مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2024-12-01

الإمـارات وروســيا: أكـثر من نصـف قـرن من التعـاون والعـلاقات الاستراتيجيــة

في ضوء زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى موسكو

تتميز العلاقات الإماراتية-الروسية بعمقها التاريخي وتنوعها الاستراتيجي، حيث تربط البلدين علاقات متينة تعكس رؤى متبادلة لتحقيق المصالح المشتركة وتعزيز الاستقرار في المنطقة والعالم.

إعداد: هيئة التحرير
وقد تطورت هذه العلاقات بشكل ملحوظ في مختلف المجالات، بدءًا من التعاون السياسي والدبلوماسي، وصولاً إلى التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي. وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على تطور العلاقات الإماراتية -الروسية في ضوء زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» إلى روسيا خلال شهر أكتوبر الماضي.
جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى روسيا في العشرين من أكتوبر الماضي تأكيداً على متانة العلاقات بين البلدين وسعيهما الدائم لتطوير شراكة استراتيجية قوية تخدم مصالح الشعبين، حيث يسعى البلدان، من خلال هذه العلاقات، إلى بناء مستقبل مشترك يعزز من الاستقرار والتنمية على المستويين الإقليمي والدولي.
خلال الزيارة، التقى صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث تبادل الجانبان وجهات النظر حول تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، وأهمية تعزيز الحوار لتحقيق الاستقرار والسلام. كما تم التركيز على القضايا الاقتصادية والتجارية، بما في ذلك سبل تعزيز التعاون في مجالات الطاقة النظيفة والاستثمارات المشتركة.
وقد شهدت القمة الرابعة التي جمعت صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال عامين، عدة ملفات مهمة على صعيد العلاقات الثنائية أو القضايا الدولية، والتعاون في إطار مجموعة “بريكس”، تخللتها لفتات مهمة تبرز قوة العلاقات الشخصية بين الزعيمين ومدى التقدير والاعتزاز والاحترام الذي يكنّه كلا الزعيمين للآخر، إضافة إلى حرص الرئيس الروسي على الترحيب والاحتفاء بضيفه الكبير.

أهمية ونتائج الزيارة
مثَّلت زيارة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، إلى روسيا حدثاً بارزاً في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين. وجاءت في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع البلدين، ومناقشة القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك ومنها تطورات الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط، حيث أكد الزعيمان خلال اللقاء الذي جمعهما في الكرملين، على ضرورة العمل من أجل منع توسيع الصراع في المنطقة والذي يهدد أمنها واستقرارها، إضافة إلى إيجاد أفق سياسي واضح للسلام العادل والشامل على أساس «حل الدولتين»، الذي يضمن الاستقرار والأمن للجميع. فيما أعرب الرئيس الروسي عن شكره وتقديره لجهود الوساطة التي بذلتها دولة الإمارات خلال الفترات الماضية، وأسفرت عن نجاح تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.
ومن هنا يمكننا القول، أن قوة وتطور العلاقات الإماراتية -الروسية قد انعكس في هذه الزيارة التي حملت في طياتها رؤىَ عميقة ومسارات جديدة للتعاون بين البلدين في مجالات متعددة الاستثمار والطاقة والاقتصاد وغيرها، إلى جانب ملفات إقليمية ودولية ذات اهتمام مشترك.

توقيت حيوي
اكتسبت هذه الزيارة أهميتها من عدة أمور، أبرزها التوقيت الذي جاءت فيه، في سياق إقليمي ودولي يبحث عن تهدئة ملفات بحضور دولة مثل الإمارات تحمل راية السلام من الشرق الأوسط لأرجاء العالم، وأيضاً عقب يومين من نجاح الإمارات في عقد صفقة تبادل أسرى جديدة بين روسيا وأوكرانيا، وهي التاسعة منذ عام 2024 والتي أسفرت في مجملها عن إطلاق سراح 2184 أسير من كلا الطرفين.

الإمارات في «بريكس»
لم تقتصر الزيارة فقط على مباحثات ومناقشات صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، بل شهدت مشاركة سموه في القمة الـ 16 لقادة مجموعة «بريكس»، وذلك بعد انضمام دولة الإمارات لهذا التكتل العملاق في يناير 2024، بعد أن صادقت الدول الخمس المؤسسة على طلبها بالانضمام للمجموعة، وهي جمهورية البرازيل الاتحادية، وروسيا الاتحادية، وجمهورية الهند، وجمهورية الصين الشعبية، وجمهورية جنوب أفريقيا. وخلال زيارته، ثمّن صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قيادة أعمال مجموعة «بريكس» في دورتها الحالية، متمنياً لروسيا التوفيق في رئاستها للمجموعة، مؤكداً حرص دولة الإمارات على بناء شراكات فاعلة مع مختلف دول العالم وتعزيز العمل الدولي متعدد الأطراف من أجل تحقيق التنمية المستدامة والازدهار لشعوب العالم أجمع.

وتُعَدُّ مشاركة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، في القمة السادسة عشرة لمجموعة «بريكس» التي عُقِدت في مدينة قازان الروسية خلال الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر 2024، حدثًا ذا أهمية استراتيجية على عدة مستويات:

تعزيز علاقات الإمارات الدولية: تُعَدُّ هذه المشاركة الأولى لدولة الإمارات في قمة «بريكس» بصفتها عضوًا في المجموعة، مما يُعزِّز مكانتها على الساحة الدولية ويُوسِّع نطاق علاقاتها مع الدول الأعضاء، مثل روسيا، الصين، الهند، البرازيل، وجنوب أفريقيا. هذا الانضمام يُتيح للإمارات فرصًا جديدة للتعاون في مجالات الاقتصاد، التجارة، والاستثمار مع بعض من أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم.
دفع التعاون الاقتصادي والتنموي: تُوفِّر مجموعة «بريكس» منصة للتعاون في مجالات متعددة، بما في ذلك التنمية المستدامة، التكنولوجيا، والطاقة. ومشاركة صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، في القمة تُؤكِّد التزام الإمارات بتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات العالمية المشتركة وتحقيق الأهداف التنموية.
تعزيز التعددية والعمل المشترك: انعقاد القمة تحت شعار «التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين» يُبرز أهمية العمل الجماعي في تحقيق الاستقرار والازدهار العالمي. ومشاركة الإمارات في هذه القمة تُؤكِّد دعمها للتعددية والتعاون الدولي في مواجهة التحديات المشتركة.
تعزيز مكانة الإمارات الدولية: انضمام الإمارات إلى مجموعة «بريكس» يُعزِّز من مكانتها كدولة ذات تأثير متزايد في الشؤون الدولية، ويُتيح لها فرصة للمساهمة في صياغة السياسات الاقتصادية والتنموية على مستوى العالم.

تنوع العلاقات الإماراتية- الروسية
شهد الزعيمان، الإماراتي والروسي خلال الزيارة، افتتاح مركز الشيخة فاطمة بنت مبارك للتعليم، المنارة العلمية التي تتجاوز الحدود الجغرافية وتفتح الآفاق أمام أجيالًا قادمة لتبادل العلم والمعرفة فيما يجسد قوة وعمق العلاقات بين الإمارات وروسيا التي انطلقت منذ أكثر من خمسين عامًا.
وفي هذا الإطار، قال السفير المفوض فوق العادة لدولة الإمارات لدى روسيا، أحمد الجابر، إن إطلاق اسم سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات» رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية على المركز، يأتي تقديراً لجهودها ومبادراتها العالمية الهادفة إلى دعم العلم والتعليم، مشيراً إلى أن افتتاح «مركز الشيخة فاطمة بنت مبارك للتعليم» في موسكو يُجسّد عمق العلاقات التي تجمع البلدين وشعبيهما الصديقين.

وفي مجال الفضاء، وباعتبار أن روسيا تمثل واحدة من الدول الرائدة عالمياً في تكنولوجيا الفضاء، حيث تتمتع بخبرة طويلة تمتد لعقود في استكشاف الفضاء وتطوير تقنيات متقدمة مثل الأقمار الصناعية، والصواريخ، والمركبات الفضائية، فإن الإمارات كانت حريصة على تعزيز العلاقات الفضائية مع روسيا، ومن خلال هذا التعاون، استطاعت الإمارات الاستفادة من الخبرات الروسية لنقل المعرفة والتكنولوجيا وتدريب رواد الفضاء الإماراتيين، بما يساهم في تطوير برنامجها الفضائي الطموح. وفي عام 2019، أطلق أول رائد فضاء إماراتي، هزاع المنصوري، إلى محطة الفضاء الدولية «أي إس إس» على متن مركبة «سويوز إم إس-15»، ليصبح أول إماراتي يصل إلى الفضاء. وقد تم تدريب المنصوري في مركز «يوري غاغارين لتدريب رواد الفضاء» في روسيا، حيث اكتسب المهارات اللازمة لتنفيذ هذه المهمة بنجاح. وفي لفتة امتنان ووفاء، حرص صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، على توجيه الشكر لروسيا في هذا الخصوص، عبر كلمات مؤثرة، قال فيها «من الأمور التي أثرت في قلوب الإماراتيين ونتذكرها دائماً أن روسيا قدّمت مساهمة كبيرة في تحقيق حلم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان المؤسس رحمه الله، بالوصول إلى الفضاء، فقد ذهب هزاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة فضاء روسية».

تعزيز الشراكة الاستراتيجية
الإمارات وروسيا تتمتعان بشراكة استراتيجية شاملة تعكس حرص الجانبين على تعزيز التعاون في مختلف المجالات. وتأتي زيارة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله كخطوة متقدمة لتأكيد هذا الالتزام وتوسيع مجالات الشراكة بما يحقق المصالح المشتركة، إذ تسعى الإمارات بقيادتها الرشيدة إلى لعب دور رئيسي في بناء جسور التواصل مع القوى الدولية الكبرى، مثل روسيا، لتحقيق التوازن في العلاقات الدولية والمساهمة في صياغة حلول مستدامة للقضايا العالمية.

التعاون في القضايا الإقليمية والدولية
شكَّلت هذه الزيارة الهامة فرصة لمناقشة العديد من الملفات الإقليمية والدولية، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم. وتتيح هذه الزيارة المجال لتعزيز التنسيق المشترك حول قضايا الأمن والاستقرار، سواءً في منطقة الشرق الأوسط أو في مناطق أخرى ذات الاهتمام المشترك. فمن خلال الحوار المباشر مع القيادة الروسية، تسعى الإمارات إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حلول سلمية للنزاعات، ومواجهة التحديات العالمية.

دعم التعاون الاقتصادي والاستثماري
تعد العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الإمارات وروسيا من أهم محاور التعاون المشترك، حيث يشهد التبادل التجاري بين البلدين نمواً مستمراً. وتأتي زيارة صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، لتعزيز هذه العلاقات، من خلال توقيع اتفاقيات جديدة ودعم المشاريع الاستثمارية المشتركة، وقد أكد الزعيمان حرصهما على تطوير علاقة الشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين منذ عام 2018 على مختلف المستويات. وتركز الإمارات على تعزيز شراكاتها مع روسيا في مجالات متنوعة مثل الطاقة، والتكنولوجيا، والفضاء، والذكاء الاصطناعي، كما تهدف الزيارة إلى استكشاف فرص جديدة للتعاون في مجال الطاقة النظيفة والاستدامة، بما يواكب الأهداف العالمية للتنمية المستدامة. وفي هذا الصدد، أشار الرئيس الروسي خلال لقاءه صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا ودولة الإمارات تضاعف 3 مرات خلال السنوات الثلاث الماضية. فيما أكد صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، أن حجم التبادل التجاري النفطي بين البلدين ارتفع من 2.5 مليار دولار عام 2018، إلى أكثر من 11 مليار دولار في 2023، وأكد أن بلاده ستعمل على زيادة هذه الأرقام، بالتزامن مع مواصلة بلاده العمل على التوصل إلى اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الاتحاد الأوراسي الذي يضم كلًا من روسيا وأرمينيا وبيلاروس وكازاخستان وقرغيزستان، ويُقدَّر سوق الاتحاد بنحو 190 مليون مستهلك، وتحظى كوبا ومولدوفا وأوزبكستان بصفة عضو مراقب فيه، وهو الأمر الذي سيمثل خطوة مهمة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع روسيا. ويشار إلى أن أبرز الصادرات الروسية إلى الإمارات تتمثل في المعادن والأحجار الكريمة والمعادن غير الحديدية والمعادن الحديدية ومنتجات النحاس والآلات والمعدات والمركبات والمنتجات الكيماوية والأخشاب والورق والكرتون والمنتجات الزراعية، في المقابل، تزود دولة الإمارات روسيا بالقوارب والأثاث ومعدات الإضاءة، والقهوة والشاي والتوابل.

ووفقًا لبيانات وزارة الاقتصاد الإمارتية، فإن التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات وروسيا تضاعف مرتين منذ عشر سنوات، وبلغ منذ عام 2010 ولغاية نهاية 2023، نحو 204 مليار درهم، وسجل في عام 2023، (40.2 مليار درهم مقابل 13 مليار درهم في 2014)، وحول الاستثمار الروسي المباشر في الإمارات، فإن عدد العلامات التجارية الروسية المسجلة في الإمارات بات يبلغ 647 علامة، وتضم الإمارات 29 وكالة تجارية روسية مسجلة. كما تُشكَّل الإمارات وجهة مهمة للتجارة والاستثمارات الروسية، للاستفادة من الميزات والفرص التي توفرها دولة الإمارات كواحدة من أبرز الوجهات الاستثمارية تنافسية في المنطقة والعالم، لاسيما بعد التحديثات التشريعية الاقتصادية الأخيرة، والسماح بالتملك الأجنبي للشركات بنسبة 100%، والانفتاح والمرونة في سياسات التجارة والاستثمار وتأسيس ومزاولة الأعمال.

العلاقات الإماراتية الروسية: تاريخ وتطور
أكدت زيارة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، دور الإمارات كدولة مؤثرة تسعى لتعزيز الاستقرار العالمي من خلال الحوار البناء مع مختلف القوى الدولية. كما تعكس رؤية القيادة الإماراتية لأهمية إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول الكبرى، بما يخدم الأمن والسلم الدوليين. وقد بدأت العلاقات الإماراتية الروسية منذ عدة عقود، حيث شهدت تطورًا كبيرًا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين عام 1971، وتم فتح السفارة الروسية في أبوظبي عام 1986، بينما فتحت الإمارات سفارتها في موسكو عام 1987، وشهدت هذه الحقبة توقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، وقد عملت القيادة في كل من الإمارات وروسيا على تعزيز هذه العلاقات من خلال الحوار المستمر والتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية.

اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة
تُعد الإمارات شريكًا تجاريًا واستثماريًا مهمًا لروسيا في منطقة الخليج العربي، وقد ازدادت العلاقات الاقتصادية بين البلدين قوة بفضل توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية التي شملت قطاعات حيوية مثل الطاقة، والطيران، والتكنولوجيا، والصناعات الدفاعية، وخاصة في أعقاب توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين في عام 2018 لتعزيز التعاون في مجالات السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والدفاع، بالإضافة إلى التعاون الوثيق في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والفضاء، حيث شاركت روسيا في دعم مشاريع الفضاء الإماراتية.

وساطة دولية
كما كان للإمارات دورًا بارزًا في الوساطة الدولية، وتعزيز الحوار بين روسيا ودول أخرى، خاصة خلال الصراعات الإقليمية، حيث أظهرت الإمارات مواقف متوازنة تجاه القضايا الدولية، بما في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية.

تعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات
يشكل قطاع الطاقة أحد أهم محاور التعاون بين الإمارات وروسيا. فالإمارات تُعد لاعبًا رئيسيًا في قطاع الطاقة المتجددة والنفط والغاز، بينما تُعتبر روسيا واحدة من أكبر الدول المصدرة للطاقة في العالم، ويسعى الجانبان إلى توحيد الجهود لتطوير تقنيات مستدامة وتعزيز الاستثمارات في هذا المجال. كما تحظى العلاقات الاقتصادية بفرص واعدة، حيث تعد الإمارات مركزًا عالميًا للتجارة والاستثمار، مما يجعلها شريكًا مثاليًا للمستثمرين الروس الذين يتطلعون إلى الوصول إلى أسواق الشرق الأوسط وآسيا.

التعاون الأمني
على مدار عقود، احتفظت الإمارات وروسيا بعلاقات عسكرية عالية المستوى، وهو ما ظهر جليًّا في توقيع الجانبين العديد من اتفاقيات التعاون العسكري المتعلقة بالعتاد والتسليح وتبادل المعلومات بشأن مكافحة الإرهاب، وتبدي روسيا استعدادها لمشاركة التقنيات المتطورة في مجال التسليح مع الجانب الإماراتي لتوطين الإنتاج على أراضي أبوظبي. كما تنخرط الدولتان في العديد من التدريبات العسكرية المشتركة، حيث تعملان على تعزيز أمن المنطقة ومكافحة التحديات المشتركة مثل الإرهاب والجريمة المنظمة. ويبرز هذا التعاون في المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة وتبادل الخبرات الدفاعية، مما يعكس مستوى عالٍ من الثقة الاستراتيجية.

التعاون الثقافي والإنساني
إلى جانب التعاون السياسي والاقتصادي، تولي الإمارات وروسيا اهتمامًا كبيرًا لتعزيز التبادل الثقافي والمعرفي بين شعبيهما. وتشمل هذه الجهود تنظيم الفعاليات الثقافية المشتركة، وتعزيز برامج التعليم والتدريب.

البعد الروسي في السياسة الخارجية الإماراتية
تمثل السياسة الخارجية لدولة الإمارات نموذجًا للدبلوماسية الذكية التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والانفتاح على القوى الدولية الكبرى. ويبرز البعد الروسي في هذه السياسة كأحد المحاور الاستراتيجية التي تعكس إدراك الإمارات لأهمية تنويع شركائها الدوليين في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وتعزيز مصالحها في مختلف المجالات. ويعكس البعد الروسي في السياسة الخارجية الإماراتية تقاربًا ملحوظًا في الرؤى تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية، حيث تتقاسم الإمارات وروسيا اهتمامًا مشتركًا بحل النزاعات بالوسائل السلمية وتعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويبرز هذا التنسيق في القضايا الحساسة مثل الأزمة السورية، حيث لعبت الإمارات دورًا دبلوماسيًا متوازنًا للحفاظ على استقرار المنطقة، بالإضافة إلى دعم الحوار بين الأطراف المتنازعة في صراعات أخرى. ويأتي البعد الروسي في السياسة الخارجية الإماراتية ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز التوازن في العلاقات الدولية؛ فمن خلال بناء شراكات قوية مع قوى عالمية متعددة، بما في ذلك روسيا، تعمل الإمارات على تنويع خياراتها السياسية والاقتصادية، وتقليل الاعتماد على أي طرف دولي واحد، وهذا التوازن يمنح الإمارات مرونة كبيرة في مواجهة التحديات الجيوسياسية وتعزيز مصالحها الوطنية.

ركائز قوية للشراكة الإماراتية ـ الروسية
التقدير والاحترام المتبادل: تنظر روسيا باحترام وتقدير كبيرين لعلاقات الشراكة مع دولة الإمارات، التي باتت أكبر شريك تجاري لروسيا في منطقة الخليج العربي، حيث تستأثر الإمارات بنسبة %55 من إجمالي التجارة الروسية ـ الخليجية، وتستضيف أكثر من 4 آلاف شركة روسية تعمل بقطاعات متنوعة بالاقتصاد الإماراتي، فيما تمتلك رؤوس الأموال الإماراتية 60 مشروعاً في روسيا. وعلى الجانب الآخر، حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ على تأطير نظرة الإمارات لروسيا من خلال تغريدة لسموه على موقع «تويتر»: بقوله «نهج الإمارات هو بناء جسور التعاون والحوار مع الجميع لخدمة السلام والازدهار في العالم».

العلاقات القوية بين قيادتي البلدين: تأتي زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى روسيا بعد نحو 14 شهراً من زيارة قام بها سموه إلى سانت بطرسبرغ للمشاركة في المنتدى الاقتصادي الدولي عام 2023، والذي شاركت فيه الإمارات كضيف شرف للمنتدى، وسبقتها زيارة سموه لروسيا في شهر أكتوبر2022، حيث تتعدد القمم التي تجمع سموه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ تولي الأخير رئاسة روسيا عام 2012، وقد أسهم هذا المستوى الرفيع من اللقاءات الثنائية، التي لا يكاد يمر عام دون أن تعقد، في الارتقاء بالتفاهم والتعاون والتنسيق بين البلدين إلى مستوى توج باتفاق الشراكة الاستراتيجية الذي تم توقيعه في يونيو عام 2018، والذي فتح الباب واسعاً أمام إحداث نقلة نوعية في العلاقات الإمارات ـ الروسية، والدور الروسي في منطقة الخليج العربي بشكل عام، حيث أعقب توقيع الاتفاق، قيام الرئيس بوتين بزيارة رسمية إلى دولة الإمارات في أكتوبر 2019، وكانت الأولى التي يقوم بها رئيس روسي لمنطقة الخليج العربي منذ نحو 12 عاماً. وتتجسد الروابط الشخصية القوية بين قيادتي البلدين  في لغة الحوار بين الرئيسين؛ ففي سبتمبر عام 2013، وخلال استقباله لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في افتتاح محادثات القمة «تجمعنا علاقات طيبة مع الإمارات العربية المتحدة التي تعد واحدة من أهم شركائنا الاقتصاديين»، واصفاً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ـ حفظه الله بـ «الصديق القديم والموثوق»، فيما يصف سموه الرئيس الروسي بـ «صديقي الرئيس بوتين»، وعكست الكلمات المتبادلة واللفتات الشخصية العديدة مستوى استثنائي من الصداقة والروابط الشخصية القوية، التي يمكن أن تسهم كثيراً في حلحلة الأزمات الدولية المعقدة.

المصالح المشتركة: تشهد العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية بين الإمارات وروسيا تطوراً كبيراً في شتى القطاعات، خاصة في مجالات اقتصاد المعرفة، والذكاء الاصطناعي والابتكار والاقتصاد الدائري وغيرها من القطاعات الجديدة والواعدة، حيث أصبحت دولة الإمارات الشريك التجاري العربي الأول لروسيا. وعلى صعيد الاستثمار، دخلت دولة الإمارات للمرة الأولى قائمة أكبر 20 شريكاً اقتصادياً أجنبياً لروسيا، وفق إحصاءات عام 2022، حيث تعتبر الشركات الروسية دولة الإمارات مركزا مناسبا للإنتاج والخدمات اللوجستية لتنظيم إمدادات التصدير واستيراد المكونات والمعدات والمواد المطلوبة إلى روسيا. كما تعد دولة الإمارات الوجهة الأولى عربياً للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على 90% من إجمالي استثمارات روسيا في الدول العربية، وفي المقابل دولة الإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بأكثر من 80% من إجمالي الاستثمارات العربية فيها.

الرؤية الاستراتيجية الإماراتية للعلاقات الدولية: تحرص الامارات في علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى على تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، وتوظيف شراكاتها مع الأطراف جميعها في التوصل إلى حلول وسط ومخارج تسهم في تفادي تدهور الصراعات وانزلاقها إلى ما هو أخطر وأكثر تدميراً،  لذلك فإن تعميق التعاون والشراكة الاستراتيجية الاماراتية ـ الروسية، وكذلك الأمر بين الإمارات والصين، وجميعها شراكات قوية لا تأتي على حساب العلاقات الاستراتيجية القوية التي تربط دولة الامارات بالولايات المتحدة الأمريكية ولا خصماً من رصيدها، حيث تتحرك الدبلوماسية الاماراتية في مناطق الشراكة والتعاون مع الأطراف الاقليمية والدولية بعيداً عن التحليلات والتأويلات القائمة على فكرة الإحلال والتبديل في هياكل التحالفات الاستراتيجية الاقليمية والدولية، فعلاقات الشراكة الاستراتيجية التي باتت تربط الامارات بالصين وروسيا وقوى أخرى لا تحل بديلاً لعلاقاتها الاستراتيجية القوية مع الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف التقليدي المهم للإمارات. لذا يلاحظ أن الإمارات التي تمتلك شراكة استراتيجية شاملة مع الصين، هي نفسها التي تعزز شراكتها الاستراتيجية مع روسيا، وهي أيضاً الشريك الاستراتيجي المهم للولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي والشرق الاوسط. وقد اتجهت دولة الامارات إلى تبني نهج تشاركي مع جميع الدول بما يعكس رؤية الامارات وحرصها الدائم نحو ترسيخ الأمن والسلم الدوليين، فالامارات تريد المشاركة بين الجميع وفق رؤية تحقق المصالح المشتركة قفزاً على التناقضات والتباينات من خلال تعظيم المشتركات والبناء عليها واقصاء الاختلافات والحد من تأثيرها، والانفتاح على الجميع، وليس مفاجئاً أن تعتمد الدولة التي تمتلك أهداف طموحة ـ كالتي وردت في وثيقة الخمسين ـ أو التي تعلنها القيادة الرشيدة بأن الطموحات لا سقف لها سوى السماء، تطرق أبواب مصالحها الاستراتيجية أينما كانت، لاسيما أن المسألة لا تتعلق فقط بمكاسب اقتصادية وتجارية، بل برغبة صادقة في نشر قيم التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر.

التنوع والقواسم المشتركة: تتسم العلاقات الاماراتية ـ الروسية بمقومات عدة متنوعة، توفر لها القدرة على التطور والتوسع في المجالات كافة، فضلاً عن هناك علاقات رسمية قوية تعكسها الزيارات المتبادلة على مستوى قيادتي ومسؤولي البلدين بشكل مستمر، والأمر لا يقتصر على قوة العلاقة الشخصية بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ والرئيس فلاديمير بوتين، حيث نلاحظ أنه إلى جانب الاقتصاد والتجارة والاستثمارات والصناعة والفضاء، تمثل الثقافة والفنون أحد ركائز الشراكة الاماراتية ـ الروسية، فقد احتفت روسيا بالثقافة الاماراتية ودور الامارات في هذا المجال من خلال إعلان الشارقة «ضيفاً مميزاً» في معرض موسكو للكتاب عام 2019، كأول ضيف عربي مميز في تاريخ المعرض، بينما كانت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي قد اختارت روسيا «ضيف شرف» في معرض أبوظبي للكتاب في دورته الثلاثين عام 2020. وهناك اهتمام بتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين لاسيما أن هناك جالية روسية كبيرة تعيش في دولة الامارات، وهناك توافق في مبادىء التسامح والتعايش والقيم والمبادىء المشتركة بين الشعبين والبلدين الصديقين، ما يدعم أهداف الامارات في ترسيخ التعايش العالمي بين الشعوب كافة. وترتكز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على العديد من الاتفاقيات والأطر المؤسسية، التي تضمن استمرارية التعاون بين البلدين الصديقين في المجالات والقطاعات كافة.

خاتمة
ترتكز علاقات الشراكة الاسترتيجية القوية والمتنامية بين دولة الإمارات وروسيا على مكامن وروافد عديدة تضيف لها بمرور الوقت القوة والمزيد من التوسع والتنوع، ما يجعل البلدين شريكين مثاليين في ضوء قوة الدفع المتجددة التي توفرها علاقات التعاون والشراكة، فضلاً عن العوائد الاستراتيجية المتزايدة لهذه الشراكة التي تصب في مصلحة الأمن والاستقرار الاقليمي، فضلاً عن دعم خطط التنمية في البلدين.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-05-30 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره