2023-03-05
العلاقات الإماراتية ـ المصرية: قوة النموذج
تقارب الرؤى والمصالح الاستراتيجية وتفاهم قيادتي البلدين والإرث التاريخي
يعكس التطور المتنامي في علاقات الشراكة والأخوة القائمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، قوة الركائز التي تستند إليها هذه العلاقات، التي اثبتت امتلاكها روافد عميقة الجذور تضمن لها الاستمرارية والتوسع وفق أطر مؤسسية تحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على ما تشهده العلاقات الإماراتية ـ المصرية من تطور نوعي يراكم عناصر القوة للشراكة بين الأشقاء ويجعل لنموذج العلاقات بين البلدين سمات وخصائص متفردة.
قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة إلى دولة الإمارات على رأس وفد مصري كبير بمناسبة الاحتفاء بمصر كضيف شرف في القمة العالمية للحكومات 2023، التي عقدت خلال الفترة من 15-13 فبراير الماضي، والتي عقدت دورتها لهذا العام تحت شعار «استشراف مستقبل الحكومات»، حيث التقى تحت مظلتها 29 رئيس دولة وحكومة، وأكثر من 250 وزيراً، و10 آلاف من المسؤولين الحكوميين، بجانب ممثلي أكثر من 80 منظمة عالمية، ونخبة من رواد الفكر والمختصين في الشؤون المالية والاقتصادية والاجتماعية من مختلف دول العالم، لتبادل الخبرات والمعارف والأفكار التي تسهم في تعزيز التنمية والازدهار حول العالم.
وقد استقبل الرئيس المصري في مطار الرئاسية بأبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ حيث تبادل الرئيسان في استراحة قصيرة ـ بقصر الشاطىء ـ الأحاديث الودية حول العلاقات الأخوية الراسخة وجوانب التعاون والعمل المشترك بين البلدين. وخلال فعاليات القمة العالمية للحكومات أجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حواراً استعرض خلاله أهم الاستراتيجيات والأولويات الحكومية.
وقد كانت مشاركة مصر في هذه القمة، هي الأكبر على مدار الدورات الماضية، تأكيداً على عمق العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية الممتدة لأكثر من 50 عاماً، حيث يضم الوفد المصري وزراء وممثلين عن القطاعين الحكومي والخاص للمشاركة في العديد من جلسات ومنتديات القمة العالمية للحكومات. وتميز الحضور المصري في الدورات الماضية من القمة العالمية للحكومات بمشاركة رفيعة المستوى، تمثلت في رئيس وزراء ووزراء وعدد من كبار المسؤولين، ما مثل إضافة نوعية وإثراءً للمحاور والنقاشات .وشهدت المشاركات المصرية في الدورات الماضية من القمة توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم عدة مع دولة الإمارات في مجالات التحديث الحكومي، والجوانب الاقتصادية والتعليمية والرياضية.
ومن أبرزها الشراكة الاستراتيجية لتطوير الأداء الحكومي في مصر، بما يسهم في تحقيق استراتيجية مصر 2030، حيث تشمل هذه الشراكة الأداء والتميز الحكومي والقدرات الحكومية والخدمات الذكية والمسرّعات الحكومية. وفي إطار الشراكة الاستراتيجية لتطوير الأداء الحكومي، أطلقت حكومة مصر، بالتعاون مع حكومة دولة الإمارات، البرنامج القيادي لتطوير وتسريع الخدمات الحكومية في مصر، الذي تم تطويره بناء على تجربة حكومة دولة الإمارات خلال السنوات الماضية.
وقد استهل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارته للإمارات في فبراير بلقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ حيث اتسم اللقاء بالتفاهم وتقارب وجهات النظر كما هو لقاء الرئيسين، حيث يسهم هذا التقارب والتفاهم في تعزيز علاقات البلدين بشكل كبير. وقد أكد الجانبان على خصوصية العلاقات الإماراتية ـ المصرية، ما ينعكس عل التنسيق المستمر ويسهم في استقرار منطقة الشرق الأوسط. وقد أوضح المتحدث باسم الرئاسة المصرية ، أحمد فهمي أن التنسيق بين الإمارات ومصر يجري بشأن قضايا التغير المناخي، حيث ترأست مصر مؤتمر المناخ “كوب 27” فيما تستعد الإمارات لاستضافة مؤتمر “كوب 28”.
مشاركة مصرية متميزة في القمة الحكومية
كان الحضور المصري خلال القمة العالمية للحكومات 2023، والتي شاركت فيها مصر كضيف شرف رئيسي، كان حضوراً قوياً لفت الانتباه وحظي باهتمام إعلامي وسياسي إقليمي ودولي كبير، حيث تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي في إحدى جلسات القمة مشيداً بالدور الإماراتي في دعم بلاده وخاصة من لدن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ الذي قام بتنسيق المساعدات التي تحتاجها القاهرة ودعم مصر في أزمة الطاقة التي كانت تواجهها في أعقاب سقوط نظام جماعة الإخوان الإرهابية. وقال الرئيس السيسي إن صاحب السمو الشيخ محمد حضر إلى مصر وكان على علم بما تحتاجه دون أن يبلغه أحد بذلك. كما أشار إلى أن الدول التي تسقط لا تقوم لها قائمة أبداً وأكد أن فوضى 2011 التي شهدتها مصر كلّفت البلاد ثمناً هائلاً وصل إلى 450 مليار دولار. وأن مصر أنفقت ما يقرب من تريليوني جنيه لمواجهة التحديات المتفاقمة في أزمة الطاقة، وأن شبكة الطرق التي تم تطويرها ساهمت في توفير 8 مليارات دولار من استهلاك الوقود في البلاد.
وقد التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على هامش اجتماعات القمة العالمية للحكومات. وقال السيسي إن «تقدم وازدهار إمارة دبي ودولة الإمارات يشكلان تجربة تنموية ملهمة لكل المنطقة.بدوره “ثمن” صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد دور مصر “الرائد” في الدفاع عن القضايا العربية، وأشاد حاكم دبي بـ”مواقف القيادة السياسية المصرية وسياستها الحكيمة على الصعيدين الداخلي والدولي”.
وقال الرئيس المصري إن “مشاركة بلاده بوفد رفيع المستوى في القمة يعكس عمق العلاقات المميزة بين البلدين، التي تمثل أساساً مهماً للحفاظ على الأمن والمصالح العربية في المنطقة”.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في جلسة حوارية على هامش القمة العالمية للحكومات في دبي، الإثنين، إن مصر كادت أن تضيع قبل سنوات مثل بقية الدول، ولا أحد نجا إلا مصر. وشدد السيسي على أن «أول نقطة مضيئة لبناء الدولة المصرية هي دعم الأشقاء». وأضاف السيسي أن «الدولة التي تقع لا تنهض مرة أخرى ومصر نهضت بإرادة رب العالمين»، وأكد أن «التجربة المصرية تحكى للناس، والدولة عملت على مواجهة التحديات بشكل منفرد».
معالم قوة العلاقات التجارية الإماراتية المصرية
التعاون الاقتصادي والمصالح المتبادلة: العلاقات الاقتصادية القائمة بين البلدين، هي أحد أهم ثمار العلاقات المتميزة على المستويين السياسي والشعبي، حيث تعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لمصر على المستوى العربي، فيما تعد مصر خامس أكبر شريك تجاري عربي لدولة الإمارات في التجارة البينية غير النفطية، كما تعد دولة الإمارات أكبر مستثمر في مصر على الصعيد العالمي، برصيد استثمارات تراكمي يزيد عن 16 مليار دولار. وقد كشفت بيانات حديثة، عن ارتفاع إجمالي قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات ومصر خلال الـ 22 عاما الماضية ( الفترة من عام 2000 حتى نهاية النصف الأول من 2022) إلى أكثر من 247.68 مليار درهم «أي ما يُعادل 67.4 مليار دولار» بنسبة نمو بنهاية العام الماضي 2021 تصل إلى 3635%. وبحسب بيانات المركز الاتحادي للتنافسية والاحصاء، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات مصر من 744 مليون درهم في العام 2000 إلى أكثر من 27.79 مليار درهم في العام 2022؛ فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال النصف الأول من العام الجاري أكثر من 14.1 مليار درهم مقارنة مع 13.2 مليار درهم في الفترة ذاتها من العام الماضي بنمو 6.4%.. وتوزعت التجارة بين البلدين خلال الفترة من “2000 حتى نهاية النصف الأول من العام 2022” بين واردات بقيمة 83.3 مليار درهم وصادرات بقيمة 61.3 مليار درهم وإعادة تصدير بقيمة 102.9 مليار درهم في حين أظهرت الأرقام معدلات النمو المطرد في حجم التجارة بين البلدين خلال تلك الفترة والتي بلغت في العام 2012 أكثر من 10.45 مليار درهم وقفزت إلى 20.14 مليار درهم في العام 2018، وفقا لوكالة الأنباء الإماراتية “وام».
وتضمنت قائمة أبرز 3 سلع “واردات” للتبادل التجاري بين البلدين خلال العام 2021 “ذهب خام بقيمة 1.39 مليار درهم وطوابع بريدية ومالية وما يماثلها بقيمة 1.23 مليار درهم و شاشات عرض بقيمة 1.01 مليار درهم”، فيما تضمنت قائمة أبرز 3 سلع تم تصديرها إلى مصر “ذهب خام بقيمة 2.83 مليار درهم و بوليمرات الإيثلين بقيمة 1.2 مليار درهم و بوليمرات البروبلين بقيمة 822 مليون درهم».وشملت قائمة أبرز 3 سلع تم إعادة تصديرها إلى مصر “أجهزة اتصالات بقيمة 4.03 مليار درهم و آلات للمعالجة الذاتية للمعلومات وحدها بقيمة 1.96 مليار درهم و زيوت نفط وزيوت متحصل عليها من موارد معدنية قارية غير الزيوت الخام بقيمة 450 مليون درهم «.وتقدر قيمة الاستثمارات الصادرة من دولة الإمارات إلى مصر خلال الفترة من العام 2003 وحتى العام 2019 بحوالي 110 مليارات درهم ؛ فيما تتصدر الإمارات المركز الأول عالمياً في عدد الشركات العاملة في مصر بنحو 1250 شركة برؤوس أموال قدرها 17 مليار دولار.وتعد دولة الإمارات أكبر مستثمر في مصر على الصعيد العالمي، برصيد استثمارات تراكمي يزيد عن 55 مليار درهم وتعمل أكثر من 1250 شركة إماراتية في مصر في مشاريع واستثمارات تشمل مختلف قطاعات الجملة والتجزئة، والنقل والتخزين والخدمات اللوجستية، والقطاع المالي وأنشطة التأمين، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعقارات والبناء، والسياحة، والزراعة والأمن الغذائي، وغيرها.
وتستثمر الشركات المصرية أكثر من 4 مليارات درهم في الإمارات أبرزها في القطاع العقاري والمالي والإنشاءات وتجارة الجملة والتجزئة.وتم الإعلان في مايو 2022 عن الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة تجمع الدولتين بالإضافة إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وتخصيص صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار، للاستثمار في المشاريع المنبثقة عنها.وشهد العام 2019 إطلاق منصة استثمارية استراتيجية مشتركة بين الإمارات ومصر، بقيمة 20 مليار دولار لتنفيذ مشاريع حيوية في مجالات اقتصادية واجتماعية فيما أعلن عدد من الشركات الإماراتية خلال الفترة الماضية عن مشاريع استثمارية كبيرة في مصر.وأعلنت شركة سكاي أبوظبي عام 2021 سعيها لاستثمار 15 مليار جنيه في مشاريع عقارية في مصر خلال عامين. كما أكدت شركة موانئ دبي العالمية في نوفمبر 2021 نيتها استثمار ما بين 25 و35 مليون دولار في ميناء العين السخنة خلال العامين إلى الثلاثة أعوام المقبلة ليصبح مجموع استثمارات موانئ دبي في مصر 1.6 مليار دولار.
وأعلنت مجموعة الفطيم في يونيو 2022 عن نيتها ضخ استثمارات قيمتها 700 مليون إلى مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة وشملت استثمارات لشركة أبوظبي القابضة ADQ في مصر حصصًا في البنك التجاري الدولي «CIB» أحد أكبر البنوك المصرية، ومنصة “فوري” الرائدة في التحوّل الرقمي والمدفوعات الإلكترونية في مصر، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وشركتي “مصر لإنتاج الأسمدة” “موبكو” و”أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية”.وخلال احتفالية السفارة الإماراتية بالقاهرة بـاليوم الوطني ألـ 51، قالت سعادة مريم الكعبي سفيرة الدولة لدى مصر أن الإمارات ومصر قد تمكنتا من بناء علاقات اقتصادية قوية ترتكز على محورين رئيسيين هما “التعاون التنموي والتعاون التجاري والاستثماري، وتطوير شراكات ناجحة، سواء على المستوى الحكومي أو على صعيد القطاع الخاص”.
وقد شهدت تلك العلاقات تقاربًا وتعاونًا ودعمًا واستثمارًا بعد الثلاثين من يونيو 2013وسقوط حكم تنظيم الإخوان الارهابي؛ فالإمارات كانت على رأس الدول العربية التي أيدت الموقف الشعبي المصري، وبادرت بدعم مصر في إطار حزمة مساعدات خليجية ، في 21 أبريل 2016 أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بتقديم مبلغ 4 مليارات دولار دعماً لمصر، ملياران منها توجه للاستثمار في عدد من المجالات التنموية في مصر، وملياران وديعة في البنك المركزي المصري لدعم الاحتياطي النقدي المصرى .كما قدمت الإمارات حزمًا من المساعدات العينية والمادية والعديد من الاستثمارات المباشرة، فى إطار من علاقات التعاون الوثيق بين الدولتين تبلورت فى شكل عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات التى تجاوز عددها نحو العشرين اتفاقية. ويعتبر صندوق أبوظبى للتنمية من أهم شركاء التنمية فى مصر فضلًا عن تأسيس منصة استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار عبر شركة أبوظبى التنموية القابضة وصندوق مصر السيادى. كما تقدر تحويلات المصريين العاملين بالإمارات بنحو 3.4 مليار دولار خلال العام المالي 2019-2020 مقابل 3.1 مليار دولار خلال العام المالي 2018-2019 بنسبة ارتفاع قدرها 9.5. وتعكس الصفقات المالية التي تنفذها مؤسسات اماراتية في السوق المحلي المصري حرص الإمارات على الاستثمار في استقرار مصر ودعم اقتصادها الوطني، حيث يعكس توقيت هذه الصفقات دور الإمارات القوي في دعم العملة الوطنية المصرية ومواصلة هذه السياسة الداعمة التي تمثل امتداداً للعلاقة التاريخية الخاصة التي تجمع شعبين البلدين، والتي أرساها، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويدعمها بقوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
تقارب المواقف ووحدة الرؤى والتصورات حيال القضايا الاقليمية والدولية:رغم أن التعقيدات والتشابكات التي طرأت على العلاقات الدولية والاقليمية في السنوات الأخيرة قد جعلت وقوف أي دولتين على أرضية مشتركة تعكس تطابق وجهات النظر، مسألة مستبعدة للغاية، فإن الإمارات ومصر تمتلكان من الإصرار والعزيمة والإرادة المشتركة ما يجعلهما تتمسكان بتجاوز أي متغيرات سلبية طارئة أو عقبات قد تضع مصالح البلدين الشقيقين على طرفي نقيض. وهذا ما يعكس امتلاك العلاقات الإماراتية ـ المصرية المرونة الكافية والقدرة على المناورة اللازمة لضمان الحفاظ على المصالح المشتركة، وذلك لأن الأساس في هذه العلاقات هو الرغبة والحرص القوي على العمل المشترك والاصطفاف ووحدة المواقف والتصدي للتحديات والتهديدات، حيث تتفق القاهرة وأبوظبي على ضرورة احترام القانون الدولي، ومكافحة الفكر المتطرف والتنظيمات الإرهابية، وإرساء قيم التعايش المشترك وقبول الآخر، وحل الخلافات بين الدول بالطرق السياسية والسلمية وطاولة الحوار، كما يؤمن البلدان بأهمية تحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي واستعادة زخم العمل العربي المشترك من أجل التصدي لتغول القوى الاقليمية الطامعة، وتقديم الدعم والمساندة للدول العربية التي تعاني الفوضي والاضطرابات منذ عام 2011، والسعي بقوة لدعم واستعادة دور الدولة الوطنية العربية والجيوش الوطنية باعتبار ذلك السبيل الوحيد للتصدي للتدخلات الخارجية ومنع تنظيمات الفوضى والارهاب من استغلال الفراغ الأمني الناجم عن انهيار الدول. وماسبق يعني أن هناك ثوابت استراتيجية أساسية حاكمة للعلاقات الإماراتية المصرية، وأن هذه الثوابت تفوق في قيمتها وأهميتها المكاسب العابرة، وإن كبرت، لأنها تتعلق بمصير الدول والشعوب وليس بمواقف تكتيكية. وقد أسهم التوافق في الرؤى بين الإمارات ومصر تجاه القضايا والتحديات الإقليمية والدولية الكبرى، في تعميق وترسيخ العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، التي أصبحت رصيداً لكل الأمة العربية، من أجل التصدي لكل ما يحاك ضد الأمن القومي العربي، وهو ما تعكسه تصريحات ومواقف قيادتي البلدين.
تنوع قاعدة التعاون والمصالح المشتركة: رغم أن التركيز الاعلامي في العلاقات الإماراتية المصرية يجري على الشقين السياسي والاقتصادي، فإن عمق هذه العلاقات ورسوخها يرتبط أساساً بتنوعها وتعدد روافدها بما يؤدي إلى اتساع قاعدة الارتكاز على تتكىء عليها العلاقات والمصالح المشتركة للبلدين الشقيقين. وفي ذلك يمكن الاشارة إلى تعدد ركائز العلاقات وتعدد روافدها ومصادرها، فهناك تقارب وصلات قوية وثيقة على المستوى الاجتماعي والشعبي والانساني، وأخرى على الصعيد الثقافي والرياضي، وثالثة على الصعيد العسكري، حيث يمكن الحديث عن تعاون واسع النطاق في المجال العسكري بين الإمارات ومصر، حيث تشارك قوات البلدين البحرية والجوية والبرية، بشكل مستمر وممنهج، بشكل يناسب قوة الشراكة والتعاون، في سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة.
ولا ينعكس التوافق في الرؤى بين الإمارات ومصر تجاه مختلف القضايا والتحديات الإقليمية والدولية، في التمارين المشتركة بين البلدين فحسب، بل تعدى ذلك للمشاركة في مناورات الدول الكبرى، وبينها الولايات المتحدة الأمريكية في تدريبات ومناورات “تحية النسر” وكذلك “النجم الساطع” وعربياً في “درع العرب”.وبجانب ماسبق، تتعدد التدريبات والمناورات المشتركة بين البلدين، حسب ما تفيد التقارير والبيانات الرسمية. ويجسد التعاون العسكري قناعة مصر الراسخة التي تتردد دائماً في تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمسؤولين العسكريين والسياسيين والبيانات والمواقف الرسمية المصرية، وتنطلق من أن أمن مصر القومي مرتبط بأمن منطقة الخليج العربي عامة وبدولة الإمارات خاصة. وقد أسهمت المناورات والتدريبات المشتركة بين البلدين برًا وبحرًا وجوًا من قوة التعاون العسكرى بين البلدين. وقد عكست مشاركة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في افتتاح قاعدتي “محمد نجيب العسكرية” (شمال مصر) في يوليه 2017 التي تعد أكبر قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وقاعدة “برنيس” في يناير 2020، عمق علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وقوة العلاقات الدفاعية والعسكرية بينهما.
ولعل أهم مؤشرات التعاون العسكري بين الدولتين التدريبات المشتركة، خاصة التدريبات البحرية في البحرين المتوسط والأحمر، بهدف حماية المياه الإقليمية والمصالح الاقتصادية في ظل التوتر الذي يسيطر على المنطقة العربية وتهديدات أمن الملاحة واحتجاز السفن، والتدريبات الجوية والبرية للقوات الخاصة في البلدين والتي تأتي في إطار مكافحة الإرهاب، وسعي التنظيمات الارهابية الموالية للخارج للتأثير سلباً في الأمن الاقليمي وتهديد الأمن البحري واستهداف حركة النقل والملاحة في المياه الاقليمية العربية سواء في باب المندب أو بحر العرب. كما يتجلى التعاون العسكري المتنامي كذلك في لقاءات قيادات الدفاع في البلدين الشقيقين، فضلاً عن الزيارات المتبادلة للوفود العسكرية، الإماراتية والمصرية، حيث يجري ذلك في إطار حرص دائم على مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية وسبل دعم وتعزيز علاقات التعاون العسكرى وتبادل الخبرات العسكرية بين القوات المسلحة لكلا البلدين. ويلاحظ أن قوة العلاقات السياسية والأخوية تنعكس في المجالات كافة، ومنها المجال العسكري، حيث يجري التنسيق والتعاون بين الصناعات الدفاعية الوطنية الإماراتية والمصرية للاستفادة من الخبرات المتراكمة والشراكات المتنوعة التي يمتلكها الجانبين، وزارة الإنتاج الحربي ومجلس الإمارات للشركات الدفاعية.
وبجانب ماسبق هناك ترابط قوي بين البلدين في مجالات أخرى منها الرياضية، حيث حرصت الإمارات على استضافة مباريات السوبر المصري لكرة القدم لعدة سنوات خلال الأعوام الأخيرة. وقد شهدت العلاقة بين الدولتين الشقيقتين، محطة مهمة أخرى يتجلى فيها الجانب الإنساني، وهي ماراثون زايد الخيري، والذي يقام كل عام بإحدى المحافظات في مصر، والذي تخصص عوائده للمشروعات الخيرية في مصر.وهناك أيضاً على الصعيد الثقافي علاقات قوية مميزة بين الإمارات ومصر، وفي هذا الإطار يتم سنويًا تنظيم العديد من الفاعليات والأنشطة الثقافية المصرية بدولة الإمارات سواء على صعيد الفرق الفنية أو المشاركة في معارض الكتب، فضلاً عن تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين في المجال الثقافي.وفي إطار الروابط التعليمية والدينية والثقافية، يحظى الأزهر الشريف بتقدير المسئولين والمواطنين الإماراتيين باعتباره مرجعًا دينيًّا معتدلًا، إضافة إلى وجود تعاون بين الأزهر وجامعته ووزارتي الأوقاف في كلا البلدين لإصدار الكتب الدينية والمطبوعات للأزهر الشريف بدعم من الجانب الإماراتي. ويتولى فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر رئاسة مجلس حكماء المسلمين ومقره أبوظبي والذي يضم نخبة في من علماء العالم الاسلامي، ويقوم بدور عالمي رائد في نشر التسامح والاعتدال ومواجهة الفكر المتطرف.
وتعزيزًا للعلاقة الأخوية المميزة بين القيادتين والشعبين الشقيقين في كل من الإمارات ومصر، قام الأزهر الشريف بافتتاح فرع جامعة الأزهر في الإمارات، والذي يٌعد أول فرع للجامعة في العالم خارج مصر. وقد بدأت الجامعة عملها في مدينة العين، في العام الدراسي 2016، بثلاثة تخصصات هي: الدعوة والإعلام، والتربية الإسلامية، والدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية، على أن تشهد توسعًا مستقبليًا حسب احتياجات المجتمع الإماراتي وسوق العمل.كما قامت مؤسسة زايد للأعمال الخيرية بإقامة مركز ثقافي إسلامي في مصر تحت اسم “مركـز زايد للثقافـة والتكنولوجيـا” تابـع لجامعة الأزهر الشريف، بخلاف موافقة المؤسسة أيضًا على ترميم عدد من المعاهد الأزهرية، إضافة إلى قيام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ـ بتمويل مشروع إنشاء مكتبة للأزهر الشريف يتم بثها على الإنترنت، وترميم وحفظ المخطوطات الإسلامية القديمة الموجودة بجامعة الأزهر، إلى جانب قيام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة بتقديم الدعم لعدد من المشروعات البحثية والعلمية في مصر، منها: مبنى دار الوثائق المصرية والمركز العلمي ومكتبة كلية الزراعة بجامعة القاهرة.
نمذجة العلاقات الإماراتية ـ المصرية
بالاضافة إلى كل ماسبق، فإن تنامي وتطور علاقات التعاون والأخوة بين الإمارات ومصر، التي تعد نموذجاً للتعاون بين الأشقاء لم يأت من فراغ، وإنما يمثل نتاجاًلمجموعة متشاركة ومتشابكة من العوامل، التاريخية والشعبية والسياسية والثفافية والاقتصادية، جعلت من هذه الشراكة نموذجاً يحتذى به، وأهم هذه العوامل:
إرث الاحترام والتقدير المتبادل بين قيادتي الدولتين، والذي يرجع إلى ما قبل الثاني من ديسمبر عام 1971 الذي شهد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، طيب الله ثراه، وكانت مصر من أوائل الدول التي دعمت الدولة الوليدة آنذاك، وأيَّدت بشكل مطلق دولة الاتحاد، ودعمتها دولياً وإقليمياً كركيزة للأمن والاستقرار، واعتبرتها إضافة نوعية جديدة لقوة العرب. وفي المقابل، فإن التاريخ يسجل بأحرف من نور الدور الذي قام به القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد ، طيب الله ثراه، في دعم مصر في حرب أكتوبر المجيدة في السادس من أكتوبر عام 1973، فكان من أول زعماء العرب الذين طالبوا العرب بضرورة الوقوف إلى جانب مصر في معركتها المصيرية ضد إسرائيل، مؤكداً أن «المعركة هي معركة الوجود العربي كله ومعركة أجيال كثيرة قادمة علينا أن نورثها العزة والكرامة».
ومنذ اللحظة الأولى، التي بدء فيها القتال في سيناء والجولان، أعلن أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقف بكل إمكاناتها مع مصر وسوريا، في حرب الشرف من أجل استعادة الأرض المغتصبة. كما لا يمكن لأحد أن ينسى وصية الشيخ زايد الخاصة بمصر، والتي قال فيها: «نهضة مصر نهضة للعرب كلهم.. وأوصيت أبنائى بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر.. وهذه وصيتى، أكررها لهم أمامكم، بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم.. إن مصر بالنسبة للعرب هى القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة». وهذه الوصية تفسر المكانة الراسخة التي تحظى بها مصر لدى دولة الإمارات قيادة وشعباً، وتترجم في الدعم الكبير الذي قدمته ـ ولا تزال ـ الإمارات لمصر خلال السنوات الماضية، والذي يحظى في المقابل بامتنان وعرفان كبيرين من مصر وقيادتها، وهذا ما عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي بقوله:”إن دولة الإمارات وعلى خطى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقفت إلى جانب مصر في أصعب المواقف، والشعب المصري لن ينسى أبدا وقفة الإمارات خلال أحداث 2013، هذه الوقفة هي التي عززت صمود مصر خلال تلك الفترة الصعبة فكل التحية والتقدير والامتنان للأشقاء في دولة الإمارات.»
توافق الرؤى ووجهات النظر: ترتكز العلاقات الإماراتية المصرية على أسس عدة منها تبني الدولتين لرؤية موحدة تجاه الأزمات التي تشهدها العديد من الدول العربية منذ عام 2011، وتنطلق هذه الرؤية من أهمية الحفاظ على الدولة الوطنية في مواجهة الفوضى، والتسوية السياسية للأزمات الإقليمة؛ حقنا لدماء الأبرياء وحفاظًا على مقدرات الشعوب العربية وصونًا للسلامة الإقليمية للدول العربية والحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها. كما تقود الدولتان الجهود الرامية إلى التصدي بقوة وحزم لظاهرة التطرف والارهاب وتعزيز العمل العربي والدولي المشترك لمكافحة هذه الآفة الخطيرة، التي تهدد الأمن والاستقرار الاقليمي والدولي كما تعملان على تحفيز وتنسيق جهود المجتمع الدولي لمواصلة التصدي للتنظيمات الارهابية الاجرامية التي تسببت في تفشي الفوضى والاضطرابات بدول عربية عدة، والتصدي كذلك للدول والأطراف الداعمة لهذه التنظيمات. وترفض الدولتان بشكل قاطع التدخلات الخارجية في شئون الدول العربية، وتؤكدان دوماً على ضرورة التصدي الحاسم لها، باعتبارها المسئولة عن انهيار الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العديد من دول المنطقة. وقد عبر عن ذلك بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، حينما حذر من أن “التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة هي التي تسبب التوترات وتستنزف الجهود والمقدرات”..داعياً المجتمع الدولي إلى الإسهام بفاعلية في إرساء السلام في المنطقة بما يحقق طموحات شعوبها في التطور والبناء. كما تتبنى الدولتان رؤية موحدة فيما يتعلق بضرورة الحفاظ على الدولة الوطنية في عالمنا العربي، والتصدي لأي تهديدات من شأنها النيل من المصالح العربية.
الإدراك المشترك لأهمية العلاقات الإماراتية المصرية وحتمية تطويرها، خاصة أن هناك وعيا وفهما لدى الدولتين بطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية التى تشهدها المنطقة، وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة ترسخ الأمن القومي العربى والإقليمى، وتحافظ على استدامة التنمية فى دولها، وهذا الإدراك جسدته بوضوح الكلمات المعبرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال حضور افتتاح قاعدة برنيس ومناورة قادر 2020 ، التي قال فيها:»إن قوة مصر هي قوة لكل العالم العربي»، وتأكيد سموه على: « أن العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية أخوية واستراتيجية، وتتسم بعمقها وتجذرها على المستويين الرسمي والشعبي في ظل الرؤى المتسقة بين قيادتيهما والحرص المشترك على التشاور المستمر حول القضايا والملفات والتحديات في البيئتين الإقليمية والدولية والإيمان بوحدة الهدف والمصير». في الوقت ذاته، فإن مصر تدرك محورية الدور الذي تقوم به دولة الإمارات في ترسيخ أسس الأمن والاستقرار في المنطقة، وتؤكد أهمية المبادرات التي تقوم بها بهدف دعم أواصر التضامن العربي، وهذا ما عبر عنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في العديد من تصريحاته، التي طالما أكد فيها على تلك المكانة الغالية والرفيعة التي تحظى بها دولة الإمارات الشقيقة في قلوب الشعب المصري، كما حرص ويحرص دائماً على إبراز العلاقات بين البلدين، باعتبارها نموذجاً للتعاون الاستراتيجي بين الأشقاء العرب من ناحية وتأكيد اهتمامه بتطوير وتنمية جميع أطر التعاون بين الإمارات ومصر.
الروابط المؤسسية الناظمة للعلاقات: تعد مأسسة العلاقات الثنائية من خلال الاتفاقات ومذكرات التفاهم وعلاقات الشراكة والأطر التنظيمية المتنوعة أحد الروافع الاستراتيجية المهمة التي تسهم في تقوية النموذج الإماراتي المصري، بما يضمن استمرارية التعاون والتنسيق وتطوير آليات العلاقة بما يسمح باستمرارها. وهذا التنسيق يترجم في الزيارات المتبادلة بين قيادتي الدولتين، وكذلك في التواصل الدائم بينهما للتشاور العاجل عبر ما يسمى «دبلوماسية الهاتف»،والتي تتيح لهما تبادل الرؤى والتشاور السريع حول أية مستجدات ترتبط بأمن واستقرار المنطقة. كما يتجلى في زيارات الوزراء وكبار المسؤولين واجتماعات اللجان المشتركة في مختلف المجالات.
لا يوجد تعليقات