2023-09-28
انضمام الإمارات لـ“بريكس”... الأهمية والمكاسب والتوقعات
في نظام عالمي يتغير بوتيرة متسارعة، وبعد عامين من انضمامها لبنك التنمية التابع للمجموعة، يأتي الإعلان عن انضمام الإمارات إلى مجموعة “بريكس” تأكيداً للمكانة الاقتصادية للدولة، وتجسيداً لنهجها القائم على بناء شراكات دولية متعددة الأطراف تهدف إلى منفعة الجميع ودعم السلام والتنمية لتحقيق رفاهية وازدهار الشعوب والأمم في جميع أنحاء العالم. وفي هذا العدد تسلط “درع الوطن” الضوء على انضمام دولة الإمارات إلى مجموعة “بريكس” من حيث الأهمية والعوائد الاستراتيجية المتوقعة.
إعداد: هيئة التحرير
مع دخول عضوية دولة الإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة «بريكس» حيز التنفيذ ومعها المملكة العربية السعودية ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين اعتباراً من يناير المقبل 2024، تنطلق «بريكس» التي تشكلت في عام 2006 من قِبل روسيا والصين والبرازيل والهند قبل أن تنضم إليها جنوب إفريقيا في 2010 ، إلى مرحلة جديدة من التوسع ودعم التنمية العالمية تعكسها الأرقام والمؤشرات الاقتصادية العالمية التي تشير إلى أن المجموعة ستشكل مع انضمام الدول الست نحو 43% من سكان العالم بحسب بيانات الأمم المتحدة، وتساهم بنحو 29% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما يعادل 31 تريليون دولار، وحصة تزيد عن 20% من التجارة العالمية وفق بيانات البنك الدولي.
وتعد دولة الإمارات شريكاً طويل الأمد لمجموعة «بريكس»، حيث شاركت في منتدى «أصدقاء البريكس» في يونيو الماضي في كيب تاون، والذي يعد جزءاً من اجتماع وزراء خارجية المجموعة، برئاسة جمهورية جنوب إفريقيا. كما انضمت دولة الإمارات إلى بنك التنمية الجديد للمجموعة في أكتوبر 2021، بعد تأسيسه في عام 2015 لحشد الموارد لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول النامية والناشئة وفي دول المجموعة.فيما يشكل هذا التطور جزءاً من أولويات دولة الإمارات في تعزيز الحوار البنّاء من خلال منصات فاعلة تمثل اقتصاديات الدول النامية والناشئة، والتركيز على الرخاء الاقتصادي على المدى الطويل والحفاظ على علاقات استراتيجية واقتصادية متوازنة - بما في ذلك مع المنظمات الدولية - في نظام عالمي دائم التطور، بحسب تأكيدات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي.
مكانة الاقتصاد الإماراتي عالمياً
يُعد اقتصاد دولة الإمارات الاقتصاد الأكثر تنافسيةً الأول في منطقة الشرق الأوسط والـ 12 على مستوى العالم، وذلك بحسب التصنيف العالمي للتنافسية لعام 2022 الصادر عن المعهد الدولي للتطوير الإداري. وتسير الدولة بخطى حثيثة لتعزيز القدرة التنافسية لاقتصادها واستدامته واستكشاف فرص جديدة من خلال تعزيز الشراكات الدولية، وبالطبع انضمامها إلى مجموعة «بريكس» سيسهم في تعزيز دورهاكقوة اقتصادية عالمية ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون مع العديد من دول العالم، لا سيما وأنها من أسرع الدول نموًا، إذ نجحت الدولة طوال السنوات الماضية في تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع الكثير من دول العالم ووقّعت العديد من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، لتصل تجارتها غير النفطية إلى مستويات تاريخية خلال العام الماضي.
وقد اعتمد اقتصاد االإمارات قبل قيام دولة الاتحاد بشكل كبير على الزراعة في الواحات، والصيد، وتجارة التمور، واللؤلؤ. وفي خمسينات القرن الماضي بعد اكتشاف النفط، ثم قيام الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، تغير هيكل الحياة الاقتصادية للدولة تغيراً جذرياً، مدفوعاً بموقعها الاستراتيجي، وخطط الإنفاق الحكومي، وسياسات الدولة في التنويع الاقتصادي والانتقال تدريجياً في بدايات القرن الحادس والعشرين إلى اقتصاد قائم على المعرفة عبر تشجيع الابتكار. وهو ما جعل الإمارات بمقدمة دول العالم في التنافسية، إذ تنافس في قوتها الاقتصادية، من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها، الدول ذات الاقتصادات المتقدمة، بالإضافة إلى أنها تعد من أكثر الدول العربية تنافسية، بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، كما أنها أكبر دولة عربية جاذبة للاستثمارات في منطقة الشرق الأوسط، ومن أفضل ثلاث دول على مستوى العالم في ذلك المجال، ولديها اقتصاد قوي متنوع، وجغرافيا فهي أكثر دولة في المنطقة تلتقي بها المصالح الاقتصادية الدولية، وتمتلك علاقات متوازنة مع كافة القوى العالمية الكبرى.
وقد أظهر تقرير «توقعات وإحصاءات التجارة العالمية» الصادر عن منظمة التجارة العالمية في أبريل الماضي، تصدر الإمارات المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا في صادرات وواردات السلع والخدمات، محافظة على مكانتها كأهم سوق للصادرات والواردات السلعية على مستوى دول الشرق الأوسط وإفريقيا؛ حيث جاءت الإمارات في المرتبة الـ 11 عالمياً على مستوى الصادرات السلعية خلال عام 2022، بإجمالي 599 مليار دولار وبنسبة مساهمة 2.4 بالمئة من صادرات العالم السلعية، محققة نموًا بنسبة 41 بالمئة، وفي حال التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي كمجموعة تقفز الإمارات لتحتل المرتبة 7 عالميًا. فيما حلّت في المرتبة الـ 18 عالمياً بالنسبة للواردات السلعية خلال عام 2022 مُسجلة ما قيمته 425 مليار دولار وبنسبة مساهمة 1.7 بالمئة من واردات العالم السلعية وبنسبة نمو بلغت 22 بالمئة، وفي حال التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي كمجموعة تقفز الإمارات لتحتل المرتبة 13 عالمياً. أي أن الدولة ساهمت بـ2.4 في المئة من صادرات العالم من السلع خلال 2022، وفقًا لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله.
وبحسب تقرير «توقعات وإحصاءات التجارة العالمية» أيضاً، باتت الإمارات في المرتبة 12 عالميًا في الصادرات الخدمية خلال عام 2022، بقيمة 154 مليار دولار وبنسبة مساهمة 2.2 بالمئة من صادرات العالم من الخدمات، كما حققت فائضًا بالميزان التجاري يقدر بـ 174 مليار دولار من تجارتها السلعية، وكذلك 59 مليار دولار في الخدمات، وتجاوزت تجارتها من السلع حاجز التريليون دولار (1.024) تريليون دولار، وكذلك ما قيمته 249 مليار دولار من الخدمات، أي أن تعاملات الإمارات التجارية من السلع والخدمات مع العالم بلغت 1.273 تريليون دولار، بفائض بلغ 233 مليار دولار خلال عام 2022.
وعلى مستوى الخدمات الرقمية عالمياً، تعد الإمارات هي الدولة العربية الوحيدة ضمن قائمة أهم 30 دولة مصدرة للخدمات الرقمية عالميًا، إذ احتلت المرتبة الأولى عربياً لعام 2022. فيما جاءت ضمن قائمة كبار المصدرين للخدمات الرقمية عالميًا، حيث حلّت في المرتبة 21 عالمياً بقيمة بلغت 45 مليار دولار وبنسبة مساهمة 1 بالمئة من صادرات العالم من الخدمات الرقمية.
وقد بلغت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد في عام 2022 إلى دولة الإمارات 22.737 مليار دولار أمريكي (83.5 مليار درهم إماراتي) بزيادة عن العام 2021 بمقدار 2.07 مليار دولار (7.6 مليار درهم) وبنسبة نمو 10 بالمئة لتحتل المرتبة 16 عالميًا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد في 2022.وفقاً لتقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي للعام 2023 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد».
كما حلّت دولة الإمارات في المرتبة الأولى على مستوى منطقة غرب آسيا، مستحوذة على ما نسبته 47.1 بالمئة من إجمالي التدفقات الواردة إلى المنطقة والبالغة 48.3 مليار دولار. بالإضافة إلى المرتبة الأولى أيضاً على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مستحوذة على نحو 32.4 بالمئة، من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى هذه المنطقة والبالغة 70.2 مليار دولار.
وقد أصبحت الإمارات محط اهتمام شديد بين كبار المستثمرين، فوفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن منصة «أف دي آي ماركتس» التابعة لصحيفة «فاينانشال تايمز»، تصدرت الإمارات المركز الأول عالميًا في استقطاب الاستثمار الأجنبي منذ جائحة «كوفيد - 19»، إذ اجتذبت 792 مشروعاً إضافياً للاستثمار الأجنبي المباشر خلال السنوات الثلاث الماضية منذ 2020، بالمقارنة مع نفس الفترة التي سبقت الجائحة. حيث استقطبت إمارة دبي وحدها 1469 مشروعًا للاستثمار الأجنبي المباشر منذ الجائحة،شكلت مجالات التكنولوجيا والأعمال والخدمات المالية ما يقرب من 62.5 في المئة منها، تلتها إمارة أبوظبي بـ 273 مشروعاً.
ووفقًا لتصنيفات مؤسسة الصناديق السيادية «إس دبليو إف أي» المتخصصة في دراسة استثمارات الحكومات، وإحصاءات أكبر الصناديق السيادية في العالم، يعتبر جهاز أبوظبي للاستثمار من أكبر الصناديق السيادية في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر رابع صندوق في العالم بمبلغ يقدر بـ 790 مليار دولار أمريكي.
لم يتوقف نجاح الاقتصاد الإماراتي على مؤشرات الأوضاع الحالية، بل أن توقعات المؤسسات الدولية لمستقبل الاقتصاد الإماراتي إيجابية وتؤكد تعزيز مكانته التنافسية بين الاقتصادات العالمية، ففي تقرير للبنك الدولي بمنتصف مايو الماضي، توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدولة الإمارات بنسبة 2.8 بالمئة في نهاية العام الجاري 2023، حيث من المتوقع أن يحقق القطاع غير النفطي نموًا قويًا بنسبة 4.8 بالمئة بسبب قوة الطلب المحلي لاسيما في قطاعات السياحة والعقارات والإنشاءات والنقل والصناعات التحويلية.كما توقع التقرير أن تحقق الإمارات فائضاً في المالية العامة بنسبة 6.2 بالمئة في 2023.
أهمية مجموعة «بريكس»
يقود الحديث عن انضمام الإمارات إلى مجموعة «بريكس» وما تمثله من ثِقل اقتصادي إلى الحديث عن قوة هذه المجموعة الاقتصادية التي تطمح العديد من دول العالم الانضمام إليها، لتغيير المعادلة الاقتصادية العالمية، والتي تتمثل في الآتي:
-
تشكل المجموعة نحو 43% من سكان العالم بحسب بيانات الأمم المتحدة، وتسهم بنحو 29% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بما يعادل 31 تريليون دولار، وحصة تزيد عن 20% من التجارة العالمية وفق بيانات البنك الدولي، خصوصاً أن بينها الصين التي هي أكبر اقتصاد في العالم، والهند وهي ثالث اقتصاد في العالم، ثم روسيا التي هي أكبر مصدر للطاقة في العالم.
-
تعد المجموعة الاقتصادية “بريكس” مصدرًا مهمًا للاستثمار الأجنبي المباشر في المجالات الرئيسية مثل التعدين وصناعة السيارات والنقل والطاقة النظيفة والخدمات المالية وتكنولوجيا المعلومات، وتؤدي هذه الاستثمارات والمشاريع إلى خلق فرص عمل كبيرة بين الدول الأعضاء، فضلاً عن التجارة والاستثمارات المتبادلة بحسب علي حمودي، الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في مجموعة “إيه تي إيه جلوبال هوريزنس”.
-
يكمن جزء من أهمية المجموعة في امتلاكها النفط والقمح والمعادن واسعة الاستخدام مثل الحديد، أو المعادن النادرة المستخدمة في الصناعات التكنولوجية، في حين تستمد الولايات المتحدة قوتها من قوة الدولار وامتلاكها احتياطيات ضخمة من الذهب، تعادل نحو ضعف ما تمتلكه روسيا والصين مجتمعتين.
-
انضمام أعضاء جُدُد يزيد الثقل الاقتصادي للمجموعة من حيث الموارد والقوة الشرائية (زيادة 13% في احتياطات الذهب و15.6% في تعداد السكان). بحسب وكالة “سبوتنيك” الروسية.
-
تهدف هذه المجموعة الدولية إلى زيادة العلاقات الاقتصادية فيما بينها بالعملات المحلية، مما يقلل الاعتماد على الدولار؛ وهو الأمر الذي يستتبعه كسر تحكم مجموعة السبع في الاقتصاد العالمي؛ ومحاولة خلق توازن اقتصادي عالمي.
-
تفوقت المجموعة مؤخراً على مجموعة السبع من حيث حصتها في الاقتصاد العالمي، حيث أصبحت تستحوذ على 32 بالمئة من الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 بالمئة للدول الصناعية السبع الكبرى؛ وهو الأمر الذي جعل المجموعة تقدم نفسها كبديل للكيانات المالية والسياسية الدولية الحالية، وتبلور ذلك من خلال إنشاء المجموعة “بنك التنمية الجديد” برأس مال 100 مليار دولار، لتمويل مشاريع البنية التحتية ومشاريع التنمية المستدامة في دول “بريكس” والبلدان النامية، فضلًا عن، تدشين مجلس أعمال لإدارة الاستثمارات، ووكالة تصنيف ائتماني، وكذلك صندوق احتياطي خاص بالطوارئ له، كخطوة نحو تجنُّب هيمنة المؤسسات المالية الدولية.
-
تشير بيانات صندوق النقد الدولي، إلى أن حجم اقتصاد الصين لوحده، يفوق 6 من اقتصادات “جي 7”، وهي ألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وكندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة.
-
دول مجموعة “بريكس” تمثل مجتمعة حصة كبيرة من استهلاك النفط العالمي، إذ ستهيمن على نحو 43% من الإنتاج العالمي للنفط، كما أن انضمام الإمارات والسعودية، سيعزز مكانة المجموعة كلاعب رئيسي في سوق الطاقة، بما يُعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للطاقة، ويضاهي أسواق النفط الغربية.
-
تضم المجموعة ثلاث قوى نووية هي: روسيا، الصين، الهند، وأربعة من أقوى جيوش العالم، بصدارة الصين والهند وروسيا.
أهمية انضمام الإمارات لـ “بريكس”
انضمام الإمارات إلى مجموعة «بريكس» يأتي في سياق توجه الدولة نحو تنويع علاقاتها وشراكاتها الدولية والتعاون المتعدد الأطراف مع القوى الدولية، كما يعد خطوة استراتيجية تعزز من فرص التعاون الدولي، وتعمق فرص تنويع اقتصاد الإمارات من خلال توسيع دائرة الشراكات التجارية والاستثمارية مع دول المجموعة. لكن الأمر لا يتعلق فقط بالعملية الاقتصادية، بل هو عملية مركبة ذات جوانب متداخلة تتماس مع الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية والسياسة الخارجية للدولة. وهو ما يقودنا إلى سؤال لماذا انضمت الإمارات إلى «بريكس» ؟
منظومة جديدة: بانضمام الإمارات إلى بريكس تصبح الدولة حاليًا في وسط مرحلة تطور مفصلي في سياستها الخارجية، وفي جوهر عملية هادفة إلى تنويع هامش المناورة الجيوسياسي والجيواستراتيجي، ولذلك يعد الانضمام إلى بريكس قرار استراتيجي مهم للغاية. وتتحرك دولة الإمارات الآن بهذه الخطوة باتجاه سلسلة من الالتزامات الخارجية متعددة الجوانب التي تتضمن مسؤوليات على الصعيد العالمي، عبر الأدوات والآليات التي تستخدمها في إدارة وتوجيه سياستها الخارجية. كما أنها تصنع لنفسها منظومات جديدة من السياسات الخارجية التي من المؤكد أن يخرج نتيجة لها نطاق أوسع من حرية الحركة والتصرف التي تحقق بها مصالحها الوطنية وطموحاتها على الساحة الدولية، ونظراً لكون دولة الإمارات في طور السير السريع نحو التنمية الشاملة المستدامة، فإنها تستطيع إيصال حركتها على المسرح الدولي إلى الحد الأقصى الممكن من الحرية في علاقاتها الدولية اقتصادياً وسياسياً عن طريق تجنب الخوض في عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
تأثير أقوى على الصعيد الدولي: هذه الخطوة، ستمكن الإمارات من تعزيز قدرتها على التأثير، حيث إن انضمامها إلى مجموعة «بريكس» سيوفر لها فرص أقوى للتأثير في التوجهات الاقتصادية والسياسية على الصعيد الدولي، وذلك من خلال دور الإمارت المتوقع داخل المجموعة، بحكم ثقلها ومكانتها، في صياغة توجهات المجموعة ورسم سياساتها، والمساهمة في تحقيق أهدافها، وفقاً للخبراء والمتخصصين. ويسهم تنوع دول التكتل في تعزيز قوة وتأثير هذه الدول في المشهد الدولي، إذ يجعلها أكثر قدرة على التأثير في صياغة السياسات العالمية وتحقيق مصالحها وفقاً لخارطة نظام عالمي جديد تتشكل فيه قواعد الهيمنة والنفوذ وفق لقواعد لعبة مغايرة لتلك التي يرتكز عليها النظام العالمي الراهن، وبالتالي يمكن توقع إعادة تنظيم المؤسسات المالية والاقتصادية والسياسية الدولية، علاوة على تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي جراء التعاون بين دول المجموعة على اختلاف توجهاتهم السياسية والاقتصادية.
تعزيز سياسات التنويع الاقتصادي: تسعى الحكومة الإماراتية إلى دعم سياسات المرونة الاقتصادية من خلال السعي الدائم لتنويع مصادرها الاقتصادية، ودخول أسواق عالمية جديدة، وفتح آفاقًا جديدة للتعاون وتنمية العلاقات الاقتصادية مع الكثير من دول العالم، وهو ما يتعزز من خلال الانضمام لمجموعة «بريكس» كقوة اقتصادية عملاقة، وتحالف اقتصادي مستقبلي، تطمح العديد من دول العالم في الانضمام إليه، كما سيعزز من دور الإمارات الاقليمي كمركز اقتصادي رئيسي في المنطقة.
فرص جديدة للتبادل التجاري: تمثل المجموعة الاقتصادية الدولية «بريكس» أكثر من 42% من سكان العالم بحسب بيانات الأمم المتحدة، ومن ثم يمكن أن يوفر التبادل التجاري فرصاً جديدة للشركات الإماراتية في الأسواق العالمية، خاصة بعد تعزيز الدولة لشراكاتها الدولية ودعم قدرة اقتصادها وتنافسيته على مدار الخمسة عقود الماضية. كما سيسهم انضمام الإمارات لـ «بريكس» في تعزيز دورها كقوة اقتصادية عالمية ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين الإمارات ودول العالم، لا سيما وأنها من أسرع الدول نمواً ومن ثم فإن تمكين علاقاتها الاقتصادية الدولية عبر المزيد من الشراكات يسهم في مزيد من النمو والتطور والتنمية. وقد ذكرت وكالة التصنيف الائتماني «موديز» في أحدث تقرير لها، إن انضمام الإمارات إلى مجموعة بريكس يحقق 5 آثار إيجابية لاقتصاد الدولة، تتمثل في تعزيز الاقتصاد، وزيادة معدلات التجارة، ودعم التعاون متعدد الأطراف، وتنويع العلاقات الاقتصادية، وتعزيز القدرة على التأثير، وهو ما يعد خطوة استراتيجية ذات أهمية كبيرة للاقتصاد الإماراتي والعلاقات الدولية. كما أنه على الجانب الآخر يمثل إضافة قوية ومهمة لمجموعة بريكس، من خلال تقديم قيمة متعددة الأوجه، لا سيما في مجال التمويل والاقتصاد، باعتبار الإمارات تتمتع بموارد اقتصادية قوية، بالإضافة إلى تبنيها نهجًا رائدًا في التنمية المستدامة والاستثمار الذكي، ما يجعلها شريكاً استراتيجياً قيماً لمجموعة «بريكس».
جذب الاستثمارات الأجنبية: يسهم هذا الانضمام في تعزيز التبادل التجاري بين الإمارات ودول بريكس، وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى الدولة، إذ تمثل دول بريكس مجتمعة مصدراً مهماً للاستثمار الأجنبي المباشر، كما يمكن أن يفتح المزيد من الآفاق والخيارات أمام الشركات ورؤوس الأموال الإماراتية، لا سيما وأن سياسة الدولة تركز على دعم الازدهار الاقتصادي على المدي الطويل من خلال الاعتماد على استراتيجيات مبتكرة وبناء اقتصاد يستند على المعرفة والتنوع وتعزيز التقدم العلمي والتكنولوجي.
تعاون في مجالات البحث والابتكار: يعزز انضمام الدولة لمجموعة «بريكس» التعاون مع دول المجموعة في مجال الابتكار والبحث العلمي وتطوير التكنولوجيا، حيث تمتلك دول «بريكس» قاعدة علمية وتكنولوجية كبيرة، ويمكن أن يوفر التعاون في هذا المجال فرصاً جديدة للابتكار وتطوير المنتجات والخدمات الجديدة. وقد اقترحت الهند في القمة الأخيرة للمجموعة تشكيل نظام أقمار صناعية لدول التكتل واستحداث مركز لأبحاث الفضاء،بما يعود بالفائدة على البشرية جمعاء.
توقعات مستقبلية
يمثل قرار قمة «بريكس» قبول 6 أعضاء جدد (الإمارات، السعودية، مصر، الأرجنتين، إيران، إثيوبيا) تحولاً تاريخياً بالغ الأهمية في عمل المجموعة، إذ أن الدول الست التي دُعيت للانضمام تتمتع بدرجات متفاوتة، بعلاقات تعاون اقتصادي وتجاري، بجانب تعزيز التعاون مع دول التكتل الاقتصادي العالمي في مجالات أخرى، وبما سيؤدي إلى زيادة الفرص الاستراتيجية والاقتصادية واللوجيستية للمجموعة، من خلال التكامل اللوجيستي والشبكي مع تلك الدول، حيث سيكون للمجموعة تمثيل أوسع يعزز مكانتها كتحالفاً عالمياً حقيقياً يدمج وجهات نظر من اقتصادات دول مختلفة، ويحقق المزيد من القوة الاقتصادية للمجموعة ويعزز نفوذها وتوسعها عالمياً في مواجهة التكتلات الاقتصادية الأخرى.
وارتباطًا بما تقدم، فإن زيادة الموارد للتكتل العالمي بعد انضمام دول جديدة سيسمح بتدشين العديد من المشاريع التنموية وتعزيز شبكات التعاون عبر منطقة عالمية أوسع والوصول إلى أسواق جديدة. بالإضافة إلى تعزيز التعاون الأمني البحري من خلال مشاريع مشتركة لدول التكتل لتأمين الممرات البحرية الرئيسية في إطار مبادرات التعاون الاستراتيجي، إذ أن التجمعات الدولية تقدم منصة للتعاون الأمني والتنسيق في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة بما يعزز من قدرة هذه الدول على التصدي للتهديدات الأمنية.
من المتوقع أيضاً تحقيق العديد من الفوائد الجيوسياسية جراء هذا التوسع، يتمثل في تنويع الاحتياطات النقدية، والتقليل من تبعية دول المجموعة للدولار الأمريكي كعملة رئيسية في تعاملاتها، وتقوية عملاتها الوطنية أيضًا، وذلك في حال تم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن اعتماد عملة مشتركة لدول البريكس كبديل للدولار، خاصة أن المقترح الخاص بتدشين عملة موحدة يستلزم الكثير من الإجراءات وربما الوقت، من بينها إلغاء العملات المحلية لدول المجموعة وهو أمر يتطلب وقتًا يصعب تقديره. وتقدر جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك «سويفت»، أن الدولار مستخدم في 42 % من معاملات العملات، فيما يساهم اليوان الصيني بنحو 2 % فقط، كما يقدر صندوق النقد الدولي أن 59 % من احتياطيات البنوك المركزية العالمية بالدولار، ويشكل اليوان 5 % فقط.
أبرز النقاط الواردة في «إعلان جوهانسبورغ» لمجموعة «بريكس»
تنظر دول “بريكس” إلى الأمم المتحدة باعتبارها حجر الأساس في النظام الدولي، ويدعم زعماء المجموعة إصلاح الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي، من أجل جعل المنظمة أكثر ديمقراطية وكفاءة.
مؤشرات مهمة
-
رغم حداثة عهد تكتل بريكس وصغر عدد أعضائه مقارنة بنظرائه من التكتلات الاقتصادية كالاتحاد الأوروبي والآسيان، فإن بريكس أصبح اليوم أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم؛ نظرًا للثقل الاقتصادي لدوله في ظل ما تتمتع به من إمكانات بشرية وصناعية وزراعية، بما جعل قراراته محط اهتمام وتأثير عالميين. بحسب بيانات البنك الدولي ستضيف الدول الست الجديدة 3.24 تريليون دولار إلى اقتصادات مجموعة “بريكس”، التي تضم روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا. إضافة إلى امتلاك الدول الجديدة ثروات باطنية ضخمة مثل النفط والغاز، الأمر الذي سيعزز دور ومكانة “بريكس” في الاقتصاد العالمي.
-
تتقدم مجموعة “بريكس” على دول مجموعة السبع الكبار ليس فقط من الناحية الاقتصادية، ولكن من الناحية الديموغرافية، حيث يعيش 800 مليون شخص في دول مجموعة السبع مقابل 3.2 مليار في دول “بريكس».
-
يشكل الجانب الاقتصادي العمود الفقري للمجموعة، ويعمل الأعضاء على تطوير خططهم الاقتصادية الموحدة.
-
أعضاء “بريكس” الحاليين والجدد
لا يوجد تعليقات