2024-02-01
استمرارية القوة النارية المتنقلة:عامل غير مؤكد في الدفاع اللامتماثل في تايوان
اعتمدت استراتيجية الدفاع غير المتماثل أو المتكافئ في تايوان – وهي عبارة عن تدابير مضادة للتفوق العسكري للصين – إلى حد كبير على القوة النارية المتنقلة، غير أنهم قد لا يتقنون دورهم الاستراتيجي أثناء فترة الحرب بدرجة كافية، ويرجع ذلك إلى عدة سلبيات. فمنذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي، أحدثت تايبيه تحولاً في استراتيجيتها السابقة التي كانت تركز على الحرب المتناظرة من خلال منصات متطورة، مثل المقاتلات النفاثة والسفن الحربية السطحية الضخمة، نحو استراتيجية جديدة تمثلت في الحرب اللامتماثلة لحرمان بكين من قدراتها في الغزو.
شانغ-سو وو
تمثل مرونة التنقل المفتاحَ لحفاظ القوات على البقاء، وستكون المنصات المتمثلة في المركبات البرية الخيار الأكثر جدوى للظروف الجيواستراتيجية لتايبيه. كانت المنصات الجوية والسطحية البحرية مهمة في استراتيجية الحرمان البحري التقليدية، فضلاً عن الدفاع عن الجزيرة، لكنها كانت عرضة للخطر في البيئة العملياتية في تايوان. وبالنظر إلى محدودية عدد القواعد الجوية ومهابط الطائرات والمدارج البديلة على عدة طرق سريعة، فإن هذه المواقع معروفة جيداً لدى جيش التحرير الشعبي الصيني، وسيتم على الأرجح تدميرها أو إصابتها بالشلل في المرحلة الأولى من الحرب. وعلى الرغم من وجود بضع ملاجئ للطائرات في شرق تايوان، فهي تساهم في أفضل الأحوال في المحافظة على بعض القدرات، بدلاً من بقاء العمليات الجوية تحت قوة النيران الصينية الموجهة عن بعد. وإذا ما فقدت تايبيه معظم مواقعها المخصصة لتشغيل الطائرات، فإن قوتها الجوية لن تدوم أكثر من بضع ساعات أو أقل من ذلك. وبالنظر إلى القوة الجوية المتصاعدة لبكين من خلال الطائرات المقاتلة المختلفة، والمنتجة على نطاق واسع، والمزودة بمستشعرات وذخائر متطورة، مدعومة ببعض الصواريخ أرض-جو (SAM) بعيدة المدى، والتي تُطلَق من البر والبحر، والتي يصل مداها إلى تايوان، فإن القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني (PLAAF)، حققت على الأقل تفوقاً كمياً من المرجح أن يحرم الطائرات التايوانية من شنّ أي عملية حرمان بحري.
من المتوقع أن تكون المنصات السطحية البحرية، ولا سيّما زوارق الهجوم السريعة الصغيرة (FAC) المزودة بصواريخ كروز المضادة للسفن، وسيلة مهمة لدى تايوان للحرمان البحري، من خلال نصب كمين لبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني (PLAN) في المناطق الساحلية، لكن الواقع قد يكون مختلفاً. وبالنظر إلى محدودية الطول الذي يقل عن 1,600 كيلومتر والمعلومات الشفافة للغاية، مثل خرائط جوجل (Google Map)، بإمكان بحرية جيش التحرير الصيني (PLAN) اكتشاف معظم المخابئ الساحلية لزوارق الهجوم السريعة (FACs) بشكل مسبق، ومن ثم يمكن استهدافها قبل أن تتمكن من الاشتباك مع أي هدف. أما الغواصات فهي حتماً مذهلة في تنفيذ عمليات الحرمان البحري، لكن تطوير تايبيه لقوتها تحت الماء كان بطيئاً. وبعد أن فاتها العرض الذي قدمته الولايات المتحدة، أطلقت تايوان مشروع غواصتها المحلية في عام 2015، وفي نهاية المطاف، تم إطلاق أول غواصة في عام 2023، على الرغم من عدم وصول الغواصة فعلياً إلى الماء في حفل الإطلاق. ولذا فمن غير المرجح أن تمتلك تايبيه أسطولاً كامل القدرات تحت الماء، باستثناء أربع غواصات قديمة، تعد اثنتان منها أقدم غواصات عسكرية تحت الخدمة في العالم.
يمكن إخفاء الوحدات المتنقلة على الأرض عن المراقبة الصينية في تضاريس تايوان المعقدة، حيث تشكل المدن والغابات نحو 77% من السطح، ومن ثم يمكنها مهاجمة السفن والطائرات الصينية التي تعتبر ضرورية للغزو البرمائي عبر مضيق تايوان. وبما أنه من غير المرجح أن تقوم الصين بإنزال جيش التحرير الشعبي في تايوان في اليوم الأول أو أنها لا تقدر على ذلك، فإنه سيكون لدى الوحدات المتنقلة التابعة لتايوان الوقت الكافي للانتشار والاختفاء في سائر أنحاء الجزيرة. سوف تستخدم بكين قوة نيران هائلة، إن لم تكن ساحقة، لإضعاف جهود تايبيه في الدفاع تحضيراً للغزو، وسيتم تحييد بعض المنصات المتنقلة. لكن إنْ ظل عدد معين من الوحدات المتنقلة في تايوان تعمل عندما يأتي الغزو، فإن جيش التحرير الشعبي سيخاطر بتكبد خسائر فادحة، خاصة في السفن البرمائية وطائرات النقل التي هي عرضة للمخاطر. إنّ خفض قدرات النقل الجوي والبحري للقوات الجوية والقوات البحرية في جيش التحرير الشعبي الصيني من شأنه أن يحدّ من إمكانية نقل القوات، ويقيد الإمدادات اللوجستية للحرب الصينية البرية إن لم يتم دحر غزوها في البداية. أضف إلى ذلك أن بكين، من خلال إضعاف قواتها الجوية وقواتها البحرية، ستغدو في وضع متدنٍّ مقارنة بواشنطن وحلفائها، وقد يردعها هذا الاحتمال غير السار.
تتكون القوة النارية المتنقلة لتايبيه، في الوقت الحالي، من صواريخ كروز الهجومية البرية (LACMs)، وصواريخ باليستية تكتيكية (TBMs)، وصواريخ كروز مضادة للسفن (ASCMs)، وذخائر جوالة (LMs)، وصواريخ أرض جو (SAMs). أما صواريخ سام المضادة للسفن (ASCM) المتنقلة في تايوان فهي Hsiung Feng (HF) II و II-ER و III، بالإضافة إلى نظام الدفاع الساحلي الأمريكي RGM-84L Harpoon. وسيكون نظام الصواريخ التكتيكية للجيش الأمريكي AGM-140 (ATACMS) بمثابة قوة نظام الصواريخ البالستية التكتيكية (TBM) لتايوان، وصواريخ كروز الهجومية البرية (LACM) في البلاد هي (HF-IIE) المحلية وصاروخ Hsiung Sheng المرتقب. وتقوم تايوان أيضاً بتطوير ذخائرها الجوالة (LM)، مثل Chien Hsiang (CH)، التي سيتم إطلاقها على منصات متنقلة. كما أن صواريخ Tien Kung (TK) II وIII المحلية وصواريخ باتريوت PAC-2/3 الأمريكية، بالإضافة إلى نماذج أخرى من صواريخ أرض-جو ذات المدى الأقصر، هي صواريخ متنقلة أيضاً. وعلى الرغم من تأخر واشنطن في تسليم بعض الأسلحة، مثل Harpoon وATACMS، فإن تايبيه كانت تمتلك بالفعل عدداً كبيراً، وعلى الأرجح أكثر من 1,000 أو حتى 2,000 نوع من هذه الصواريخ، والكمية تتزايد باستمرار، بوتيرة أسرع، بسبب قدرات الإنتاج الإضافية التي أُرسيت عام 2022.
ورغم ذلك، فإن التأثير الاستراتيجي للوحدات المتنقلة في تايوان يمكن أن يتآكل نتيجة لعدة عوامل؛ وهي مرونة التنقل والانتشار والتعزيز وبديل الصين. قد تفقد الوحدات المتنقلة مرونة الحركة في البيئة العملياتية غير المواتية في الجزيرة؛ فتايوان صغيرة ومزدحمة بكثافة سكانية عالية تفوق نسبة 630 شخصاً لكل كيلومتر مربع، وسيكون العدد الفعلي أكثر من الضعف؛ نظراً لأن ما نسبته 58% من الجزيرة جبلي، وما يقارب 80% من إجمالي السكان يعيشون في المناطق الحضرية. وفي حالة نشوب حرب، يمكن لحركة المرور أن تمنع بسهولة قدرة الوحدات المتنقلة على المناورة أثناء الفوضى، بالإضافة إلى أن مثل هذه البيئة المزدحمة تجعل التخفّي غير ممكن؛ لأنه يمكن اكتشافها من قبل المارّة. كما أن البيئة الحضرية للغاية والجبلية تجبر أيضاً المنصات المتنقلة على التحرك على طول مسارات محددة، وذلك نظراً لعدم وجود مساحة كافية لهذه المركبات للسير على الطرق الوعرة. إن منصات الوحدات المتنقلة بحجم الشاحنات مناسبة فقط لطرق معينة، وليس شبكة الطرق بكاملها، ما يؤدي إلى تضييق نطاق حركة الوحدات المتنقلة. إن سهولة الوصول إلى المعلومات الجغرافية المكانية، مثل Google Earth، من شأنه أن يسمح لجيش التحرير الشعبي بتمييز تلك الطرق المحددة والمواقع التكتيكية، ربما بمساعدة معلومات استخباراتية أكثر دقة قد يحصل عليها جيش التحرير الشعبي. وبناءً على ذلك، يمكن لجيش التحرير الشعبي أن يخطط لتكتيكات بهدف حصر وتقييد المناطق التي يمكن أن تذهب إليها الوحدات المتنقلة من خلال الهجمات المباشرة لقطع الطرق، وزرع الذخائر الصغيرة التي تعيق الإصلاح.
يتفاقم الوضع بالنسبة إلى المشهد الجيوسياسي لتايوان؛ إذ يتركز السكان في الجزء الشمالي حيث تقع العاصمة تايبيه. ففي شمال تايوان، تعد الكثافة السكانية وتوسع المدن أكبر بكثير مما هو عليه في بقية مناطق الجزيرة، حيث تسهم التضاريس التي تقسمها الأنهار والجبال في تقييد حركة الوحدات المتنقلة. ومن الطبيعي أنه يمكن لتايبيه نشر وحدات متنقلة في مناطق نائية نسبياً لضمان مزيد من مرونة الحركة، غير أن المسافة الإضافية قد لا تناسب المتطلبات التشغيلية لصواريخ أرض-جو، مما يجعل من المرجح أن يعترض جيش التحرير الشعبي صواريخ كروز المضادة للسفن والصواريخ المضادة للطائرات دون سرعة الصوت. وبتعبير آخر، لا بد من نشر عدد كبير من الوحدات المتنقلة في تايبيه وما حولها، مما يزيد من عرقلة حركتها.
إن الحفاظ على سلامة الوحدات المتنقلة إلى أن يتم الاشتباك في نهاية المطاف مع الأهداف في جيش التحرير الشعبي يعد فترة تتسم بالغموض وعدم اليقين تتم فيها مواجهة تحديات المحافظة على البقاء؛ إذ تكون قبل مغادرتها قواعدها بمثابة أهداف جماعية يمكن أن تتعرض لخسائر كبرى في هجوم واحد. ففي أثناء تنقلها بين قواعدها ومواقعها التكتيكية، يمكن أن يجري تعقبها بواسطة الأقمار الصناعية والرادارات والمسيّرات والجواسيس ووسائل المراقبة الأخرى، ثم تلي ذلك الضربات. وحتى بعد الاستقرار في المواقع التكتيكية، تبقى معرضة لطائفة من المخاطر؛ مثل الحاجة إلى إعادة الإمداد، ثم تزداد هذه المخاطر عندما تحتاج هذه الوحدات إلى تغيير مواقعها من جديد؛ وبعبارة أخرى، قد تخسر تايوان المزيد من الوحدات المتنقلة التي تفوق تقديراتها، وقد تكون أقل حجماً مما يتطلبه صد الغزو.
تؤثر التعزيزات والموارد البشرية أيضاً في حجم القوة النارية المتنقلة في تايبيه. فعلى النقيض من أوكرانيا التي تتمتع بحدود برية تتلقى الإمدادات الخارجية عبرها، تعدّ تايوان جزيرة، ومن ثم يسهل حصارها أثناء الحرب، ما يحول بينها وبين تلقي أي إمدادات إضافية من قوة نارية وعتاد. وقد دللت التمرينات العسكرية الصينية في عامي 2022 و2023 على قدرة جيش التحرير الشعبي على فرض مثل هذا الحصار حول الجزيرة. وعلى الرغم من امتلاك تايوان لصناعة دفاعية كبيرة ومتطورة، فإن موادها الخام وبعض أنظمتها الفرعية وأجزائها لا تزال تعتمد على الإمدادات من الخارج. وبالتوازي مع التعزيزات الضخمة التي يتلقاها جيش التحرير الشعبي، نجد أن القوات العسكرية الأمريكية الواسعة النطاق، ولا سيما البحرية منها، قد تنعدم قدرتها أو يتراجع استعدادها لتحدي الحصار الصيني إذا ما أخذنا في الاعتبار الصراعات المسلحة المتعددة المستمرة في جميع أنحاء العالم. وقد تدفع تايوان صناعتها الدفاعية إلى أقصى حد لإنتاج قوة نيران المواجهة مسبقاً، ولكن الحاجة إلى وجود العدد الكافي من الأفراد لتشغيلها تشكل تحدياً آخر. فعلاوةً على معاناة تايوان من انخفاض معدل الخصوبة، سيكون لديها نقص في المواهب التي يتعين على الجيش تجنيدها. وعلى الرغم من إعادة تمديد الخدمة العسكرية الإجبارية من أربعة أشهر إلى عام اعتباراً من عام 2024، فإن المجندين ذوي الخدمة المحدودة لن يشكلوا الدعامة الأساسية للوحدات المتنقلة.
وأخيرا، قد تطبق بكين استراتيجية غير مباشرة لتجاوز استراتيجية تايبيه اللامتماثلة والمتمثلة في القوة النارية المتنقلة من خلال استغلال ضعف الطرف الأخير؛ فمنذ كارثة فوكوشيما النووية عام 2011، أصبح التخلص التدريجي من محطات الطاقة النووية بمثابة سياسة للطاقة في تايوان، وقد بلورها بصورة خاصة الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم. لكن مخزون الغاز الطبيعي، الذي يعدّ وسيلة رئيسية لاستبدال الطاقة النووية، منخفض ولا يمكن أن يزود تايوان بالطاقة الكهربائية إلا لمدة قصيرة قد تصل إلى 11 يوماً. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها تايبيه لتوسيع خزانات الغاز الطبيعي، فإن هذه المرافق عرضة للهجوم. وهكذا، قد تتعرض تايوان لانقطاع التيار الكهربائي في أقل من أسبوعين من الحصار، كما أن نقص إمدادات الكهرباء من شأنه أن يسبب اضطراباً كبيراً لسكان المدن الذين يشكلون حوالي 80٪ من إجمالي السكان. وعلى هذا النحو، ستواجه تايبيه تحدياً خطيراً في الحفاظ على الاستقرار الداخلي في مواجهة الحصار وحده. وإذا لم تتمكن القيادة السياسية التايوانية من معالجة الفوضى بشكل جيد، فقد تستسلم لمطالب بكين، بحيث لا تستخدم الوحدات المتنقلة أبداً لتحقيق أهدافها.
بصورة عامة، من المنطقي أن تعمل تايبيه على تعزيز أمنها من خلال تطوير استراتيجية دفاعية لا متماثلة تُبرز القوة النارية المتنقلة لمواجهة التهديد العسكري من بكين. غير أن مثل هذه المقاربة غير التقليدية ليست بالحل السحريّ، وقد تتمكن الصين من إيجاد حلول للتغلب على دفاع تايوان، إذا ما اختارت الصين استخدام القوة. لا يزال أمام تايبيه طريق طويل لتعزيز دفاعها بدلاً من التركيز على أنواع قليلة من الأسلحة.
لا يوجد تعليقات