مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-04-01

آيدكــــــس والقــــوة الذكيـــــة

« استثمـار ذكـي » يضيـف للإمــارات من القـــوة الذكيــــة
على مدى أسبوع عمل كامل، في الفترة من 22 إلى 26 فبراير، شهدت أبوظبي الدورة الثانيـة عشرة لمعرض ومؤتمر الدفاع الدولي «آيدكس 2015»، الذي يُعد أضخم معرض دفاعي ثلاثي الخدمة (بري وبحري وجوي) في العالم، وأبرز الملتقيات العالمية لصانعي القرار والنخب العسكرية وخبراء ورواد صناعة الدفاع. وقد شهدت هذه الدورة إضافة نوعية مميزة، تمثلت في إقامة معرض الأنظمة غير المأهولة «يومكس» لأول مرة، وتنظيم ثلاثة مؤتمرات، وهي مؤتمر دفاع «آيدكس» ومؤتمر الدفاع البحري «نافدكس» ومؤتمر الأنظمة غير المأهولة. وينتظم المعرض كل سنتين تحت الرعاية المباشرة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، الذي يُبدي اهتماماً خاصاً به منذ تدشين دورته الأولى عام 1993، ويحرص على انتظام فعالياته. 
 
د. أيمن الدسوقي
وقد قيل الكثير عن «آيدكس»، وما يُمثله لدولة الإمارات وللمنطقة كلها، وما يعنيه للدول والشركات المشاركة. بيد أني أريد إلقاء الضوء عن جانبٍ آخر لم ينل حظه من الاهتمام، وهو ما تمثله هذه الفعالية من إضافةٍ للقوة الذكية لدولة الإمارات. وتتضمن القوة الذكية، بحسب جوزيف ناي، أحد أبرز أساتذة العلاقات الدولية في الوقت الراهن، خليطاً أو مُركباً من عناصر ومهارات القوة الصلدة ونظيرتها الناعمة التي تمتلكها الدولة. وتشير القوة الناعمة إلى القدرة على تحقيق الأهداف المرجوة، من خلال جذب الآخرين واستمالتهم، وإقناعهم بوحدة الأهداف. ومن ثم، تعتمد على المقدرات الثقافية أو جاذبية ثقافة الدولة، والقيم السياسية، ولاسيما عندما يتم تطبيقها بإخلاص في الداخل والخارج، وكذلك المقدرات الإعلامية والدبلوماسية، وعدالة أو شرعية السياسات الخارجية المتبعة. كما يعد النموذج التنموي الاقتصادي، والاندماج الدولي، والصورة الدولية من مصادر القوة الناعمة. أما القوة الصلدة، فتعني القدرة على تحقيق الأهداف المرجوة، من خلال القهر والإجبار والمكافآت المادية. ومن ثم، تعتمد على الأدوات العسكرية والاقتصادية. 
 
آيدكس: والقوة الناعمة
وفي الحقيقة، تكتسب القوة الناعمة مزيداً من الأهمية في عالم اليوم؛ ويتصاعد دورها على حساب أدوات القوة الصلدة في تنفيذ السياسات الخارجية للدول. ولكنّ هذا لا يعني أنّ القوة الناعمة بسبيلها إلى الحلول محل القوة الصلدة، أو أنها أفضل منها في كل الأحوال، بل تكملها. وهذا هو جوهر أطروحة القوة الذكية؛ فالدول الأكثر تأثيراً وفعالية هي التي توظف نسباً متفاوتة أو مركباً خلّاقاً من أدوات القوة الصلدة والناعمة التي تمتلكها. ويُحدد السياق أو الموقف الذي تواجهه الدولة نسبة عناصر القوة الصلدة إلى عناصر القوة الناعمة في هذا المركب. ومن ثم، فالقيادة الناجحة هي التي تمتلك ذكاء أو فطنة السياق Contextual Intelligence، ويكون لديها القدرة على تكييف أدوات القوة المختلفة في مواقف متباينة.
 
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ معرض “آيدكس” يعد بمنزلة “استثمار ذكي”، يضيف إلى رصيد دولة الإمارات من القوة الذكية، وإنّ قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة تنتمي إلى نمط القيادة “الذكية”، بالمفهوم الذي شرحه جوزيف ناي، وهو ذلك النوع من القادة الذي يحوز عناصر القوة الناعمة والصلدة، ويمتلك الفطنة في توظيفها.
 
فمن ناحية القوة الناعمة، مثّل معرض “آيدكس 2015” حدثاً استثنائياً بكل المعايير، ليس فقط لنتائجه الاقتصادية، وإنما أيضاً لانتظامه في منطقة الشرق الأوسط، التي تعُج بجميع عوامل ومظاهر الاضطراب وعدم الاستقرار، على المستويين الكلي والجزئي. وينبع وصفه بالاستثنائية كذلك من كونه الأضخم في تاريخ هذه الفعالية منذ تدشينها، سواء من حيث الدول والشركات المشاركة (1200 شركة عارضة تنتمي إلى 56 دولة، منها 18 شركة تشارك للمرة الأولى)، أو عدد الزائرين الأفراد (اكثر من 80 ألف زائر)، أو التغطية الإعلامية (أكثر من 250 وسيلة إعلام من أكثر من 50 دولة حول العالم، وما بين 350 إلى 400 خبر يومياً طيلة أسبوع المعرض). وهذا كله يدلل على أهمية دولة الإمارات ومكانتها بحيث يهرع هذا العدد الكبير إلى حضور إحدى الفعّاليات التي تنظمها، من ناحية، ويعزز مكانتها كوجهة عالمية رائدة لتنظيم واستضافة الفعاليات والمعارض الدولية.
 
آيدكس: صورة عالمية
علاوة على ذلك، يمثل “آيدكس” أفضل فرصة لدولة الإمارات العربية المتحدة لصنع صورة عالمية لذاتها كمثال يحتذى في مجالات التنمية الاقتصادية والتقدم التكنولوجي وتقديم المساعدات الإنسانية ودعم الشرعية الدولية، والترويج لنموذجها الاتحادي-السياسي، والاقتصادي التنموي، والثقافي التعددي. ويتسم النموذج الاتحادي الإماراتي بخصائص عدة، يمكن الاستفادة منها في تطبيق أو تفعيل الفيدرالية في الدول العربية، أهمها المرونة؛ بمعنى إعطاء مساحة أكبر من الحرية للحكومات المحلية التي تتمتع بصلاحيات دستورية واسعة، والتوازن فيما يتعلق بالعلاقة بين الشأن الاتحادي والشأن المحلي، وتحقيق التنمية المتوازنة في جميع مناطق الدولة، وإعمال قواعد الحوكمة أو الحكم الرشيد Good Governance، والتركيز على تمكين الدولة والمواطن اقتصادياً واجتماعياً.
 
أما النموذج التنموي الذي تقدمه الإمارات، فيتسم بالتنويع والازدهار الاقتصادي، والتوجه نحو بناء اقتصاد معرفي، ومستويات مرتفعة جداً من التنمية البشرية، والتنافسية، والانفتاح على التجارب التنموية الأخرى في العالم. كما تقدم الإمارات نموذجاً في احترام التنوع الثقافي والإثني والحفاظ عليه واستثماره؛ حيث يعيش على أرض الدولة أكثر من مئتي جنسية، في إطارٍ من التسامح الإنساني، يحميه تطبيق القواعد القانونية بحزم وشفافية ومن دون تحيز على الجميع.
 
وفي الحقيقة، فإن مجرد الانخراط التعددي multilateral engagement في علاقات مع الدول والفاعلين الدوليين الآخرين هو مظهر من مظاهر القوة الناعمة. دون الحديث عن إنّ تنظيم معرض “آيدكس” وغيره يزيد من جاذبية النموذج الإماراتي، الذي أصبح موضع إلهام لكثيرٍ من الدول والشعوب في المنطقة وخارجها، تنشد الاستفادة منه وتطبيقه. 
 
ويُمثل “آيدكس” نافذة معرفة لا تُضاهى، من حيث كونه يتيح لشركات الدفاع الوطنية الاطلاع على أحدث ما وصلت إليه صناعة الدفاع في العالم. ومن ثم، يساهم في نقل التكنولوجيا وتوطينها في الدولة. وفي هذا الخصوص، أشار اللواء الركن الدكتور عبيد الكتبي، رئيس اللجان العليا المنظمة للمعرض، إلى أنّ سر نجاح الشركات المحلية في التصنيع الجيد لمختلف أنواع المعدات والآليات العسكرية، يعود لاستفادتها من تجارة وخبرة الشركات العالمية. والأهم من ذلك، يوفر “آيدكس” منبراً “عولمياً” للقاء العقول وتلاقح الأفكار والحوار المثمر بين خبراء وقادة صناعة الدفاع. وقد أدرك منظمو المعرض مدى أهمية هذه النقطة؛ فأعلنوا أنهم يستهدفون في الدورة المقبلة من المعرض استقطاب عدد أكبر من صناع القرار الرئيسيين من الحكومات وقادة القوات والمختصين في صناعة الدفاع إلى منصة واحدة لمناقشة وتقديم حلول لبناء الشراكات، وتعظيم القدرات، والبحث والتطوير في واحد من أهم قطاعات الصناعة الاستراتيجية في العالم.
 
آيدكس: والقوة الصلبة
ومن ناحية ما يضيفه “آيدكس” لعناصر القوة الصلدة لدولة الإمارات، فهو يتيح لشركات الدفاع الوطنية فرصة مثالية للترويج لمنتجاتهم، والاحتكاك بالخبرات والتطورات العالمية في مجال التصنيع والتكنولوجيا العسكرية. وفي هذا الصدد، أشار الكتبي إلى أنّ الشركات الوطنية تلقت العديد من الاتصالات، من دول عربية وأجنبية، في أثناء انتظام الفعالية، لبيع آليات ومنتجات حربية. كما يتيح المعرض للشركات العالمية مجالاً للتعرف على إمكانات وقدرات الشركات الوطنية؛ ما يمهد السبيل لإقامة شراكات التعاون بين الطرفين. وقد أصبح آيدكس حافزاً للتطور الكمي والنوعي في الصناعات الدفاعية الإماراتية، سواء على مستوى المعدات أو الذخائر، أو منظومات وبرامج الدفاع عالية الكفاءة.
 
وكانعكاس للتطور النوعي للصناعات الدفاعية الوطنية، الذي يعود بالأساس إلى الدعم الذي تلقاه من جانب القيادة الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، شاركت دولة الإمارات بأكبر جناح في “آيدكس 2015”، بمساحة تقارب ثلث مساحة المعرض. وضم هذا الجناح معظم الشركات الإماراتية المشاركة في الفعالية، وفي مقدمتها توازن القابضة، ومبادلة للتنمية، وهيئة تنظيم الاتصالات، وأبوظبي لبناء السفن، وطيران أبوظبي، وأدكو للأنظمة، وبركان ميونيشنز سيستمز وغيرها. وفي هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة إلى الحدث الأهم، ويتعلق بمشاركة شركة الإمارات للصناعات الدفاعية “إيدك” في المعرض. و”إيدك” هي مشروع مشترك بين “توازن” و”مبادلة” ومجموعة الإمارات المتقدمة للاستثمارات تبلور في ديسمبر 2014؛ بهدف خلق واحد من أكبر التكتلات الواعدة في مجال الدفاع والطيران وخدمات الدعم في المنطقة. 
 
وبالإضافة إلى ما يساهم به “آيدكس” من تطور نوعي في قطاع الصناعات الدفاعية الوطنية ذي الأهمية الاستراتيجية، فإنّ ما أبرمته القوات المسلحة من صفقات سلاح تجاوزت قيمتها 18.3 مليار درهم (حازت الشركات الوطنية نحو 60% منها) يزيد من قدرة دولة الإمارات العربية المتحدة على الردع. وقد بلغت قيمة الصفقات التي عقدتها القوات المسلحة مع كبريات الشركات العالمية خلال دورات “آيدكس” المتتابعة أكثر من 31.5 مليار دولار.
 
وفي هذا الخصوص، لا بد أن نستذكر رؤية صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، فيما يتعلق بالغرض من “بناء القوة”. فقد أكد سموه أنّ “دولة الإمارات العربية المتحدة لا تتسلح لمباشرة العدوان، وإنما تفعل ذلك لأنها تؤمن بأنّ الضعف يُغري بالعدوان. كما أنّ القوة شرطٌ لتدعيم السلام”. كأنّ القيادة الرشيدة، انطلاقاً من إدراكها للتهديدات العديدة والمتنوعة للأمن الوطني والإقليمي، عكفت منذُ اليوم الأول على بناء وتطوير القدرات الدفاعية للبلاد؛ لتوفير قوة ردع، تجعل الأعداء يفكرون أكثر من مرة قبل تهديد سلامتها الإقليمية وتجربتها التنموية أو أمن مواطنيها واستقرار مؤسساتها.
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره