استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
تُصنف العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند من ضمن العلاقات الاستراتيجية القوية المتنامية بين دول العالم، حيث تستند هذه العلاقات إلى إرث طويل من التعاون والاحترام المتبادل. وتمتد إلى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، وتحصل على دعم كبير من توافر الإرادة السياسية لدى الجانبين، فضلاً عن مصالح استراتيجية مشتركة تضمن لها قوة الدفع المستدامة، لذا تطورت هذه العلاقات على مر السنين لتصبح نموذجًا يحتذى به في العلاقات بين الدول. وفي هذا العدد تسلط مجلة «درع الوطن» الضوء على نتائج الزيارة المهمـة التي قام بها، سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي للهند، حيث التقى رئيس الوزراء ناريندرا مودي وكبار المسؤولين في هذا البلد الآسيوي الكبير.
تأتي الزيـارة المهمـة التي قام بها سمـو الشـيخ خالـد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، إلى الهند خلال شهر سبتمبر الفائت، كحدث بارز ومنعطف حيوي في مسار العلاقات التاريخية بين البلدين الصديقين؛ حيث تحمل الزيارة في طياتها دلالات سياسية واقتصادية وثقافية تؤكد على عمق العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات والهند وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون في مختلف المجالات، وهي بمثابة خطوة تؤكد التزام الدولة وقيادتها الرشيدة بتوطيد الشراكات مع القوى العالمية الكبرى مثل الهند التي تُعد واحدة من أهم الشركاء التجاريين للإمارات، علاوة على أن البلدين يجمع بينهما رؤية مشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، إلى جانب تعزيز التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادي.
وتُعد هذه الزيارة لبنة نوعية تضاف للتراكم التاريخي الممتد في مسيرة العلاقات الاستراتيجية العميقة التي تجمع بين الإمارات والهند، والتي أرسى قواعدها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، خلال زيارته التاريخية للهند في عام 1975، وهي زيارة وضعت أساساً متيناً لعلاقات البلدين، التي تطورت بشكل كبير وحصلت على زخم هائل من لدن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي منح التعاون مع الهند أولوية استثنائية تجلت في توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة خلال زيارة سموه للهند في يناير 2017، وتعززت هذه الشراكة بإطلاق الرؤية الإماراتية الهندية المشتركة وتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في فبراير 2022.
أهمية ونتائج الزيارة
حققت زيارة سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، إلى الهند نتائج مميزة، من شأنها تعزيز شراكة البلدين الاستراتيجية بقوة، سنشير إليها تفصيلًا بالسطور المقبلة، لكن هنا وجب الإشارة إلى أن هذه الزيارة لم تقتصر على الجوانب البروتوكولية فقط، بل حظيت باستقبال شعبي واسع امتد إلى الشوارع والميادين الرئيسية بالهند، مما يعكس أهميتها. فقبل وصول ولي عهد أبوظبي إلى نيودلهي، امتلأت الشوارع بلافتات الترحيب التي تضمنت بعضها صورته فقط، بينما حملت الأخرى صورته إلى جانب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ولدى وصوله إلى المطار، كان في استقباله وزير التجارة والصناعة الهندي، بيوش غويال، حيث أقيمت مراسم استقبال رسمية تضمنت عزف النشيدين الوطنيين لدولة الإمارات والهند. وتُعد الزيارة أول زيارة لسمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، إلى الهند بعد توليه مهام منصبه كولي عهد أبوظبي في مارس من العام الماضي.
وقد أجرى سمو الشيخ خالد بن محمد، خلال زيارته التي استمرت 3 أيام، مباحثات ولقاءات منفصلة مع رئيسة الهند دروبادي مورمو، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حول العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسُبل تعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة. كما حضر جانبًا من فعاليات ملتقى الأعمال الإماراتي الهندي، الذي يعد منصة هامة لبحث فرص التعاون المشترك ومواصلة الاستفادة من الاتفاقية الاقتصادية الشاملة بين البلدين، وأشار سموّه، خلال الملتقى، إلى أهمية اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات والهند في تحفيز وتيرة التنمية الاقتصادية الشاملة، مؤكدًا سموّه حرص دولة الإمارات على مواصلة تطوير العلاقات الاقتصادية مع الهند، وتعزيز حركة التجارة الخارجية، وتسهيل الوصول إلى الأسواق الرئيسية، من خلال تبنّي منظومة اقتصادية داعمة للأعمال والاستثمار.
تعاون اقتصادي وتوقيع اتفاقيات
يُعد الجانب الاقتصادي من أبرز الملفات التي ركزت عليها الزيارة، حيث تسعى الإمارات والهند إلى تعزيز التعاون في مجالات جديدة تتماشى مع التحولات الاقتصادية العالمية. وتأتي هذه الزيارة لتعزيز الشراكة الاقتصادية من خلال بحث فرص الاستثمار في مجالات حيوية مثل الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والبنية التحتية، إلى جانب قطاع الفضاء الذي يشهد تعاونًا متزايدًا بين البلدين، وأسفرت هذه الزيارة عن توقيع نحو 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم تسهم في تعزيز التعاون بين البلدين، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز روابط العلاقات الاقتصادية المتينة بين البلدين الصديقين.
أول اتفاقية بين الإمارات والهند في القطاع النووي
كأحد ثمار زيارة سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، إلى نيودلهي، وقَّعت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، وشركة الطاقة النووية الهندية المحدودة، اتفاقية تعاون لتبادل الخبرات وتعزيز سبل التعاون المحتمل في مجالات مختلفة كتطوير سلسلة الإمداد وتنمية الموارد البشرية وتوفير خدمات الاستشارات النووية وفرص الاستثمار المستقبلية والبحث والتطوير، وتعد الاتفاقية الأولى من نوعها التي يتم إبرامها بين دولة الإمارات وجمهورية الهند في القطاع النووي، وتمثل خطوة مهمة لتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين وجهودهما في خفض البصمة الكربونية من قطاع الطاقة.
لفتات بارزة خلال الزيارة
في لفتة هامة تحمل رسائل ودلالات تجسد قوة ومتانة العلاقات، قام ولي عهد أبوظبي بسقي شجرتي الصداقة، الأولى التي غرسها القائد المؤسِّس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في عام 1975، والثانية التي غرسها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، في عام 2016، خلال زيارتيهما للهند، كما قام بغرس شجرة صداقة ثالثة في ساحة نصب «راج غات» التذكاري، تعبيرًا عن عمق واستمرارية علاقات الصداقة التاريخية الوثيقة بين البلدين.
كما زار سمّوه ضريح الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي في منطقة راج غات بالعاصمة الهندية نيودلهي، ووضع إكليلًا من الزهور على ضريح القيادي الهندي الكبير تكريمًا لإنجازاته وقيمه التي أسهمت في تأسيس مسيرة التنمية في الهند بعد استقلالها. وفي ختام الزيارة، سجل سمّوه كلمة في سجل كبار الزوار، تضمن رسائل هامة، جاء فيها: «ستظل ذكرى المهاتما غاندي خالدة في قلوب أبناء وطنه وشعوب العالم بتضحياته التي أرست قيم المحبة والسلام، وهي ذات القيم النبيلة والمبادئ السامية التي جسدها الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بعطائه ونهجه الإنساني».
الجذور التاريخية للعلاقات الإماراتية الهندية
العلاقات بين دولة الإمارات والهند من أقدم العلاقات وأوثقها بين الهند ودول الخليج العربي، حيث تمتد جذورها إلى قرون عديدة من التبادل التجاري والثقافي. وعلى مر السنين، تطوّرت هذه العلاقة لتصبح شراكة استراتيجية تمتد إلى مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد، السياسة، الثقافة، والطاقة. حتى باتت نموذجًا للتعاون الثنائي الذي يرتكز على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
ويعود تاريخ العلاقات بين البلدين إلى العصور القديمة، حين كانت منطقة الخليج العربي والهند جزءًا من شبكة تجارية متصلة عبر المحيط الهندي. وقد ازدهرت هذه العلاقات التجارية مع ازدياد تبادل السلع مثل التوابل، الأقمشة، اللؤلؤ، والتمور، وكانت موانئ الإمارات، خاصة دبي وأبوظبي، مراكز حيوية للتجارة بين الهند ودول الشرق الأوسط، مما أسهم في ترسيخ الروابط الاقتصادية والثقافية بين الشعبين.
وعلى مر الزمن، تعزّزت هذه العلاقة من خلال التفاعل الاجتماعي والثقافي، حيث ساهم التجار الهنود بشكل كبير في التنمية الاقتصادية للإمارات، كما أن توافد العمالة الهندية إلى الإمارات للعمل والاسهام في مسيرة التنمية، ساعد في تعزيز العلاقات الاجتماعية والثقافية بين الشعبين، ومنحها بعداً استراتيجياً وانسانياً إضافياً.
أبعاد العلاقات بين الإمارات والهند:
تستند هذه العلاقات إلى مجموعة من الركائز الأساسية التي ساعدت في تعزيز التعاون وتحقيق المنافع المتبادلة. فيما يلي أبرز هذه الركائز:
التعاون الاقتصادي
منذ سبعينات القرن الماضي، نَمت العلاقات الاقتصادية بين البلدين بشكل كبير، فأصبحت الهند شريكًا تجاريًا رئيسيًا للإمارات، حيث تمثل الإمارات بوابة رئيسية لتجارة الهند مع دول منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. من جهة أخرى، تعتبر الإمارات واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في الهند بحصة تبلغ نحو 3%، وتتركز الاستثمارات الإماراتية في مجالات مثل البنية التحتية، الطاقة، والعقارات، كما أن الإمارات هي ثالث أكبر الشركاء التجاريين للهند عالميًا بحصة 7.2% والأولى عربيًا بحصة تتجاوز ثلث تجارة الهند مع الدول العربية. وقد تعززت هذه العلاقات التجارية بفضل الاتفاقيات التجارية الثنائية. ومن أبرز هذه الاتفاقيات، «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة» التي تم توقيعها بين البلدين.
التعاون في مجال الطاقة
يُعد قطاع الطاقة أحد أهم ركائز التعاون بين الهند والإمارات، حيث يتطلع أكبر اقتصاد في جنوب آسيا إلى توثيق العلاقات مع موردي الطاقة الرئيسيين، فتعتبر الهند من أكبر مستوردي النفط من دولة الإمارات، وتلعب الإمارات دورًا حيويًا في تلبية احتياجات الهند المتزايدة من الطاقة. ومن ناحية أخرى، تسعى الإمارات إلى تعزيز استثماراتها في قطاع الطاقة المتجددة في الهند، مما يسهم في تعزيز التعاون في مجالات التنمية المستدامة والطاقة النظيفة.
التعاون السياسي والدبلوماسي
على الصعيد السياسي، تجمع الإمارات والهند علاقات دبلوماسية متينة تقوم على الحوار والتنسيق في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وتجمع البلدين رؤية مشتركة لتعزيز السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، إلى جانب العمل المشترك في مواجهة التحديات العالمية مثل الإرهاب والتغير المناخي. وقد تُوّجت هذه العلاقات بزيارات رسمية متبادلة على أعلى المستويات، حيث قام قادة البلدين بزيارات رسمية لتعزيز التعاون في مختلف المجالات. وقد كانت هذه الزيارات علامة فارقة في تعزيز الشراكة الاستراتيجية وتوسيع نطاق التعاون بين البلدين. وتوالت الزيارات الرسمية المتبادلة، ما يدل على الاهتمام المشترك بتعميق العلاقات الثنائية.
التعاون في مجال الأمن والدفاع
العلاقات الدفاعية بين الإمارات والهند تمتد لعدة عقود، لكن السنوات الأخيرة شهدت طفرة في التعاون الأمني الذي يعد أحد أهم ركائز هذه الشراكة المتنامية، بدايةً من التدريبات المشتركة والزيارات العسكرية المتبادلة، وصولًا إلى توقيع اتفاقيات للتعاون الدفاعي والتي توفر إطارًا مؤسسيًا للتعاون المستمر بين البلدين. وتُظهر هذه الشراكة أن البلدين يعززان التفاهم المشترك حول قضايا الأمن والدفاع، حيث تسعى الدولتان إلى تعزيز أمنهما الإقليمي والدولي من خلال تبادل الخبرات والتكنولوجيا العسكرية، بالإضافة إلى التعاون في مكافحة التهديدات الأمنية المشتركة.
التعاون في مكافحة الإرهاب
تواجه كل من الإمارات والهند تحديات مشتركة تتعلق بمكافحة الإرهاب، ويعملان بشكل مشترك لمكافحة هذه التهديدات على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، ويتبادلان المعلومات الاستخباراتية حول الجماعات الارهابية، كما تنسقان جهودهما في المحافل الدولية لتعزيز مكافحة تمويل الإرهاب وتعزيز التعاون في مجال الأمن السيبراني. وتعاونت الإمارات والهند من أجل مجابهة أنشطة الجماعات الإرهابية المهدِّدة للأمن والسلم في المنطقة، كما تعاونت الدولتان لحفظ الأمن في منطقة البحر الأحمر ومضيق هرمز.
التعاون في الأمن البحري
الأمن البحري يُعتبر مجالًا آخر هامًا في التعاون الدفاعي بين البلدين، حيث يشتركان في الاهتمام بحماية خطوط الملاحة البحرية الحيوية في المحيط الهندي والخليج العربي، إذ تعتبر هذه المنطقة شريانًا هامًا للتجارة الدولية، وهي عرضة للتهديدات مثل: القرصنة، التهريب، والإرهاب البحري، لذا يعمل البلدان معًا لضمان أمن الممرات البحرية من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والقيام بدوريات مشتركة في المنطقة، كما يشاركان في مناورات بحرية مشتركة تهدف إلى تعزيز قدراتهما في سلامة التجارة الدولية.
التعاون في الأمن السيبراني
الأمن السيبراني أصبح جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجيات الدفاعية الحديثة، ويُعد التعاون في هذا المجال بين الإمارات والهند أمرًا بالغ الأهمية، إذ يواجه البلدان تهديدات متزايدة من الهجمات السيبرانية التي تستهدف بنيتهما التحتية الحيوية، مثل أنظمة الطاقة، المصارف، والاتصالات. وفي هذا السياق، تعمل الإمارات والهند على تعزيز التعاون في مجال الأمن السيبراني من خلال تبادل المعلومات والتقنيات ذات العلاقة، كما يشاركان في مؤتمرات ومنتديات دولية تهدف لتعزيز التعاون في مواجهة التهديدات السيبرانية.
التكنولوجيا العسكرية وتبادل الخبرات
التعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية يُعد أحد أهم محاور التعاون بين الإمارات والهند. مع التطور السريع في التكنولوجيا الدفاعية، يسعى البلدان إلى تبادل الخبرات والمعرفة لتعزيز قدراتهما العسكرية. الهند، التي تمتلك صناعة دفاعية متقدمة، تعد شريكًا رئيسيًا للإمارات في هذا المجال. وتستثمر الإمارات في الصناعات الدفاعية الهندية وتستفيد من خبرات الهند في تطوير التكنولوجيا العسكرية المتقدمة مثل الصواريخ، الطائرات بدون طيار، والتكنولوجيا السيبرانية. في المقابل، الهند تستفيد من قدرات الإمارات المالية والاستثمارية لتطوير صناعتها الدفاعية المحلية، مما يعزز التعاون الثنائي في هذا المجال.
التعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار
تأتي التكنولوجيا والابتكار أيضاً في مقدمة أولويات التعاون بين الإمارات والهند، حيث تسعى الإمارات إلى تعزيز مكانتها كمركز إقليمي للابتكار والتكنولوجيا، وذلك اتساقًا مع رؤية القيادة الرشيدة للدولة لأن تصبح الإمارات مركزًا عالميًا للابتكار التكنولوجي، ودعمت ذلك من خلال مبادرات مثل «رؤية الإمارات 2021» و«مئوية الإمارات 2071». وتعد الهند من الدول الرائدة في هذا المجال ما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون بين الشركات الإماراتية والهندية في تطوير المشاريع التكنولوجية المتقدمة.
الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
أحد المجالات الرئيسية للتعاون بين الإمارات والهند في مجال التكنولوجيا، هو الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، ففي عام 2017، أطلقت الإمارات «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، تهدف إلى تعزيز الابتكار الرقمي في جميع القطاعات الاقتصادية، من خلال هذه الاستراتيجية، سعت الإمارات إلى تعزيز التعاون مع دول متقدمة في هذا المجال، وكانت الهند شريكًا رئيسيًا في هذا المسعى. وأصبحت الهند، التي تتمتع بخبرات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، موردًا رئيسيًا للخبرات والموارد التقنية للإمارات. ويتعاون البلدان في تطوير حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه مختلف القطاعات مثل الصحة، التعليم، النقل، والخدمات الحكومية.
التكنولوجيا المالية (فنتك(
يعد قطاع التكنولوجيا المالية «فنتك» أحد أبرز المجالات التي شهدت تعاونًا مثمرًا بين الإمارات والهند، إذ ترى دولة الإمارات التي تعمل على تعزيز دورها كمركز مالي عالمي، في الهند شريكًا استراتيجيًا لتطوير حلول مالية رقمية مبتكرة. في إطار هذا التعاون، شهدت الإمارات استثمارات من الشركات الهندية الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، كما تشهد الهند استثمارات إماراتية متزايدة في هذا القطاع، مما يسهم في تسهيل المعاملات المالية عبر الحدود وتقديم خدمات مالية مبتكرة.
التعاون الثقافي والاجتماعي
العلاقات الإماراتية الهندية تتجاوز الجوانب الاقتصادية والسياسية لتشمل أيضًا التبادل الثقافي والاجتماعي، الذي يُعد جزءًا أساسيًا من العلاقات بين البلدين، حيث يعيش في الإمارات أكثر من 3.5 مليون هندي، مما يجعل الجالية الهندية أكبر جالية أجنبية ضمن العمالة الوافدة في البلاد، ويسهم هذا التواجد الكبير في تعزيز الروابط الثقافية بين البلدين، حيث تلعب الجالية الهندية دورًا حيويًا في الاقتصاد الإماراتي. كما شهدت العلاقات الثقافية بين البلدين نموًا كبيرًا من خلال تبادل الفنون والتراث، حيث تحظى الثقافة الهندية بتقدير كبير في الإمارات، ويُقام العديد من الفعاليات والاحتفالات التي تعزز هذا الترابط الثقافي.
سمات تفرد العلاقات الإماراتية-الهندية
من أهم ما يميز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الدولتين أنها تستند على مجموعة من السمات، التي تجعل منها نموذجاً ناجحاً للشراكات على الصعيدين الإقليمي والدولي، أبرزها:
وجود إرادة سياسية مشتركة لدى قيادتَي البلدين، تقف بقوة وراء دفع هذه الشراكة والارتقاء بها قدماً إلى الأمام، وهذا ما تجسده الزيارات رفيعة المستوى بين الدولتين، وهي الزيارات التي تعكس المستوى المتقدم من التنسيق السياسي بين الدولتين، وتوافق رؤيتهما إزاء القضايا الإقليمية والدولية.
تتشارك الإمارات والهند في كونهما تمتلكان دبلوماسية فاعلة نجحت في وضع البلدين في مكانهما المناسب على خارطة التفاعلات الدولية، فالإمارات باتت محطة رئيسية لزيارات وتحركات قادة دول العالم لإجراء محادثات بشأن التعاون الثنائي وعقد اتفاقات وتوقيع مذكرات تفاهم في مختلف المجالات. أما الهند التي قال عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن أن العلاقات معها هي «الأكثر أهمية وتأثيراً» في العالم، فقد حققت مكاسب استراتيجية كبيرة من التنافس الحاصل على الصعيد الدولي، ولاسيما بين الصين والولايات المتحدةـ
تقدم الدولتان نموذجاً فريداً في التسامح والتعايش البنّاء، فالإمارات تستضيف على أراضيها أبناء ما يزيد على مائتي جنسية يعيشون في تناغم وسلام، والهند تمثل نموذجاً سكانياً فريداً يضم مختلف الديانات والأعراق، ولا شك في أن هذا النموذج يقف وراء ما تنعم به الدولتان من أمن واستقرار على المستويات كافة، ويفسر أيضاً حرصهما على تعزيز القيم المشتركة في احترام التنوع والتعددية الثقافية، باعتبارها تمثل منظومة القيم العالمية التي تسهم في تعزيز التعايش على الصعيد العالمي.
توافق رؤى الدولتين إزاء القضايا الإقليمية والدولية، وبدا هذا واضحاً في البيانات الختامية الصادرة في ختام الزيارات المتبادلة، والتي لا تخلو من التشديد على الرغبة المشتركة في تعزيز العلاقات الاستراتيجية وتكثيف تعاون وتنسيق البلدين في المجالات كافة بما يعزز الشراكات الثنائية التي تخدم عملية التنمية والتقدم والازدهار لمصلحة الشعبين الصديقين. ويلاحظ يتقارب الموقفين الإماراتي والهندي حيال العديد من القضايا والملفات الاقليمية والدولية، وهذا يسهم في تعزيز التعاون الثنائي لعدم وجود فرص للاختلاف.
المصالح المشتركة، التي لا تقتصر على المصالح الاقتصادية والتجارية فقط، وإنما السياسية والاستراتيجية والأمنية أيضاً؛ فالهند قوة إقليمية يُعتَدُّ بها، ومرشحة للعب دور متزايد على الصعيدَين الإقليمي والدولي، والإمارات قوة مهمة في محيطها الإقليمي، وتقوم بدور فاعل في إرساء أسس الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة؛ وهذا الثقل الذي تتمتع به كلٌّ من الدولتين يعزِّز ليس علاقاتهما والشراكة فيما بينهما في المجالات كافة فقط، وإنما قدرتهما على تبنِّي مبادرات مشتركة تجاه مختلف قضايا المنطقة والعالم أيضاً.
خاتمة
تستند العلاقات الإماراتية الهندية إلى تاريخ طويل من التعاون والشراكة، وما نشهده اليوم من تقدم في هذه العلاقات يمثل خطوة هامة نحو مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا، حيث يسعى البلدان إلى توسيع آفاق التعاون في مجالات جديدة مثل التكنولوجيا المتقدمة، والطاقة النظيفة، والأمن الغذائي، والتعليم، كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بتعزيز التعاون في مجال الفضاء، حيث تسعى الإمارات والهند إلى تعزيز شراكتهما في مشاريع استكشاف الفضاء، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2019، أعلنت الإمارات عن شراكة مع الهند في مجال الفضاء، بهدف تبادل الخبرات والتعاون في برامج استكشاف الفضاء وتطوير الأقمار الصناعية، وهذا التعاون يعكس التوجه المستقبلي للبلدين نحو الابتكار في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والبحث العلمي والتغير المناخي. ومجمل هذه الركائز تؤكد أن العلاقات الإماراتية الهندية باتت نموذجًا متميزًا للشراكة الاستراتيجية في العلاقات الدولية، حيث تجمع بين المصالح الاقتصادية المشتركة، والتعاون السياسي المتين، والتبادل الثقافي الغني، وتشهد هذه العلاقات ازدهارًا ونموًا وتطورًا على الأصعدة كافة، مما يعزز مكانة البلدين على الصعيدين الإقليمي والدولي.
علامات مضيئة في مسيرة العلاقات الإماراتية-الهندية
• توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة عام 2017
• توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة عام 2022.
• قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بـ(5) زيارات إلى دولة الإمارات من إجمالي (10) إلى منطقة الخليج العربي والزيارة الخامسة للرئيس مودي للإمارات تمت في منتصف يوليو 2023. وهو ما يبرز الأهمية الاستراتيجية لدولة الإمارات بالنسبة للهند.
• قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة. حفظه الله. بزيارتين للهند الأولى في فبراير 2016 والثانية في يناير 2017.
• تم تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بافتتاح سفارة الإمارات في دلهي عام 1972، أعقبها افتتاح سفارة الهند في أبوظبي عام 1973 وازدادت قوتها منذ الزيارة التي قام بها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى الهند عام 1975.
• تضاعفت أرقام التبادل التجاري بين البلدين في غضون السنوات الـ 22 السابقة، بنحو 22.5 مرة، لتصل قيمتها إلى 180 مليار درهم (حوالي 49 مليار دولار) خلال العام الماضي 2022، مقارنة مع بيانات عام 2000 والتي بلغت نحو 8 مليارات درهم (2.2 مليار دولار).
• بالنسبة للصادرات غير النفطية، تأتي الهند في المركز الأول عالميًا كأكبر سوق مستورد للمنتجات الإماراتية، بنسبة31 بالمئة من إجمالي وزن الصادرات الإماراتية إلى الخارج تمثل 28.1 مليون طن، وبقيمة 31.5 مليار درهم تمثل 12 بالمئة من قيمة الصادرات الوطنية.
• أسهمت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في ارتفاع التجارة البينية غير النفطية بنسبة 6.9%.
• العلاقات الدبلوماسية بين البلدين شهدت نموًا بوتيرة متسارعة، تُوّج قبل شهر بافتتاح قنصلية جديدة للإمارات في حيدر آباد، وتعد القنصلية الثالثة لدولة الإمارات في جمهورية الهند بعد قنصليّتي مومباي وكيرلا.
• تعد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات والهند، الأولى التي تبرمها الدولة ضمن برنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية الهادف إلى توسيع شبكة الشركاء التجاريين للدولة وتحقيق الخطط الاستراتيجية لمضاعفة التجارة الخارجية غير النفطية إلى 4 تريليونات درهم والصادرات الإماراتية إلى 800 مليار درهم بحلول 2031.
يُشكّل انتقال الطاقة والتخلي عن الانبعاثات الكربونية مدعومة بحلول مناخية، إحدى ركائز التعاون الأساسية بين دولة الإمارات والهند.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات