2023-08-03
تطور نوعي كبير في علاقات الشراكة الإماراتية ـ الروسية
في ضوء زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى سان بطرسبرغ:
حظيت الزيارة التي قام بها إلى روسيا منتصف شهر يونيو 2023 صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، باهتمام دولي واسع، لأسباب عدة منها التطور النوعي الكبير الذي تشهده علاقات الشراكة الإماراتية ـ الروسية، والجسور التي يتم بناؤها لتعزيز هذه الشراكة، بحسب قول سموه، فضلاً عن اضطلاع الإمارات بدور حيوي ضمن الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية تنهي الحرب في أوكرانيا،. وفي هذا العدد، تسلط «درع الوطن» الضوء على حصاد هذه الزيارة المهمة.
إعداد: هيئة التحرير
في بداية اجتماع القمة الذي عقد بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش منتدى سان بطرسبرغ الذي عقد منتصف شهر يونيو الماضي، أكد الرئيس بوتين إن الإمارات «شريك جيد ومريح للغاية بالنسبة لنا والعلاقات بين روسيا والإمارات تتطور بنجاح كبير»، موجهاً الشكر إلى صاحب السمو رئيس الدولة على مساهمة الإمارات في تبادل أسرى وسجناء بين روسيا وكل من أوكرانيا والولايات المتحدة (نجحت جهود دولة الإمارات في إتمام عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا في فبراير الماضي، وذلك بعد شهرين من نجاح وساطتها لتبادل مسجونين بين روسيا والولايات المتحدة في ديسمبر 2022)، فيما أعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن تأييده لـ«خفض التصعيد»، والتوصل إلى حلول سياسية للنزاع في أوكرانيا، مشيراً إلى أنه ناقش مع الرئيس بوتين الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وكانت روسيا قد أعربت عن تقديرها لعلاقات الشراكة مع دولة الإمارات، التي باتت أكبر شريك تجاري لروسيا في منطقة الخليج العربي، من خلال استضافة دولة الإمارات كضيف شرف للنسخة الأخيرة لمنتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي، حيث تستأثر الإمارات بنسبة 55% من إجمالي التجارة الروسية ـ الخليجية، وتستضيف أكثر من 4 آلاف شركة روسية تعمل بقطاعات متنوعة بالاقتصاد الإماراتي، فيما تمتلك رؤوس الأموال الإماراتية 60 مشروعاً في روسيا.
وقد حرص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ على تأطير زيارته لروسيا استراتيجياً من خلال التأكيد في تغريدة نشرها سموه على موقع «تويتر»: بقوله «نهج الإمارات بناء جسور التعاون والحوار مع الجميع لخدمة السلام والازدهار في العالم»، ما يعكس الأولوية التي حظيت بها جهود حل الأزمة الأوكرانية ضمن هذه الزيارة، حيث جاءت زيارة سموه لروسيا بعد فترة وجيزة من زيارة قام بها وفد إماراتي رسمي تترأسه مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة لأوكرانيا، في أحدث حلقة من جهود دولة الإمارات المتواصلة للدفع بحل سلمي مستدام للأزمة الروسية الأوكرانية، ودعم جهودها الإنسانية المتواصلة للتخفيف من حدة الأزمة.
الإمارات وروسيا: علاقات استثنائية
هناك معايير عدة تسهم في قياس قوة ومتانة العلاقات بين الدول، ومنها مؤشرات التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري، وأجندة اللقاءات والزيارات والتواصل بين قادة الدول ومسؤوليها؛ وفي هذا الإطار يمكن القول أن المؤشرات السابقة تنطبق تماماً على ماتشهده العلاقات الإماراتية ـ الروسية، حيث تعد الزيارة الأخيرة التي قام بها صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ إلى سان بطرسبرغ، الثانية التي قام بها سموه إلى روسيا خلال 9 أشهر، بعد زيارة أجراها في الحادي عشر من شهر أكتوبر2022، وشهدت عقد قمة ثنائية مع الرئيس بوتين. كما تعد القمة الأخيرة، اللقاء الحادي عشر الذي يجمع الرئيسين منذ تولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئاسة روسيا عام 2012، حيث أسهم هذا المستوى الرفيع من اللقاءات الثنائية، التي لا يكاد يمر عام دون أن تعقد، في الارتقاء بالتفاهم والتعاون والتنسيق بين البلدين إلى مستوى توج باتفاق الشراكة الاستراتيجية الذي تم توقيعه في يونيو عام 2018، والذي فتح الباب واسعاً أمام إحداث نقلة نوعية في العلاقات الإمارات ـ الروسية، والدور الروسي في منطقة الخليج العربي بشكل عام، حيث أعقب توقيع الاتفاق، قيام الرئيس بوتين بزيارة رسمية إلى دولة الإمارات في أكتوبر 2019، وكانت الأولى التي يقوم بها رئيس روسي لمنطقة الخليج العربي منذ نحو 12 عاماً.
دور حيوي لإحلال السلام
قال معالي الدكتور أنور قرقاش مستشار صاحب السمو رئيس الدولة إن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا، تأتي في إطار نهج الإمارات للبحث عن حلول للأزمات، وأن الإمارات ملتزمة بالاستماع إلى كل الأطراف الدولية، ويجب تجاوز الاستقطاب الحاد في العلاقات الدولية، مشيراً إلى أن الإمارات تتبنى نهجاً ايجابياً تفاعلياً تجاه الأزمات، وأضاف معاليه: «تؤمن الإمارات بأهمية المحافظة على قنوات التواصل، وقناعاتنا راسخة أن الحلول السياسية هي السبيل الوحيد لإرساء قواعد النظام الدولي. من هذا المنطلق تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى روسيا تماشياً مع إيماننا أن الدبلوماسية والحوار هما الأداة الأفضل للخروج من أي أزمة مهما بلغ حجمه». وفي هذا الإطار أكد صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه «في حال تطلب الأمر أن تقوم الإمارات العربية المتحدة بأي دور آخر، في استقرار الوضع، وفي الأمور الإنسانية، فنحن على استعداد للمساعدة في ذلك بكل الطرق». ومن جانبه، قال الرئيس بوتين في بداية الاجتماع مع صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ على هامش منتدى بطرسبرغ الاقتصادي: “أود أن أشكركم على جهودكم لحل القضايا الإنسانية في سياق الأحداث في الاتجاه الأوكراني المتعلقة بتبادل المحتجزين، وعدد من القضايا الإنسانية الأخرى من هذا القبيل”.
علاقات تجارية واستثمارية متنامية
تشهد العلاقات التجارية بين الإمارات وروسيا تقدماً متنامياً في شتى القطاعات، خاصة في مجالات اقتصاد المعرفة، والذكاء الاصطناعي والابتكار والاقتصاد الدائري وغيرها من القطاعات الجديدة والواعدة. وقد كشف معالي ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية، أن حجم التبادل التجاري غير النفطي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وروسيا قد قفز العام الماضي بنحو 95% ليصل إلى أكثر من 10 مليارات دولار.
وقد زاد حجم الصادرات من روسيا إلى دولة الإمارات بنسبة 71%، ليصل إلى 8.5 مليارات دولار، وزادت الواردات بنسبة 6% لتصل إلى 500 مليون دولار، لتكون دولة الإمارات بذلك “الشريك التجاري العربي الأول لروسيا”.
وعلى صعيد الاستثمار، دخلت دولة الإمارات للمرة الأولى قائمة أكبر 20 شريكاً اقتصادياً أجنبياً لروسيا، وفق إحصاءات رسمية لعام 2022، أعلنها نائب رئيس الوزراء، وزير الصناعة والتجارة دينيس مانتوروف في مايو 2023، حيث تعتبر الشركات الروسية دولة الإمارات مركزا مناسبا للإنتاج والخدمات اللوجستية لتنظيم إمدادات التصدير واستيراد المكونات والمعدات والمواد المطلوبة إلى روسيا. كما تعد دولة الإمارات الوجهة الأولى عربياً للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على 90% من إجمالي استثمارات روسيا في الدول العربية، وفي المقابل دولة الإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بأكثر من 80% من إجمالي الاستثمارات العربية فيها. وكان رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة في دولة الإمارات عبدالله محمد المزروعي قد أعلن في 15 يونيو 2023، عن ارتفاع حجم الاستثمارات الروسية في بلاده بـ4 مليارات دولار، لتصل إلى 10 مليارات دولار، داعيا الشركات الروسية إلى مزيد من الاستثمارات في بلاده. وقال المزروعي في كلمة له بافتتاح جلسة “حوار المال والأعمال روسيا-الإمارات”، خلال فعاليات منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي: “نرى نمواً كبيراً في التبادل التجاري، فيما بلغت قيمة الاستثمارات الروسية 10 مليارات دولار بزيادة 4 مليارات دولار».وأضاف: “نشجع الشركات الروسية للاستثمار في دولة الإمارات وندعوها للاستثمار، سواء عبر بناء مصانع أو عبر المراكز التجارية ونرحب بكم جميعا، دولة الإمارات والأبواب مفتوحة لكم، وهناك الكثير من الصناعات الروسية التي تستطيع أن تجد سوقاً جيدة في دولة الإمارات». وبحسب إحصاءات رسمية عن سنوات سابقة، فقد كان رصيد الاستثمارات الأجنبية المتبادلة بين دولتي الإمارات وروسيا قد بلغ نحو 1.8 مليار دولار، وحققت الاستثمارات الأجنبية الروسية المباشرة في دولة الإمارات نمواً بنسبة 13% خلال عام 2019 مقارنة بعام 2018.
من جهته، صرح نائب رئيس الوزراء الروسي مارات خوسنولين في مايو الماضي، أن “تدفق رؤوس الأموال الروسية إلى دولة الإمارات يتزايد أيضا، ويظهر رجال الأعمال لدينا اهتماما كبيرا في تشييد خطوط إنتاج في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما يستحق التعاون في مجال السياحة اهتماماً خاصاً، حيث تعد دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر خمس دول أجنبية شعبية بين السائحين الروس»، فيما تتطلع الإمارات لتخطي المليون سائح روسي هذا العام بحسب قول صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ
روابط شخصية قوية
تلعب علاقات الصداقة التي تربط القادة والزعماء دوراً إيجابياً مؤثراً في تقوية الروابط وعلاقات التعاون القائمة بين الدول، وقد سبقت الإشارة إلى القمة الأخيرة في سان بطرسبرغ بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هي اللقاء الحادي عشر الذي يجمع الرئيسين منذ تولي الرئيس بوتين رئاسة روسيا عام 2012، ما يعكس مستوى عميقاً من التفاهم والتواصل، وهو ماتجسد في لغة الحوار بين الرئيسين؛ ففي سبتمبر عام 2013، وخلال استقباله لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قال فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي في افتتاح المحادثات بين الجانبين «تجمعنا علاقات طيبة مع الإمارات العربية المتحدة التي تعد واحدة من أهم شركائنا الاقتصاديين»، واصفاً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بـ «الصديق القديم والموثوق»، فيما استهل صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ محادثاته مؤخراً في سان بطرسبرغ مع الرئيس بوتين بالقول «أشكرك صديقي الرئيس بوتين على الدعوة». وقد لاحظ المراقبون خلال زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى روسيا في أكتوبر 2022 أن الرئيس بوتين قد تخلى خلال استقباله للضيف الإماراتي عن بروتوكول استقبال الضيوف الأجانب، الذي اعتاد عليه حتى مع قادة لدول كبرى قبل اندلاع حرب أوكرانيا وبعدها، حيث حرص على الجلوس إلى جوار الضيف الإماراتي، وليس على الطرف الآخر من أقصى طاولة المفاوضات، وجميعها إشارات دالة على أهمية الزيارة ومستوى التقارب والتفاهم بين الرئيسين.
وقد حظيت الصداقة القوية بين الرئيسين، الإماراتي والروسي، باهتمام كبير من وسائل الاعلام الدولية، التي تسلط الضوء على تفاصيل زيارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ لروسيا، بما في ذلك المواقف واللفتات الشخصية المتبادلة بين الرئيسين، حيث تعرضت بعض التقارير الاعلامية لدلالات الاستقبال، وحرص البروتوكول الروسي المعروفة بدقته الشديدة على جعل مسافة الجلوس بين الرئيسين قريبة للغاية، بعكس كل اللقاءات التي عقدها الرئيس بوتين منذ بداية انتشار جائحة «كورونا» وتواصلت خلال أزمة أوكرانيا، حتى أصبحت التباعد بين الرئيس بوتين وضيوفه مؤشراً مهماً لتقارب وتباعد المواقف ووجهات النظر والرؤى السياسية. وبلغ الأمر أن وسائل الاعلام قد اتخذت من هذا التباعد الذي تجسده طاولة الاجتماعات الروسية الشهيرة، مؤشراً على مواقف الرئيس بوتين حيال قادة وزعماء آخرين، وهو الأمر الذي اختفى تماماً خلال لقاءاته مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، حيث عقدت جميع المحادثات في أجواء صداقة قوية، وعكست الكلمات المتبادلة واللفتات الشخصية العديدة مستوى استثنائي من الصداقة والروابط الشخصية القوية، التي يمكن أن تسهم كثيراً في حلحلة الأزمات الدولية المعقدة. وقد تناولت التقارير الاعلامية مظاهر الصداقة الشخصية القوية التي تربط بين الرئيسين، والتي تجلت بوضوح خلال الترحيب والحفاوة المتبادلة خلال اللقاء والتي ظهرت في لفتات عدة، منها وصف الرئيس الروسي زيارته للإمارات في 15 أكتوبر 2019 بأنها كانت «شيئا لا ينسى»، كما ظهرت كذلك عندما خاطب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نظيره الروسي بكلمة «صديقي»، وقال سموه مخاطباً بوتين: «سعيد جدا بشوفك ( برؤيتك) صديقي فخامة الرئيس»، وموقف تهنئة سموه الرئيس الروسي بمناسبة عيد ميلاده، ورد الرئيس بوتين بالعربية على كلمات ضيفه قائلاً «شكراً»، وكذلك في إهداء الرئيس بوتين، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان معطفه للوقاية من برد سان بطرسبرغ.
الإمارات وروسيا: رؤى مشتركة ومصالح متبادلة
تتسم العلاقات الاماراتية ـ الروسية بمقومات عدة متنوعة، توفر لها القدرة على التطور والتوسع في المجالات كافة، فضلاً عن هناك علاقات رسمية قوية تعكسها الزيارات المتبادلة على مستوى قيادتي ومسؤولي البلدين بشكل مستمر، والأمر لا يقتصر على قوة العلاقات الشخصية بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ والرئيس فلاديمير بوتين، حيث نلحظ أن سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي قد أكد من قبل «أنا وسيرجي ( سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي) صديقان حميمان». كما تمثل الثقافة والفنون أحد ركائز الشراكة الاماراتية ـ الروسية، فقد احتفت روسيا بالثقافة الاماراتية ودور الامارات في هذا المجال من خلال إعلان الشارقة «ضيفاً مميزاً» في معرض موسكو للكتاب عام 2019، كأول ضيف عربي مميز في تاريخ المعرض، بينما كانت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي قد اختارت روسيا «ضيف شرف» في معرض أبوظبي للكتاب في دورته الثلاثين عام 2020. وهناك اهتمام بتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين لاسيما أن هناك جالية روسية كبيرة تعيش في دولة الامارات، وهناك توافق في مبادىء التسامح والتعايش والقيم والمبادىء المشتركة بين الشعبين والبلدين الصديقين، ما يدعم أهداف الامارات في ترسيخ التعايش العالمي بين الشعوب كافة. وترتكز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على العديد من الاتفاقيات والأطر المؤسسية، التي تضمن استمرارية التعاون بين البلدين الصديقين في المجالات والقطاعات كافة.
وتكتسب علاقات دول مجلس التعاون بشكل عام، والامارات بشكل خاص، مع روسيا أهمية استثنائية ليس لكون الأخيرة تمتلك علاقات تعاون وثيقة مع إيران، ولكن لأن روسيا أيضاً قوة كبرى مسؤولة عن الأمن والاستقرار العالمي ومن مصلحتها بلورة رؤية واضحة حول أمن المنطقة، ولعب دور فاعل في ذلك، لاسيما أن لموسكو مصالح متنامية مع دول المنطقة جميعها وليس مع إيران فقط، بل إن مصالحها مع دول مجلس التعاون تفوق المصالح الروسية مع إيران بمراحل، رغم أن لا ينفي أن لروسيا حسابات استراتيجية تضع إيران في مربع حيوي ضمن صراعات التنافس بين القوى الكبرى على النفوذ والهيمنة على النظام العالمي، ولكن من المؤكد أن مجمل هذه الحسابات تبدو حاضرة في قرارات الكرملين، الذي لا يريد بالتأكيد المجازفة بعلاقاته مع دول مجلس التعاون من أجل إرضاء إيران. تدرك روسيا أن هناك شبكة متعاظمة من المصالح تربطها بالسعودية والامارات تحديداً، لاسيما على صعيد استقرار أسواق النفط العالمية، التي تمتلك تأثيراً هائلاً على الاقتصاد الروسي، حيث أسهم التعاون الروسي مع أبرز الدول المنتجة للنفط في منظمة «أوبك» وفي إطار تحالف «أوبك+»، في استعادة استقرار الأسواق، ولا شك أنه من الضروري استمرار هذه المصالح الاستراتيجية الضامنة لاستقرار الاقتصاد الروسي وتفادي مفاقمة تأثيرات حرب أوكرانيا والعقوبات الشديدة التي يفرضها الغرب على روسيا.
خلاصة
تؤكد الشواهد أن روسيا الاتحادية تبدي اهتماماً كبيراً بتعزيز التعاون والشراكة الاستراتيجية مع دولة الامارات، بالنظر إلى العوائد الاستراتيجية المتوقعة، ولاسيما في مجالات حيوية ذات أولوية بالنسبة لروسيا، مثل توفير رئة اقتصادية وتجارية بالغة الأهمية للاقتصاد الروسي الذي يعاني جراء محاولات الحصار الغربية، فضلا عن التعاون في مجال النفط وتنسيق المواقف والسياسات في أسواق الطاقة العالمية، بالاضافة إلى قواسم واهتمامات دولية مشتركة مثل حرص الجانبين على تعزيز دور الدولة الوطنية في المنطقة ومكافحة تنظيمات التطرف والارهاب ، ما يجعل الإمارات شريكاً مثالياً بالنسبة لروسيا التي تتطلع لتعزيز مكانتها وموقعها في منطقة الشرق الأوسط والنظام العالمي الجديد الذي يتشكل في ضوء تفاعلات أزمة أوكرانيا، والاستفادة مما راكمته طيلة السنوات الفائتة من أدوار مؤثرة في سوريا وليبيا وغيرها، ومن خلال علاقات قوية ومتنامية مع شركاء اقليميين مؤثرين مثل دولة الامارات وغيرها، وهذا الأمر يعود بالنفع كذلك على دولة الامارات التي تتطلع لتحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي كوسيلة لضمان استمرار تنفيذ خطط التنمية الإماراتية الطموحة، فضلاً عن أن تعزيز العلاقات مع روسيا يرسخ نهج التعددية والتوازن في علاقات الإمارات مع القوى الكبرى.
لا يوجد تعليقات