استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
شراكة استراتيجية تزداد رسوخاً وعلاقات تجاوزت حدود المصالح المؤقتة
تُعدّ العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الشقيقة نموذجاً فريداً للتكامل في العالم العربي، ومثالاً فريداً للتكامل الخليجي الذي يقوم على أسس الاحترام المتبادل والتعاون المتبادل والمصالح المشتركة.
إعداد: هيئة التحرير
وتتخطى هذه العلاقات كونها مجرد شراكة استراتيجية؛ تزداد رسوخاً وقوة مع مرور الوقت؛ ما يعكس إرادة قيادتي البلدين في بناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة، وترسيخ نموذج يُحتذى به في التعاون الإقليمي والدولي.
وقد شكلت الزيارة الأخيرة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية الشقيقة إلى أبوظبي دفعة قوية على هذا الصعيد.
وفي لفتة أخوية تعكس عمق الروابط الثنائية، تزامنت هذه الزيارة مع احتفالات الإمارات بـ «عيد الاتحاد الـ53»؛ ما أضفى عليها دلالات عميقة جسدت خصوصية الروابط التاريخية المتميزة التي تجمع البلدين.
وقد استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، «حفظه الله»، أخاه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لدى وصوله الإمارات، وتبادلا الأحاديث الودية التي تعبر عن عمق العلاقات الأخوية الراسخة التي تجمع البلدين، فيما نقل ولي العهد السعودي إلى صاحب السمو رئيس الدولة تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة.
دلالات استراتيجية
جاءت زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية الشقيقة، للإمارات، في توقيت دقيق تشهده المنطقة في خضم تحولات كبرى وتداعيات لأحداث تتوالى في سرعة غير متوقعة، وهو ما أكسبها أهمية مضاعفة، فبالإضافة إلى كونها تأتي في سياق تعميق الشراكة بين البلدين وتعزيز التعاون في ملفات متعددة، حيث عُقدت لقاءات رفيعة المستوى لمناقشة أبرز القضايا الإقليمية والدولية على الساحة، فإنها عكست استمرار التنسيق المستمر بين القيادتين لمواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة، خاصة في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية العالمية، إذ يعد التعاون الإماراتي السعودي ركيزة أساسية للاستقرار في المنطقة.
وفي لقاء هو الثاني الذي يجمع الزعيمين خلال 6 شهور، بعد اللقاء الذي جمعهما، بقصر العزيزية بالمملكة العربية السعودية في 17 مايو الماضي، بحث صاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله» مع أخيه ولي العهد السعودي، العلاقات الأخوية الراسخة ومسارات التعاون الثنائي والفرص الواعدة لتنميته في ضوء الشراكة الاستراتيجية الخاصة التي تجمع بين البلدين الشقيقين، وتطرقا إلى أهمية دفع العمل الخليجي المشترك، مؤكدَين في هذا السياق حرص البلدين على دعم كل ما يعزز منظومة العمل ويسهم في ترسيخ ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة، كما شددا على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك سواءً على المستوى الثنائي أو الجماعي وذلك في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة.
واستعرض القائدان المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الأوضاع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، مؤكدَين أهمية تضافر الجهود للحفاظ على الاستقرار الإقليمي وتجنيب المنطقة تبعات أزمات جديدة تهدد أمنها واستقرارها، إضافة إلى العمل على إيجاد مسار للسلام العادل والشامل والدائم الذي يقوم على أساس «حل الدولتين» ويضمن تحقيق الاستقرار والأمن للجميع.
وقد انطوت الزيارة على أبعاد عدة وأهمية استثنائية لعدة لأسباب عدة:
أولًا: توقيتها، حيث جاءت بعد ساعات من اختتام القمة الخليجية الـ45 في الكويت، والتي صدر عنها بيان ختامي أشاد بجهود دولتي الإمارات والسعودية في مواجهة التحديات المختلفة وإطلاق مبادرات عدة ودعم الأمن والاستقرار الدوليين وتعزيز التضامن الخليجي والعربي.
ثانياً: تحمل هذه الزيارة رسالة واضحة بأن العلاقات الإماراتية السعودية ليست مجرد علاقات رسمية أو بروتوكولية بين بلدين، بل هي نموذج يُحتذى به في التعاون الإقليمي، علاقات تجاوزت حدود المصالح المؤقتة لتصبح نموذجاً للتعاون الراسخ والمستدام، وفي عالم يشهد تحديات متزايدة، تبرز هذه العلاقات كحجر أساس لتعزيز الاستقرار وتحقيق التنمية في المنطقة.
ثالثاً: كون أن اللقاء الذي جمع صاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله» وولي العهد السعودي خلال الزيارة يعد الثاني خلال 6 شهور، والثالث خلال عام، وهو ما يبرز قوة العلاقات بين البلدين، والحرص على التشاور المستمر بين القادة.
علاقات متنامية وروابط قوية
تجمع دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية علاقات تاريخية متينة تستند إلى الروابط الثقافية والاجتماعية المشتركة، التي تمتد جذورها عبر التاريخ، وتتسم بروابط عميقة قوامها الأخوة والتعاون المشترك، فضلاً عن وحدة الهدف والمصير، لتصبح واحدة من أبرز الشراكات الاستراتيجية في العالم العربي.
وقد أثبتت الدولتان عبر العقود أنهما شريكان استراتيجيان في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، فمنذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981، كان التعاون الإماراتي السعودي دائماً محوراً أساسياً لتعزيز العمل الخليجي المشترك، ولا يقتصر هذا التعاون على الجوانب السياسية والأمنية فحسب، بل يمتد إلى المجالات الاقتصادية والتنموية والإنسانية، فيما عززت قيادتا البلدين، هذه العلاقات وعملت على توطيدها على كافة المناخي.
التعاون السياسي والاستراتيجي
شهدت العقود الماضية تعاوناً مستمراً بين البلدين في مختلف المجالات، حيث يُعتبر أمن واستقرار المنطقة ركيزة أساسية في السياسات المشتركة؛ ما جعل الإمارات والسعودية شريكين في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، فيما يلعب البلدان دوراً بارزاً في التحالفات الدولية الهادفة إلى التصدي للتحديات العالمية.
وعلى الصعيد السياسي، تنتهج الإمارات والسعودية مواقف متقاربة تجاه القضايا الإقليمية والدولية، حيث تجمعهما رؤية مشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، سواء في مواجهة التهديدات الأمنية أو في دعم القضايا العربية، تقف الدولتان معاً في الصفوف الأمامية. إحدى أبرز المحطات التي جسدت هذا التعاون هي التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، حيث قادت الإمارات والسعودية جهوداً مشتركة لإعادة الاستقرار إلى اليمن ومواجهة التحديات الإنسانية هناك، وتعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في دول أخرى تشهد أزمات. ويتضح التوافق بين أبوظبي والرياض في المحافل الدولية من خلال مواقفهما المشتركة في الأمم المتحدة ومختلف المنظمات الإقليمية والدولية، إذ يدعم البلدان قضايا العالم العربي ويعملان على تعزيز التعاون الدولي في مواجهة التحديات المشتركة، مثل التغير المناخي، والأمن الغذائي، والأزمات الإنسانية، والقضايا التي فرضت نفسها على الساحة مؤخراً (فلسطين وسوريا....(.
ويعكس توافق الرؤى بين الإمارات والسعودية التزاماً مشتركاً تجاه تعزيز وحدة الصف الخليجي والعربي، والعمل على مواجهة التحديات بروح من التضامن والتعاون. هذا التوافق لا يقتصر على المصالح الثنائية، بل يمتد ليشمل دعم استقرار المنطقة وخدمة قضاياها الحيوية.
تعزيز العمل الخليجي المشترك
تشكل الإمارات والسعودية ركيزة العمل الخليجي داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث يعمل البلدان معاً على مواجهة التحديات التي تهدد استقرار المنطقة، ويؤكدان باستمرار أهمية وحدة الصف الخليجي وتفعيل مبادرات التعاون المشترك، بما يعزز الأمن الاقتصادي والسياسي للدول الأعضاء.
مواجهة التحديات الاقليمية والدولية
تتفق الإمارات والسعودية على أهمية التصدي للأزمات الأمنية، مثل النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط، ومخاطر الجماعات الارهابية المتطرفة، والتدخلات الخارجية التي تهدد سيادة الدول، كما يعمل البلدان على تعزيز القدرات الدفاعية المشتركة والتعاون الأمني على جميع المستويات.
ويتبنى البلدان مواقف متناغمة تجاه القضايا الدولية الكبرى، مثل القضية الفلسطينية، حيث يشددان على أهمية الحل العادل للقضية بناءً على مبادئ القانون الدولي، كما يدعمان جهود تحقيق السلام في مناطق النزاع، مثل السودان واليمن، عبر الوساطة والحوار.
وفي هذا السياق، تحتل القضية الفلسطينية مكانة مركزية في السياسات الخارجية لكل من الإمارات والسعودية، فيما يعمل البلدان على دعم الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للقرارات الدولية ومبادرة السلام العربية، وتؤكد قيادتا البلدين على أهمية التوصل إلى حل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية، ويرتكز موقفهما على تعزيز استقرار المنطقة وإحلال السلام العادل والدائم.
ويعمل البلدان على دعم الشعب الفلسطيني من خلال المساعدات الإنسانية الكبيرة، إلى جانب الجهود الدبلوماسية الرامية إلى الحفاظ على حقوقه المشروعة، وهو ما أكده الزعيمان خلال لقائهما، حيث شددا على أهمية تضافر الجهود للحفاظ على الاستقرار الإقليمي وتجنيب المنطقة تبعات أزمات جديدة تهدد أمنها واستقرارها، إضافة إلى العمل على إيجاد مسار للسلام العادل والشامل والدائم الذي يقوم على أساس «حل الدولتين» ويضمن تحقيق الاستقرار والأمن للجميع.
وفيما يخص الأزمة السورية، تُبدي الإمارات والسعودية توافقاً واضحاً على ضرورة التوصل إلى حل سياسي يضمن وحدة واستقرار سوريا، ويحفظ سيادتها ويُلبي تطلعات شعبها، ويدعم البلدان جهود الأمم المتحدة في هذا السياق، ويشددان على أهمية منع التدخلات الخارجية التي تُسهم في تعقيد الأزمة وزيادة معاناة الشعب السوري.
وتجلى ذلك بوضوح في البيانات الرسمية الصادرة عن وزارتي الخارجية في كلا البلدين في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، والتي أكدت دعم اختيارات الشعب السوري، ودعت إلى تضافر الجهود للحفاظ على وحدة سوريا وتلاحم شعبها، بما يحميها من الانزلاق نحو الفوضى والانقسام.
على الصعيد الدولي، يظهر توافق الإمارات والسعودية في القضايا التي تمس الأمن والاستقرار العالميين، فعلى سبيل المثال في مجال أمن الطاقة، يعمل البلدان معاً لضمان استقرار أسواق النفط العالمية، والتعاون في المبادرات المتعلقة بالطاقة المتجددة والتنمية المستدامة.
وفي ملف مكافحة الإرهاب والتطرف، تقود الإمارات والسعودية جهوداً دولية لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي، ودعم البرامج التي تستهدف التصدي للأيديولوجيات المتطرفة ونشر قيم التسامح والاعتدال.
الشراكة الاقتصادية والتنموية
في المجال الاقتصادي، يُعد البلدان من أكبر الاقتصادات في منطقة الخليج العربي، وتربطهما شراكات تجارية واستثمارية قوية، وتشمل مجالات التعاون الطاقة المتجددة، والاستثمار في التكنولوجيا، وتطوير المدن الذكية، كما تعملان على تعزيز التجارة الثنائية وزيادة حجم التبادل التجاري، الذي يعكس متانة العلاقات الاقتصادية، حيث بلغت مستويات التبادل التجاري بين البلدين معدلات مرتفعة، مع تطلع مستمر لتعزيز التكامل الاقتصادي عبر مبادرات واستثمارات مشتركة، إذ شهد التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين خلال السنوات الماضية قفزات كبيرة، إذ ارتفع خلال 10 سنوات بنحو 69% ليصل حوالي 135 مليار درهم خلال 2023، مقارنة بمستواه عند 79.9 مليار درهم خلال 2013، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد الإماراتية.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، خلال النصف الأول من عام 2024، نحو 17.53 مليار دولار، بنسبة نمو وصلت إلى 22.50% مقارنة بـ 14.31 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2023، وفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية.
ويُشكّل التعاون في قطاعات مثل الطاقة، النقل، والتكنولوجيا، جزءاً من رؤية البلدين لتحقيق التنمية المستدامة، حيث تتكامل رؤية السعودية 2030 مع رؤية الإمارات للخمسين عاماً المقبلة، ما يخلق فرصاً واعدة للنمو الاقتصادي والتنمية المشتركة.
وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه في مايو الماضي أعلنت مجموعة موانئ دبي العالمية، والهيئة العامة للموانئ السعودية (موانئ)، إطلاق مشروع لبناء المنطقة اللوجستية التابعة لمجموعة موانئ دبي العالمية في ميناء جدّة الإسلامي بقيمة تصل إلى 250 مليون دولار، وستكون المنشأة أكبر المناطق اللوجستية المتكاملة في السعودية.
التنسيق في المجال الأمني والعسكري
تُعتبر الإمارات والسعودية من أبرز الدول التي تعمل معًا لتحقيق الأمن الإقليمي، حيث يجمعهما التنسيق الوثيق في التصدي للإرهاب والتهديدات المشتركة. ومن خلال تحالفاتهما الأمنية، يعكس البلدان التزامهما المشترك بحماية استقرار المنطقة ودعم أمنها القومي.
التعاون الثقافي والاجتماعي
يتجلى الترابط بين الشعبين الإماراتي والسعودي في القيم المشتركة التي تجمعهما، من التراث الثقافي والتقاليد إلى الرؤية المستقبلية للتطور، فيما تسهم الفعاليات الثقافية المشتركة، مثل الأيام الثقافية والمعارض الفنية، في تعزيز التفاعل بين الشعبين وإبراز الروابط الأخوية التي تجمعهما.
رؤية مشتركة للمستقبل
تتميز علاقات البلدين باستشراف المستقبل برؤية موحدة تستند إلى الابتكار والتطور، حيث تعملان على تعزيز مكانتهما الدولية من خلال شراكات قوية ومبادرات مشتركة تستهدف تحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات، بما يخدم مصالح شعبيهما والمنطقة بأكملها.
نتائج مهمة للزيارة
شهدت الزيارة تعزيزاً للعلاقات الأخوية والاستراتيجية بين البلدين، وجاءت في إطار التنسيق المستمر بين أبوظبي والرياض بشأن القضايا الإقليمية والدولية؛ ما ألقى الضوء على أهمية هذه العلاقة كمحور للاستقرار والتعاون في منطقة الخليج.
وقد ناقش القائدان سبل توسيع التعاون في المجالات الاقتصادية، الأمنية، والتنموية، وأكدا على أهمية البناء على الشراكة الاستراتيجية الراسخة لتعزيز مصالح البلدين المشتركة، فيما تطرقت المباحثات إلى المستجدات في منطقة الشرق الأوسط، مع تأكيد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومواجهة التحديات المشتركة.
وشدد الجانبان على دعم العمل الخليجي المشترك بما يعزز الأمن والتنمية في المنطق، حيث اعتبرت الزيارة خطوة لتكريس وحدة المواقف تجاه القضايا الدولية المعقدة، مع التركيز على أهمية التعاون العربي المشترك لمواجهة التحديات الجيوسياسية الحالية.
ترحيب رسمي وتفاعل شعبي
وصف المسؤولون في الإمارات والسعودية الزيارة بأنها تعكس عمق العلاقات التاريخية ومتانة التعاون الاستراتيجي بين البلدين، مشيرين إلى أن هذه العلاقات تمثل نموذجًا يحتذى به في التضامن العربي
في موازاة ذلك، قوبلت الزيارة بإشادة واسعة من قبل وسائل الإعلام والمواطنين في البلدين، الذين أكدوا على أهمية تعزيز الروابط الثنائية لما فيه مصلحة الشعبين، فيما عجّت وسائل التواصل الاجتماعي برسائل إشادة وترحيب من الإماراتيين والسعوديين على الزيارة.
وعلق أحد الكتاب السعوديين، عبر منصة «إكس» على صورة جمعت الزعيمين، قائلًا: «صورة تؤكد المؤكد: المحمدان صماما أمان المنطقة والعقل المدبر والمنفذ لمشاريع السلام والتنمية في منطقة هي أحوج ما تكون للاستقرار والتفكير البناء»، كما أُبرزت دلالات توقيت الزيارة التي تزامنت مع احتفالات الإمارات بعيد الاتحاد الـ53، ما أضفى أبعادًا رمزية إضافية.
رؤية استراتيجية بمرتكزات قوية
أكدت الشواهد جميعها أن علاقات التحالف الاستراتيجي الراسخة بين دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على مرتكزات قوية وثوابت استراتيجية ومصالح مشتركة يصعب أن ينجح البعض في زعزعة استقرارها وتطورها، حيث أثبتت التجارب النضج الدبلوماسي الذي تتسم به البلدان، والإرادة السياسية المشتركة القادرة على توفير سبل التطور والنماء لعلاقات التحالف والشراكة القائمة بين الأشقاء، باعتبارها المحرك الرئيس القادر على توجيه بوصلة هذه العلاقات نحو وجهتها السليمة، بحيث تمضي كما يُخطط لها، وبما يحقق مصالح الدول والشعوب الشقيقة والصديقة.
ويؤكد تحليل مجمل الملفات المشتركة في العلاقات الاماراتية ـ السعودية أن استراتيجية «الخندق الواحد» التي تمثل عنواناً للتحالف الاستراتيجي بينهما لا تزال تتعمق وتتعزز، لاسيما أن هذا التحالف يتوج جهداً مشتركاً للبلدين منذ عام 2011، حيث لعبا بكفاءة واقتدار دور «الإطفائي» لإنقاذ بقية الدول العربية من الانهيار في مواجهة عاصفة الفوضى والاضطرابات التي سميت وقتذاك بـ «الربيع العربي» والتي اقتلعت أسس الاستقرار في دول عربية عدة.
ومن ثم، فإن التحالف الإماراتي-السعودي هو بكل المقاييس صمام أمان للاستقرار في منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية بشكل عام.
ومنذ تمت مأسسة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» إلى المملكة العربية السعودية في الثاني عشر من أغسطس 2019، إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة، حيث التقى سموه وقتذاك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بحضور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، فإن هذه العلاقات تشهد تطوراً مستمراً، وجددت تلك الزيارة المهمة التأكيد على قوة ومتانة التحالف وقدرته على مجابهة التحديات، وإثبات أسسه النابعة من ثوابت تاريخية ورؤية راسخة تستلهم القناعات المشتركة لدى قادة الدولتين.
وقد أثبتت الأحداث خلال السنوات الأخيرة أن كل متطلبات ومرتكزات التحالف الإماراتي السعودي لا تزال قائمة وبقوة، وأن استمراره ضرورة حيوية سواء للمصالح الاستراتيجية الذاتية للجانبين كل على حده أو لكليهما، وللأمن والاستقرار الخليجي والأمن القومي العربي، بحكم ما للدولتين من ثقل ودبلوماسية فاعلة على الصعيد الدولي، فضلاً عن أهمية تعاونهما الاستراتيجي على صعيد منظمة «أوبك»، وكذلك على صعيد مكافحة الإرهاب، الذي لا يزال ينخر في جذور بعض المجتمعات ويحتاج إلى استمرار تضافر جهود الدولتين باعتبارهما الأبرز في مكافحة هذه الظاهرة الخبيثة والتصدي لمصادر تمويلها وتسليحها وتوظيفها سياسياً.
ومن خلال قراءة أبعاد الزيارة الأخيرة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي إلى الإمارات ليشارك قيادتها وشعبها احتفالاتهم بعيد الاتحاد الـ 53، يتضح أن هذ التحالف يستمر على عكس ما تذهب إليه تحليلات بالتمني، وهي تبدو أشبه بالزيارة المهمة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» إلى الرياض في عام 2019، والتي جاءت كذلك في ذروة محاولات التشكيك في استمرارية التحالف السعودي ـ الإماراتي، حيث جاءت الزيارة وقتذاك بمنزلة رد قوي مزلزل على جميع الأقاويل التي زعمت بوجود خلاف حول الأوضاع في اليمن، فجاء الرد قوياً وبشكل واضح ودقيق على لسان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي أكد عقب المحادثات التي جرت في مكة المكرمة أن «المملكة العربية السعودية هي الركيزة الأساسية لأمن المنطقة واستقرارها وصمام أمانها في مواجهة المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها، لما تمثله من ثقل وتأثير كبيرين على الساحتين الإقليمية والدولية»، مشيراً سموه إلى أن الإمارات والسعودية تقفان معاً، بقوة وإصرار، في خندق واحد في مواجهة القوى التي تهدد أمن دول المنطقة وحق شعوبها في التنمية والتقدم والرخاء.
وهنا، لابد من التأكيد على أن دولة الامارات تتبنى رؤية على أن التحالف مع المملكة مسألة مصيرية قائمة على «أسس راسخة من المحبة والاحترام والثقة والرؤية الواحدة تجاه المتغيرات والتحديات على الساحتين الإقليمية والدولية من منطلق الإيمان المشترك بالمصير الواحد للبلدين والشعبين الشقيقين»؛ كما قال صاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله»، محدّداً سموه هدفين رئيسيين للتحالف والشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين، هما: مواجهة التحديات والعبور للمستقبل، وهما هدفان ثابتان وبعيدا المدى، ويعكسان وضوح الرؤية وعمق الوعي الاستراتيجي لدى قيادتي البلدين.
فالعبور للمستقبل يتطلب ضرورة التصدي لتحديات الحاضر، وما يرتبط بها من مصادر تهديد تؤرق الأمن والاستقرار وتفرز ضغوطاً على البيئة الاستراتيجية الإقليمية، وتحول دون تهيئة الأجواء بالشكل المطلوب للمستقبل.
ويجب هنا الاشارة إلى أن إشارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن أهمية ومحورية الدور السعودي إقليمياً ودولياً لم تكن عابرة ولا طارئة، بل تجسد قناعة راسخة لدى الإمارات منذ تأسيسها.
ولذا، فإن تأكيدات سموه بأن الامارات ستظل في «خندق واحد» مع أشقائها السعوديين انطلاقاً من إيمان راسخ بوحدة الهدف والمصير، فضلاً عن قناعة الإمارات بأن الأمن القومي الخليجي بشكل خاص والأمن القومي العربي بشكل عام، يحتاج إلى ضرورة التلاحم بين القوى العربية الفاعلة للتصدي للتحديات التي تهدد المنطقة.
أسس راسخة للشراكة
عادة، تقوم التحالفات الاستراتيجية القوية على أسس عدة: سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية وتجارية واستثمارية وثقافية وإعلامية، فيما يمثل التوافق والتفاهم الاستراتيجي الأساس الأهم لأي شراكة أو تحالف ناجح، فبلورة الرؤى المشتركة حيال التحديات ومصادر التهديد والمخاطر الاستراتيجية المختلفة مسألة في غاية الأهمية تفتح الطريق أمام بقية قطاعات ومجالات التعاون والتحالف بين الدول.
وهذه النقطة هي عماد الشراكة الاستراتيجية والتحالف الاماراتي السعودي، فهناك اتفاق في وجهات نظر البلدين حول مجمل القضايا والملفات والموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وهناك إدراك مشترك لحجم التحديات وما تتطلبه من خطوات وإجراءات مشتركة، وهناك تغليب لصيغ التعاون وغياب تام لصيغ التنافس الاستراتيجي بين الدولتين، وهي عوامل مهمة تكتسب ميزة نوعية إضافية في ظل العلاقات الأخوية القوية التي تربط قيادتي البلدين، والتي تنعكس من خلال التفاهم القوي والزيارات المتبادلة والتنسيق المتواصل والحوار المستمر حول مجمل القضايا والموضوعات الإقليمية والدولية.
ولا شك في أن علاقة شعبي الإمارات والسعودية لا تقتصر على وحدة التاريخ والجغرافيا والدين والموروث الثقافي والعادات والتقاليد والمصير المشترك، ولا تتوقف فقط عند التقاء مصالحهما الاستراتيجية المشتركة، السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، بل تنطلق أيضاً من إرادة سياسية قوية تتلاقى على أهداف موحدة، ورؤية إنسانية مشتركة، هدفها صون مصالح الشعوب العربية وضمان أمنها واستقرارها، ودعمها ومساندتها لاسيما في الأوقات التي تبرز فيها مظاهر معاناة وظروف إنسانية قاسية تستدعي التدخل والمساندة من الأشقاء.
ولاشك في أن هذا النهج هو استمرار لنهج تاريخي وموروث راسخ في السياسة الخارجية للدولة منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» حيث كانت ولا تزال السياسة الخارجية لدولة الإمارات تعلي قيم التضامن العربي، والتعاون المشترك في مواجهة التحديات والمخاطر التي تنال من أمن واستقرار الدول العربية، حيث تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة إلى استقرار الدول العربية جميعها باعتباره ضمانة لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، وضرورة في الوقت ذاته لتحقيق التنمية والرفاه والازدهار لجميع شعوب المنطقة، انطلاقاً من أن الأمن والاستقرار هما أساس التنمية وتقدم الأوطان والشعوب، والحفاظ على مكتسباتها في مختلف المجالات.
خاتمة
تعكس زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد السعودي للإمارات في عيد الاتحاد، ومشاركة سموه احتفالات قيادتها وشعبها، إرادة قوية لدى قيادتي البلدين لمواصلة مسيرة التعاون والشراكة وتعزيز مرتكزات العلاقات بما يضمن استمرارها بالوتيرة ذاتها وتوفير سبل المناعة الاستراتيجية لها في مواجهة التحديات المتفاقمة التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط.
وتكتسب علاقات البلدين الشقيقين قوة إضافية بالتنسيق والحوار والتشاور المستمر بين قيادتي البلدين حول أي أحداث أو ظروف او تطورات عابرة؛ ليتأكد للجميع فعلياً أن هناك قناعة مشتركة وراسخة لدى قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين بأن التحالف خيار استراتيجي حتمي يفرضه التاريخ والمبادئ والمصير المشترك وروابط الأخوة والدين والمصالح المشتركة والتحديات الواحدة، ومن ثم فهو بديل استراتيجي لا غنى عنه لتحقيق تطلعات الشعبين الشقيقين في استدامة الامن والاستقرار والرخاء.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات