مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-04-01

الأزمـــة اليمنيــــة .... الأبعـــاد والتداعيـــات الاستراتيجيــة المحتمـلة

تنطوي التطورات التي يشهدها اليمن منذ دخول الحوثيين العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي 2014 على تحديات استراتيجية غير مسبوقة، ليس على وحدة اليمن واستقراره فقط، وإنما على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي أيضاً، ومنطقة الشرق الأوسط بوجه عام، ولاسيما أن هذه التطورات ترتبط بالتفاعلات الإقليمية والأزمات الأخرى التي تشهدها دول المنطقة.
 ولأن اليمن يمثل إحدى الدوائر المهمة لمعادلة الأمن والاستقرار لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن ما يشهده من تطورات وتحديات تطال في تأثيراتها بالضرورة هذه الدول، الأمر الذي يفرض على هذه الدول ضرورة التحرك العاجل للتعامل مع تطورات المشهد اليمني.
 
إعداد: التحرير
 
الموقع الجغرافي لليمن... فرص وتحديات
هناك العديد من الاعتبارات التي تبرز الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن بقوة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. وتنعكس هذه الأهمية على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، من خلال النقاط الآتية:
 
أ- الموقع الاستراتيجي: يتمتع اليمن بموقع استراتيجي، فهو يمسك بزمام البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، وهناك تداخل وثيق بين مضيقي هرمز وباب المندب، فهذا الأخير يُمثل طريقاً للناقلات المحملة بنفط الخليج العربي المتجه إلى دول أوروبا. كما يربط حزام أمن الجزيرة العربية والخليج العربي، ابتداءً من قناة السويس وانتهاء بشط العرب. ولهذا فإن اليمن بلعب دوراً أساسياً ومهماً في درء المخاطر المحتملة لخطوط نقل النفط الخليجي إلى الأسواق العالمية. كما ينطوي الموقع الجغرافي لليمن على أهمية كبيرة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويتيح لها منافذ حيوية، والانفتاح على العديد من قارات العالم. ويعد اليمن بمنزلة همزة الوصل بينها وبين دول القارة الإفريقية، كما يمثل اليمن البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر، ويتحكم في الممر الذي يصله بالمحيط الهندي، كما أن اليمن ومن خلال البحر الأحمر والمحيط الهندي يتحكم بطرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا.
 
ب- العمق الاستراتيجي: يمثل اليمن عمقاً استراتيجياً للجزيرة العربية والخليج العربي، فهو يمثل البوابة الجنوبية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ما يجعل منه عاملاً مهماً لأمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية واستقرارها جميعاً، بل إن اليمن بات ظهيراً آمناً لكل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان أولاً، وبقية دول مجلس التعاون ثانياً من خلال حمايته لحدودهما البرية الجنوبية بالنسبة إلى السعودية، والغربية بالنسبة إلى سلطنة عمان. ما يعني بالتبعية أن أي فوضى أو تهديد استراتيجي في اليمن يمثل خطراً أمنياً وتهديداً استراتيجياً للأمن الوطني السعودي بشكل خاص، وللأمن الوطني في مجمل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل عام.
 
جـ- الهجرة غير الشرعية: يمثل اليمن حاجزاً لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من الهجرة غير الشرعية والتنظيمات الإرهابية كتنظيم «القاعدة»، وغيره من التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي باتت تتمركز في مناطق مختلفة من اليمن خلال السنوات القليلة الماضية. 
 
د- شريك فعال في المجتمع الدولي: أثبت اليمن خلال السنوات الماضية أنه شريك فعال مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب ومكافحة الجرائم المنظمة، خاصة فيما يتعلق بتهريب الأسلحة والمخدرات، لأن الممرات والمضايق المائية التي يشرف عليها، إذا لم تتمتع بالتأمين الكامل، فإنها قد تتحول إلى مصدر لتهديد دول المنطقة بأسرها، وخاصة إذا ما تم استخدامها في عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات، وربما هذا يفسر تفهم القوى الكبرى والإقليمية لمطالب اليمن الأمنية التي في الأصل تصب في حماية الحركة الملاحية الدولية، وتحد من انتشار الأسلحة في تلك المنطقة. 
 
هـ- الأمن الإقليمي والعالمي: يمثل اليمن رقماً مهماً في معادلة الأمن الإقليمي والعالمي على حد سواء، وربما هذا يفسر التصارع أو التنافس بين القوى الكبرى والإقليمية على تعزيز نفوذها في اليمن، فالولايات المتحدة والقوى الغربية بوجه عام تعطي أولوية لاستقرار اليمن، لاعتبارات عدة، حتى لا تتأثر حركة الملاحة الدولية من ناحية، وحتى لا يتحول اليمن إلى بؤرة للقاعدة والجماعات المتطرفة من ناحية ثانية، كما تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في اليمن، والوصول إلى المضايق والممرات المائية، باعتبارها أوراقاً يمكن توظيفها للضغط والمساومة على دول المنطقة، كما يمكن أن يكون نفوذها في اليمن ورقة حيوية للضغط في مفاوضاتها الجارية مع القوى الكبرى حول البرنامج النووي الإيراني.
 
المشهد اليمني.. التطورات السياسية والأمنية
الأوضاع الراهنة في اليمن تبعث على القلق على المستويات كافة، لأنها تنطوي على تحديات بالغة على أمن اليمن واستقراره، وهذا ما يتضح من قراءة المشهد الراهن، وذلك على النحو الآتي:
 
أ- احتدام الصراع على السلطة بين الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، الذي يمارس سلطاته من عدن منذ خروجه إليها في فبراير الماضي 2015، وبين الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء، ويشكلون سلطة موازية بعد الإعلان الدستوري الذي أصدروه في فبراير 2015، وحلوا من خلاله البرلمان اليمني، وأعلنوا تشكيل مجلس رئاسي مؤقت بديل. وهو الإعلان الذي يمثل خطوة فاصلة في المرحلة التي اعتبرها كثير من اليمنيين خلال الشهور الماضية انقلاباً على السلطة، ويضع اليمن أمام تحديات خطيرة، خاصة أن العديد من القوى السياسية، والقبائل اليمنية السنية ترفض الخضوع لسلطة الحوثيين، ما ينذر بمواجهات محتملة بين الحوثيين والقبائل السنية في المحافظات الجنوبية.
 
ولا شك في أن سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن بقوة السلاح يعتبَر خروجاً على بنود المبادرة الخليجية التي طرحتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في نوفمبر 2011، عقب اندلاع مظاهرات الشباب، وقد وقع عليها الرئيس السابق علي عبدالله صالح لنقل السلطة إلى نائبه آنذاك عبد ربه منصور هادي. وقد لاقت تلك المبادرة ترحيباً دولياً واسعاً في حينها؛ فقد دعمتها الولايات المتحدة الأمريكية، واصفة إياها بالخطوة التاريخية؛ لذلك نجد أنه عقب تمكن الرئيس عبد ربه منصور هادي من كسر حالة الحصار المفروضة عليه ووصوله إلى عدن جنوب اليمن في شهر فبراير 2015، أبدى تمسكه بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وبمخرجات الحوار الوطني مرجعية وإطاراً لأي توافق سياسي يخرج اليمن من الأزمة الراهنة. 
 
في المقابل، فإن قراءة خطاب الحوثيين خلال الفترة الماضية، وبعد إعلانهم الدستوري تؤكد بجلاء أنهم ماضون في خطابهم التصعيدي، وغير معنيين بحالة الرفض السياسية والمجتمعية السائدة بين القوى السياسية اليمنية المختلفة لإعلانهم الدستوري، بل وأكثر من ذلك أنهم بدؤوا في توجيه الاتهامات لهذه القوى بأنها تنفذ أجندة خارجية، وهذا ما بدا واضحاً في مفردات الخطاب الذي بثه زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي، خلال شهري فبراير ومارس 2015، فقد اتهم خصومه السياسيين بالإصرار على الفوضى وجر البلاد إلى الفراغ والانهيار، بل إن الحوثيين قاموا باعتقال بعض قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح، والتهديد بحل الأحزاب السياسية الأخرى ما لم تخضع لإرادتهم.
 
ب- فرصة لتنظيم القاعدة لتعزيز نفوذه وتواجده: تمثل الأوضاع الأمنية الراهنة في اليمن فرصة لتنظيم القاعدة لتعزيز نفوذه ووجوده، حيث يستغل التنظيم حالة الفراغ الأمني في التمدد في العديد من المناطق اليمنية، خاصة أن التنظيم لديه رؤية جيوبولوتيكية خاصة لليمن، فموقع البلاد الجغرافي وما يتميز هذا الموقع من طبيعة جبلية حصينة تجعل منه قلعة طبيعية منيعة يمكن أن تختبئ فيها عناصر التنظيمات المتطرفة، كما أن هذا الموقع يمثل أهمية استثنائية بالنسبة إلى جميع دول مجلس التعاون، بل الشرق الأوسط كله، فاليمن يمتلك حدوداً مفتوحة تزيد على أربعة آلاف كم، وسواحل بحرية تزيد على ثلاثة آلاف كم، وتتحكم بواحدة من أهم البوابات البحرية وهو مضيق باب المندب، وهو أيضاً عامل انتشار السلاح نظراً إلى التقاليد القبلية، إضافة إلى العامل الديني المرتبط باليمن، حيث تمثل كلها بنظر تنظيم «القاعدة» عوامل أساسية ليكون اليمن منطلقاً وقاعدة للجهاد والانطلاق إلى باقي دول الخليج في الجزيرة العربية.
 
وقد استغل تنظيم القاعدة في اليمن الظروف والأوضاع في البلاد خلال الأشهر الماضية في تعزيز نفوذه مستفيداً من التطورات السياسية والأمنية، حيث أتاحت أزمة الحوثيين بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 فرصة للقاعدة للعودة إلى واجهة الأحداث وممارسة أنشطته الإرهابية في ظل غياب الدولة اليمنية وقبضتها الأمنية، بل إن التنظيم يحاول الظهور بمظهر المدافع عن أهل السنة في مواجهة الحوثيين الشيعة، إذ أعلنت «القاعدة» نقل المعركة إلى العاصمة صنعاء لمواجهة الحوثيين. كما تشير بعض التقارير إلى أن كثيراً من المقاتلين التابعين للتنظيم قد وصلوا إلى صنعاء للمشاركة في القتال من أجل الدفاع عن «أهل السنة»، ما جعل اليمن ساحة لتصفية الخلافات العقائدية. ويرى مراقبون أن غياب الدولة اليمنية، خاصة بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة والمقرات الرئيسية للحكومة اليمنية، وانشغال الجيش الحكومي بالأوضاع الداخلية، حيث استغل التنظيم هذه الاضطرابات في تعظيم نفوذه في المناطق التي يسيطر عليها في العديد من المدن اليمنية، خاصة في المحافظات الجنوبية، ما أوجد له قاعدة للانطلاق، وأماكن للتدريب والتجنيد. 
 
وقد أخذ الصراع بين القاعدة والحوثيين بعداً عقائدياً، حيث استغلت القاعدة الوضع، من خلال محاولة الظهور بمظهر المدافع عن أهل السنة ضد الحوثيين الشيعة. ومن هنا فقد أضحى التنظيم يقاتل على جبهتين في اليمن: جبهة ضد الحوثيين، والأخرى ضد الجيش اليمني. ولا في شك أن هذا الوضع الخطير في اليمن سيؤدي بالضرورة إلى تعميق وتعقيد مشكلة ومخاطر الإرهاب التي لا تنضب في المنطقة منذ اندلاع أحداث ما يسمى «الربيع العربي»؛ وذلك بزيادة أماكن التوتر والصراع من ناحية، وجذب الجهاديين من ناحية أخرى، الأمر الذي ينذر بتحول اليمن لبؤرة جاذبة للجهاديين، ولاسيما أن تنظيم القاعدة قد أعلن صراحة أنه يخوض الحرب ضد الشيعة للدفاع عن أهل السنة في اليمن، وأنه يدعو أهل السنة إلى حمل السلاح، والوقوف إلى جواره في حربه ضد الحوثيين من أجل الحفاظ على أهل السنة وحقوقهم بحسب مزاعم التنظيم، الذي يستغل ممارسات الحوثيين ونزعتهم التسلطية في تحويل الصراع إلى صراع ديني وعقائدي مدمر. 
 
ويرى مراقبون أن هذا الخطاب الطائفي من قبل القاعدة قد يستدعي الجهاديين من خارج اليمن للمشاركة في القتال ضد الحوثيين، ما سيجعل اليمن بؤرة جاذبة للجهاديين من خارجها، الذين سيتدفقون على البلاد من أجل نصرة الإسلام، والدفاع عن أهل السنة ضد الشيعة، ما ينذر بتصاعد العنف الطائفي والمذهبي في اليمن خلال الفترة المقبلة ويؤثر بالتبعية في الأمن الوطني لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وينذر بتحول المنطقة بأكملها إلى مزيد من التوترات الطائفية في ظل وجود بؤر صراع طائفية بالشمال في العراق وجنوبية في اليمن.
 
ج- تنامي النزعات الانفصالية في اليمن:  تشير تطورات المشهد اليمني إلى أن معظم الأطراف الفاعلة باليمن، وفي مقدمتهم جماعة الحوثيين، قد تجاوزت المبادرة الخليجية التي كانت الإطار الأشمل للخروج من مأزق اليمن السياسي بعد احتجاجات 2011، كما أنها قد تغاضت أيضاً عن الالتزام بمقررات المسار السياسي للحوار الوطني العام، والمتعلق بتطبيق النظام الفيدرالي الذي يؤسس لقيام ستة أقاليم تتكون منها دولة اليمن؛ ما فتح الطرق واسعاً ليس أمام غياب الدولة فقط، وإنما بداية التأسيس لواقع يمني جديد يقوم على الانقسام الفعلي إلى أقاليم عدة.
 
ولا يمكن فصل تصاعد المطالب الانفصالية للحراك الجنوبي في اليمن الآونة الأخيرة بمعزل عن تطورات المشهد الداخلي السياسي والأمني، وخاصة بعد نجاح الحوثيين في السيطرة على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، وقد أثيرت في الآونة الأخيرة إمكانية تشكيل تحالف فيدرالي اتحادي جديد يضم الأقاليم الخمسة الأخرى، غير الإقليم الأخير وهو إقليم (آزال) الذي يضم العاصمة صنعاء والمحافظات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وهي محافظات صعدة وعمران وصنعاء وذمار. واللافت للنظر هنا أن هذه الأقاليم الخمسة التي تسعى إلى إيجاد اتحاد فيدرالي جديد هي أقاليم سنية، تشمل المحافظات الجنوبية التي كانت تطالب بالانفصال عن الشمال بسبب التهميش الشمالي للجنوب، فجاءتهم الفرصة حالياً عبر تصاعد الرغبة بالانفصال من الشمال ذاته ولكن على أساس مذهبي، وليس على أساس جغرافي كما كان في السابق.
 
 ويرى مراقبون أن نجاح هذه الأقاليم في إقامة تحالف فيدرالي فيما بينها يمثل ضربة قاصمة للحوثيين، وخاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن هذه الأقاليم تسيطر على جميع الموارد الاقتصادية والبشرية، وفي مقدمتها النفطية والغازية والكهرباء والموارد البحرية والموانئ البحرية والجوية وغيرها. وقد تعززت مطالب الحراك الجنوبي الانفصالية بعد توجه الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن، التي تحولت إلى عاصمة مؤقتة للجمهورية اليمنية. 
 
د- الجيش اليمني، وعلاقته بأطراف الصراع الداخلي: لا شك في أن الجيش اليمني يمثل العامل الحاسم في تحديد مستقبل الصراع الحالي على السلطة في البلاد، ويجمع كثير من المراقبين على أن من يملك السيطرة على الأفرع المختلفة للجيش، سيكون قادراً على حسم الصراع لمصلحته. وإذا انتقلنا إلى تحليل علاقة الجيش بالأطراف الرئيسية للصراع، ممثلة في الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، والحوثيين، والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، يمكن الإشارة إلى ملاحظات رئيسية عدة، أهمها:
 
أولاً: يعاني الجيش اليمني وجود ولاءات متعددة، ويتوزع على بعض مراكز قوى عسكرية وقبلية في الشمال، أهمها في الوقت الراهن الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونجله أحمد، وجماعة الحوثي التي تمكنت مؤخراً من اختراق مؤسسة الجيش والأمن وشراء الولاءات وامتلاك نفوذ لا يقل عن نفوذ صالح، فضلاً عن وجود بعض القيادات العسكرية التي أعلنت انحيازها مؤخراً للرئيس عبد ربه منصور هادي في صراعه مع الحوثيين.
 
ثانياً: على الرغم من سيطرة الحوثيين على جزء كبير من المحافظات اليمنية الشمالية، فإن الأمر الأكثر خطورة والذي يثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن الحوثيين يتخذون خطوات لبقاء طويل الأمد في السلطة ويستعدون لخوض صراعات طويلة من أجل البقاء في السلطة، بغض النظر عن الحوارات والنقاشات السياسية والمواقف الخليجية والعربية والدولية، هو وضع أيديهم على الترسانة العسكرية للدولة اليمنية منذ تحركهم باتجاه محافظة عمران، في شهر يوليو 2014، حيث تمكن الحوثيون من السيطرة على معظم الألوية العسكرية بما فيها ألوية الحماية الرئاسية والصواريخ والدفاع الساحلي. ويؤكد المراقبون أن الحالة الأخطر في وضع الحوثيين أيديهم على الجيش اليمني، تكمن في منظومة الصواريخ التي باتوا يسيطرون عليها وأبرزها صواريخ (سكود) الروسية الصنع، حيث لن يجدوا صعوبة في التعامل معها وتوجيهها بتعاون إيراني، في حال قرروا ذلك.
 
 ثالثاً: ما زال للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح تأثير في عدد من القوات النظامية التي قد تسانده ونجله في المرحلة المقبلة، ولاسيما أن البلاد تبدو في طريقها إلى صراع عسكري قد يطول أو هو مرشح بالفعل للاستمرار خلال المدى المنظور، وليس هناك من قوات أفضل من القوات الخاصة (الحرس الجمهوري) كورقة عسكرية رابحة بيد صالح، خاصة أن بناءها تم على يد أخيه غير الشقيق، ثم نجله أحمد، ومن الصعب توقع قيام صالح بتسليم هذه الورقة كاملة إلى الحوثيين في الظروف الراهنة.
 
رابعاً: شكل خروج وزير الدفاع اليمني، محمود الصبيحي، من صنعاء إلى عدن والتحاقه بركب الرئيس عبد ربه منصور هادي، في الثامن من شهر مارس 2015 انتكاسة كبيرة للحوثيين، ونقطة تحول في المؤسسة العسكرية اليمنية، نظراً إلى ما عرف عنه من وقوفه في وجه الحوثيين وإعلانه عدم السماح بدخول الميليشيات الحوثية إلى تعز، كما كان من أكثر القادة العسكريين معارضة لبقائها في صنعاء. وعرف عن الصبيحي نزاهته وانضباطه العسكري وعلاقاته المتميزة بجنوده وضباطه، وبالتالي فإن نجاحه في الوصول إلى منطقة الصبيحة مسقط رأسه أحدث إرباكاً في صفوف الحوثيين، وأنعش الصف المعارض لانقلابهم في عدن. 
 
الأوضاع الراهنة في اليمن.. تداعيات استراتيجية محتملة
لا شك أن المشهد اليمني الراهن، والذي يسيطر عليه التوتر والصراع والتأزم، لا يمثل فقط عامل قلق لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وإنما يمثل تهديداً لأمنها الوطني على أكثر من مستوى أيضاً، وذلك على النحو الآتي:
 
أ- إثارة النعرات المذهبية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي: فلا شك أن تمدد إيران في اليمن عبر «الحوثيين»، يمكن أن يشكل خطراً على الأمن والاستقرار الإقليمي، فبروز الشيعة بهذه القوة في اليمن يجعل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مرمى أهداف «الحركة الحوثية»، كما يمثل تصاعد سيطرتهم دافعاً لإذكاء النعرة الطائفية في منطقة الخليج العربية، وخصوصاً في ظل اشتعال الوضع في العراق على قاعدة الطائفية أيضاً. 
فإذا كان بروز الشيعة في العراق غيّر ملامح المنطقة بشكل عام، فسيكون بروز الشيعة بهذه القوة في اليمن نقطة فاصلة أخرى، وقد تكون دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مرمى أهداف الحركة الحوثية، خاصة في ضوء الخطاب التصعيدي الذي يتبناه الحوثيون ضد دول المجلس، والذي ينطوي على تهديدات صريحة، وهذا ما يمكن قراءته من خطابات زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي منذ الإعلان الدستوري الذي عززوا من خلاله سيطرتهم على السلطة في صنعاء في فبراير 2015، حيث زعم أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تدعم ما سماه الفوضى والتخريب في اليمن، وزعم الحوثي كذلك أن بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تسعى إلى فرض «النموذج الليبي» في اليمن، ‏خصوصاً بعد مغادرة هادي إلى عدن في شهر فبراير 2015، وذلك من خلال نقل السفارات الخليجية والأنشطة السياسية إلى عدن التي باتت تمثل الشرعية في اليمن في خطوة وجهت ضربة قوية لطموحات الحوثيين في تكريس الوضع الانقلابي في البلاد. 
 
كما هدد عبدالملك الحوثي في خطاب آخر ألقاه في شهر فبراير 2015 دول مجلس التعاون باستهداف مصالحها في اليمن في حال واصلت رفضها لتطورات الأحداث السياسية الأخيرة والإعلان الدستوري، وقال: «إذا تعرض اقتصاد اليمن لخطر فإن مصالح القوى المنزعجة في الداخل والخارج ستتضرر». وفي شهر مارس 2015، عاد الحوثي وزعم أن دولاً خليجية تقوم بتقديم دعم مالي وعسكري لمتشددين إسلاميين في مساع لتغيير المناخ السياسي في اليمن، رافضاً الكشف عن أسماء من قاموا بتجنيد متشددين لتنظيم «القاعدة» ودعمهم مالياً وعسكرياً من أجل تهيئة المناخ لتنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية، حسب زعمه، الأمر الذي يعكس بوضوح الرؤية التي ينظر بها الحوثيون إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، علماً بأن هذه الاتهامات ليست سوى محاولة لتأليب الدوائر الغريبة ضد دول مجلس التعاون عبر اتهام هذه الدول بدعم تنظيم القاعدة على الرغم من موقف دول مجلس التعاون، وخصوصاً دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، المعادي بقوة للإرهاب وتنظيماته كافة.
 
وفي شهر مارس 2015، قام الحوثيون بأول مناورة عسكرية في محافظة صعدة، قرب الحدود السعودية، واستخدموا فيها جميع الأسلحة التي استولوا عليها من مخازن الجيش اليمني، في خطوة تستهدف بالأساس إيصال رسالة إلى المملكة العربية السعودية مفادها، كما يرى بعض المراقبين، أن الحوثيين قادرون على تهديد أمن المملكة واستقرارها، وذلك رداً على الدعم السياسي الذي قدمته الرياض للرئيس هادي. وما يؤكد أن هذه المناورات موجهة للسعودية أن الحوثيين لم يسبق لهم التدريب في هذه المنطقة القريبة من منفذ حدودي مع نجران، ما قد يشكل استفزازاً واضحاً للسعودية وجميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تساند الاستقرار والشرعية في اليمن.
 
ب- تصاعد خطر القاعدة في اليمن: يمكن أن يؤثر في أمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي واستقرارها، وخاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن تنظيم القاعدة وإن كان قيادته مستقرة في اليمن إلا أن دلالة الاسم الذي اختاره لنفسه «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» تشير إلى أن منطقة الخليج العربي تدخل في دائرة استهدافه، وأن خطورته لا تقتصر على اليمن وحده. كما أن القاعدة تتبنى أيديولوجية متطرفة تستهدف إقامة إمارة إسلامية كبيرة تضم منطقة شبه الجزيرة العربية، كما أنها تولي أهمية خاصة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لاعتبارات عدة بسبب موقعها الجغرافي، وحجم الثروات والموارد الهائلة فيها، والتي قد تساعدها على تنفيذ مخططاتها العالمية، لهذا فإن الأوضاع الراهنة في اليمن، وما تتيحه من فرص لتنامي نفوذ تنظيم القاعدة، تمثل تهديداً محتملاً لأمن دول مجلس التعاون.
 
جـ- يمثل اليمن فرصة استراتيجية لإيران: في ظل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، حيث يتيح هذا الأمر لطهران موطئ قدم استراتيجي مهم ومباشر على مضيق هرمز إلى بحر العرب، وكذلك فإن موقع اليمن الجغرافي المميز على طريق الملاحة الدولية من شأنه تمكين إيران من تعطيل جزء مهم من خطوط الملاحة الدولية، وبالتالي الإضرار بالمصالح الخليجية والغربية في المنطقة. وهذا يفسر التحرك الإيراني لتقديم مختلف مظاهر الدعم للحوثيين، سياسياً وعسكرياً، بل إن الأمر اللافت هو قيام إيران بتشبيه استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن، بأنه امتداد لثورتها الإسلامية، حيث اعتبر رئيس الدائرة العربية والإفريقية في الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، في تصريحات في شهر فبراير 2015، أن بلاده تدعم وحدة الصف في الشارع اليمني، قائلاً إن «ما يحدث في هذا البلد يبقى شأناً داخلياً ويتعلق باليمنيين من كل الأطراف». وفي سياقٍ متّصل، قال قائد فيلق «القدس» في الحرس الثوري، قاسم سليماني، إن الدلائل على تصدير الثورة الإيرانية إلى عدد من المناطق «باتت واضحة للعيان، حيث وصلت إلى كل من اليمن والبحرين وسورية والعراق وحتى شمال إفريقيا»، معتبراً أن هذا الأمر كان من أبرز إنجازات الثورة الإيرانية التي أطاحت حكم الشاه نهاية سبعينيات القرن الماضي. كما اعترف عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني ناطق نوري بتدخل بلاده في 4 دول عربية بدعوى تصدير الثورة الإيرانية إليها. وقال في تصريح صحفي في شهر فبراير 2015 «إن إيران تمكنت من تصدير ثورتها إلى اليمن وسوريا والعراق ولبنان»، وأضاف «نرى اليوم آثار ثورتنا في تلك الدول وإن هذا تم ببركة قائد الثورة (مؤسس الجمهورية الإيرانية الراحل) الإمام الخميني».
 
 ولا شك في أن هذه التصريحات والمواقف تعكس في إحدى دلالاتها المهمة طبيعة الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، والتي تستخدم الورقة الطائفية والمذهبية، في تعزيز وجودها وتمددها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، حيث ترى الحوثيين بمنزلة «حزب الله» جديد في اليمن، يمكنهم من السيطرة على اليمن، وخاصة المضايق والممرات المائية المهمة التي باتت أحد الأهداف الاستراتيجية التي تطمح إيران في السيطرة عليها، باعتبارها أوراقاً مهمة في إدارة صراعاتها الإقليمية والدولية.
 
د-استمرار الأوضاع الراهنة في اليمن، الأزمة السياسية، والانفلات الأمني، تردي الأوضاع الاقتصادية: قد يفرز تحديات عديدة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي خلال الفترة المقبلة، حيث قد يهدد مصالحها الاقتصادية في اليمن، ومن هذه المصالح، المشروعات الاستثمارية الخليجية في صنعاء، التي تُقدَّر قيمتها بنحو 70% من حجم الاستثمارات الأجنبية في البلاد، والتي تأثرت سلبياً في ضوء الأزمة الحالية؛ حيث توقف أكثر من 100 مشروع استثماري خليجي نتيجة الاضطرابات الأمنية والسياسية، بحسب تصريحات مسؤولين يمنيين، فضلاً عن وجود عدد من المستثمرين الخليجيين لا يقدرون على سحب استثماراتهم من اليمن، في الوقت الذي تتعرض فيه مشروعاتهم للنهب والسرقة؛ لغياب معايير الأمان في البلاد؛ الأمر الذي يهدد بمزيد من التدهور الاقتصادي لليمن، كما أن تردي الأوضاع الاقتصادية وما يرتبط بها من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة؛ يمثل عبئاً آخر على دول مجلس التعاون، يتمثل في التهديدات الاجتماعية (الهجرة غير الشرعية) لآلاف من الشباب اليمنيين نتيجة لسوء الوضع الاقتصادي والاجتماعية والأمنية في البلاد. ولعل تهديد زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، دول مجلس التعاون باستهداف مصالحها في اليمن إذا واصلت رفضها تطورات الأحداث السياسية الأخيرة والإعلان الدستوري يؤكد هذه المخاوف بجلاء، حيث لا يستبعد بعض المراقبين قيام الحوثيين باستهداف المصالح الخليجية، خاصة تلك الموجودة في صنعاء من أجل الضغط على دول مجلس التعاون.
 
هـ- تصاعد المخاوف من تحوّل خليج عدن وباب المندب إلى وجهة للقراصنة البحرية: فقد أثار هجوم قراصنة على ناقلة نفط كويتية في خليج عدن، في شهر فبراير 2015 المخاوف من عودة ظاهرة القرصنة البحرية في هذه المنطقة الحيوية من العالم، في ظل غياب الدولة اليمنية وسيطرة جماعة الحوثي المسلحة على مناطق عدة في البلاد. ويرى محللون وخبراء أن عودة ظاهرة القرصنة البحرية في خليج عدن، تهدد خطوط الملاحة العالمية، وسلامة الأمن البحري في المنطقة، كما يعرّض نحو 16 ألف سفينة تجارية تعبر كل سنة في مضيق باب المندب، الواقع بين خليج عدن والبحر الأحمر، لتهديد القراصنة، فضلاً عن استهداف نحو %30 من النفط الخام العالمي، الذي يستخدم هذا المسار البحري.
 
الأمر الآخر الذي يمثل عامل قلق هو أنه في حال عودة القرصنة البحرية في خليج عدن، فإنها ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف التأمين بالنسبة إلى شركات الشحن، وهو ما قد يدفع بعض الشركات إلى تحويل سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما قد يؤثر سلبياً في إيرادات قناة السويس المصرية ويهدد الأمن القومي المصري بشكل أو بآخر. وأثارت سيطرة جماعة الحوثي على السلطة في اليمن، مخاوف بشأن احتمال سقوط مضيق باب المندب تحت سيطرة المسلحين، وهو الذي تُشحن منه يومياً نحو ثلاثة ملايين برميل من النفط في اتجاه أوروبا والولايات المتحدة. وحسب تقارير دولية، فإن ظاهرة القرصنة تكبّد الاقتصاد العالمي خسائر بنحو 18 مليار دولار سنوياً، إذ تضطر شركات الشحن إلى تغيير طرق التجارة ودفع مبالغ أكبر مقابل الوقود وأقساط التأمين. لكن هناك من يرى أن عودة القرصنة إلى خليج عدن وباب المندب تبدو أمراً صعباً، لأن هناك اهتماماً إقليمياً ودولياً بهذا الخطر المحتمل، كما توجد في خليج عدن قوات أمريكية وفرنسية وتركية وإيرانية في إطار تحالف دولي لمحاربة القرصنة.
 
مسارات التحرك 
 في ظل التهديدات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، فإنها قامت بالعديد من التحركات خلال الشهرين الماضيين، للتعامل مع الأزمة اليمنية، تتمثل في المسارات التالية:
 
أولاً: المسار السياسي: من خلال تأكيد الشرعية السياسية والدستورية التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي، حيث اتخذت دول المجلس في هذا الشأن خطوات إيجابية عدة لدعم ومساندة الشرعية السياسية في اليمن في مواجهة أسلوب فرض القوة الحوثي، كان أبرزها إغلاق سفاراتها في العاصمة صنعاء احتجاجاً على الإعلان الدستوري الذي أصدره الحوثيون في شهر فبراير 2015، ثم قامت بإعادة فتح سفاراتها انطلاقاً من عدن، حيث يقيم الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور هادي. كما رحب مجلس التعاون لدول الخليج العربية في بيان صدر عنه في شهر فبراير 2015 بخروج الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من مقر إقامته الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون في صنعاء ووصوله إلى عدن في جنوب اليمن، سالماً معافى. واعتبر المجلس في بيانه أن خروج الرئيس اليمني «خطوة مهمة لتأكيد الشرعية» مطالباً برفع الإقامة الجبرية عن رئيس الوزراء وغيره من السياسيين وإطلاق سراح المختطفين. 
 
ودعا البيان أبناء الشعب اليمني وجميع القوى السياسية والاجتماعية إلى الالتفاف حول الرئيس هادي ودعمه في ممارسة كافة مهامه الدستورية من أجل إخراج اليمن من الوضع الخطير الذي أوصله إليه الحوثيون. وأكد المجلس دعمه لدفع العملية السياسية السلمية وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني مطالباً مجلس الأمن الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه أمن واستقرار اليمن بدعم الشرعية في اليمن واعتبار كافة الإجراءات والخطوات التي اتخذت من قبل الحوثيين «باطلة لا شرعية لها». 
 
وضمن المسار السياسي أيضاً، حثت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أطراف الأزمة اليمنية على ضرورة العودة إلى المبادرة الخليجية، التي تتضمن انتقالاً سلميّاً للسلطة، من خلال تكوين حكومة وحدة وطنية، ووجود الرئيس هادي على رأس السلطة في اليمن، ومن ثم رفض الدعوات المتكررة بتشكيل مجلس رئاسي يقود البلاد في المرحلة القادمة، التي تم تضمينها في الإعلان الدستوري الذي أصدرته جماعة الحوثيين في المادة الثامنة منه، التي تنص على تشكيل مجلس رئاسي يقود البلاد مكون من خمسة أعضاء. وجدد الأمين العام للمجلس عبداللطيف الزياني قوله إن «الشرعية الدستورية هي لرئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، ومثل هذا التوجه (السعي إلى تشكيل مجلس رئاسي) يتعارض مع الدستور اليمني». كما أدان اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الاستثنائي، الذي عُقد في المملكة العربية السعودية في 21 يناير 2015، ما وصفه نصاً بـ»الاعتداء على الشرعية الدستورية، واستخدام الحوثيين العنف ضد الدولة ومؤسساتها وترهيب المواطنين». 
 
وأكد البيان الصادر عن المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الثاني عشر من مارس 2015 التزام دول المجلس بأمن اليمن واستقراره دعماً للشرعية المتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي، واستكمال العملية السياسية وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، كما أعرب المجلس الوزاري عن اعتزازه بموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وإخوانه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، حفظهم الله ورعاهم، على طلب الرئيس عبد ربه منصور هادي بعقد مؤتمر بشأن اليمن تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون بالرياض، وذلك وفقاً للأهداف التي حددها خطاب الرئيس اليمني إلى خادم الحرمين الشريفين وهي «المحافظة على أمن واستقرار اليمن وفي إطار التمسك بالشرعية ورفض الانقلاب عليها، وعدم التعامل مع ما يسمى «الإعلان الدستوري» ورفض شرعنته، وإعادة الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الدولة، وعودة الدولة إلى بسط سلطتها على الأراضي اليمنية كافة، والخروج باليمن إلى بر الأمان بما يكفل عودة الأمور إلى نصابها، وأن تستأنف العملية السياسية وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني، وألا يصبح اليمن مقراً للمنظمات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة ومرتعاً لها». ودعا المجلس الوزاري المكونات السياسية اليمنية كافة إلى سرعة الاستجابة لطلب الرئيس عبد ربه منصور هادي.
 
ثانياً: المسار الدبلوماسي: حيث تحركت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لإقناع المجتمع الدولي والأمم المتحدة بضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد الحوثيين، وإجبارهم على التخلي عن الإعلان الدستوري الذي مكنهم من السيطرة على السلطة في صنعاء، وقد ترجمت هذه الجهود في القرار رقم 2201 الصادر من مجلس الأمن بشأن الأزمة اليمنية في 16 فبراير 2015، والذي أكد ضرورة الالتزام بالمبادرة الخليجية، وآليتها التنفيذية، واتفاق السلم والشراكة، أساساً لأي مفاوضات سياسية، كما كانت المبادرة الخليجية هي الحاضر القوي والأساسي في مفاوضات المبعوث الأممي جمال بنعمر مع القوى السياسية المختلفة في اليمن. كما دعا قرار مجلس الأمن المليشيات المسلحة التابعة لجماعة الحوثي بالانسحاب من العاصمة صنعاء وباقي المدن اليمنية. وأكد القرار من جديد الالتزام القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، والتزامه بالوقوف إلى جانب الشعب اليمني، كما دعم القرار جهود مجلس التعاون لدول الخليج العربية وأثنى على مشاركتها في مساعدة عملية الانتقال السياسي في اليمن، مؤكداً أن الإجراءات التي اتخذها الحوثيون من حل للبرلمان والاستيلاء على المؤسسات الحكومية في اليمن صعدت بشكل خطير من الأوضاع، معرباً عن انزعاجه من أعمال العنف التي يرتكبها الحوثيون وداعميهم، والتي قوضت عملية الانتقال السياسي في اليمن، وشكلت خطراً على أمن اليمن واستقراره وسيادته ووحدته، مؤكداً أن العملية السياسية الانتقالية المتفق عليها من قبل الأطراف الموقعة على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وآلية تنفيذها، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، واتفاق السلم والشراكة الوطنية قد تم تقويضها. 
 
ونتيجة لجهود مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فقد دعت مجموعة سفراء الدول العشر وألمانيا واليابان وهولندا وتركيا، الأطراف الداخلية إلى دعم وتنفيذ التزامات اليمن ضمن إطار مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، واتفاق السلم والشراكة الوطنية، ومبادرة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، معتبرة أن هذه الاتفاقيات تمثل الأساس الوحيد المتوافق عليه لعملية انتقالية تعود بالنفع على كل الشعب اليمني. وأكدت هذه الدول الراعية للمبادرة الخليجية والتسوية السياسية دعمها للمفاوضات القائمة الساعية للوصول إلى حل قائم على توافق سياسي، والتي يتم عقدها تحت إشراف جهود الممثل الخاص للأمم المتحدة جمال بنعمر، بهدف التوصل إلى تحقيق توافق سياسي عبر إرادة سياسية صادقة من جميع الأطراف اليمنية. 
وحثت الدول العشر كل الأطراف اليمنية على تأكيد التزامها تجاه توافق سياسي صادق يأخذ في الاعتبار إرادة الشعب اليمني بأكمله، من أجل إكمال المهام المتبقية في العملية الانتقالية بحسب ما عبر عنه مؤتمر الحوار الوطني ومشاوراته، وبحسب ما تمثله القوى السياسية. ودعت جميع الأطراف إلى التفاعل الإيجابي واحترام مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بحرية الحركة والتجمع والتعبير. وأكدت ضرورة أن يتمتع الرئيس المستقيل هادي ورئيس الوزراء المستقيل خالد بحاح والوزراء المستقيلون بحرية التنقل داخل وخارج البلد، ويجب ألا تستخدم القوة ضد تحركاتهم.
 
كما أكد جمال بنعمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن في العديد من التصريحات خلال شهري فبراير ومارس 2015 أن المرجعية الوحيدة للمفاوضات التي تجري بين القوى السياسية اليمنية للتوصل إلى حل للازمة الحالية منذ اليوم الأول لانطلاقها هي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة بالإضافة إلى قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة باليمن. كما وصف بنعمر ما يسمى «الإعلان الدستوري» الذي أصدره الحوثيون بأنه إجراء أحادي الجانب وهذا يعني أنه لا يدخل في المرجعيات في عملية سياسية قائمة على التوافق والشراكة كما هو الشأن في اليمن. 
 
 ثالثاً: زيارة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبداللطيف الزياني إلى عدن جنوب اليمن، في نهاية شهر فبراير 2015: تعتبر هذه الزيارة أقوى تأييد خليجي للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وتدعيم شرعيته الدستورية في مواجهة استيلاء الحوثيين على السلطة. خاصة أن هذه الزيارة جاءت بعد أيام قليلة من تمكن الرئيس هادي من الإفلات من حصار فرضه عليه الانقلابيون الحوثيون في صنعاء وعودته إلى عدن وسحبه للاستقالة التي كان تقدم بها إلى البرلمان. 
 
وعلى الرغم من أن زيارة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى عدن، لم تستغرق سوى ساعات محدودة، فإنها انطوت على دلالات عميقة، أولها أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية باتت تمتلك زمام المبادرة في تفاعلات الأزمة اليمنية، وليس أدل على ذلك من قيام قوى إقليمية ودولية وهيئات أممية باتباع المواقف ذاتها في دعم الشرعية الدستورية التي يمثلها الرئيس اليمني. ثانيها أن دول مجلس التعاون تستهدف بالأساس حل الأزمة اليمنية، وإحياء المبادرة الخليجية التي توافقت عليها مختلف القوى السياسية، باعتبارها تتضمن خارطة طريق لمستقبل اليمن، وهذا الأمر كان في صلب المباحثات التي عقدها الزياني مع الرئيس اليمني أمس في عدن، وبما يتيح العودة إلى العملية السياسية والمبادرة الخليجية والحوار الوطني. ثالثها أن هذه الزيارة وإن كانت تعكس الدعم السياسي القوى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لليمن، وهو ما عكسته تصريحات الزياني التي أكد فيها متانة العلاقة بين دول مجلس التعاون واليمن، وأن الدعم المالي والسياسي الذي تقدمه حكومات دول مجلس التعاون لنظام الرئيس هادي لن يتوقف، لكنها تؤشر في الوقت ذاته على أن دول المجلس ستعاود تقديم المساعدات التنموية لليمن خلال الفترة المقبلة، وتحديداً للرئيس هادي الذي يمثل السلطة الشرعية في اليمن، من أجل مساعدته على مواجهة التحديات الاقتصادية العميقة التي تواجه الدولة اليمنية، وتنعكس سلباً على قطاعات عريضة من أبناء الشعب اليمني.
 
خاتمــــة
على الرغم من أهمية التحركات الأخيرة التي قامت بها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتأكيد الشرعية السياسية والدستورية في اليمن، وحث الأطراف المختلفة على الالتزام بالمبادرة الخليجية باعتبارها المرجعية الأساسية لحل الأزمة، فإن هناك ضرورة لمواصلة هذه الجهود خلال الفترة المقبلة من خلال خيارات وبدائل عدة مطروحة للنقاش، والعمل. 
 
أولاً: على تعبئة القوى الإقليمية والدولية للدفاع عنها (الاتحاد الأوروبي- الأمم المتحدة) باعتبارها طوق النجاة للحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، وهذا يقتضي أيضاً التنسيق مع الدول العربية الرئيسية، والتوجه إلى المنظمات الدولية لبحث سبل التعامل مع الحوثيين نتيجة لتعنتهم، وعدم اكتراثهم بقرارات مجلس الأمن. 
 
ثانياً: مواصلة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية سياسة الضغط ضد الحوثيين، وخاصة في حال أصر الحوثيون على ما سمّوه التمسك بـ «الإعلان الدستوري»، وعرقلتهم للجهود التي يبذلها المبعوث الدولي جمال بنعمر من أجل التوصل إلى صياغة حل سياسي للأزمة هناك، وتحفظهم على نقل الحوار إلى الرياض، بل وتبني الحوثيين خطاباً تهديدياً ضد دول المجلس كما سبقت الإشارة. 
 
ثالثاً: إذا كانت إيران تتحرك صراحة لدعم الحوثيين، وتساعدهم على السيطرة على مقدرات الدولة اليمنية، فإن تحرك دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمواجهة هذا الوضع ضرورة حيوية، ليس فقط لإعادة التوازن في الداخل اليمني، وإنما أيضاً للحيلولة دون تمدد الحوثيين وبسط سيطرتهم على مقدرات الدولة اليمنية. 
 
رابعاً: إمكانية محاصرة الحوثيين اقتصادياً للضغط عليهم، خاصةً في ظل وجود غطاء دولي لفرض العقوبات الاقتصادية على بعض الشخصيات اليمنية في ضوء الأزمة الحالية؛ حيث فرض مجلس الأمن عقوبات اقتصادية على الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وبعض قيادات الحوثيين؛ وذلك بمنعهم من السفر وتجميد أصولهم المالية. ولا شك أن تضييق الخناق المالي على صنعاء، قد يشكل عامل ضغط على الحوثيين، وإجبارهم على التنازل عن الإعلان الدستوري والالتزام مجدداً بالمبادرة الخليجية وبآليتها التنفيذية وبمخرجات الحوار الوطني التي لا شك تضمن الحفاظ على الدولة اليمنية موحدة ومستقرة.
 
وهذه البدائل لا تستهدف بالتأكيد التدخل في الشأن اليمني من جانب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإنما تستهدف انتشال البلاد من وضع الصراع والتمزق ودفع الطرف الحوثي إلى التجاوب مع مبادرات الحل السياسي حرصا على مصالح الشعب اليمني وأمنه واستقراره.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره