2023-02-01
الروبـوتـــات الشـبيهـة بالبشر: المخاوف والآمال
على الرغم من تعدد المخاوف من الروبوتات الشبيهة بالبشر (Humanoid Robots) في الشكل والتصرفات وردود الفعل، شهدت السنوات القليلة الماضية استثمارات مكثفة في هذا المجال، لا سيما أن شكلها البشري قد يكون هو المفتاح لدمجها في حياة البشر اليومية، وبخاصة مع تزايد قبولهم لها جراء التشابه بينهما من ناحية، واستنساخ الروبوت لبعض السلوكيات البشرية أو الحيوانية من خلال برمجته التي تمكنه من تنفيذ أوامر مباشرة بمساعدة أحد المحركات الذي يعتمد على مصدر بعينه للطاقة من ناحية ثانية.
د. رغدة البهي
أولًا: الآمال المعقودة
تتعدد الآمال المعقودة على الروبوتات الشبيهة بالبشر بالنظر إلى جملة من النقاط التي يمكن الوقوف عليها على النحو التالي:
1. تفضيلات المستخدمين: يفضل البشر -بصورة عامة- الروبوتات الشبيهة بالبشر لقدرتها على التفكير بعواطف مستقلة، وهو ما يحدث عندما يتصرف الروبوت -فيما يبدو- وفقًا لمعتقداته ورغباته، لا وفقًا لما هو مبرمج للقيام به. وما يدلل على ذلك النتائج التي توصل لها المعهد الإيطالي للتكنولوجيا عقب تجربة أجراها على مجموعة من المستجيبين لروبوت مجسم مبرمج للتعامل مع البشر بشكل ودي يُعرف باسم (iCub)، وقد خلص المستجيبون إلى أن تصرفات الروبوت كانت مقصودة من جانبه. وهو ما يعني اعتقاد البشر في قدرة الذكاء الاصطناعي على التفكير المستقل، ومن ثَمَّ، التصرف مثل البشر من ناحية، وإحساس البشر بمزيد من الراحة عند التفاعل مع روبوت يشبههم من ناحية ثانية، ووجود علاقة بين الشكل المجسم/السلوك الشبيه بالبشر والميل إلى إسناد الفكر المستقل/السلوك المتعمد إلى الروبوت من ناحية ثالثة.
2. استخدامات متعددة: تتعدد مجالات استخدام الروبوتات الشبيهة بالبشر والوظائف التي يمكنها الاضطلاع بها لتشمل: موظفي الاستقبال (على شاكلة الروبوت «إريكا» الياباني)، والعمل في المصانع والمطاعم، والتعليم، وإجراء الجراحات، والإرشاد السياحي، والعناية بكبار السن، مثل: روبوت «NAO» وروبوت «Pepper» في دار رعاية مينيسوتا لرعاية مرضى ألزهايمر في مراحله المبكرة، وكذا الروبوت «نادين» الذي طورته مديرة معهد الإبداع المرئي بسنغافورة «نادية تالمان».
وعلى صعيد موازٍ، صمّمت شركة «هانسون» الروبوت «صوفيا» لترافق كبار السن في شكل من أشكال التمريض المنزلي، وقدّمت شركة «بوسطن دينامكس» عدة روبوتات أبرزها «أطلس» ليقدم خدمات البحث والإنقاذ ونقل الإمدادات الثقيلة في الحالات الطارئة، كما قدّمت شركة «هوندا» الروبوت «أسيمو» للتفاعل مع البشر بصورة طبيعية كما تفعل روبوتات الدردشة التفاعلية.
3. نمو مضطرد: تزايد عدد الروبوتات الصناعية والخدمية بشكل مضطرد في مناطق عديدة حول العالم؛ ففي عام 2021، بدأ تشغيل أكثر من 517 ألف روبوت صناعي بزيادة تصل إلى 31% مقارنة بعام 2020، ليصل إجمالي الرصيد العالمي من الروبوتات إلى 3.5 ملايين روبوت، وإن استحوذت القارة الآسيوية على 74% من عمليات توظيف الروبوتات في عام 2021، وتصدرت الصين هذا المجال بزيادة تقدر بنحو 51%، تليها اليابان والولايات المتحدة الأمريكية. أما على الصعيد الأوروبي، فقد وظّفت صناعة السيارات الألمانية 1500 روبوت لكل عشرة آلاف موظف. ويأتي تزايد الطلب على استخدام الروبوتات عالميًّا نتيجة تزايد الطلب على المنتجات ذات التكنولوجيا العالية، وتعطل سلاسل التوريد العالمية جراء جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية، ونقص الأيدي العاملة التي تتطلب مهارات يدوية.
4. استثمارات مكثفة: تتعدد الشركات الرامية إلى تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر لتشمل: شركة «هيونداي» و «بوسطن دايناميكس» (اللتين تستثمران أكثر من 400 مليون دولار في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات)، وشركة «هوندا» (التي تستثمر وبقوة في الروبوت المعروف باسم «أفاتار»)، وشركتي «جنرال موتورز» و «ناسا» (اللتين تتعاونان في مجال تطوير الجيل التالي من الروبوتات الشبيهة بالبشر لاستخدامها على سطح القمر/المريخ)، وشركة «فورد» (التي تختبر روبوتات يمكنها تسليم طرود إلى منازل العملاء).
وفي سياق متصل، كشف «إيلون ماسك» النقاب عن أول روبوت بشري مقدم من شركة «تسلا» تحت اسم «أوبتيموس» (Optimus)، مصحوبًا بمقطع مصور له حاملًا أحد الصناديق، ناقلًا بعض القضبان في مصنع الشركة، ليعكس ذلك كيف تتطور صناعة الروبوتات على المستوى العملي على يد إحدى الشركات الرائدة التي تأمل في التوسع إلى ما هو أبعد من السيارات ذاتية القيادة، لتطور نموذجًا مبتكرًا من الروبوتات متعددة الوظائف على نحو يتغلب على مشكلة نقص العمالة، ويرافق البشر ليتحول بذلك إلى ما يشبه «الحيوان الأليف».
وفي ضوء ما سبق، يتضح أن الروبوتات الشبيهة بالبشر لم تعد ضربًا من ضروب الخيال العلمي، بل أضحت صناعة عالمية رائدة بمليارات الدولارات ومعيارًا لقوة الدول وتقدمها تكنولوجيًّا، لا سيما وأنه من المتوقّع مستقبلًا أن تمتلك الروبوتات الشبيهة بالبشر قدرات مادية ومهارات معرفية تعالج مشكلة شيخوخة بعض المجتمعات، وتغير من طبيعة الوظائف المتاحة، وتحلل كميات ضخمة من البيانات، وذلك في إطار قدرتها على التعلم من خلال الصور والفيديوهات والتسجيلات الصوتية، وصولًا إلى قدرتها على التفكير المستقل. ويمكن في هذا الإطار الدفع بأن الروبوتات الذكية باتت هي محور التركيز الرئيس في مجال أبحاث الروبوتات بشكل عام، لأن شكلها البشري يُمكن أن يكون مفتاحًا لدمجها السريع والمباشر في حياة البشر، وهي النتيجة التي خلُص لها المؤتمر الدولي السنوي حول الروبوتات الذكية في عام 2022.
ثانيًا: مخاوف مشروعة
تواجه الروبوتات الشبيهة بالبشر جملة من التحديات التي أجملها «ماسك» في مقولته: «إن الروبوتات الشبيهة بالبشر حاليًّا تفتقد إلى دماغ، ولا تمتلك الذكاء للتجول في العالم بمفردها، كما أنها باهظة الثمن، وتُصنع بكميات منخفضة». ومن ثَمَّ، فإنها تُثير جملة من الإشكالات والمخاوف التي يمكن الوقوف عليها في النقاط التالية:
1. التطور البطيء ومحدودية المهام: على الرغم من حجم الاستثمارات الضخمة الموجهة إلى الروبوتات الشبيهة بالبشر، فإنها لا تشهد تطورات مضطردة تتناسب مع حجم تلك الاستثمارات؛ إذ يمكنها حتى الآن أداء بعض المهام المحدودة، ولا تزال بعيدة عن أداء مهام متعددة، كما تتعدد الأعطال التي تعاني منها. وقد سبق أن قالت الروبوت «صوفيا» إنها ستسعى إلى قتل البشر، الأمر الذي وُصف بالسقطة الكبرى، لأن القواعد الحاكمة للروبوتات تقتضي ألا تؤذي البشر. وعلى الرغم من تعدد الآمال المعقودة عليها لسد الفجوات في القوى العاملة، فإن ذلك لا يزال بعيد المنال، ما يعني أهمية وضرورة دفع جهود الأتمتة بشكل مضطرد من ناحية، وتكثيف الاستثمارات الدولية في هذا المجال على الرغم من طول أمد الوقت اللازم لجني ثمار تلك الاستثمارات من ناحية ثانية.
2. صعوبات التواصل: قد تتمكن الروبوتات الشبيهة بالبشر من التحدث بلغة البشر لفترات محدودة، وهو ما يعني صعوبة التواصل لفترات طويلة لتعقد الخوارزميات والنماذج المطلوبة لذلك، لا سيما أنها تتطلب ذاكرة ضخمة ومصادر دائمة للطاقة لمحاكاة العواطف والانفعالات البشرية باستخدام خوارزميات تسيطر على حركات الوجه والصوت ولغة الجسد. وفي المقابل، فإن تطور تلك الروبوتات يثير مخاوف أخلاقية واجتماعية كبرى، لا سيما إن تمكنت من اتخاذ قرارات مستقلة تتعدى برمجتها، ما يعني أن تجاوز صعوبات التواصل تلك قد يقود إلى إشكال أكبر يحتم تغليف عملية برمجتها بضوابط أخلاقية صارمة. فلا شك أن الروبوتات في طريقها إلى امتلاك بنية عاطفية وسيكولوجية تحاكي تلك التي يمتلكها البشر في ظل الطفرة التكنولوجية الهائلة التي يشهدها الذكاء الاصطناعي، وهو ما يستلزم جملة من الضوابط والقواعد التي لا يمكن للروبوتات -رغم تطورها المستمر- الخروج عنها.
3. تفوق الروبوتات المحتمل: تفوقت الروبوتات الشبيهة بالبشر على البشر أنفسهم على صعيد القدرات البدنية مع فوارق شاسعة على صعيد القدرات العقلية؛ فالروبوتات الراهنة لا تعدو كونها منفذة للأوامر ولا يمكنها الابتكار، ولا تزال بحاجة إلى عمليات برمجة معقدة لتنفيذ الأوامر وتخزين البيانات، بيد أن قدرتها على التعلم تثير المخاوف من التطور بمفردها بمعزل عن مُصنّعيها ومبرمجيها إن وصلت إلى مستويات مرتفعة من الوعي لتطوير برمجتها والتحدث بلغة مشتركة. ومع تطورها المستقبلي، تُثار المخاوف من الابتعاد عن الجذور البيولوجية للبشر، وتلاشي سلطتهم لصالح تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تمثل تهديدًا لهم.
4. فقدان الوظائف: لا شك في تأثير الروبوتات الشبيهة بالبشر على مستويات التوظيف المستقبلية، وهو ما يتضح بصورة حادة في صناعة السيارات بصفة خاصة؛ حيث استخدمت «جنرال موتورز» و»تويوتا» و»بي إم دبليو» سلفًا الآلاف من عمال اللحام والميكانيكيين، بيد أنها لم تعد بحاجة إلى هذا العدد الضخم في الوقت الراهن، لتعمل قطاعات شاسعة من صناعة السيارات دون أي تدخل بشري. إذ يمكن للروبوتات أن تتفوق على العمالة البشرية لتعمل لعدد أكبر من الساعات وبسرعة فائقة وبدقة متناهية دون رواتب؛ وقد تعالج الروبوتات آلاف العمليات الحسابية في الثانية الواحدة، وهو ما يفوق بمراحل ما يمكن للبشر القيام به. وقد خلصت «Gartner Research» إلى زوال 1.8 مليون وظيفة جراء الأتمتة بحلول عام 2030، بيد أن ذلك سيستتبعه في المقابل ظهور 2.3 مليون وظيفة جديدة، ما يعني بالضرورة إعادة هيكلة سوق العمل، لتتراجع وظائف وتظهر أخرى.
5. انعدام الراحة في التعامل مع الروبوتات: قد يشعر بعض البشر بعدم راحتهم عند التعامل مع الروبوتات حتى وإن أخذت صورة بشرية لأن الروبوتات ليست بشرًا على نحو يعكس الانفصال بين كليهما، بيد أن الروبوتات هي نتاج المصممين والمبرمجين والمهندسين والفنيين. وقد يُعزى انعدام الراحة إلى إمكانية حدوث خطأ تقني ما من قِبل الروبوتات انطلاقًا من قانون «مورفي» الذي يقضي بأن «أي شيء يمكن أن يحدث بشكل خاطئ سوف يسير على نحو خاطئ»، ما يعني أن وجود مفاتيح الإيقاف في حالات الطوارئ وأزرار التوقف وأنظمة أخرى -من هذا القبيل على نطاق واسع- بات ضرورة حتمية.
ختامًا، تُعَد الروبوتات الشبيهة بالبشر سلاحًا ذا حدين؛ فلا شك في قدرتها المستقبلية على تيسير حياة البشر والتخفيف من أعبائهم وأداء وظائفهم المختلفة، وذلك بجانب قدرتها على محاكاة سلوكهم، دون التقليل من حجم الصعوبات التقنية الهائلة التي تحول دون فهم لغة البشر، ودون التهوين من مخاطر تصميم آلات تشبههم وتفكر مثلهم لتأثيرها المحتمل في هيكل العمل والاقتصاد والمجتمع وغير ذلك.
وبصرف النظر عن الآمال المعقودة عليها والمخاطر الناجمة عنها، لا بد من الوقوف على حقيقة مفادها أن الانتقادات المتعددة الموجهة إلى الروبوتات بشكل عام هي التي دفعت إلى تغيير شكلها كي تشبه البشر، وكي تتصرف بشكل قريب من سلوكهم كي يتقبلوا وجودها. أما الحقيقة الثانية -التي يجب الإشارة إليها- فتتمثل في تحول مجال الروبوتات الشبيهة بالبشر إلى ساحة جديدة للتنافس الدولي تؤثر في المكانة الدولية، دون أن يعني ذلك أن هذا المجال بات حكرًا على الدول الصناعية الكبرى؛ إذ ينخرط في تلك المنافسة شركات السيارات، والشركات التكنولوجية الكبرى، والشركات العاملة في مجال الفضاء، وغير ذلك من الشركات من مختلف دول العالم.
لا يوجد تعليقات