مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2024-05-01

العلاقات‭ ‬الإماراتية‭ ‬–‭ ‬الإفريقية‭ ‬شراكات‭ ‬متزايدة‭ ‬وآفاق‭ ‬واعدة

تعود‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬مع‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقيةـ‭ ‬تاريخياً‭ ‬ـ‭ ‬إلى‭ ‬بدايات‭ ‬تأسيس‭ ‬دولة‭ ‬الاتحاد‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬ـ‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭ ‬ـ‭  ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬عام‭ ‬1971،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الإمارات‭ ‬الدولة‭ ‬الأولى‭ ‬خليجياً‭ ‬والثانية‭ ‬عربياًـ‭ ‬بخلاف‭ ‬دول‭ ‬الشمال‭ ‬الإفريقي‭ ‬العربيةـ‭ ‬التي‭ ‬تنضم‭ ‬إلى‭ ‬مفوضية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬بصفة‭ ‬مراقب،‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الإمارات‭ ‬وقارة‭ ‬إفريقيا‭ ‬على‭ ‬الصعد‭ ‬التجارية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬والانسانية،‭ ‬كما‭ ‬لعبت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الإماراتية‭ ‬أدواراً‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬بقارة‭ ‬إفريقيا‭.‬
 
‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭  ‬مبادرة‭ ‬المصالحة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الصومالية‭ ‬التي‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬ميثاق‭ ‬دبي‭ ‬2012،‭ ‬والذي‭ ‬يُعد‭ ‬الاتفاق‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬الصومالية‭ ‬وحكومة‭ ‬أرض‭ ‬الصومال،‭ ‬كما‭ ‬نجحت‭ ‬الوساطة‭ ‬الإماراتية‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬رئيس‭ ‬الدولةـ‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭. ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬أطول‭ ‬نزاع‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وهو‭ ‬النزاع‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬نحو‭ ‬عقدين‭ ‬بين‭ ‬إثيوبيا‭ ‬وإريتريا‭ (‬برعاية‭ ‬ووساطة‭ ‬إماراتية‭ ‬وقع‭ ‬أسياس‭ ‬أفورقي‭ ‬رئيس‭ ‬إريتريا‭ ‬وآبي‭ ‬أحمد‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬إثيوبيا‭ ‬في‭ ‬25‭ ‬يوليو‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬إعلان‭ ‬سلام‭ ‬أنهى‭ ‬عداء‭ ‬طويل‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭). ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬تسلط‭ ‬‮«‬درع‭ ‬الوطن‮»‬‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الإماراتية‭ ‬ـ‭ ‬الإفريقية‭.‬
 
الأهمية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للقارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬
تعد‭ ‬إفريقيا‭ ‬قارة‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬والحيوية‭ ‬سواءً‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الجيو‭-‬استراتيجية،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثقلها‭ ‬النوعي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬ككتلة‭ ‬تضم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والقوى‭ ‬ذات‭ ‬الثقل‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المتنامي،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬مواردها‭ ‬وثرواتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬الهائلة‭ ‬والمخزون‭ ‬الحيوي‭ ‬والاستراتيجي‭ ‬من‭ ‬الطاقة،‭ ‬حيث‭ ‬تمتلك‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬حوالي‭ ‬124‭ ‬مليار‭ ‬برميل‭ ‬من‭ ‬احتياطي‭ ‬النفط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقدر‭ ‬بحوالي‭ %‬12‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬احتياطي‭ ‬النفط‭ ‬العالمي،‭ ‬بخلاف‭ ‬نحو‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬برميل‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬القارة‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬جهود‭ ‬الاستخراج‭. ‬كما‭ ‬تمتلك‭ ‬القارة‭ ‬احتياطات‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ثلث‭ ‬إجمالي‭ ‬احتياطات‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬اليورانيوم،‭ ‬وأنتجت‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬حوالي‭ ‬483‭ ‬طنًّا‭ ‬من‭ ‬الذهب،‭ ‬بما‭ ‬يمثل‭ ‬حوالي‭ ‬25‭% ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬إنتاج‭ ‬العالم،‭ ‬وتتصدر‭ ‬إفريقيا‭ ‬سوق‭ ‬تجارة‭ ‬الألماس‭ ‬عالمياً؛‭ ‬حيث‭ ‬تنتج‭ ‬نحو‭ ‬40‭% ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الألماس‭ ‬عالميًا‭. ‬هذا‭ ‬بخلاف‭ ‬ما‭ ‬تحتويه‭ ‬أراضيها‭ ‬من‭ ‬مخزون‭ ‬استراتيجي‭ ‬ضخم‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمواد‭ ‬الخام‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستغل‭ ‬بعد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬قارة‭ ‬الفرص،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بذلك‭ ‬من‭ ‬التنافس‭ ‬الدولي‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يستهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬علاقات‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬ـ‭ ‬ولاسيما‭ ‬الصناعية‭ ‬منها‭ ‬ـ‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭.‬
 
وبالحديث‭ ‬عن‭ ‬الأهمية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للقارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬نشير‭ ‬لمنطقة‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي‭ (‬تضم‭ ‬إريتريا‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬وجيبوتي‭ ‬والصومال،‭ ‬ومن‭ ‬زاوية‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬تتسع‭ ‬المنطقة‭ ‬لتشمل‭ ‬كينيا‭ ‬والسودان‭ ‬وجنوب‭ ‬السودان‭ ‬وأوغندا‭) ‬التي‭ ‬تشرف‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬الممرات‭ ‬البحرية‭ ‬عالمياً،‭ ‬وتلعب‭ ‬دوراً‭ ‬حيوياً‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ترتبط‭ ‬بصلة‭ ‬وثيقة‭ ‬مع‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬المميز‭ ‬الذي‭ ‬أكسب‭ ‬المنطقة‭ ‬أهمية‭ ‬إستراتيجية‭ ‬وعسكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬كبيرة‭ ‬بحكم‭ ‬إطلالها‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والمحيط‭ ‬الهندي،‭ ‬واعتبارها‭ ‬بوابة‭ ‬للتجارة‭ ‬الدولية،‭ ‬وتعززت‭ ‬أهميتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بحكم‭ ‬قربها‭ ‬من‭ ‬مضيق‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬المتحكم‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الجنوب،‭ ‬ولذا‭ ‬أصبحت‭ ‬نقطة‭ ‬جذب‭ ‬واهتمام‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭ ‬متنافسة‭ ‬استراتيجياً‭. ‬
كما‭ ‬تعد‭ ‬منطقة‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بؤرة‭ ‬نشاط‭ ‬لتنظيمات‭ ‬التطرف‭ ‬والارهاب‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ماجذب‭ ‬أنظار‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬والاقليمية‭ ‬للمنطقة‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬تصدير‭ ‬للأنشطة‭ ‬الارهابية‭ ‬التي‭ ‬عانى‭ ‬منها‭ ‬العالم‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬تتكاتف‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬مكافحة‭ ‬الارهاب‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬منطقة‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭.‬
 
مجمل‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬أكسب‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬بُعدًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬متناميًا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬وجعلها‭ ‬ساحة‭ ‬للتنافس‭ ‬الدولي‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين‭ ‬وموسكو،‭ ‬فيما‭ ‬يثير‭ ‬النفوذ‭ ‬الصيني‭ ‬والروسي‭ ‬المتنامي‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأفريقية‭ ‬والساحل‭ ‬الإفريقي‭ ‬مخاوف‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬مغبة‭ ‬توسع‭ ‬الدولتين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬فالصين‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيزاستثماراتها‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الكبرى‭ ‬داخل‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وتستثمر‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬التعدين‭ ‬بجميع‭ ‬أنحاء‭ ‬القارة،‭ ‬وازداد‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬الأمنية‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبير‭ ‬بعد‭ ‬إطلاق‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬،‭ ‬كذلك‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬نفوذها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والأمني‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬عبر‭ ‬تقديم‭ ‬تعاون‭ ‬أمني‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬تدريبات‭ ‬واستخبارات‭ ‬ومعدات‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وهو‭ ‬أيضًا‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬قلق‭ ‬واشنطن‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬تواجدها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬بدأ‭ ‬بتأسيس‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ (‬أفريكوم‭) ‬عام‭ ‬2007‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬العسكريين،‭ ‬كما‭ ‬أسست‭ ‬أكبر‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬جيبوتي،‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬رغم‭ ‬ضآلة‭ ‬مساحتها‭ ‬6‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬أجنبية‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنساوإسبانيا‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬واليابان‭ ‬والصين،‭ ‬وهي‭ ‬الوحيدة‭ ‬للصين‭ ‬خارج‭ ‬حدودها،‭ ‬والأولى‭ ‬لليابان‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وأهم‭ ‬وحدة‭ ‬عسكرية‭ ‬فرنسية‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭.‬
 
ورغم‭ ‬حدة‭ ‬التنافس‭ ‬والاستقطاب‭ ‬الدولي‭ ‬والاقليمي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تخطئه‭ ‬عين‭ ‬مراقب‭ ‬للقارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬فإن‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬تنظر‭ ‬لإفريقيا‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬مغايرة،‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬رؤى‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬المشتركة،‭ ‬مع‭ ‬منح‭ ‬أولوية‭ ‬مطلقة‭ ‬لمبدأ‭ ‬تبادل‭ ‬المنافع‭ ‬والمصالح‭.‬
 
دبلوماسية‭ ‬متزنة
على‭ ‬المستوى‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬تُقِيم‭ ‬الإمارات‭ ‬علاقات‭ ‬رسمية،‭ ‬مع37‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬54‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية‭ ‬معترَفًا‭ ‬بها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬الصومال‮»‬‭ ‬غير‭ ‬المعترَف‭ ‬بها‭ ‬دولياً،‭ ‬وبجانب‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬في‭ ‬صورتها‭ ‬التقليدية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬لم‭ ‬تغب‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الإنسانية‭ ‬الإماراتية‭ ‬بالقارة،‭ ‬حيث‭ ‬تشهد‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬حضور‭ ‬إنساني‭ ‬فاعل‭ ‬للدولة‭ ‬يجسد‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬الراسخة‭ ‬بسياستها‭ ‬الخارجية،‭ ‬وتجسده‭ ‬رؤية‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان،‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬والقائمة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الإمارات‭ ‬ستظل‭ ‬رمزًا‭ ‬للعون‭ ‬والنجدة‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الشدة،‭ ‬ومصدر‭ ‬إلهام‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الإنساني،‭ ‬وتستند‭ ‬هذه‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬محاور‭. ‬أولها‭: ‬المحور‭ ‬الانساني‭/‬الإغاثي،‭ ‬فمن‭ ‬مجموعة‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي،‭ ‬ومن‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬أوغندا‭ ‬والصومال،‭ ‬ومن‭ ‬تشاد‭ ‬إلى‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬تنتشر‭ ‬أيادي‭ ‬الإمارات‭ ‬البيضاء،‭ ‬مصحوبة‭ ‬بجسور‭ ‬جوية‭ ‬وبحرية‭ ‬وبرية‭ ‬تحمل‭ ‬مساعدات‭ ‬إنسانية‭ ‬وإغاثية‭ ‬غير‭ ‬مشروطة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أرسلت‭ ‬الدولة‭ ‬إمدادات‭ ‬غذائية‭ ‬للمتأثرين‭ ‬بالفيضانات‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬إفريقية،‭ ‬كما‭ ‬تحركت‭ ‬القوافل،‭ ‬بحرًا‭ ‬وبرًا‭ ‬وجوًا،‭ ‬نحو‭ ‬السودان‭ ‬بآلاف‭ ‬الأطنان‭ ‬من‭ ‬الإمدادات‭ ‬والمساعدات‭ ‬الطبية‭ ‬والغذائية‭ ‬لإغاثة‭ ‬المدنيين‭ ‬المتضررين‭ ‬ودعم‭ ‬النازحين‭ ‬الذين‭ ‬فروا‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬وبتوجيهات‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان،‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬أقامت‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي‭ ‬مستشفى‭ ‬ميدانيًا‭ ‬بمدينة‭ ‬أمدجراس‭ ‬التشادية‭ ‬لدعم‭ ‬السودانيين‭ ‬النازحين‭ ‬في‭ ‬تشاد،‭ ‬واستقبل‭ ‬المستشفى‭ ‬آلاف‭ ‬المتأثرين‭ ‬بالأوضاع‭ ‬في‭ ‬السودان‭.‬
 
وفي‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022‭ ‬قدمت‭ ‬الدولة‭ ‬نحو‭ ‬85‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬للتصدي‭ ‬للتحديات‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي‭ ‬ودعم‭ ‬العمليات‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬الإغاثة‭ ‬لمواجهة‭ ‬المجاعة،‭ ‬وبلغت‭ ‬قيمة‭ ‬المساعدات‭ ‬الإماراتية‭ ‬لدول‭ ‬الساحل‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2018‭ ‬و2023‭ ‬نحو‭ ‬750‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭.‬
وثاني‭ ‬هذه‭ ‬المحاور‭ ‬تنموي‭: ‬يدعم‭ ‬ركائز‭ ‬التنمية‭ ‬كمبادرة‭ ‬‮«‬كونسورتيوم‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إفريقيا‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬معلنة‭ ‬التزامها‭ ‬باستثمار‭ ‬500‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭.‬
 
ثالث‭ ‬هذه‭ ‬المحاور‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭: ‬مكافحة‭ ‬تنظيمات‭ ‬الإرهاب‭ ‬ودعم‭ ‬ركائز‭ ‬الاستقرار،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬بدور‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬الصومال‭ ‬على‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاستقرار،‭ ‬كما‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬إريتريا‭ ‬وإثيوبيا،‭ ‬وفي‭ ‬التوسط‭ ‬بين‭ ‬السودان‭ ‬وإثيوبيا،‭ ‬ونفذت‭ ‬جهودًا‭ ‬حثيثة‭ ‬لوقف‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬تيغراي،‭ ‬وتتصدر‭ ‬جهودها‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬سد‭ ‬النهضة‭ ‬بين‭ ‬إثيوبيا‭ ‬ومصر‭ ‬والسودان‭.‬
 
وقد‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تطورات‭ ‬ايجابية‭ ‬كبيرة‭ ‬وحراكًا‭ ‬فعّالًا‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬العلاقات‭ ‬الإماراتية‭- ‬الإفريقية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الزيارات‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإماراتيين‭ ‬ونظرائهم‭ ‬الأفارقة،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬العواصم‭ ‬الإفريقية‭ ‬نشاطًا‭ ‬مكثفًا‭ ‬من‭ ‬الزيارات‭ ‬الإماراتية‭ ‬الرسمية،‭ ‬واستضافت‭ ‬أبوظبي‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬زيارات‭ ‬مماثلة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬العواصم،‭ ‬وقد‭ ‬شملت‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭ ‬مسؤولين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬المستويات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القيادة‭ ‬الرشيدة،‭ ‬وأحدثها‭ ‬زيارة‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان،‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬إلى‭ ‬إثيوبيا‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬أغسطس‭ ‬2023،‭ ‬حيث‭ ‬التقى‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإثيوبي‭ ‬آبي‭ ‬أحمد‭ ‬في‭ ‬أديس‭ ‬أبابا،‭ ‬وتم‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬توقيع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬ومذكرات‭ ‬التفاهم‭ ‬التي‭ ‬شملت‭ ‬اتفاقية‭ ‬للتعاون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المساعدة‭ ‬الإدارية‭ ‬المتبادلة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الجمركية،‭ ‬ومذكرة‭ ‬تفاهم‭ ‬للتعاون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وتبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التطوير‭ ‬والتحديث‭ ‬الحكومي،‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصناعة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وإعلان‭ ‬مشترك‭ ‬للتعاون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬المناخي،‭ ‬وعقبها‭ ‬جاء‭ ‬الحضور‭ ‬القوي‭ ‬لممثلي‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭ ‬‮«‬كوب‭ ‬28‮»‬‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬تعد‭ ‬قارة‭ ‬إفريقيا‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬المتضررين‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬ويشهد‭ ‬شرق‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية‭ ‬وغربها‭ ‬أوسع‭ ‬موجة‭ ‬جفاف‭ ‬منذ‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬تعاني‭ ‬في‭ ‬شرقها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إثيوبيا‭ ‬وكينيا‭ ‬والسودان،‭ ‬كما‭ ‬تعاني‭ ‬في‭ ‬غربها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬النيجر‭ ‬ومالي‭ ‬وبوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬جفاف‭ ‬متلاحقة‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬المنطقتان‭ ‬موطناً‭ ‬لنحو‭ ‬80‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬الأكثر‭ ‬عرضة‭ ‬لانعدام‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬
 
وقد‭ ‬أدى‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬جفاف‭ ‬وتذبذب‭ ‬في‭ ‬مواسم‭ ‬الأمطار‭ ‬إلى‭ ‬نقص‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬الغذاء‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنحو‭ ‬800‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬1‭.‬4‭ ‬مليار‭ ‬نسمة،‭ ‬بينما‭ ‬دخل‭ ‬نحو‭ ‬270‭ ‬مليون‭ ‬أفريقي‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الجوع‭ ‬الفعلي‭. ‬ويؤدي‭ ‬الجفاف‭ ‬ونقص‭ ‬المياه‭ ‬وتقلص‭ ‬الرقعة‭ ‬الزراعية‭ ‬إلى‭ ‬تناقص‭ ‬الموارد‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تنمو‭ ‬ديموغرافياً‭ ‬بمعدلات‭ ‬عالية‭ ‬ويزداد‭ ‬الطلب‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬الطعام‭ ‬والماء‭ ‬بمعدلات‭ ‬مرتفعة‭ ‬أيضاً،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬حدة‭ ‬التنافس‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المتضائلة،‭ ‬ويوسع‭ ‬دائرة‭ ‬النزوح‭ ‬والهجرة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يؤجج‭ ‬الصراعات‭ ‬الداخلية‭ ‬والنزاعات‭ ‬الأهلية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬المتناقصة‭ ‬أصلاً‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬بلداً‭ ‬أفريقياً‭ ‬باتت‭ ‬كلها‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬البلدان‭ ‬الأكثر‭ ‬هشاشة‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬‮ ‬
وتتكبد‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية‭ ‬سنوياً‭ ‬خسائر‭ ‬بعشرات‭ ‬مليارات‭ ‬الدولار‭ ‬جراء‭ ‬كوارث‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬تلوث‭ ‬بيئي‭ ‬يعود‭ ‬الجزءُ‭ ‬الأكبر‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬الكبرى،‭ ‬لكنها‭ (‬أي‭ ‬أفريقيا‭) ‬لا‭ ‬تتلقى‭ ‬سنوياً‭ ‬سوى‭ ‬36‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬300‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬تحتاجها‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬وتداعياته،‭ ‬وهي‭ ‬مفارقة‭ ‬انتظر‭ ‬الأفارقة‭ ‬بفارغ‭ ‬الصبر‭ ‬قمة‭ ‬“كوب‭ ‬28”‭ ‬لمناقشتها‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬التزامات‭ ‬دولية‭ ‬بشأنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرهان‭ ‬القوي‭ ‬على‭ ‬البلد‭ ‬المضيف،‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بدور‭ ‬ريادي‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬العون‭ ‬التنموي‭ ‬والإغاثي‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأفريقية،‭ ‬كما‭ ‬ساهمت‭ ‬الإمارات‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬برنامج‭ ‬“اتحاد‭ ‬7”‭ ‬لتطوير‭ ‬الطاقة‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬والذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تزويد‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬فرد‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬القارة‭ ‬بالكهرباء‭ ‬النظيفة‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2035‭. ‬كما‭ ‬أعلنت‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬قمة‭ ‬المناخ‭ ‬الأفريقية،‭ ‬مبادرة‭ ‬تمويل‭ ‬بقيمة‭ ‬16‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬لتعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬أفريقيا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬وذلك‭ ‬تتويجاً‭ ‬لمسار‭ ‬تاريخي‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬المشترك‭ ‬بينها‭ ‬ودول‭ ‬القارة‭ ‬لتسريع‭ ‬جهود‭ ‬حماية‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬وتعزيز‭ ‬استدامتها‭ ‬عبر‭ ‬إنشاء‭ ‬وتطوير‭ ‬مشاريع‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬والرياح،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭.. ‬تماشياً‭ ‬مع‭ ‬نهج‭ ‬الإمارات‭ ‬ودورها‭ ‬الريادي‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬جهود‭ ‬مواجهة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬وتداعياته‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬
 
وقبل‭ ‬ماسبق،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2022،‭ ‬توجه‭ ‬معالي‭ ‬الدكتور‭ ‬ثاني‭ ‬الزيودي،‭ ‬وزير‭ ‬دولة‭ ‬للتجارة‭ ‬الخارجية‭ ‬لزيارة‭ ‬الكاميرون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توسيع‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الإماراتي‭-‬الكاميروني،‭ ‬والتعاطي‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬القارة،‭ ‬ودعم‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬ضد‭ ‬القرصنة‭ ‬في‭ ‬خليج‭ ‬غينيا،‭ ‬ودعم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬وإثيوبيا‭ ‬بحكم‭ ‬وجود‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬كعضو‭ ‬غير‭ ‬دائم‭ ‬وقتذاك،‭ ‬وصرح‭ ‬معاليه‭ ‬أن‭ ‬“دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المستثمرين‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬إفريقيا‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والقطاعات‭ ‬التي‭ ‬نركز‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القارة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬مستقبل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬خلال‭ ‬العشرين‭ ‬عامًا‭ ‬القادمة‭ ‬وتتضمن‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬والقطاعات‭ ‬المستقبلية”‭.‬
 
وأثناء‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬في‭ ‬عام2021،‭ ‬أجرى‭ ‬معالي‭ ‬الشيخ‭ ‬شخبوط‭ ‬بن‭ ‬نهيان،‭ ‬وزير‭ ‬دولة،‭ ‬جولة‭ ‬افتراضية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬وشركائها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬التقى‭ ‬خلالها‭ ‬مع‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬السنغال‭ ‬وساحل‭ ‬العاج‭ ‬وسيراليون‭ ‬وغامبيا‭ ‬والرأس‭ ‬الأخضر‭ ‬وغينيا‭ ‬كوناكري‭ ‬وغينيا‭ ‬بيساو‭ ‬وغينيا‭ ‬الاستوائية‭ ‬وليبيريا‭ ‬وغانا‭ ‬وتوغو‭ ‬ونيجيريا‭ ‬وبنين‭ ‬والكاميرون،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬مناقشة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬والقضايا‭ ‬ذات‭ ‬الاهتمام‭ ‬المشترك،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬تعزيز‭ ‬فرص‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬كافة‭.‬
 
الشراكة‭ ‬والعلاقات‭ ‬الاقتصادية
تُعد‭ ‬الإمارات‭ ‬ثانى‭ ‬أكبر‭ ‬مستثمر‭ ‬فى‭ ‬إفريقيا‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬ولاسيما‭ ‬فى‭ ‬قطاعات‭ ‬الطاقة‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬ومجالات‭ ‬الاستثمار‭ ‬التجاري‭ ‬والخدمي،‭ ‬وتستحوذ‭ ‬على‭ %‬88‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬القارة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القدرات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بها‭ ‬الإمارات‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬موقعها‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬يؤهلها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬ممرًا‭ ‬لتجارة‭ ‬الترانزيت‭ ‬للصادرات‭ ‬والواردات‭ ‬الإفريقية‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬وإليها‭.‬
 
ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يرتفع‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬الإمارات‭ ‬وإفريقيا‭ ‬إلى‭ %‬30‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬حميد‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سالم،‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لاتحاد‭ ‬غرف‭ ‬الإمارات،‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬بأغسطس‭ ‬الماضي،‭ ‬لافتًا‭ ‬إلى‭ ‬سعي‭ ‬الدولة‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬التجاري‭ ‬مع‭ ‬القارة،‭ ‬فقامت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬بعثة‭ ‬تجارية‭ ‬إماراتية‭ ‬بزيارة‭ ‬إفريقيا‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2022‭ ‬حتى‭ ‬أغسطس‭ ‬2023،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬فعالية‭ ‬مشتركة‭ ‬تشمل‭ ‬مؤتمرات‭ ‬ومنتديات‭ ‬أعمال‭ ‬ولقاءات‭ ‬ثنائية‭ ‬تخص‭ ‬قطاع‭ ‬الأعمال،‭ ‬وهناك‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الإماراتية‭ ‬وأهمها‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬مصدر‮»‬‭ ‬و»موانئ‭ ‬دبي‭ ‬العالمية‮»‬،‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬إفريقيا‭ ‬بعدة‭ ‬قطاعات‭ ‬أهمها‭ ‬الطاقة‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬الزراعة،‭ ‬النقل‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية،‭ ‬وبينما‭ ‬تعمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬45‭ ‬ألف‭ ‬شركة‭ ‬إفريقية‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬10‭ ‬مجالس‭ ‬أعمال‭ ‬مشتركة‭ ‬تعمل‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬مجالس‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مشاريع‭ ‬مقترحة‭ ‬لتأسيس‭ ‬10‭ ‬مجالس‭ ‬أعمال‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬إفريقية‭ ‬أخرى‭.‬
 
كما‭ ‬تعد‭ ‬الإمارات‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الداعمة‭ ‬للتنمية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬التنموية،‭ ‬مثال‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬أبوظبي‭ ‬للتنمية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يستثمر‭ ‬حوالي‭ ‬24‭.‬6‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬إماراتي‭ ‬في‭ ‬40‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية،‭ ‬وفي‭ ‬2015‭ ‬منح‭ ‬الصندوق‭ ‬دولة‭ ‬جيبوتي‭ ‬خمسين‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬لمدة‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬لتمويل‭ ‬المشاريع‭ ‬التنموية،‭ ‬وفي‭ ‬إريتريا،‭ ‬دعم‭ ‬الصندوق‭ ‬مشروع‭ ‬التوليد‭ ‬والنقل‭ ‬الكهربائي‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬إعلان‭ ‬استقلالها‭ ‬في‭ ‬1993،‭ ‬كما‭ ‬دعم‭ ‬الصندوق‭ ‬مشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬أريتريا‭ ‬عام‭ ‬2009‭.‬
 
شراكات‭ ‬استثمارية‭ ‬وعلاقات‭ ‬متكاملة
في‭ ‬سياق‭ ‬تعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬إفريقيا،‭ ‬أبرمت‭ ‬الدولة‭ ‬اتفاقية‭ ‬شراكة‭ ‬اقتصادية‭ ‬شاملة‭ ‬مع‭ ‬موريشيوس‭ ‬في‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬بنود‭ ‬اتفاقيات‭ ‬مماثلة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬كينيا‭ ‬والكونغو‭ ‬برازافيل،‭ ‬حيث‭ ‬تواصل‭ ‬الدولة‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬شبكة‭ ‬شركائها‭ ‬التجاريين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬عبر‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاقيات‭ ‬شراكة‭ ‬اقتصادية‭ ‬شاملة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬ذات‭ ‬اقتصادات‭ ‬واعدة،‭ ‬وبلغة‭ ‬الأرقام‭ ‬كثفت‭ ‬الإمارات‭ ‬صفقاتها‭ ‬الاستثمارية‭ ‬المتنوعة‭ ‬في‭ ‬اقتصادات‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬44‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬وسط‭ ‬تركيز‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬لتتفوق‭ ‬على‭ ‬لاعبين‭ ‬تقليديين‭ ‬هناك‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬وفرنسا،‭ ‬باعتبارها‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الأكثر‭ ‬تنافسية‭ ‬وتقدمًا‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ومثّلت‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬موانئ‭ ‬دبي‮»‬‭ ‬الحضور‭ ‬الإماراتي‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬القارة‭.‬
كما‭ ‬تعهدت‭ ‬الإمارات‭ ‬باستثمارات‭ ‬أجنبية‭ ‬مباشرة‭ ‬تقدر‭ ‬بـ‭ ‬52‭.‬8‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2022،‭ ‬عندما‭ ‬تصدرت‭ ‬تصنيف‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى،‭ ‬ويتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬المبلغ‭ ‬20‭ ‬ضعف‭ ‬إسهامات‭ ‬الصين،‭ ‬و7‭ ‬أضعاف‭ ‬مثيلتها‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وفق‭ ‬البيانات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬إف‭ ‬دي‭ ‬آي‭ ‬ماركتس‮»‬،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬ذلك‭ ‬الرقم‭ ‬إلى‭ ‬44‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2023،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يمثل‭ ‬ضعف‭ ‬استثمارات‭ ‬الصين،‭ ‬التي‭ ‬حلّت‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭.‬
 
وقبل‭ ‬أيام،‭ ‬أعرب‭ ‬أكبر‭ ‬بنك‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأصول‭ ‬‮«‬ستاندرد‭ ‬بنك‭ ‬جروب‮»‬،‭ ‬عن‭ ‬ثقته‭ ‬بأن‭ ‬الإمارات‭ ‬ستصبح‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬مصادر‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬المقبلة،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الصفقات‭ ‬التي‭ ‬شهدها،‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬التمويل‭ ‬الصيني‭ ‬لمشاريع‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وتذبذب‭ ‬المشاركة‭ ‬الغربية،‭ ‬فيما‭ ‬ارتبطت‭ ‬التدفقات‭ ‬النقدية‭ ‬من‭ ‬أبوظبي‭ ‬إلى‭ ‬إفريقيا‭ ‬بجهود‭ ‬دبلوماسية‭ ‬منسقة،‭ ‬ما‭ ‬نقل‭ ‬طموحات‭ ‬الإمارات‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬القارة،‭ ‬وتجاوزت‭ ‬النفوذ‭ ‬التاريخي‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭.‬
 
دور‭ ‬إماراتي‭ ‬انساني‭ ‬رائد
تشهد‭ ‬قارة‭ ‬أفريقيا‭ ‬حضوراً‭ ‬إماراتياً‭ ‬فاعلاً‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإنساني‭ ‬والإغاثي‭ ‬والتنموي،‭ ‬يجسد‭ ‬تطبيقاً‭ ‬عملياً‭ ‬للدبلوماسية‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬أرسى‭ ‬دعائمها‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬آل‭ ‬نهيان،‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه،‭ ‬ويستكمل‭ ‬مسيرتها‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان،‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬مبادئ‭ ‬الخمسين‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الخارجية‭ ‬لدولة‭ ‬الإمارات‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬مسيرتها‭ ‬والتزاماتها‭ ‬الأخلاقية‭ ‬تجاه‭ ‬الشعوب‭ ‬الأقل‭ ‬حظاً‮»‬‭.  ‬ومن‭ ‬مجموعة‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬القرن‭ ‬الأفريقي،‭ ‬ومن‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬أوغندا‭ ‬والصومال،‭ ‬ومن‭ ‬تشاد‭ ‬إلى‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬تنتشر‭ ‬أيادي‭ ‬الإمارات‭ ‬البيضاء،‭ ‬مصحوبة‭ ‬بجسور‭ ‬جوية‭ ‬وبحرية‭ ‬وبرية‭ ‬تحمل‭ ‬مساعدات‭ ‬إنسانية‭ ‬وإغاثية‭ ‬غير‭ ‬مشروطة،‭ ‬ولا‭ ‬ترتبط‭ ‬بدين‭ ‬أو‭ ‬عرق‭ ‬أو‭ ‬لون،‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬ملايين‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬أوضاعاً‭ ‬بالغة‭ ‬الصعوبة‭. ‬وقد‭ ‬اعتبر‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬الأسبق‭ ‬لمنظمة‭ ‬الوحدة‭ ‬الأفريقية‭ (‬الاتحاد‭ ‬الأفريقي‭ ‬حالياً‭)‬،‭ ‬السفير‭ ‬أحمد‭ ‬حجاج،‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬إحدى‭ ‬أهم‭ ‬وأبرز‭ ‬دعائم‭ ‬العمل‭ ‬الإنساني‭ ‬والإغاثي‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬أفريقيا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الماضية،‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬العلاقات‭ ‬الثنائية‭ ‬وتعزيز‭ ‬الشراكات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭.‬
 
وقد‭ ‬افتتحت‭ ‬الإمارات‭ ‬ثاني‭ ‬مكتب‭ ‬تنسيقي‭ ‬للمساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬الإماراتية‭ ‬ببعثات‭ ‬الدولة‭ ‬بالخارج،‭ ‬بمنطقة‭ ‬أمدجراس‭ ‬في‭ ‬تشاد،‭ ‬ليدعم‭ ‬جهود‭ ‬الدولة‭ ‬لمساعدة‭ ‬الشعوب‭ ‬الأفريقية‭ ‬عبر‭ ‬توفير‭ ‬الدعم‭ ‬الإنساني‭ ‬والإغاثي‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الإماراتية،‭ ‬وبتوجيهات‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان،‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬أقامت‭ ‬الإمارات‭ ‬مستشفى‭ ‬ميدانياً‭ ‬بمدينة‭ ‬أمدجراس‭ ‬التشادية‭ ‬لدعم‭ ‬السودانيين‭ ‬النازحين‭ ‬في‭ ‬تشاد،‭ ‬واستقبل‭ ‬المستشفى‭ ‬آلاف‭ ‬الحالات‭ ‬المرضية‭ ‬من‭ ‬المتأثرين‭ ‬بالأوضاع‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬ويواصل‭ ‬الفريق‭ ‬الإماراتي‭ ‬تقديم‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الدعم،‭ ‬وتوفير‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأساسية،‭ ‬بما‭ ‬يجسد‭ ‬الدور‭ ‬الرائد‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الإنساني‭ ‬داخل‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية‭. ‬وتُعد‭ ‬مجموعة‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو،‭ ‬تشاد،‭ ‬مالي،‭ ‬والنيجر،‭ ‬أحد‭ ‬الأقاليم‭ ‬الأفريقية‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بدعم‭ ‬إماراتي‭ ‬متواصل،‭ ‬إذ‭ ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أقل‭ ‬البلدان‭ ‬نمواً‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وبلغت‭ ‬قيمة‭ ‬المساعدات‭ ‬الإماراتية‭ ‬لدول‭ ‬الساحل‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2018‭ ‬و2023‭ ‬نحو‭ ‬750‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬بنسبة‭ %‬3‭ ‬من‭ ‬مدفوعات‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬للدولة‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تقديم‭ ‬حوالي‭ ‬75‭% ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية‭ ‬الإماراتية‭ ‬لدول‭ ‬الساحل‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬مساعدات‭ ‬تنموية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬شكلت‭ ‬المساعدات‭ ‬الخيرية‭ ‬والإنسانية‭ %‬16‭ ‬و‭%‬9‭ ‬على‭ ‬التوالي‭. ‬وكانت‭ ‬الإمارات‭ ‬قد‭ ‬قدمت‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022‭ ‬نحو‭ ‬85‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬للتصدي‭ ‬للتحديات‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬القرن‭ ‬الأفريقي‭ ‬ودعم‭ ‬العمليات‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬الإغاثة‭ ‬لمواجهة‭ ‬المجاعة‭. ‬وكانت‭ ‬الإمارات‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬استجابت‭ ‬لنداءات‭ ‬الاستغاثة‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بعدما‭ ‬شكل‭ ‬ثوران‭ ‬بركان‭ ‬جبل‭ ‬“نيراجونجو”‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2021،‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية‭ ‬كبيرة‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬تشريد‭ ‬نحو‭ ‬450‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬وقد‭ ‬أرسلت‭ ‬الإمارات‭ ‬طائرتي‭ ‬مساعدات‭ ‬تحملان‭ ‬المساعدات‭ ‬والمواد‭ ‬الإغاثية‭ ‬اللازمة‭ ‬للمأوى‭.‬
 
منصة‭ ‬الشراكة‭ ‬الإماراتية‭ ‬الإفريقية
في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022،‭ ‬أعلن‭ ‬‮«‬مختبر‭ ‬الدبلوماسية‮»‬‭ ‬عن‭ ‬إطلاق‭ ‬منصة‭ ‬الشراكة‭ ‬الإماراتية‭ ‬الإفريقية،‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬شراكة‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬إفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬الكبرى،‭ ‬ومد‭ ‬جسور‭ ‬التواصل‭ ‬والتبادل‭ ‬الحضاري‭ ‬والثقافي‭ ‬والمعرفي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الصديقة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬مثل‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والطاقة‭ ‬والاستدامة‭ ‬والعلوم‭ ‬والفنون‭ ‬والتراث‭ ‬والفكر‭ ‬والأدب،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭.‬
 
مؤشرات‭ ‬حيوية
استثمارات‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬إفريقيا‭ ‬بلغت‭ ‬44‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬وسط‭ ‬تركيز‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭. ‬
توقعات‭ ‬بارتفاع‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬الإمارات‭ ‬وإفريقيا‭ ‬بنحو‭ ‬30%‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭.‬
تقود‭ ‬“موانىء‭ ‬دبي‭ ‬العالمية”‭ ‬استثمارات‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وتشغّل‭ ‬نحو‭ ‬9‭ ‬موانئ‭ ‬في‭ ‬القارة‭. ‬
عقدت‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬وجمهورية‭ ‬موريشيوس،‭ ‬اتفاقية‭ ‬شراكة‭ ‬اقتصادية‭ ‬شاملة،‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬لدولة‭ ‬الإمارات‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬أفريقية‭.‬
الإمارات‭ ‬هي‭ ‬الدولة‭ ‬الأولى‭ ‬عربيا‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‮ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭.‬
الإمارات‭ ‬أكبر‭ ‬نقطة‭ ‬عبور‭ ‬لتجارة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬مع‭ ‬العالم‭.‬
الإمارات‭ ‬وقعت،‭ ‬وللمرة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023،‭ ‬اتفاقية‭ ‬اقتصادية‭ ‬شاملة‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬الكونغو‭ ‬برازافيل‭.‬
الاقتصاد‭ ‬الإماراتي‭ ‬يُوسّع‭ ‬جسوره‭ ‬التنموية‭ ‬مع‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ويسهم‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬القارة‭.‬
الشركات‭ ‬الإماراتية‭ ‬في‭ ‬صدارة‭ ‬المستثمرين‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وتستحوذ‭ ‬على‭ %‬88‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭.‬
قواعد‭ ‬الشراكة‭ ‬الإماراتية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭: ‬بناء‭ ‬شراكات‭ ‬موثوقة‭ ‬وطويلة‭ ‬الأجل،‭ ‬والتنوع‭ ‬والانتشار‭ ‬الجغرافي‭ ‬داخل‭ ‬القارة،‭ ‬والتحول‭ ‬من‭ ‬تجارة‭ ‬إعادة‭ ‬التصدير‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمار،‭ ‬وتعزيز‭ ‬أنشطة‭ ‬النفع‭ ‬المشترك‭ ‬للطرفين‭. ‬
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره