مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-10-03

دور الإعلام في استراتيجية الدولة العصرية

تعد وسائل الإعلام على أنها السلطة الرابعة للدولة لانتشارها وسرعتها وأهميتها في ظل الدولة العصرية. فقد أصبحت وسائل الإعلام وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة جزء من ارتقاء الأمة وانهيارها. وفي عصر المعلومات اليوم ومع ازدياد أهمية وسائل الإعلام، فقد ازداد تنوعها بسبب تأثيرها وقدرتها على تشكيل الأحداث. ولوسائل الإعلام تأثير قوي على رؤية الناس للعالم، فقد أصبح الآن من الصعب جداً إخفاء الأحداث/ الحقائق. حيث أصبح الإعلام وسيلة رئيسة وأداة فعالة في توجيه مجريات الأحداث. 
 
بقلم: جواهر المنصوري - دارسة في كلية الدفاع الوطني
 
ويمتلك الإعلام تأثيراً قوياً في المجتمع، فقد أدى دوراً كبيراً في نشر الثقافة والعلوم، وقد عرف الإنسان الإعلام منذ القدم، حيث كان يروي القصص التي كان يواجهها أثناء عمله اليومي، وفي الجزيرة العربية قبل الإسلام، كانت تعقد أسواق تجتمع فيها القبائل، وكانت تلك القبائل ترسل أبلغ شعرائها لوصف شجاعتهم وكرمهم، وقد استطاع بعض الشعراء تصوير المعارك وأهوالها، ومدى قوة فرسانهم وقدرتهم الكبيرة على القتال.
 
لقد انتشر الإعلام انتشاراً واسعاً فلم يترك مجالاً للارتجال والعفوية فهناك مؤسسات إعلامية ضخمـة، وإمكانيـات هائلـة يتم توفيرها لأهداف محددة تضعها السلطات الإعلامية المعنية نصب أعينها دون غيرها، وهناك الإثارة في العرض، وجذب الأنظار إليها كل ذلك من أجل تسريب الأفكار والتصورات، بل والانفعالات إلى الجمهور المتلقي كي ينسجم فكرياً وعاطفياً مع أهداف المؤسسات الإعلامية والتي تقف ورائها حكومات ودول وأحزاب وجماعات ضغط وغيرها.
 
ويعـد الإعـلام اليوم علماً له قواعده، وأصوله، والممارسة العملية وأصبحت غير كافية للتقدم في المسيرة الإعلامية من صحافة مكتوبة أو مرئية أو مسموعة أو سينما أو إعلان ودعاية. ولذا أنشأت معظم دول العالم معاهداً ومراكزاً جامعية لدراسة علوم الإعلام وفنونه، ومن أهم الدراسات الإعلامية فن التأثير على الرأي العام الذي يقوم على دراسة التأثير المباشر، وغير المباشر للدعاية السياسية أو الإعلانية أو الإعلامية أو الدبلوماسية أو التوجيه الاستراتيجي أو إدارة الأزمات المختلفة، وعلى الفرد كجزء من المجتمع كيف يتفاعل معها ويتأثر بها ويؤثر عليها.
 
الدبلوماسية الإعلامية مصنع القوة الناعمة  
من أبلغ الاصطلاحات وأقدم الممارسات والتعريفات العربية للدبلوماسية، مقولة الخليفة معاوية بن أبي سفيان إذ قال: «إني لا أضع سيفى حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها» وُصفت الدبلوماسية هنا بدقة في مضمونها القائم على المرونة والتحلي بالصبر وعلى الرغبةَ الجادة في تحقيق الأهداف المرجوة والحرص على متانة العلاقات واستمراريتها، وعدم انقطاعها حتى وإن كانت معلقة بشعرة رفيعة. 
 
وعلى النهج ذاته، سار مفكرو وسياسيو العصـر الحديـــث؛ إذ عــرَّف الباحــث البريطــاني «أرنســت ساتــو» الدبلوماسية بأنها « استعمـال الذكاء والكياسة في إدارة العلاقــات الرسميــة بين حكومــات الــدول المستقلة”؛ مما يوضح نطاق الدبلوماسية في العلاقات والحفاظ عليها. وقد بُنيت أسس الدبلوماسية الإعلامية على طرح نماذج فن التفاوض وإدارة العلاقات بين الحكومات؛ إذ برزت قدرة الإعلام في التحكم بالمعلومات وكيفية استخدامها للتأثير في الحكومات وشعوبها بهدف بناء صورتها الذهنية. وهذا بالطبع يرتبط بالقوة الإعلامية للدولة ومدى تسخيرها لقدراتها الإعلامية من الخبرات الكامنة في كوادرها البشرية واستخدامها لوسائل الإعلام التقليدية والحديثة؛ وذلك لإنشاء صورتها الإيجابية وتحقيق أهدافها المنشودة على مستوى الرأي العام والعلاقات الدولية.
 
ولتعزيز تلك القدرة على تشكيل تلك الصورة الإيجابية، باتت القوى الناعمة التي تصنعها وسائل الإعلام أساساً ومقياساً في هذا الشأن؛ بما يتسق مع طرح «جوزف ناي»، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد وصاحب مفهوم القوة الناعمة الذي يُعرِّف هذه الأخيرة بأنها «القدرة على جعل الشعوب أو الدول ترغب فيما أنت راغب فيه، وألا تستخدم الجبرية أو الإغراء لجعلهم يتبعوك». أي أن القوة الناعمة هي قدرة الاعتماد على قوة الجذب والإقناع بدلاً من الإجبار على اتباع سياسات معينة. وهذا هو المجال الرئيس الذي يؤدي فيه الإعلام دوره في صناعة القوة الناعمة، حيث تسرد الدولة قصتها بنهج جديد لشرائح الجمهور المستهدف ضمن نطاق واسع قد يبلغ جميع أنحاء العالم ليساهم في بناء هوية الحكومة وسمعتها وصورتها لدى حكومات العالم الأخرى وشعوبها.
 
وأخيراً، فإن أهمية الدبلوماسية الإعلامية تتجلى أيضاً في التأثير في الصور الذهنية والفكرية. تأثير له من القوة ما يمكن أن يغزو الشعوب بلا سلاح مادي، فتُعاد من خلاله صياغة الأفكار والآراء والأذواق والمثل العليا، ذلك أن عرض الإنجازات والتوجهات بأسلوب يلامس ثقافة المجتمع واحتياجاته وتطلعاته، يضيف بعداً مهماً لاستيعاب تلك العناصر ويُعظِّم سبلَ تسويق الأفكار المروج لها على المستوى المحلي والعالمي؛ فيجعلها مقبولة بغض النظر عن مضمونها.
 
وهكذا أصبحت القوة الإعلامية الناعمة في مرتبة القوة العسكرية للحكومات بل قد تفوقها أحياناً. إذ إنها تؤدي دوراً مهماً في تحقيـق الأهـداف السياسيـة الداخليـة والخارجيــة وفي المحافظــة علــى المصالــح الوطنيـة. فقـد باتـت بالفعل مصنعاً للقوة الناعمـة وسلاحـاً فاعـلاً وسُلَّماً ترتقـي به شعوب وحكومات إلى قمم النجاح. إنْ هي أحسنت استخدامَه.
 
الإعلام في الأجندة السياسية    
للإعلام مكانة سياسية لا يستهان بها، ومقام كبير لا جدال فيه؛ وذلك بفضل ما يمتلكه من قدرة على التأثير والإقناع، وتشكيل الأفكار، وصناعة الرأي العام. ولقد أصبح الإعلام عنصراً رئيساً من عناصر التنمية وعاملاً ذا أهمية متزايدة في التطوير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
 
ولأن الإعلامَ الحديث أحدُ أهم وسائل الاتصال في عصر المعلومات الرقمية الموسوم بالسرعة في نقل الخبر والمعلومة، فقد تمكن من اختراق الحدود والحواجز بين الدول والشعوب، مستثمراً وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة التي عززت دوره في المجالات كافة، خاصةً المجال السياسي.
 
ومن هنا أصبح الإعلام السياسي أحد أهم ركائز العملية السياسية؛ بل هو عصب العملية السياسية ذاتها، كما عرَّفَه «كارل دويتش»، أستاذ العلوم السياسية لدى جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية. 
 
فمتى كان الإعلام فاعلاً، قللَ احتمالات الخطأ في اتخاذ القرارات الصائبة والذي هو قمة العمل السياسي وغايته. فهو يهدف إلى التأثير في الرأي العام، وتحقيق الأهداف المنشودة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي. وقد تطور هذا النوع من الإعلام بالتطور التقني الذي شهدته وسائل إعلامية أخرى مستجدَّة، فأصبح يوظف التقنيات الحديثة في أداء رسالته الإعلامية السياسية بأسلوب متكامل يجمع بين الكلمة والصوت والصورة. وهكذا بات الإعلام السياسي يتناول النشاطات والأحداث والقرارات السياسية بالنقل والتحليل؛ مما وسع نطاق الحصول على المعلومات لدى القادة والسياسيين، وأتاح قدرة أكبر على قياس ردود أفعال الجمهور تجاه السياسات المتَّخَذَة وكذلك المواقف والقرارات. وبالنتيجة، بات صانعو القرار السياسي يعتمدون بقدر كبير على مُخرجات الإعلام السياسي في صنع قراراتهم، وباتت الشعوب تعتمد عليه في تكوين الآراء والاتجاهات والمواقف المختلفة إزاء الأحداث والسياسات الدائرة في محيط عيشها.
 
وفي ضوء أحداث العصر الحالي، ينبغي لوسائل الإعلام والإعلاميين العرب الوعيَ بحجم مسؤولياتهم في تشكيل الرأي العام المحلي والعالمي، والحرص على تفعيل الدور المتبادل في بناء الشراكات الفعالة مع الجهات الحكومية، وتعظيم دور الإعلام في الأجندة والاستراتيجيات الوطنية.
 
كما يجب أن يصب العمل الإعلامي ضمن المنظومة السياسية الوطنية، لتطوير وتنفيذ خارطة الطريق المشتركة التي يتسق فيها الإعلام مع العمل السياسي مشكلاً شراكة مستدامة، تتصدى لكل من يمارس التضليل ويعمد إلى تشكيل صور ذهنية مشوّشة ومربكة للجمهور. فضلاً عن ذلك، يجب تعزيز صورة الدولة وسمعتها الطيبة، من خلال إلقاء الضوء على توجهاتها، وإبراز إنجازاتها السياسية؛ مع ضمان صون هذه الصور واستدامتها من خلال خطاب إعلامي سياسي يفوق التوقعات في هذا الشأن.
 
ويتطلع خبراء الإعلام والاتصال إلى إعلام سياسي عربي لا يكتفي بتحليل الواقع الراهن، بل يتجاوز حدود الزمن ويبحث في المستقبل، مستشرفاً آفاقاً تأسست على تحليل حقائق الماضي وأحداث اليوم، تعمل بمدخل رئيس في صياغة الاستراتيجيات السياسية، التي لا تخضع لهيمنة التحليل السياسي لحاضر الأمَّة فقط، بل لمستقبلها أيضاً. فذلكم هو الإعلام الساعي لمستقبلٍ أفضل للوطن وللأمّة.
 
الإعلام والأزمات السياسية بين التفاعل والتأثير  
لقد أصبحت عملية إدارة الأزمات إعلامياً تخصصاً علمياً له قواعده ونظرياته وأسسه وآلياته واستراتيجيته الخاصة، بل بات يحوز اهتماماً واسعاً لدى المؤسسات التعليمية الأكاديمية والبحثية والمؤسسات الإعلامية والسياسية والدبلوماسية.
 
وقد بات إعلام الأزمات  أو «إعلام المواجهة» يحظى باهتمام القيادات السياسية في أغلب دول العالم، وذلك في ظل تعاظم الأزمات عالمياً في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وعلى كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية. كما برز مفهوم إعلام الأزمات في العقود الأخيرة بكل وسائله التقليدية والحديثة، خاصة في عصر الإعلام الرقمي، بوصفه أداة فعّالة وأساسية في مواجهة الأزمات واحتوائها.
 
فلقد تحول الإعلام عبر منصاته المتعددة إلى أداة التفاعل الرئيسة بين الأزمة وأطرافها، معلناً انتهاء عصر التعتيم والصمت حيال الأزمات مهما تفاوتت حدودها؛ إذ أصبح إخفاء أي أزمة أو تجاهلها في عصرنا الحالي أمراً في غاية الصعوبة، على خلاف ما كان في الماضي، مثل حادثة انفجار مفاعل «تشيرنوبيل» التي لم يعرف العالم شيئا عنها إلا بعد أيام على وقوعها. فاليوم لم يعد لإخفاء الأزمات مكان في أجندة الحكومات، كما بات لوسائل الإعلام الدور الرئيس في التعريف بها والتفاعل مع مجرياتها. ففي كثير من الأزمات تنتشر شائعة أو أكثر، وهذه الشائعات تؤدي إلى تفاقم الأوضاع؛ وهنا يبرز دور إعلام الأزمات في مواجهة هذه الشائعات والتصدي لها ولأخطارها. ويتمثل الأسلوب الأنجح والأقوى والأشد تأثيراً من بين جميع الأساليب المستخدمة لمجابهة الحملات الإعلامية المعادية، في تقديم خطاب إعلامي غني وموضوعي وجذاب يتمتع بأقصى قدر من المصداقية، من دون إغفال المراقبة الدقيقة للإعلام المعادي والتي هي مسألة بالغة الأهمية في إدارة الأزمة إعلامياً.
 
وفي ظل شمولية البيئة الإعلامية وتنوع أنماطها ما بين تقليدي وحديث، ظهرت إشكالية جديدة في مجال إعلام الأزمات، تثير تساؤلاً حول العلاقة بين وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، من ناحية التكاملية أو المنافسة والمصداقية في أوقات الأزمات والأحداث واختلفت الآراء في هذا الشأن: ففريق يرى أن العلاقة تكاملية يتناغم فيها كل طرف مع الثاني، فيما يرى فريق آخر أن منصات الإعلام الرقمي لها السبق والسرعة والتفاعل اللحظي الأكبر، إذ تتمتع بميزات تقنية تعلو بها درجةً على نظيرتها التقليدية. ومن ذلك مثالاً لا حصراً-خصوصية شخصية المستخدم، وسقف الحرية المرتفع في التعبير عن الرأي. لكن هذا التدافع الإيجابي خلق مناخاً خصباً للمنافسة بين الإعلام التقليدي والحديث.
 
وأخيراً فإن توجيه رسائل إعلامية متصلة بالأزمات لجميع فئات المجتمع، ضرورة لأمنهم قبل تعاونهم. كما أصبح الإعلاميون أهم الشركاء في إدارة الأزمات، نظراً لقوة تأثيرهم في الرأي العام. لذا ينبغي أن تتصف الشراكة بين السياسيين وأصحاب القرار من جهة والإعلاميين من جهة ثانية بالطابع الاستراتيجي المشمول بالتعاون المكثف والمنتظم.
 
المراجع:
- د. روان عصام بوسف، شعرة معاوية، 15 ديسمبر 2017، https://alwafd.news/essay/2702.
- الدكتــورة رحـــاب شاديـــة، الحصانــــة الدبلوماسية للمبعوث الدبلوماسي وتأثيرها على حقوق الإنسان، 11 فبراير 2014م.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره