2023-02-01
القواعد العسكرية في الشرق الأوسط.. الأمريكية نموذجاً !
الحرب فن ..والسلام خيار إستراتيجي.. والاستعداد للحرب والدفاع عن الأوطان واجب وعلم وعقيدة !
ومن ركائز القوة وامتلاكها والسعي نحوها، معرفة الأرض وإمتلاك خبرة القتال في بيئات مختلفة صحراوية أو ثلجية أو ساحلية أو جبلية أو في المدن، ولقد مثل الشرق الأوسط هدفاً للقوى الكبرى لإقامة قواعده العسكرية فيه، بحجة حماية المصالح الحيوية والإستراتيجية!
بقلم/ عبدالله يسري
بالتأكيد مانقصده ليس ذلك النوع من القواعد العسكرية التي تقيمها الدولة الوطنية داخل حدودها وجغرافيتها للدفاع عن أمنها القومي والذود عن حياضها، لكننا نقصد بها تلك القواعد التي تنشئها الدول الكبرى خارج حدودها بعد دراسة وتمحيص وتحديد للمصالح الحيوية والإستراتيجية لها وبعد استشراف بعيد النظر للقوى المناوئة أو المنافسة وبعد رصد علمي وسياسي واقتصادي لكل العدائيات المحتملة على مدار 100 عام قادمة .
الشرق الأوسط.. قلب العالم القديم، يتوسط ثلاث قارات هي آسيا وإفريقيا وأوروبا، ومشاطيء لبحرين، المتوسط والأحمر وبه ثلاث ممرات استراتيجية لحركة التجارة الدولية ( قناة السويس _ جبل طارق باب المندب) وفي الشرق الأوسط موارد طبيعية وثروات هائلة أهمها النفط… فضلاً عن زعامته الروحية والحضارية، ففيه ظهرت الديانات السماوية الثلاث ومقدساتها يحج العالم كله لها وهذا ما نسميه الأهمية الچيوثقافية والچيودينة !!
في عالم يموج بالتحديات والفرص وتتقاطع فيه المصالح وتتشابك..وتتنافس فيه القوى الدولية والإقليمية لتحقيق مصالحها المشروعة وغير المشروعة، يمثل الشرق الأوسط قبلة لإنشاء القواعد العسكرية، التي تمثل نقطة رصد وإنطلاق سريعة وإستراتيجية لتحقيق الأهداف المكلفة بها، طويلة المدى أو المؤقتة، لبسط النفوذ ولتقول الدولة المالكة لهذه القاعدة العسكرية ، أنا هنا !
إن إنشاء هذه القواعد يكون دائما بموجب إتفاقيات بين الدولتين ، المالكة والمؤجرة وبمنفعة لكلا الدولتين.
وبقدر ما يمثل الشرق الأوسط هدفاً إستراتيجيا لإنشاء القواعد العسكرية لما ذكرنا آنفاً، بقدر ما يدل ذلك على هشاشة أمنية وسياسية تعيشها كثير من دوله، فمنذ الضربة القاصمة للنظام العربي عندما احتل بلد عربي، بلداً عربياً مثله عام 1991م ، أي منذ غزو العراق للكويت، مروراً بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003م و وصولاً إلى أحداث مايعرف بالربيع العربي المزعوم وما تبعه من إنفلات أمني وانتشار نموذج الدولة الرخوة أو الفاشلة في منطقة الشرق الأوسط ، إضافة لأزمة الدول الخليجية الأخيرة قبيل كورونا، كل ذلك زاد من هشاشة وضعف المنطقة واستهدافها بإقامة قواعد عسكرية فيها، مما جعل منها مساحة مرتهنة بالكامل للصراع الدولي والإقليمي.
القاعدة العسكرية، تعرف في الأدبيات العسكرية والأمنية بأنها «منشأة تتبع الفروع العسكرية وتستخدم ملاجئ للأفراد و العتاد ولتنفيذ عمليات التدريب العسكرية المختلفة» وقد يكون لها وظائف أخرى كالاستطلاع والتجسس واسع النطاق وكركيزة للدعم اللوجستي للحلفاء.
تاريخياً..كانت بريطانيا ومستعمراتها التي لاتغيب عنها الشمس وخاصة خلال الحربين العالميتين، الاولى والثانية، نموذجاً للقواعد العسكرية التي تحمي الإمبراطورية ومصالحها.. وحتى قديما، منذ الحضارة الرومانية أيضا كانت القواعد العسكرية موجودة بشكل بدائي، لكنها لنفس الهدف.
الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر القوى العالمية في امتلاك القواعد العسكرية المنتشرة عبر 35 دولة، حيث يبلغ عددها 1510 قواعد حسب مسح تم عام 1993 في بعض المصادر، فمثلاً لديها في ألمانيا وحدها 174قاعدة عسكرية و 113 قاعدة في اليابان، و 83 قاعدة في كوريا الجنوبية رغم مرور 62 عاما على الحرب الكورية ورغم مرور أكثر من 70 عاما على الحرب العالمية الثانية !
وكان لهذه القواعد دور كبير استراتيجي في سنوات الحرب الباردة ، بينها وبين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوڤيتي .
بيد أن هذه القواعد العسكرية تتباين فيما بينها من حيث المساحة والشكل، وفقاً للأهداف والوظائف الموكلة لها، فمثلاً قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا، حجمها حجم مدينة صغيرة، بها بنية تحتية كاملة من مدارس ومستشفى ومحطة طاقة ونادي وأماكن ترفيهية، وهناك على الجانب الآخر قواعد مساحتها صغيرة كالموجودة في عدد من الدول العربية والإفريقية وأوروبا الشرقية، بل قد لا يتجاوز حجمها، حجم الكونتينر الذي تضعه الشاحنات على ظهرها والذي قد يقبع في إحدى الموانئ أو متنقلاً على ظهر إحدى الشاحنات المتحركة بشكل طبيعي لا يلفت النظر!!
ورغم اختلاف سياقات ظهور ما يسمى بالشرق الأوسط وتطور هذا المصطلح عبر سنوات و أحداث ، سواء بعد سقوط حلف بغداد في 14 من يوليو 1958 او بعد حرب أكتوبر 1973 وما جاء بعدها من اتفاقية كامب ديفيد 1978، إلا أنه يبقى مصطلحا معبراً عن جغرافية ممتدة تشمل دول عربية ومعها تركيا وإيران وإسرائيل ، وأصبح هذا المصطلح,” الشرق الأوسط” أو “ الشرق الأوسط الكبير” هو السائد ، سياسياً والمتعارف عليه، خاصة عند الحديث عن الاقتصاد.
إن النموذج الأبرز في حديثنا عن الحديث عن القواعد العسكرية هو النموذج الأمريكي كما أسلفنا، وتجدر الإشارة إلى عام 1980م عندما أسس الرئيس الأمريكي چيمي كارتر في عهده قوة الانتشار السريع والتي تطورت فيما بعد إلى القيادة المركزية USCENTCOM التي ظهرت في عهد الرئيس ريجان 1983 والتي تلقت مهام تتناسب مع البيئة الصحراوية، لتمكنها من الدفاع عن أمن منطقة الخليج العربي بشكل خاص، بهدف حماية النفط وضمان وصوله إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الدول الغربية واليابان، ومن هذه القيادة أطلقت الولايات المتحدة حربها على أفغانستان 2001 ثم العراق 2003م وفي عام 2014م أعلنت منها الولايات المتحدة إطلاق التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة في الشام والعراق “داعش» .
ورغم أن قواعد اللعبة تغيرت وأصبحت القوى الاقتصادية والمصالح المرتبطة بها هي الهدف بعد أن صعدت قوى عالمية وإقليمية جديدة، تغلبت على الولايات المتحدة في هذا الجانب… ورغم أن الصراع تحول من إيديولوجي اصطبغت به الحقبة الباردة في ستينيات القرن الماضي إلى صراع اقتصادي ومعرفي، خلق مفردات جديدة لهذه اللعبة، برغم ذلك إلا أن أهمية هذه القواعد بقيت بل تطورت وأضيفت لها مهام أخرى وبأدوات الحرب الاقتصادية المتنوعة والتي يأتي منها، البيولوچي، عبر إرهاق إقتصاديات الدول المنافسة بأوبئة مخلقة وما يستتبعها من استنزاف لقدرات الدولة وثرواتها وتأخر نموها الاقتصادي !!
تشير بعض المصادر والتقارير المعلنة حول القواعد العسكرية الأمريكية في بعض دول منطقة الشرق الأوسط إلى الآتي:
في تركيا
هنـاك 7000 جنــدي امريكي في قاعــدتي إنجـــيرليـك وأزمــير وبها القيادة الموحدة للقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو وقوات الانتشار السريع ومكتب التعاون العسكري الأمريكي والقيادة المركزية لوحدة الرادارات الموجهة للطائرات وبها ضابطان من قوات الحرس الوطني الأمريكي.
في الأردن
هنــاك قاعــدة عسكريـــة للولايات المتحـدة الأمريكـيــــة هي قاعــدة الازرق وتسمى “ قاعدة موفق السلطي» وقد أنفقت عام 2018م ما يقرب من 143 مليون دولار عليها، وبها العديد من قوات التحالف الألمانية والبلجيكية والهولاندية .
في إسرائيل
تقريباً 91 موظف من البنتاجون، 69 قيادة عسكرية و22 موظف مدني، معنيون بإدارة قاعدة الأسطول السادس الأمريكي بالقرب من ميناء حيفا ومحطات ديمونة وقاعدة ماشابيم الجوية.
في چيبوتي
هناك قاعدة ليمونييه وهي مقر قوة العمل المشترك في القرن الأفريقي، وبها 88 عسكرياً و3 موظفين مدنيين .
في العراق
هناك عدد من القواعد العسكرية الأمريكية، منها قاعدة التاجي وقاعدة بلد وقاعدة رنج وقاعدة ڤيكتوري وقاعدة عين الأسد وقاعدة التقدم .
وفي سوريا
هناك 20 قاعدة عسكرية أمريكية علي أرض خاضعة للأكراد وتمثل منطقة منبج تمركزا لقوات قوامها 400 من النخبة والمدفعية البحرية وهي مزودة ببطاريات مدافع M777 Howaitzer مداها 50 كيلو متر .
وهناك قاعدة عسكرية أمريكية حسب ما تذكر بعض المصادر المعلنة في تونس في جنوب غرب وقاعدة في المغرب للقوات البحرية في مدينة سيدي يحيى، شمال شرق الرياط، وهي إستراتيجية للصواريخ المضادة للسفن في منطقة الأطلسي والبحر المتوسط .
ورغم عدم وجود قواعد عسكرية بشكل مباشر في العدد المتبقي من الدول العربية إلا أن وجود ضباط أمريكيين بها معلن ومعروف مهامهم مثل لبنان والسودان واليمن والجزائر وليبيا وموريتانيا، ويبقى الأمر رهن تطور الأوضاع ومتغيراتها سياسياً واقتصادياً وأمنيا خلال الفترة القليلة القادمة مع إرهاصات الحرب العالمية الثالثة والضربة النووية المرتقبة .
لا يوجد تعليقات