استطلاع الرأى
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
- ممتاز
- جيد جداً
- جيد
تسابق دولي لتعزيز القدرات البشرية يتصدرها التعديل الجيني
تطلعت جيوش العالم على مر الأزمنة وعبر مختلف أنحاء المعمورة إلى امتلاك جنود بقدرات خارقة، ليتمكنوا من حمل أطنان من المعدات الحربية ويتجاوزا مشاعر الخوف والألم ويستغنوا عن النوم أو تناول الطعام لفترات طويلة.
كما سيطرت على العديد من قيادات الجيوش الرغبة في تدريب وتأهيل الجنود ليكونوا قادرين على مواصلة القتال لأشهر عدة دون توقف أو راحة، وأن ينجحوا في مواجهة الأعداء في ظل الظروف المناخية الحارة أو شديدة البرودة، ويتغلبوا على التضاريس الجبلية الوعرة أو رمال الصحاري المتحركة. ليس ذلك فحسب، بل أرادوا أن يتمتع الجنود بالحماية الذاتية، بحيث ترتد عن أجسادهم الرصاص وألا تصيبهم القذائف بأذى.
وفي هذا السياق، يشير الخبراء العسكريين إلى أن تبني التقنيات الحديثة لتعزيز القدرات العسكرية البشرية أصبح درب جديد من دروب سباق التسلح العالمي، وسينعكس هذا الأمر على العقائد الدفاعية والخطط الحربية، كما سيؤدي ذلك أيضاً في تغيير طريقة تعامل الجنود مع الأسلحة.
مضاعفة القدرات البدنية
وفي المقابل، ينظر الكثيرون إلى تلك التطلعات كأنها شيء من المستحيل أو حكاية من أفلام الخيال العلمي، ولكن الأعوام نجحت في إثبات بأن الحلم يمكن أن يتحول إلى حقيقة وأنه يمكن مضاعفة القدرات البدنية للأفراد والجنود، إذ توصل العلماء خلال الاستعدادات للحرب العالمية الثانية إلى عقار طبي يعرف باسم(D-IX) وهو عقار يعتمد على “الميثامفيتامين” الذي يمكنه مضاعفة القدرات البدنية بشكل كبير، وخلال اختباراته على نزلاء معسكرات الاعتقال النازية، ارتفع مستوى أدائهم الجسدي وأصبح بإمكانهم السير لمسافة 90 كيلومتراً في اليوم الواحد مع رفع حقيبة ظهر وزنها 20 كجم بشكل متواصل ودون الحصول على قسط من الراحة، ولكن الحرب انتهت قبل أن يتمكن هتلر من إنتاج هذا العقار على نطاق واسع.
ولم يكن هتلر بمثابة القائد الوحيد الذي تمعن في فكرة “الجنود الخارقون”، ففي عام 2014 فوجئ العالم بالرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما يعلن عن تصنيع “الرجل الحديدي” في إشارة إلى أن الجيش الأمريكي بدأ بالفعل العمل على مشروع “بدلة المشغل الخفيفة الهجومية التكتيكية” والمعروفة بـ(TALOS) وهي عبارة عن بدلة واقية تمكن الجنود الذين يرتدونها من اقتحام حصون العدو وأن ترتد نيران الأسلحة عن أجسادهم، حسبما جرى الترويج لها.
وفي عام 2017، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أن البشرية يمكنها أن تخلق شيئاً “أسوأ من القنبلة النووية» قريباً، في إشارة إلى أن الجنود الذين يمكنهم الدفاع والقتل دون خوف أو شعور بالشفقة أو الندم أو الألم. وتتهم أوكرانيا روسيا بأنها تخضع جنودها لتجارب بيولوجية تحولهم لوحوش بشرية في الحرب الدائرة بين الدولتين حالياً.
وفي عام 2023، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تصريحات لمدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية السابق جون راتكليف يتهم فيها الصين صراحة بإجراء تجارب على أفراد من جيش التحرير الشعبي الصيني لتأهيل جنود بقدرات محسنة بيولوجياً.
وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية، حصلت القوات المسلحة الفرنسية على الضوء الأخضر للبدء في إجراء أبحاث على إعداد «جنود محسنين»، وحدد التقرير الشروط التي يجب أن يتم بموجبها العمل على تطوير الشرائح التي سيتم زراعتها في الجنود وغيرها من التقنيات المصممة لتحسين الأداء في ساحة المعركة في المستقبل.
وبحسب الهيئة، ترى وزارة الدفاع الفرنسية أن الدول الأخرى تستكشف مثل هذه الإمكانيات ويجب على فرنسا مواكبة ذلك.
العقائد العسكرية وحروب المستقبل
في الماضي، كانت أغلب العقائد العسكرية تركز على تطوير الآلات بدلاً من البشر، لكن هذا الأمر بدأ يتغير شيئاً فشيء مع التطورات المتلاحقة في علوم الحياة التي أفرزت مجال متعدد التخصصات يعرف باسم «التعزيز البشري» وهو لديه القدرة على تغيير كل جانب من جوانب الحروب الحديثة.
وفي الغالب، ركزت التكنولوجيا الحربية بشكل متزايد على المنصات القتالية المتطورة أو المصنوعات اليدوية التي يرتديها الجنود أو يستخدمونها للقتال، ولكن التقدم في علوم الحياة والتطورات التكنولوجية المتلاحقة في المجالات ذات الصلة بدأت في طمس الخط الفاصل بين التكنولوجيا والإنسان.
وجاء هذا التحول في أعقاب التطورات المتلاحقة في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي على مدى العقد الماضي، ما جعل صانعي السياسات وعلماء الدراسات المستقبلية وخبراء الدفاع قلقين من أن بيئات القيادة والسيطرة ستتفوق بسرعة على القدرات المعرفية البشرية المتعلقة بسرعة اتخاذ القرارات في ظل التشغيل الذاتي المتزايد لإدارة الأصول العسكرية في ساحة المعركة وهي من الجوانب القليلة التي لايزال البشر يحتفظون فيها بتفوق ملحوظ على تقنيات الذكاء الاصطناعي إلا أن هناك عدداً من الأسباب التي تدعو للاعتقاد بأن هذا الأمر سيتغير على الأرجح في المستقبل القريب.
ويقول الخبراء العسكريون أن الجنود الخارقين المستقلين الذين يتحكم بهم الذكاء الاصطناعي سيكونون في المستقبل غير البعيد حقيقة واقعية بفضل التقدم السريع في الأنظمة الذكية والتكنولوجية النانونية، ما يجعل الأفراد معززين عقلياً وجسدياً وقادرين على حمل عتاد قتالي أكبر بكثير مما يمكن لجنود العدو حملهن، والأهم من كل ذلك، أنه سيكون من السهل دمجهم مع الأنظمة غير المأهولة والروبوتية.
ويوضح الخبراء أن هؤلاء الجنود سيكون لديهم المقدرة على أداء مهامهم بسرعة وفعالية أكبر وسيتصرفون بشكل أكثر حسماً وفتكاً ما سيؤدي إلى تغيير طبيعة الحرب ويزيد من حجم وسرعة القتال.
فجر التعزيز البشري
حتى الآن، يتمحور علم تعزيز القدرات البشرية حول 8 مجالات رئيسية، تتضمن كل من علم الوراثة أو ما يعرف باسم تعديل الخط الجرثومي، وعلم التعديل الجسدي، وعلم ميكروبيوم الأمعاء وما يعرف باسم الواجهات الدماغية الجراحية، وعلم الواجهات الدماغية غير الجراحية، والهياكل الخارجية السلبية، والمستحضرات الصيدلانية، والهياكل الخارجية التي تعمل بالطاقة.
وتتباين تعريفات الخبراء لما يعرف باسم «التعزيز البشري» ما بين تعريفات تركز على الجوانب الكيميائية، وثانية تركز على الجوانب الفيزيائية، وثالثة تركز على الجوانب البيولوجية. وقد يشمل مفهوم «التعزيز البشري» أيضا أشياء أخرى مثل التحكم في عمليات النوم والتغذية بهدف تحسين الأداء.
ولكن بصفة عامة، يمكن تعريف «التعزيز البشري» على أنه استخدام العلم والتكنولوجيا لتعزيز ورفع الأداء البشري، سواء بصورة دائمة أو مؤقتة.
ويفرق علماء الدراسات المستقبلية ما بين نوعين من أنواع التعزيز البشري، فالنوع الأول هو تعزيز أو تعظيم قدرات الجسم البشري وهذا النوع يتوقف عندما يقتصر الوصول بالقدرات البدنية البشرية إلى أقصى ما هو كامن فيها.
أما النوع الثاني من التعزيز البشري، فيسعى إلى إضافة قدرات جسدية للبشر خارج نطاق القدرات البيولوجية لجسم الانسان، ومنها على سبيل المثال، إضافة القدرة على الرؤية الليلية والتنفس تحت سطح الماء.
وفي الحقيقة، فإن التفرقة العلماء ما بين عمليات تعظيم القدرات البشرية وبين إضافة قدرات بشرية غير موجودة تتوقف على عدة عوامل، من بينها ما إذا كانت التغيرات الناتجة دائمة أو مؤقتة، وما إذا كان إدخال هذه التغيرات يحتاج إلى جراحات أم لا، وهل هي تؤدي لعرقلة الحياة اليومية للجنود بعيداً عن ساحات القتال أو بعد خروجهم من الخدمة.
ووفقا لدراسة أعدتها وزارة الدفاع البريطانية بعنوان «تعزيز القدرات البشرية يدشن عصر جديد من للحروب”، ترتكز فلسفة تعزيز الأداء البشري للجنود على ضرورة النظر إلى هذه القدرات على اعتبار أنها أصل من الأصول الحربية، مثلها مثل الدبابات والطائرات والغواصات والمدافع والتي تخضع بصورة مستمرة لمراقبة أدائها، والخروج بتوصيات لتحسين أدائها ما يقتضي تركيز الأبحاث العلمية عليها للخروج بتوصيات حول كيفية زيادة تلك القدرات.
ويقول خبراء الدراسات المستقبلية، أن التركيز على تعزيز القدرات البشرية للجنود ضرورة حتمية لمواكبة التطورات التكنولوجية المتلاحقة التي تساعد على إدارة الحرب بطريقة ذكية وإلكترونية.
عصر التطور الذكي
من جانب آخر، يحذر بعض الخبراء من أن إسناد الحرب إلى الآلات يقلل التكلفة البشرية للصراعات، ولكنه يزيد من احتمالات وقوعها، مؤكدين أنه ما دام البشر يتميزون بقدرتهم على الإبداع وتقدير المواقف فسيكون لديهم الإمكانية في البقاء في الصفوف الأمامية، خاصة عندما تنطوي المهام القتالية على درجة كبيرة من التشتت وتتطلب القدرة على التكيف اللحظي، وباختصار عندما تكون هناك فرصة لحدوث انتكاسات كبيرة، فإن قدرة البشر على التكيف لا تقدر بثمن.
وليس هناك شك في أن عصر التطور الذكي الحالي، يوفر تكنولوجيات تتمتع بمزايا هائلة ترفع من كفاءة وأداء الجنود في ساحات القتال، ولكن هناك العديد من الحالات عبر التاريخ التي أثبت فيها البشر أنهم من يحسمون طبيعة الأمور العسكرية وليس الآلات.
ولعل خير مثال على الأهمية القصوى للتقدير والتقييم البشري في ساحات القتال هو ما قام به الضابط في سلاح الجوي الروسي ستانيسلاف بيتروف الذي أنقذ العالم من براثن حرب نووية عام 1983، عندما تجاهل على مسؤوليته الخاصة إنذاراً خاطئا من نظام الإنذار المبكر الآلي السوفيتي بوجود هجوم صاروخي أمريكي.
ويقول الخبراء أن هذا المثال يوضح خطورة الاعتماد المفرط على التكنولوجيا ووضع مستقبل البشرية أسيراً لقبضة الأحكام الخوارزمية، فالبشر رغم هذا التقدم التكنولوجي، إلا أنهم مازالوا يتفوقون على الآلات في الوقت الراهن.
ويرجع الخبراء الدور المحوري للبشر في حروب المستقبل إلى ثلاثة أسباب، أولها أن الحرب بطبيعتها مسعى بشري ولم تغير التكنولوجيا طبيعة الحرب حتى الآن، ولذلك سيظل البشر محور الحرب حتى وإن تغيرت الطريقة التي يلعبون بها هذا الدور وقد يعني ذلك تقليل عدد القوات القتالية في مقابل زيادة عدد الخبراء السيبرانيين ومشغلو الطائرات المسيرة وفنيي الحواسيب، ولكن تزايد الضغوطات والتهديدات الحياتية سيستمران على الأرجح في المستقبل.
أما السبب الثاني فيتمثل في أن البشر يمتلكون قدرات عقلية وتفكيرية لا مثيل لها حتى الآن، والتي تبدو واضحة عندما تفرص الأمور التدخل البشري لإنجاز المهام وتجنب الأزمات أو عند اغتنام الفرص غير المتوقعة.
ويتمثل السبب الثالث والأخير في أنه رغم أن التكنولوجيا ستصبح أكثر قدرة إلا أن أخلاقيات المجتمع ستؤثر على وتيرة ومدى تبنيها بفضل قيم الشرف والمهارة والشجاعة المتأصلة منذ قرون في المجتمعات البشرية، وهو أمر لا يمكن تغييره بين عشية وضحاها.
خلاف محتدم
لا يزال النقاش الأخلاقي حول تطوير الجنود الخارقين محتدماً ومن الضروري أن يأخذ المجتمع الدولي بعين الاعتبار عند وضع السياسات الخاصة بتعزيز القدرات البشرية للجنود المقاتلين، إذ تعد فكرة إعداد “جنود خارقون» يفتقرون لمشاعر الشفقة أو التعاطف أو الخوف، يمكن أن يؤدي إلى تلاشي مبادئ قانون النزاعات المسلحة، ما يشير إلى أن تأهيل هؤلاء الجنود من شأنه أن يخل بواجبات الثقة المجتمعية والعسكرية.
وبرغم الاعتراضات الاخلاقية الكثيرة التي تواجه الدعوة إلى تعزيز القدرات البشرية للجنود، إلا أن خبراء علوم المستقبل يشيرون إلى أنه لا يمكن أن يترك مصير المعارك الحربية للفلسفة الأخلاقية فقط وإنما يجب أن تكون السياسات الخاصة بها محكومة باعتبارات الأمن القومي ومراعية لحدود الدول.
وبالرغم من ذلك، إلا أن بعض الشركات الربحية والحكومات المطورة لتلك الأنظمة الإلكترونية والأدوات العلمية والعقارات الطبية تتحجج بأنها تعين البشرية على مواجهة الأمراض المستعصية وتسعى إلى الحفاظ على البشرية من الانقراض.
ولكن الحقيقة والواقع يشيران إلى أن الصراع مازال محتدماً ما بين الخير والشر، وما بين الحفاظ على الضوابط الأخلاقية وتعزيز التطور العلمي للحفاظ على البشرية، ولكن يجب على الحكومات أن تدرك جيداً وتبقى مستيقظة بأن هذا الأمر قد يكون خطوة نحو السيطرة على العقول البشرية وللتحكم في حكومات الدول، لذا فإن الجميع مطالب بأن يواصلوا البحث عن حلول آمنة وأخلاقية ليتمكنوا من مواجهة أصحاب النوايا الخفية.
مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟
لا يوجد تعليقات