2023-01-01
العلاقات الصينـــــــيـــة الخليجـيـــــة:الإمـارات نموذجاً
في زيارة تخللها انعقاد 3 قمم (سعودية - صينية، وعربية - صينية، وخليجية - صينية) قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بتدشين مرحلة جديدة من العلاقات بين بكين والمنطقة العربية والخليجية، خلال زيارة وصفت بالتاريخية قام بها خلال شهر ديسمبر الماضي إلى المملكة العربية السعودية، التي استضافت بدورها قمتين متتاليتين خلال الأشهر الخمسة الأخيرة بين الدول العربية والقوتين الدوليتين الكبيرتين، الولايات المتحدة والصين. وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على العلاقات الصينية مع الدول العربية والخليجية بشكل عام، والعلاقات الصينية ـ الإماراتية بشكل خاص، وتحليل أبعاد هذه العلاقات الاستراتيجية ومستهدفاتها.
جاءت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض بعد نحو ستة أشهر من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة، وفي توقيت مهم للغاية حيث تشهد العلاقات الأمريكية ـ السعودية توتراً واضحاً إثر دعم المملكة لقرار تحالف «أوبك+» بشأن فض إنتاج النفط، بما يعاكس الرغبة الأمريكية التي كانت هدفاً رئيسياً لزيارة بايدن، الأمر الذي اعتبره البيت الأبيض اصطفافاً سعودياً إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا. وفي رده على سؤال بشأن زيارة شي، قال الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي للصحافيين مع بداية زيارة الرئيس الصيني، إن السعودية لا تزال حليفا مهما للولايات المتحدة، لكنه أصدر تحذيرا بشأن الصين، وقال “نحن مدركون للنفوذ الذي تحاول الصين توسيعه حول العالم. الشرق الأوسط هو بالتأكيد من بين هذه المناطق حيث يرغبون بتعميق مستوى نفوذهم”، مضيفا “نعتقد أن العديد من الأمور التي يسعون إليها، وطريقة سعيهم إليها، لا تتلاءم مع الحفاظ على النظام الدولي الذي تحكمه قواعد” محددة. وتابع كيربي “لا نطلب من الدول الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، لكن كما قال الرئيس بايدن مرات عدة، نعتقد أن الولايات المتحدة بالتأكيد في وضع يتيح لها القيادة في إطار هذه المنافسة الاستراتيجية”.
وتحظى العلاقات بين الصين والدولة المستضيفة (المملكة العربية السعودية) بأهمية خاصة في إطار رؤية بكين لدورها العالمي، حيث استحوذت السعودية على أكثر من %20 من إجمالي الاستثمارات الصينية في الدول العربية خلال الفترة بين عامي 2005 ـ2020، والسعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم والصين هي أكبر مستورد للخام، وتشتري نحو %25 من الصادرات النفطية السعودية، ما يعكس أهمية علاقات البلدين. وعلى الصعيد الخليجي تعتبر الصين الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون، كما تعد الصين شريكاً حيوياً لدول العالم العربي في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، فضلاً عن مواقفها السياسية الداعمة للحقوق العربية المحافل والمؤسسات الدولية.
وقد انعكست أهمية زيارة الرئيس شي جين بينغ، للمملكة في الاستقبال المهيب الذي حظي به الرئيس الصيني من جانب مضيفيه السعوديين، حيث رافقت طائرة الرئيس الصيني مقاتلات سعودية احتفت بالزيارة من خلال إطلاق دخان باللونين الأبيض والأخضر، ألوان علم المملكة، كما رافق موكبه حرس الشرف السعودي حتى وصوله إلى القصر الملكي في العاصمة، الرياض، حيث استقبله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، استقبالاً حاراً كان علامة مؤكدة على عمق العلاقات وتقارب المواقف والطموح الذي يسعى إليه الجانبين مستقبلاً.
اعتبر الرئيس الصيني شي جين بينغ أن زيارته للمملكة العربية السعودية تفتح عصراً جديداً للعلاقات مع العالم العربي، مشدداً على أن العالم العربي عضو مهم في مجموعة الدول النامية، وأضاف في مقال بصحيفة الرياض أن الصين تبقى أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي وأكبر مستورد لمنتجاته، مشيرا إلى أن السعودية حققت نتائج إيجابية للتنويع الاقتصادي والاجتماعي، كما أضاف أن المملكة أطلقت مبادرات مهمة مثل الشرق الأوسط الأخضر والسعودية الخضراء، مؤكدا دعم بكين لجهود الدول العربية في الحفاظ على سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها.
وقد وقعت السعودية والصين خلال الزيارة مجموعة من الاتفاقيات التي شملت مجالات عدة من بينها الطاقة والبنية التحتية، بقيمة تبلغ نحو 30 مليار دولار، بالاضافة إلى خطة لـ”التوفيق” بين أجندة الإصلاح الاقتصادي السعودي الطموحة المعروفة باسم “رؤية 2030”، ومبادرة “الحزم والطريق” الصينية التي تقدر استثماراتها بتريليونات الدولارات وتشمل نحو 68 دولة، حيث تسعى بكين إلى تعزيز الشراكة مع الرياض، بينما تتطلع الأخيرة إلى تنويع تحالفاتها الاقتصادية والسياسية.
العلاقات الصينية ـ الخليجية: الإمارات نموذجاً
تشهد العلاقات الإماراتية ـ الصينية نمواّ متسارعاً منذ عام 2018، حيث قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة للإمارات وقع خلالها اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة، فضلاً عن اتفاق تعاون أخرى في المجالات كافة، وحيث تكتسب علاقات الإمارات مع الصين أهمية استثنائية في ظل حرص أبوظبي على تنويع علاقاتها الدولية والاستفادة من الفرص التي يتيحها التعاون مع الشركاء الاستراتيجيين، وبما يسهم في تنفيذ الأهداف التنافسية الطموحة التي تتضمنها وثيقة «مبادىء الخمسين» التي تمثل خارطة طريق للسياسة الخارجية الإماراتية.
وفي أول جولة خارجية له بعد إعادة انتخابه رئيساً للبلاد في مارس الماضي، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة رسمية إلى دولة الامارات العربية المتحدة في التاسع عشر من شهر يوليو 2018، ولمدة ثلاثة أيام، التقى خلالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ. حيث استبق سموه الزيارة بإصدار بيان ترحيب رسمي وصف فيه الزيارة بالتاريخية، واحتفاء بهذه الزيارة أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الإماراتي - الصيني الذي استمر 17 ـ 24 يوليو بهدف إبراز العلاقات الثنائية بين البلدين وتعزيز التعاون التجاري والتبادل الثقافي وعلاقات الصداقة بين الشعبين، وتم الإعلان عن الاحتفال سنوياً بهذا الأسبوع على أن تتزامن الاحتفالات في العام القادم مع الاحتفالات برأس السنة الصينية.
وفي تلك المناسبة قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ “منذ أكثر من 28 سنة زار الشيخ زايد طيب الله ثراه الصين مؤسسا لعلاقة استراتيجية بين البلدين حصدنا ثمارها علاقات اقتصادية وتجارية وثقافية متميزة على مدى أكثر من ثلاثة عقود”، وأشار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى المكانة الاقتصادية للصين قائلاً “إن الصين عملاق اقتصادي دولي ولها ثقل سياسي عالمي.. ودورها مؤثر في استقرار الاقتصاد والسلام العالميين”. كما سبقت هذه الزيارة التاريخية سلسلة من الندوات الثقافية والسياسية بما فيها ندوة حول كتاب “حول الحكم والإدارة” للرئيس الصيني شي جين بينغ وإطلاق النسخة العربية من الكتاب، وعقد ندوة أخرى حول آفاق العلاقات الإماراتية - الصينية.
مرتكزات وأسس التعاون الاماراتي ـ الصيني
تستند العلاقات الإماراتية ـ الصينية إلى مجموعة من المرتكزات والأسس والمقومات الاستراتيجية، التي لعبت دور القوة المحركة لهذه العلاقات منذ انطلاقها منتصف ثمانينيات القرن العشرين، ويمكن تناول هذه المقومات والمرتكزات فيما يلي:
الإرث التاريخي والصداقة العميقة: وضع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ الأساس القوي للعلاقات بين البلدين منذ تأسيس دولة الامارات العربية المتحدة في عام 1971، ففي الثالث من ديسمبر عام 1971، أي بعد يومين فقط من الإعلان رسمياً من قيام الاتحاد، بعث القائد المؤسس، طيب الله ثراه، ببرقية إلى شون إن لاي رئيس مجلس الدولة الصيني يبلغه فيها بقيام دولة الامارات، حيث رد الزعيم الصيني السابق ببرقية تهئنة إلى المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد، معلناً اعتراف الصين رسمياً بدولة الامارات العربية المتحدة. وكانت العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية قد انطلقت في الأول من نوفمبر 1984 فيما افتتحت السفارة الإماراتية في بكين في مارس عام 1987.
وجاءت المحطة النوعية الثانية في مسيرة العلاقات عبر زيارة القائد المؤسس، طيب الله ثراه، إلى بكين في عام 1990، في أول زيارة لأحد قادة دول مجلس التعاون للصين، حيث دشنت تلك الزيارة مرحلة جديدة في التعاون بين البلدين الصديقين، كما وضعت الأساس للعلاقات الثقافية بين البلدين، إذ تم خلالها وضع حجر الأساس لانشاء مركز الامارات لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وهو أحد قنوات التواصل الحضاري والثقافي بين الشعب الصيني والشعوب العربية والخليجية، منذ تم افتتاحه في عام 1994، ولا يزال هذا المركز يحظى بدعم الامارات، حيث زاره سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في عام 2007، وقدم منحة بقيمة مليون دولار باسم المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، من أجل دعم أنشطة المركز العلمية والبحثية وتعزيزاً لدوره على صعيد التعاون العربي ـ الصيني. كما جاء تبادل الزيارات الرسمية رفيعة المستوى بين قادة البلدين ليضيف تراكماً عزز مسيرة العلاقات وأسهم في تطورها، حيث قام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بزيارة رسمية إلى الصين عام 2008، فيما قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بثلاث زيارات رسمية إلى الصين أعوام 2009، 2012، 2015 على التوالي، بينما استقبلت الامارات العديد من المسؤولين الصينيين.
التوافق حول تطوير العلاقات الثنائية: يشير تحليل مجمل تصريحات القادة والمسؤولين في دولة الامارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية إلى توافر إرادة سياسية قوية لدى قيادتي البلدين وعزم على تطوير العلاقات وتعميقها بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين، حيث وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ قبيل زيارته إلى الصين في شهر ديسمبر عام 2015 العلاقات بين البلدين بأنها «علاقات شراكة استراتيجية»، مؤكداً حرص دولة الامارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان على مواصلة تطوير هذه العلاقات، وقال «علينا أن نعيد بناء طريق الحرير ونجعل منه منصة وجسراً لتبادل المصالح بين دول المنطقة» في تعبير جلي عن رؤية استراتيجية بعيدة المدى للتعاون بين الامارات والصين، حيث نلاحظ أن سموه قد تحدث عن أهمية إحياء طريق الحرير القديم ودور التعاون التجاري في تحقيق الامن والاستقرار ورفاه الشعوب. وعلى الجانب الآخر، أكد الرئيس الصيني خلال استقباله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن الصين تعتبر الامارات صديقاً وشريكا جيداً في منطقة الخليج، وأن هناك توجه لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، مشدداً على أهمية تطوير التعاون المشترك في مجالات الطاقة والبنى التحتية والتجارة والاستثمار والفضاء.
على المستوى الرسمي فيما يخص تطوير العلاقات الثنائية، تم افتتاح سفارة الصين في أبوظبي في أبريل 1985 وأنشئت القنصلية العامة في دبي خلال شهر نوفمبر عام 1988. فيما افتتحت سفارة الإمارات في بكين يوم 19 مارس 1987. وأنشأت دولة الإمارات قنصليتين عامتين في الصين واحدة في هونغ كونغ افتتحت في أبريل 2000 وواحدة في شنغهاي افتتحت في يوليو 2009.. فيما تم الاتفاق على افتتاح القنصلية العامة الثالثة للدولة في مدينة غوانغ جو الصينية.
وجود قاعدة قوية من المصالح المشتركة: ترتبط الامارات والصين بحزمة متنامية من المصالح المشتركة، حيث تنظر الامارات إلى الصين باعتبارها إحدى اهم القوى الدولية الضامنة للأمن والاستقرار العالمي، وطرف أساسي في معادلات الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بحكم مكانتها المتنامية في النظام العالمي القائم، وصناعة القرار الدولي، فضلاً عن دورها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي. بينما تنظر الصين إلى الامارات باعتبارها نموذج تنموي ناجح واقتصاد صاعد ومعبر حيوي للصادرات الصينية إلى منطقة الشرق الأوسط وافريقيا وأوروبا، كما أن الامارات شريك رئيسي مؤسس في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وإحدى الدول الداعمة لاستراتيجية التنمية الإقليمية التي يتبناها الرئيس الصيني شين جين بينغ، والتي تسهم في تحفيز مبادرات التنمية والانتعاش الاقتصادي في مناطق عدة من العالم.
وقد أشار ني جيان سفير جمهورية الصين الشعبية لدى دولة الامارات إلى أن الصين حافظت في السنوات الأخيرة على مكانتها كأكبر شريك تجاري للإمارات، كما اصبحت الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري وأكبر سوق تصدير للصين في غرب آسيا وشمال أفريقيا منذ سنوات عديدة. وأكد أنه رغم تداعيات جائحة «كورونا»، فقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2021 إلى 49,3 مليار دولار بزيادة 13,%1 ما يعكس الفرص الكامنة في التعاون المشترك بمجال التجارة. وأوضح السفير الصيني أن التبادلات الثقافية والشعبية بين الصين والإمارات تزدهر ويتنامى التعاون الثنائي في مجال التعليم والتكنولوجيا، حيث يتقدم برنامج تدريس اللغة الصينية في 200 مدرسة إماراتية، كما تم افتتاح المدرسة الصينية في دبي، باعتبارها أول مدرسة صينية رسمية في الخارج. وأشار إلى أنه في عام 1949 تأسست الصين الجديدة لتوها وكانت فقيرة للغاية، حيث كان لم يبلغ الناتج المحلي سوى 12.3 مليار دولار باحتلاله المرتبة الـ77 عالمياً، ناهيك عن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي البالغ 23 دولاراً، وهو من بين الأدنى عالمياً.
وتابع: تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني تلمست الصين الطريق لأكثر من 70 سنة بعد تأسيس الدولة، ووجدت تدريجياً طريقاً تنموياً ناجحاً، أي طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية الذي يركز على البناء الاقتصادي وتتخذ التنمية أمراً لا مفر منه، حيث دفعت الإصلاح في كافة المجالات باستمرار، ما حقق نمواً اقتصادياً متسارعاً بما يزيد على 9% لمتوسط معدل النمو السنوي في غصون بضعة عقود وأسهم في تحسين معيشة الشعب بشكل غير مسبوق. وأشار إلى أن إجمالي الناتج المحلي للصين قفز إلى 14.7 تريليون دولار بزيادة أكثر من 1000 مرة، مقارنة مع ما كان عليه في أيام تأسيس الدولة لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم يشكل %17 من الاقتصاد العالمي وتتجاوز نسبة مساهمته في الاقتصاد العالمي %50 لسنوات متتالية، كما ارتفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي على 10 آلاف دولار بزيادة 100 مرة، مقارنة مع ما كانت عليه الحال. وبيّن ني جيان، أن الصين حالياً أكبر دولة في العالم من حيث التصنيع وتجارة السلع واحتياطي العملات الأجنبية، واستحوذت على المركز الأول عالمياً من حيث إنتاج أكثر من 220 منتجاً صناعياً، والسكك الحديد فائقة السرعة والطرق السريعة والقدرة المركبة لمحطات توليد الكهرباء وحجم البنى التحتية للإنترنت وتوظيف الطاقة الجديدة والمتجددة. ولفت إلى أن الصين تتمتع بسبعة مطارات وسبعة موانئ وصلت إلى مصاف أكبر عشرة مطارات وأكبر عشرة موانئ من حيث الطاقة الاستيعابية للحاويات على المستوى العالمي، بالتوازي مع تحقيق العديد من الإنجازات في مجال التكنولوجيا، ورحلات الفضاء المأهولة واستكشاف المريخ والتواصل الكمي والحوسبة الفائقة.
تقارب وجهات النظر حيال القضايا والملفات الإقليمية والدولية: حيث تكشف مواقف البلدين تقارب وجهات النظر والمواقف حيال معظم الملفات والقضايا والموضوعات الإقليمية والدولية، كما يبدي البلدان تفهماً ودعماً متبادلاً في القضايا التي تمس المصالح الاستراتيجية لكل طرف منهما، وما يعزز هذا المستوى من التعاون والتفاهم والتنسيق أن هناك لجنة إماراتية ـ صينية مشتركة تعمل على تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين، والارتقاء بها إلى مستويات أكثر عمقاً من خلال التشاور المستمر، وقد تبلور ذلك في بلورة صيغة الشراكة الاستراتيجية لتتوج مسيرة العلاقات بين البلدين، وقد أثمرت هذه الصيغة عن دعم الصين للسياسات التي تتبناها دولة الامارات فيما يتعلق بأهمية الحفاظ على السيادة الوطنية للدول وسلامة أراضيها، في مقابل دعم الامارات سياسة «صين واحدة» علاوة على التعاون في مجال انفاذ القانون ومكافحة الإرهاب والقضاء على الجريمة وتعزيز التنسيق والتعاون بين وفود البلدين في المنظمات الدولية من أجل صون المصالح الجوهرية لكل منهما.
الزيارات المتبادلة والحوار المتواصل: تمثل زيارات قادة البلدين منعطفات نوعية في مسيرة العلاقات الثنائية، وقد بدأت الزيارات الرسمية المتبادلة بزيارة رسمية قام بها الرئيس الصيني الأسبق يانج شانج كون إلى دولة الامارات في عام 1989، فيما قام المغفور به بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بزيارة إلى الصين في مايو 1990، كما قام الرئيس الصيني السابق هو جينتاو بزيارة خاطفة إلى الامارات حيث توقف في دبي ضمن رحلة خارجية له عام 2007، حيث استقبله آنذاك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي قام في السنة التالية (2008) بزيارة رسمية إلى الصين، ثم قام ون جياباو رئيس مجلس الدولة الصيني السابق بزيارة رسمية للإمارات في يناير عام 2012، حيث شارك بالدورة الخامسة للقمة العالمية لطاقة المستقبل، وتم خلال تلك الزيارة المهمة توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين الامارات والصين.
كما قام وزير الخارجية الصيني السابق وانج يي بزيارة إلى دولة الامارات في فبراير عام 2015، التقى خلالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وسمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان. ثم قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بثلاث زيارات متتالية للصين أعوام 2009 و2012 و2015، حيث مثلت الزيارة الأخيرة لسموه تحديداً نقلة نوعية في العلاقات وعمقت الشراكة الاستراتيجية، وأثمرت الزيارة عن توقيع عدد كبير من الاتفاقات وبروتوكولات التعاون الثنائي، التي تغطي جميع مجالات التعاون، لاسيما في مجال التعاون الاقتصادي، حيث تم توقيع اتفاقية لتبادل العملات بين المصرف المركزي لدولة الامارات وبنك الشعب الصيني، ومذكرة تفاهم بشأن انشاء مركز مقاصة للعملة الصينية في الامارات، واتفاقية تعاون استراتيجي في استكشاف وإنتاج النفط، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال المقاييس والمطابقة، ومذكرة تفاهم بشان تبادل رخص القيادة في كلا البلدين، كما تم توقيع اتفاقية تعاون في مجال الطاقة المتجددة، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الفضاء والأبحاث والتطوير والاستخدام السلمي للفضاء الخارجي.
كما كان من أهم نتائج هذه الزيارة إطلاق «صندوق الاستثمار الاستراتيجي المشترك» بقيمة 10 مليار دولار مناصفة بين الدولتين، ويهدف هذا الصندوق إلى بناء محفظة متوازنة تضم استثمارات تجارية متنوعة وتغطي العديد من القطاعات، بما يعزز المكاسب التنموية لاقتصادي البلدين، فضلاً عن دعم قدرة الاقتصادين على التصدي للأزمات الطارئة، وتمكينهما من مواجهة الضغوط التي يواجهها الاقتصاد العالمي. وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وقتذاك أن انشاء هذا الصندوق يجسد الشراكة المتنامية بين الامارات والصين، مشيراً إلى أن الأسس المتينة لأواصر التعاون بين البلدين الصديقين تستند إلى روابط اقتصادية قوية ومتنامية وعلاقات سياسية عميقة. واعتبر سموه أن إطلاق هذه الصندوق يمثل مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية، ويعكس السعي المشترك للعمل بشكل وثيق من أجل تنمية اقتصاد البلدين والمساهمة في نمو الاقتصاد العالمي. ومن جانبه اعتبر الرئيس الصيني وقتذاك أن هذا الصندوق الذي يتسم بالمرونة من حيث الاستثمارات سوف يسهم في تقوية وتعميق العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين، وأن الصندوق سوف يلعب دوراً محورياً في دعم مبادرة «حزم واحد، طريق واحد». ولا شك أن هذه الزيارات قد أسهمت في مجملها في تعميق التفاهم بين قيادتي البلدين، كما كان لها عظيم الأثر في نسج علاقات صداقة قوية بين القادة وكبار المسؤولين، وقد كان لذلك آثار واضحة في الاحتفاء الكبير الذي قوبل به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ خلال زيارته إلى الصين عام 2015.
خاتمة
تقوم السياسة الخارجية الإماراتية منذ تأسيس الدولة في الثاني من ديسمبر عام 1971، على مبادئ وأسس عدة منها الانفتاح على جميع دول العالم، والسعي بشكل دائم إلى توطيد العلاقات ومد جسور التعاون مع دول العالم بغض النظر عن قربها أو بعدها الجغرافي، ويؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ بشكل مستمر في خطابه السياسي على حرص الامارات على إقامة علاقات بناءة مع دول العالم كافة، بما يحقق المصالح المشتركة للدول ويلبي طموحات وتطلعات الشعوب في التنمية والازدهار. وهذا ينطلق من إيمان راسخ بالدور المحوري للتعاون الدولي في إحراز المزيد من الإنجازات لدولة الإمارات وللعالم بأسره.
حيث تسعى دولة الامارات دائماً إلى التوسع في استكشاف فرص الاستثمار، كجزء من خطة دولة الإمارات للوصول إلى أعلى مراتب التنافسية العالمية في جميع مجالات التنمية، وتوظف الدولة ما تتمتع به من مزايا استثنائية مثل البيئة المحفزة للعمل والاستثمار، وتبنى أحدث مخرجات التكنولوجيا مما يسهم في تسريع وتسهيل وزيادة كفاءة بيئة الأعمال.
كما تستفيد الامارات من موقعها الفريد كبوابة استراتيجية للوصول بسهولة إلى الأسواق الصاعدة في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، ما يوفر للشركات والمستثمرين طيفاً واسعاً من مجالات الاستثمار وفرص التصدير، ويسهم في تحقيق هذه النجاحات أن الدبلوماسية الإماراتية تتمتع بنشاط وحيوية وديناميكية كبيرة في القيام بأدوراها كافة إقليمياً ودولياً.
وفي الوقت الذي تحرص فيه دولة الإمارات على تنويع علاقاتها الخارجية وتوسيع شراكاتها مع القوى الإقليمية والدولية فإنها تعتبر في الوقت ذاته شريكاً يحظى بالثقة والتقدير من جانب دول العالم والقوى الفاعلة فيه. ويشهد على ذلك الزيارات التي يقوم بها زعماء وقادة ورؤساء مختلف دول العالم إلى دولة الإمارات على مدار العام.
لا يوجد تعليقات