري، فتمثلت أبرز زيارات القادة في زيارة الرئيس الأسبق، روه مو هيون، في 2006، وزيارات الرئيس الأسبق لي ميونغ باك، في 2009 و2011، وزيارتين في 2012، وزيارات الرئيسة السابقة بارك كون هيه، في 2014 و2015، وزيارة الرئيس مون جيه إن، في 2018، والرئيس الحالي يون سيوك يول في 2023.
وخلال الثمانينيات والتسعينيات، بدأت العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وكوريا الجنوبية في التطور بشكل ملحوظ، وأصبحت الإمارات هي الشريك التجاري الرئيسي لكوريا الجنوبية في الشرق الأوسط، وتوسعت التبادلات التجارية لتشمل قطاعات النفط والغاز والبناء والتكنولوجيا. ومنذ مطلع الألفية الثالثة، شهدت العلاقات بين البلدين تطورًا كبيرًا، خاصة في مجال الطاقة. في عام 2009، فازت الشركة الكورية للطاقة الكهربائية «كيبكو» بعقد بناء محطة براكة للطاقة النووية في الإمارات وكلفتها 20 مليار دولار. هذا المشروع الضخم كان علامة فارقة في تاريخ التعاون بين البلدين، حيث يعكس الثقة المتبادلة والتعاون في مجالات استراتيجية وحيوية. إلى جانب العلاقات الاقتصادية والسياسية، تطورت العلاقات الثقافية والتعليمية بين الإمارات وكوريا الجنوبية، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات لتعزيز التبادل الثقافي والتعليمي بين البلدين، وشهدت الجامعات والمؤسسات التعليمية في كلا البلدين تبادلات طلابية وأكاديمية، مما ساهم في تعزيز التفاهم والتقارب بين الشعبين. وفي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الإماراتية الكورية الجنوبية نقلة نوعية في مجال التكنولوجيا والابتكار، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات بين الشركات الكورية والإماراتية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والصناعات الفضائية. هذا التعاون يعكس التطلعات المشتركة للبلدين نحو المستقبل واهتمامهما بتطوير قطاعات جديدة ومبتكرة
مصالح مشتركة: تعد دولة الإمارات الشريك التجاري الثاني خليجيًا وعربيًا لكوريا الجنوبية، إذ بلغ حجم صادرات الإمارات إلى جمهورية كوريا 5.693 مليار دولار في عام 2020، أما كوريا الجنوبية فقد بلغت صادراتها لدولة الإمارات نحو 3.694 مليار دولار، كل ذلك في إطار الشراكة الاستراتيجية الخاصة التي تجمع البلدين. وعلى صعيد الاستثمار، بلغ رصيد استثمارات كوريا الجنوبية في الإمارات حتى مطلع 2021 نحو 2.2 مليار دولار، وتركزت في قطاعات المالية والتأمين والتعدين والطاقة والتكنولوجيا والعقارات، وتأتي كوريا الجنوبية في المرتبة الخامسة بين الدول الآسيوية غير العربية من حيث حجم الاستثمارات المباشرة في الإمارات، بحصة تصل إلى 7%، كما تأتي في المرتبة السابعة عشرة عالميًا. فيما ترتكز الاستثمارات الإماراتية في كوريا الجنوبية على قطاعات عديدة كالعقارات والاتصالات والطاقة والخدمات اللوجستية، وبلغت التجارة البينية غير النفطية بين البلدين أكثر من 3 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2023، بنسبة نمو 21% مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2021.
كما تعد الإمارات ثاني دولة مصدرة للنفط إلى كوريا الجنوبية، وثاني مستورد من كوريا في منطقة الشرق الأوسط، ويمثل سوق الإمارات منذ عام 2018 الوجهة الأكبر عالميا لشركات البناء الكورية، وكذلك أكبر مستورد للسلع الكورية في الشرق الأوسط. وحقق التعاون في المجال الصحي بين الإمارات وكوريا الجنوبية نقلة نوعية ترجمتها العديد من مذكرات التفاهم والتعاون الموقعة بين البلدين. ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الاستثمارية بين البلدين ازدهارًا كبيرًا، لا سيما في مجالات الطاقة والطاقة النووية للأغراض السلمية، ويركز التعاون بين البلدين على تطوير تقنيات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والهيدروجين، ما يسهم في تحقيق الأهداف البيئية والاستدامة للطرفين، كمت جرى الاتفاق بين الدولتين في 2023 على خطة بقيمة 30 مليار دولار للاستثمار الإماراتي في القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد الكوري.
الرؤية الكورية الجنوبية للتعاون مع الإمارات: قام الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، بآخر زيارة إلى دولة الإمارات في 14 يناير 2023، حيث قوبل بحفاوة شديدة تجلّت منذ دخوله المجال الجوي الإماراتي، حيث رافقت أربع مقاتلات إماراتية الطائرة الرئاسية التي يستقلها الرئيس الكوري الجنوبي الذي قام بأول زيارة دولة يقوم بها رئيس لبلاده إلى الإمارات منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وحظي الرئيس الكوري الجنوبي باستقبال رفيع المستوى في أبوظبي، وتمحورت أهداف الزيارة حول الإقتصاد، رغبة في تعزيز التعاون الإقتصادي من خلال زيادة الإستثمار، والحفاظ على تدفق الاستثمارات، حيث رافق الرئيس الكوري الجنوبي وفد إقتصادي مكون من 100 شخصية من رجال السياسة وممثلي قطاع التجارة والمال والأعمال، وفي ذلك قال الرئيس يون «يرافقني وفد يضم وزراء وكبار رجال أعمال وممثلي لعدد من الشركات الكورية وأتمنى أن تحقق هذه الزيارة نتائج مثمرة»، وقد رافق فخامته خلال الزيارة ثماني وزراء من بينهم نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية تشو كيونغ هو، ووزير الصناعة لي تشانغ يانغ، ووزير الأراضي والبنية التحتية والنقلوون هي ريونغ، ووزير الشؤون الخارجية بارك جين، ووزير العلوم والتكنولوجيا لي جونغ هو. كما يتضمن الوفد ممثلي نحو 24 شركة كبيرة و69 شركة صغيرة ومتوسطة، و7 منظمات وجمعيات اقتصادية ومن أبرز الأسماء المشاركة في الزيارة رئيس اتحاد الأعمال الصغيرة والمتوسطة سون كيونغ سيك، ورئيس اتحاد أصحاب الأعمال الكورية تشوي جين سيك، ورئيس شركة «سامسونج» للإلكترونيات لي جاي يونغ، ورئيس مجموعة «هيونداي موتور» تشونغ إيه سون، ورئيس مجلس إدارة شركة «دوسان» للطاقة بارك جي وون.
وجميع هذه المؤشرات والاحصاءات تعكس وتختصر حجم المصالح المشتركة بين البلدين، ورؤية سول لأهمية التعاون مع الإمارات، وقد أشارت التقارير الكورية الجنوبية وقتذاك إلى أهمية الزيارة لأسباب عدة منها الأداء الجيد للاقتصاد الإماراتي في ظل الانكماش الاقتصادي العالمي، حيث تتيح الرحلة العديد من الفرص التي توفر للشركات الكورية فرصاً جيدة في ظل تزايد السياسات الحمائية بين الشركاء الاقتصاديين، وفي وقت يسعى الرئيس الكوري الجنوبي فيه إلى تحفيز اقتصاد بلاده وتعزيز الصادرات لمواجهة الانكماش الاقتصادي العالمي، حيث قال الرئيس يون إن الإمارات تستعد لعصر مابعد النفط، وجمهورية كوريا لديها أفكار مبتكرة وتكنولوجيا متطورة ما يجعل البلدين شريكين مثاليين.
«براكة» ركيزة الشراكة مع كوريا الجنوبية: يعد مشروع «براكة» للطاقة النووية السلمية المشروع العربي الأول من نوعه، ويمثل نموذجاً يحتذى به اقليمياً وعالمياً في استخدام الطاقة النووية في تنويع مصادر الطاقة وتحقيق التنوع الاقتصادي للدول. وبتدشين هذا المشروع الضخم، دخلت الامارات مرحلة نوعية جديدة في تاريخها الحديث، حيث تسعى ـ من خلال إطلاق محطة مفاعلات «براكة» للطاقة النووية السلمية ـ إلى تحرير اقتصادها من الاعتماد على النفط مستقبلاً. ويمثل البرنامج النووي السلمي الاماراتي نموذجاً لنمط التفكير الاستراتيجي الاستباقي، الذي يعكس طموحات الدولة الرائدة في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، لاسيما أن تكنولوجيا الطاقة النووية ومعارفها لا تقتصر على توليد الطاقة الكهربائية، بل هي بالفعل مفتاح رئيسي للتقدم المعرفي، حيث باتت تستخدم في الطب للعلاج والتشخيص، وفي الصناعة لانتاج اشباه الموصلات والمعالجات الكيماوية، وتقنيات اختبار الجودة وفي عمليات التعدين والبحث عن الخامات الطبيعية في الزراعة لاستنباط انواع جديدة من المحاصيل ذات انتاجية عالية وانتقاء نوعيات معينة من البذور ومقاومة الآفات والحشرات وزيادة مدة تخزين المنتجات الزراعية وغير ذلك.
وبتدشين محطة «براكة» النووية، أصبحت الامارات الدولة رقم 33 ضمن أعضاء نادي الدول المنتجة للطاقة النووية السلمية في العالم، وأصبحت محطة براكة الإماراتية المحطة رقم (450) المنتجة للكهرباء في العالم، وأول دولة نووية سلمية تبني 4 محطات نووية دفعة واحدة وفي توقيت زمني قياسي ووفق أرقى وأفضل معايير الأمن والسلامة العالمية التي تطبقها وتشرف عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتمثل محطات “براكة” النووية للطاقة السلمية خطوة نوعية على درب معالجة العالم لمشكلة التغير المناخي، سواء من حيث كونها قدوة ونموذجاً ملهماً يشجع بقية الدول على أن تحذو حذو دولة الامارات في توظيف الطاقة النووية في التنمية، أو من حيث قدرة هذه المفاعلات على توليد 5600 ميغاواط من الكهرباء أي حوالي 25% من احتياجات البلاد.
ويعد البرنامج النووي السلمي الاماراتي أكبر مساهم في تقديم تقارير شفافة عن انشاء المحطات النووية في العالم، وفقاً لتقرير صادر عن الرابطة العالمية للمشتغلين النوويين، حيث أكدت كافة المراجعات والتقييمات على اتباع دولة الإمارات لأعلى المعايير العالمية في تطويرها للبرنامج النووي السلمي الإماراتي، كما وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة على أكثر من 13 اتفاقية ومعاهدة دولية، منها: اتفاقية الضمانات الشاملة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، البروتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات الشاملة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، معاهدة الأمان النووي، معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. ويعد توقيع اتفاقية إنشاء محطة “براكة” للطاقة النووية السليمة في عام 2009 من أبرز محطات العلاقات الثنائية بين الإمارات وكوريا الجنوبية، ولاشك أن مثل هذه المشروعات التنموية الكبرى تمثل قاطرة للاقتصادات الوطنية، بحكم مشاركة المؤسسات والشركات الوطنية في مراحل الانشاء، بما يحقق لهذه الشركات عوائد وخبرات لا تقدر بثمن، ما يعزز بدوره مكانة هذه الشركات الاقتصادية والتسويقية والاستثمارية، ويرسخ وضعها الاقليمي كشركات تمتلك خبرات العمل في المشروعات الاستراتيجية الضخمة بما يوفر لها فرص العمل في مشروعات مماثلة بدول العالم كافة، ولاسيما في الدول العربية التي تتجه لانشاء مشروعات لتوليد الطاقة النووية السلمية في المستقبل المنظور.
ويرسخ مشروع محطات «براكة» للطاقة النووية السلمية موقع ومكانة دولة الامارات كمركز اقليمي لمشروعات الطاقة المتجددة، ما يمنح الدولة السبق في هذا النوع من المشروعات الاستراتيجية، ويضعها في موقع يشجع ويحفز جهود الدول العربية الساعية للاستفادة من الطاقة النووية السلمية. ويمكن القول أن مشروع «براكة» للطاقة النووية السلمية يضع العلاقات الاماراتية ـ الكورية الجنوبية على درب شراكة استراتيجية تنموية أرحب وأكثر اتساعاً وعمقاً وتنوعاً، فالمفاعلات الأربع التي تستخدم تقنيات نووية كورية جنوبية، تمثل الجيل الأحدث في تكنولوجيا المفاعلات النووية، وللشراكة في هذا المجال الحيوي أبعادها وتأثيرها على بقية جوانب علاقات البلدين اللذين تربطهما علاقات تعاون قوية منذ نحو أربعون عاماً؛ فمنذ توقيع عقد انشاء مشروع «براكة» للطاقة النووية السلمية في عام 2009، دخلت العلاقات الثنائية مرحلة الشراكة الاستراتيجية الخاصة، التي تعمقت واتسعت روافدها بمرور السنوات.
خاتمة
تعكس زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ لكوريا الجنوبية والصين توجهات السياسة الخارجية الإماراتية التي ترتكز على مبادئ وأسس عدة منها القناعة بالدور المحوري للتعاون الدولي في إحراز المزيد من الإنجازات لدولة الإمارات وللعالم بأسره. حيث تسعى دولة الامارات دائماً إلى التوسع في استكشاف فرص الاستثمار، كجزء من خطة دولة الإمارات للوصول إلى أعلى مراتب التنافسية العالمية في جميع مجالات التنمية، وتوظف الدولة ما تتمتع به من مزايا استثنائية مثل البيئة المحفزة للعمل والاستثمار، وتبنى أحدث مخرجات التكنولوجيا مما يسهم في تسريع وتسهيل وزيادة كفاءة بيئة الأعمال. وفي الوقت الذي تحرص فيه دولة الإمارات على تنويع علاقاتها الخارجية وتوسيع شراكاتها الاستراتيجية مع القوى الدولية فإنها تعتبر في الوقت ذاته شريكاً يحظى بالثقة والتقدير من جانب دول العالم كافة.
لا يوجد تعليقات