مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-12-01

أبعاد ودلالات زيارة عبدالله بن زايد لدمشق

تنطوي الزيارة التي قام بها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي لسوريا ولقاء الرئيس بشار الأسد والتي جاءت بعد نحو عشر سنوات من القطيعة بين دمشق وحاضنتها العربية، وحظيت باهتمام دولي واسع، كونها أول زيارة لمسؤول من دولة الامارات العربية المتحدة بهذا المستوى الرفيع لسوريا منذ عقد كامل، على دلالات وأبعاد استراتيجية مهمة، يمكن مناقشتها من خلال النقاط التالية:
 
 
بقلم: العقيد الركن/ يوسف جمعه الحداد
 
 
الامساك بزمام المبادرة عربياً: من المعروف أن دبلوماسية دولة الامارات العربية المتحدة بما ما تمتلك من هدوء ورزانة وحكمة لا تتحرك في الملفات العربية بشكل منفرد، حيث يلاحظ أن الدولة قد شاركت في التصدي لمحاولات جماعة الحوثي الهيمنة على مقدرات الدولة اليمنية، تحت مظلة التحالف العربي، كما تعمل الامارات في مختلف الملفات العربية الأخرى بالتنسيق والتعاون مع بقية عواصم صناعة القرار العربي في المرحلة الراهنة، لذا فإن تحركها نحو سوريا لا يعكس توجهاً منفرداً بل يعبر عن نوايا وتوجهات عربية لم تتبلور بعد بشكل جماعي رسمي لأسباب واعتبارات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمناخ العلاقات العربية العربية، وما يعانيه من انقسامات وتباينات فرضتها ظروف المرحلة الراهنة في العلاقات الاقليمية والدولية. والمسألة هنا ليست سراً، حيث سبق لجامعة الدول العربية أن أعلنت في بيان رسمي أن موقفها تجاه تعليق عضوية سوريا لم يتغير، وقال الأمين العام المساعد للجامعة حسام زكي في مؤتمر صحفي عقد في الرابع والعشرين من ديسمبر عام 2018 بالقاهرة إنه «لا يوجد توافق عربي حول مسألة إعادة النظر بشأن قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية». ولذا فإن دولة الامارات تسعى من خلال زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى حلحلة الموقف العربي تجاه دمشق، ومنح هذا الموقف قوة دفع ايجابية قوية، وأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن بحكم ما يميز السياسة الخارجية الاماراتية وتحركاتها في الساحتين الاقليمية والدولية من جرأة تحتاجها الملفات المعقدة والجامدة أحياناً، وتفكير خارج الصندوق لا يخضع للقواعد الروتينية التي لا تتماشى مع خطورة الأزمات التي تعانيها بعض دول المنطقة، ولاسيما على الصعيد الانساني، وفي مقدمتها سوريا،  وهو ما لخصه د. أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حين علق على زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى سوريا ولقائه الرئيس بشار الأسد، قائلاً «إن الإمارات مستمرة في بناء الجسور وتعزيز العلاقات ووصل ما قُطع»، مضيفاً أن بلاده ستكون حريصة على البُعد العربي وتجنيب المنطقة المزيد من الاحتقان والصراعات المستمرة. وفي هذا الإطار يمكن الاشارة إلى أن الزيارة تأتي بموازاة حدوث انفراجه في العلاقات السورية الأردنية، حيث أجرى الرئيس بشار الأسد اتصالاً هاتفياً مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للمرة الأولى منذ عشر سنوات في الثالث من أكتوبر الماضي، واُعيد بعدها فتح الحدود بين البلدين أمام حركة التجارة، كما يُشار إلى أن وزير الخارجية المصري سامح شكري قد التقي كذلك نظيره السوري فيصل المقداد في سبتمبر الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يعد هذا الاجتماع الأرفع مستوى من نوعه بين مسؤولي البلدين منذ بداية الأزمة في سوريا. وجميعها مؤشرات وشواهد على أن الامارات تعمل في إطار من التنسيق مع أشقائها العرب وتسعى بقوة لتسريع وتيرة عودة سوريا إلى حاضنتها العربية من أجل وقف التوابع والتداعيات السلبية الناجمة عن غياب مراكز تأثير عربية رئيسية، الأمر الذي تسبب في فراغ أمني تمددت فيه قوى اقليمية توسعية تمتلك أجندات مناوئة للمصالح الاستراتيجية العربية.
 
 
منطلقات استراتيجية متفردة: عكست زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى سوريا حقائق ومتغيرات استراتيجية جديدة تتصل باتجاهات السياسة الخارجية الاماراتية، فالزيارة التي قوبلت أمريكياً بالتعبير عن «القلق» من الزيارة ومن «الرسالة التي تفهم من ورائها» كما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، وفرنسياً بالتأكيد على أنها «خيار سيادي» إماراتي، تعكس نسبياً التغيرات التي تطرأ على الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، فالشراكة الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة ودولة الامارات باتت تمتلك من المرونة بحيث تصبح قادرة على استيعاب وفهم حرية حركة كل شريك في التعامل مع ملفات تتماس مع الطرف الآخر، فالولايات المتحدة تدرك أهمية دور الامارات في الحفاظ على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم، والامارات بدورها لا تريد الاصطدام بالشريك الأمريكي، ولكنها تسعى في الوقت ذاته لتحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بعودة سوريا للحاضنة العربية وما يرتبط بذلك من دعم لهذا البلد العربي من أجل إعادة الإعمار والتخلص من نفوذ الدول الاقليمية والميلشيات الطائفية الموالية لها، والتي تتخذ من سوريا نقاط تمركز لها منذ بدايات الصراع. واللافت هنا أن التحفظ الأمريكي المعلن على التقارب الاماراتي السوري لم يتضمن أي تلويح صريح بتطبيق قانون قيصر الذي تبنته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، على المتعاملين مع النظام السوري، وهو ما يعكس حرص البيت الابيض على تفادي الصدام مع الامارات فيما يتعلق بالملف السوري، حيث اكتفت واشنطن بإعلان عدم دعمها لأي جهود «تبذل من أجل تطبيع العلاقة مع بشار الأسد أو تعويمه، وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في مؤتمر صحافي: «نحن قلقون لورود تقارير عن هذا الاجتماع والإشارة التي يبعث بها». ولفت برايس إلى أن «هذا الموضوع غالبا ما تتاح الفرصة للبحث فيه مع شركائنا المقربين في المنطقة، بمن فيهم الإماراتيون، ونحن أبلغنا موقفنا بكل وضوح». واكتفى المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بالتأكيد على أنه «لم يطرأ أي تغيير على موقفنا» معتبرا أن «الأسد لم يقل ما من شأنه تعويم صورته أو ما يوحي بأنه هو أو نظامه غيّر أساليبه». لكنه أكد أن اللقاء لم يكن «مفاجئا» لواشنطن، في إشارة إلى مستوى التنسيق الدولي الذي يسبق التحركات الدبلوماسية الاماراتية بما يضمن توفير حرية الحركة وتحقيق الأهداف الاستراتيجية الحيوية من دون صدام يذكر مع القوى الكبرى.
 
 
التصدي للقوى الاقليمية التوسعية: المؤكد أن استمرار عزلة سوريا عربياً في هذه الظروف ينطوي على تأثيرات سلبية خطيرة، فهناك محاولات من القوى الاقليمية التوسعية التي تدخلت في الصراع الدائر في سوريا لتقسيم هذا البلد العربي إلى مناطق نفوذ متعددة، والجغرافيا السورية تبدو ممزقة بين تنظيمات ارهابية وجماعات مدعومة من قوى دولية، وثالثة تقع تحت نفوذ قوى اقليمية توسعية، في حين تشير التقديرات المتخصصة إلى أن إعادة إعمار هذا البلد العربي العريق تتطلب مئات المليارات من الدولارات، حيث قدرت بعض المؤسسات الدولية المتخصصة كلفة الحرب السورية بنحو 2ر1 تريليون دولار، بينما قدرتها الأمم المتحدة في تقرير لها صدر في سبتمبر 2020 بنحو 442 مليار دولار. في ضوء ماسبق، بادرت دولة الامارات لمد يد العون إلى سوريا تفادياً لوقوع المزيد من المعاناة على الشعب السوري الذي يعاني بالأساس أزمة اقتصادية متفاقمة جراء ظروف الحرب وتدهور الأوضاع في لبنان، الذي يعد أحد الشرايين الحيوية للاقتصاد السوري، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو ستين بالمائة من سكان سوريا الحاليين يعانون انعدام الأمن الغذائي، كما خسرت الليرة نحو 98% من قيمتها خلال العقد الماضي، وارتفعت المواد والسلع الغذائية أكثر من ثلاثين ضعفاً مقارنة بأسعارها قبل الحرب، ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش في مارس الماضي إلى وصف الوضع في الداخل السوري بأنه «كابوس»، قائلاً إن «من المستحيل أن ندرك بشكل كامل حجم الدمار في سوريا، لكن شعبها عانى من بعض أسوأ الجرائم التي عرفها العالم هذا القرن. حجم الفظائع يصيب الضمير بالصدمة». 
 
 
رؤية استراتيجية شاملة للأمن والاستقرار الاقليمي والدولي: ترى دولة الامارات أن وضع حد للأزمة في سوريا والتوصل إلى حل سياسي يضمن وحدة أراضي سوريا وسيادتها، ويعيد إليها الأمن والاستقرار يمكن أن يصب في مصلحة الأمن والاستقرار الاقليمي سواء لجهة عودة اللاجئين السوريين أو انهاء تواجد تنظيمات الارهاب على الأراضي السورية، فضلاً عن وضع العلاقات العربية السورية كمعادل موضوعي لدور بعض القوى الاقليمية في سوريا، إن لم يكن بهدف انهاء هذا الدور فعلى الأقل الحد من تأثيراته، وبالتالي فإن السعي لتنقية الأجواء بين دمشق والعواصم العربية واستئناف العلاقات بين سوريا والعواصم العربية المؤثرة يمكن أن يكون مقدمة لتحقق الرؤية الاستراتيجية الإماراتية، ولاشك أن ترحيب جمهورية الجزائر بزيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان لسوريا إنما يمثل إشارة مهمة لرغبة الجزائر، الدول المضيفة للقمة العربية المقررة في مارس المقبل، في أن تشهد هذه القمة عودة سوريا لمقعدها في الجامعة. وتعتبر الزيارة التي قام بها مؤخراً سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى سوريا ولقائه مع الرئيس بشار الأسد، خطوة حيوية للغاية على طريق لم الشمل العربي وترميم الشروخ والانقسامات التي يعانيها النظام الاقليمي العربي منذ خروج دول مهمة مثل العراق وسوريا من دائرة الفعل والتأثير في الأمن الاقليمي، حيث تسبب هذا الخروج في حدوث فراغ أمني سعت قوى اقليمية توسعية - ولا تزال- لملء هذا الفراغ والتمدد على حساب الأمن القومي العربي، حيث تتواجد الأذرع الطائفية الخارجية بكثافة في العراق وسوريا. لذا فإن الزيارة يمكن أن تكون مقدمة ضرورية لدور عربي فاعل في تسوية الأزمة السورية بما يضمن مصالح الشعب السوري ويحافظ على وحدة سوريا الترابية وسيادتها الوطنية، حيث ترى الامارات أن غياب الدور العربي في أزمتي العراق وسوريا قد سمح لقوى اقليمية أخرى بالتمدد والتوسع في هذين البلدين العربيين بما تجاوزت أضراره حدود هذين البلدين، وامتدت لتطال الأمن القومي العربي في مجمله.
 
 
أهمية التوقيت : جاءت زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي إلى سوريا في توقيت وظروف مناسبة كونها تتكئ على موقف روسي داعم بقوة للتقارب العربي- السوري، كما تأتي الزيارة قبل انعقاد القمة العربية المقبلة بنحو أربعة أشهر، لتوفر وقتاً كافياً أمام الأطراف كافة لإعادة دراسة مواقفها تجاه سوريا، ما يجسد فعلياً فكرة مد الجسور التي تتبناها الدبلوماسية الاماراتية، لاسيما في ظل معطيات مهمة مثل استئناف المحادثات النووية بين إيران والقوى الدولية الكبرى سعياً لإحياء الاتفاق النووي، ورغبة الولايات المتحدة في تبريد أزمات منطقة الشرق الأوسط كي تتفرغ للتصدي للتحدي الاستراتيجي المترتب على الصعود الصيني.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره