استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
يُعد تحتمس الثالث من أعظم القادة العسكريين في مصر القديمة، وغالبًا ما يُقارن بالإسكندر الأكبر ونابليون بونابرت. لم تكن حملاته مجرد ردود فعل دفاعية، بل خطط طموحة ومنظمة أسست أول إمبراطورية مصرية امتدت خارج وادي النيل.
اللواء الركن/م خالد علي السميطي
قاد تحتمس توسعًا استراتيجيًا وصل شمالًا إلى نهر الفرات وجنوبًا إلى أراضي النوبة، جامعًا بين قمع التمردات وتأمين طرق التجارة وفرض الهيمنة المصرية على مناطق بعيدة.
شكلت فترة حكمه ذروة النفوذ الإقليمي، وأرست أسس قوة سياسية واقتصادية امتدت آثارها لعقود في الشرق الأدنى القديم
لمحة عامة عن حملاته العسكرية
قاد تحتمس الثالث ما لا يقل عن 17 حملة عسكرية موثقة خلال نحو عشرين عاماً من نشاطه العسكري، بعد وفاة زوجة أبيه حتشبسوت التي عاش حكمها في الظل. امتدت حملاته من أقصى جنوب النوبة في إفريقيا حتى نهر الفرات في شمال سوريا، قاطعاً أكثر من 3,000 كيلومتر ذهاباً وإياباً في مختلف الاتجاهات.
تقدّر النقوش الرسمية في حوليات الكرنك، التي أمر الفرعون بنقشها على جدران معبد الكرنك في طيبة، أن حجم جيشه تراوح بين 10,000 و20,000 جندي. تكشف هذه السجلات تفاصيل عن العربات، الأسرى، الغنائم، وخطوط الإمداد، مما يعكس القدرات التنظيمية واللوجستية المتقدمة للجيش المصري آنذاك. تألف الجيش من مشاة مدربة، وحدات فرسان بعربات حربية خفيفة، رماة مهرة، فرق هندسية لعبور الأنهار وبناء الجسور، وحدات تموين، وقادة ميدانيين مع مراقبين إداريين لإدارة المناطق المحتلة.
استهدفت حملاته إخضاع المناطق المتمردة في كنعان وسوريا والنوبة، وتأمين طرق التجارة بين مصر وبلاد الشام وبلاد الرافدين، وترسيخ الهيمنة السياسية والعسكرية المصرية على مناطق استراتيجية خارج وادي النيل. تميّز تحتمس الثالث بالتخطيط الدقيق، والتحركات الاستباقية، والمباغتة الذكية، كما في معركة مجدو الشهيرة، مما جعله نموذجاً بارزاً في تاريخ القيادة العسكرية.
الحملة الأولى ومعركة مجدو: عبقرية المباغتة
تعد معركة مجدو عام 1457 ق.م أول معركة موثقة بالكامل في التاريخ، وقادها تحتمس الثالث في عامه الثالث والعشرين لإعادة بسط النفوذ المصري على مدن كنعانية تمردت بدعم من قادش وحلفائها في آسيا وبدعم خارجي من مملكة ميتاني. كانت هذه المدن قد خضعت لمصر منذ عهد تحتمس الأول ودُفعت لإرسال إتاوات سنوية، إلا أن ضعف السيطرة خلال حكم حتشبسوت عزز رغبتها في الانفصال.
عند اقتراب الجيش المصري من سهل يزرعيل، كان أمامه ثلاثة مسارات نحو مجدو، فاختار تحتمس الثالث الممر الأوسط عبر ممر أرونا الوعر لتحقيق عنصر المباغتة. خرج الجيش بسرعة من الممر، وأعاد تنظيم صفوفه، وشن هجوماً مباغتاً أربك العدو وحسم المعركة قبل استعداده.
قطع الجيش نحو 34-36 كم في يوم المعركة، واستغرق عبور الممر 6 ساعات، تلتها ساعة و20 دقيقة للوصول إلى وادي قينا استعداداً للهجوم. انتهت المعركة بانتصار مصري حاسم وفرار العدو إلى مجدو، لكن انشغال الجنود بالغنائم أخّر اقتحامها، ما أدى إلى حصار استمر نحو سبعة أشهر وانتهى باستسلام المدينة واستئناف إرسال الإتاوات.
الحملات العسكرية في آسيا والنوبة
بعد انتصاره في مجدو، أطلق تحتمس الثالث سلسلة حملات منظمة في آسيا، وخاصة بلاد الشام وشمال بلاد الرافدين، لترسيخ النفوذ المصري. بلغ شمالًا حتى نهر الفرات، في أبعد مدى وصل إليه جيش مصري آنذاك، ونصب هناك لوحًا حجريًا يحمل اسمه كحدود سياسية ورمز لذروة التوسع الجغرافي. أخضع مدنًا محورية مثل قادش وجبيل وأرواد، وفرض عليها دفع الجزية السنوية، مع إرسال أبناء حكامها كرهائن إلى مصر لضمان الولاء. أسهم ذلك في تدفق موارد استراتيجية شملت المعادن والأخشاب والخيول والأسلحة، وجعل من هذه الحملات سياسة إمبراطورية مدروسة لتثبيت النفوذ المصري سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا في الهلال الخصيب.
في العام الثاني والأربعين من حكمه (1436 ق.م تقريبًا)، قاد تحتمس الثالث آخر حملاته نحو النوبة، الغنية بالذهب والموارد. لم يكتف بالسيطرة العسكرية، بل أعاد تنظيم الإدارة السياسية وعين حكامًا موالين، وأنشأ حاميات على طول النيل لتأمين المنافذ الجنوبية والتحكم في مناجم الذهب ومسارات التجارة. ربط النوبة بطيبة عبر طرق مجهزة بنقاط مراقبة ودعم لوجستي، وشيد معابد ومنشآت لدمجها إداريًا ودينيًا وثقافيًا ضمن الدولة المصرية. وهكذا تحولت النوبة من منطقة حدودية إلى ركن أساسي في الإمبراطورية، ما ساهم في تدفق الثروات والإتاوات إلى مصر، وعزز ازدهار اقتصادها ونهضتها العمرانية.
السمات القيادية والعسكرية لتحتمس الثالث
برز تحتمس الثالث كأحد أعظم القادة العسكريين في التاريخ المصري القديم، جامعاً بين الرؤية الاستراتيجية والتخطيط الدقيق والابتكار التكتيكي، إلى جانب تنظيم فعال للجيش. هذه المقومات مكّنته من ترسيخ النفوذ المصري في أوسع رقعة جغرافية وصلت إليها مصر الفرعونية.
تنظيم الجيش والعربات الحربية: اعتمد على جيش منظم يعتمد بشكل أساسي على العربات الحربية الخفيفة، التي لعبت دوراً محورياً في المعارك المفتوحة والهجمات المباغتة، كما في سهل مجدو. بلغ عدد المقاتلين الفعّالين ما بين 2,500 و3,333، مدعومين بأكثر من 4,000 حصان وما يصل إلى 2,000 عربة حربية، إضافة إلى عناصر الدعم اللوجستي بنسبة 3:1، وهو مؤشر على التطور الكبير في إدارة الحملات العسكرية.
التدريب والانضباط: حرص على تدريب قواته على أعلى درجات الانضباط والمناورة، وهو ما ظهر في عبورهم الناجح لممر أرونا الضيق بأسلوب“Indian Style”، حيث تحركت العربات والجنود بانسجام رغم صعوبة التضاريس، مما أتاح الانتشار السريع والمفاجئ لمباغتة العدو.
الإمداد والتموين: أدرك مبكراً أن النصر في الحملات الطويلة يعتمد على الإمداد المستمر، فعمل على تأمين خطوط التموين وضبط توزيع المؤن بدقة، كما فعل عند تجمع الجيش في وادي قينا. بعد معركة مجدو، سيطر على محصول القمح المحلي واستخدمه لدعم المركز في مصر، في خطوة تمثل شكلاً مبكراً من إدارة الموارد لتعزيز القوة العسكرية والاقتصادية.
المباغتة والتكتيك: اتسمت قراراته الميدانية بالجرأة، مثل اختياره المفاجئ لممر أرونا الوعر بدلاً من الطريق المتوقعة عبر وادي قينا، مما أربك الدفاعات الكنعانية وحقق له التفوق الاستراتيجي.
تقسيم القوات: قسّم جيشه بذكاء إلى جناحين وقوة مركزية، بحيث يهاجم كل جناح جزءاً من خطوط العدو، فيما تثبّت القوة المركزية مواقع الخصم. هذا التوزيع مكّن الجيش المصري من تطويق العدو من الجانبين، وأفشل محاولات انسحابه أو إعادة تنظيم صفوفه.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات