مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-06-01

أنشطة التعهيد العسكرية الخاصة ومصير سيادة وستفاليا

برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة «التعهيد» أو المقاولون العسكريون والأمنيون باعتبارهم جزءاً رئيسياً في المشهد والأحداث في مناطق النزاع وما بعد النزاع، فضلاً عن انتشارهم في مناطق ودول كثيرة حول العالم في ظل اختلاف أنماط التحديات والتهديدات وبروز الحاجة إلى ردم فجوة الإمكانيات، ما يستوجب مناقشة أبعاد هذه الظاهرة وآفاقها المستقبلية، وآراء الباحثين والخبراء حولها.
 
إعداد: منى أبو الخير
 
شهدت السنوات الأخيرة تحولات جذرية في مفاهيم الحرب ونظرياتها، ما ينعكس بدوره على العقائد العسكرية للجيوش، ولعل العامل أو المحرك الرئيسي لهذه التحولات يتمثل في بروز التهديدات غير التقليدية كعنصر فاعل وقاسم مشترك على المستويين النظري والتطبيقي.

وإلى جانب الميلشيات والتنظيمات الإرهابية والحروب السيبرانية وغيرهم من تصنيفات الفاعلون المسلحون من غير الدول برزت مفاهيم جديدة مثل «الجيوش الخاصة» أو الشركات العسكرية الخاصة، التي باتت تنتشر بوتيرة متسارعة ولافتة في العقدين الأخيرين في ظل تنامي الحاجة إليها في مناطق النزاعات وما بعد النزاعات، حتى أن انتشارها هذا بات موضع اهتمام باحثو العلوم السياسية لدراسة تأثير هذه الظاهرة المتنامية في العلاقات الدولية. ويرتبط النقاش حول فكرة الجيوش الخاصة مع مفهوم «السيادة» وما يعرف بالفاعلين الجدد في النظام العالمي القائم بحكم الارتباط المباشر والتأثيرات المتبادلة؛ حيث دخلت الجيوش الخاصة كمتغير أو لاعب إضافي في المنازعة على سيادة الدول، من بوابة التأثير في السياسات والقرارات وبيئة الأمن والعلاقات البينية، ما يعني ـ نظرياً على الأقل ـ العودة إلى أحد أبرز سمات العصور الوسطى في القارة الأوروبية، وتحديداً قبل ظهور مفهوم السيادة من خلال معاهدة وستفاليا عام 1648، حين كانت «السيادة» كسلطة دول أو ممارسة واقعية كما هو متعارف عليه مشتتة أو موزعة بين أطراف عدة ولم يكن للدولة بشكلها التقليدي وجود وقتذاك، وحيث كانت الحروب تشن من قبل قوى مجتمعية مختلفة من دون سيطرة أو سيادة لطرف دون الآخر عليها، وهو الوضع الذي شهد تغيرات جذرية عقب ذلك بتبلور مفهوم سيادة الدولة ومظاهره القانونية عقب تلك المعاهدة التاريخية الشهيرة، التي يرى بعض الباحثين أنها تحمل «الجينات» الأساسية للنظام الدولي، والتي يعد امتلاك الدول للقوة واحتكار العنف أحد أبرز معالمها وركائزها.
 
سوق مزدهرة
يلعب المتعهدون العسكريون عابري القارات أو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة دوراً حيوياً في مراحل بناء الدول، التي خرجت للتو من مراحل اضطراب وفوضى داخلية، حيث تسند إليها مهام التدريب للجيوش وقوات الأمن الداخلي وغير ذلك.

ولقد بدأت فكرة الجيوش الخاصة بما يسمى بالمرتزقة (يعرف المرتزق لغوياً بأنه شخص يتخذ من الحرب وسيلة للارتزاق)، والتي ورد تعريفها للمرة الأولى في القوانين الدولية ضمن ملحق إضافي لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949، والمرتزقة هم طائفة قديمة قدم التاريخ ذاته، حيث تشير الدراسات إلى أن هؤلاء كانوا جزءاً من الجيوش في مراحل التاريخ منذ ما قبل الميلاد، حيث استعانت جيوش مملكة قرطاجة بقيادة القائد التاريخي والمخطط العسكري والاستراتيجي الشهير هنيبال بن هميلقار القرطاجي (247 ـ 182 ق.م) بمرتزقة لخوض الحروب الفينيقية ضد إمبراطورية روما، ومضت على هذا الدرب الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع عشر الميلادي حين استخدمت مرتزقة لمساعدتها على القتال ضد الدولة العثمانية.

ثم تطور هذا النمط التقليدي وصولاً إلى شركات عسكرية خاصة تقدم خدماتها للجيوش النظامية أو تعمل خارج نطاقها، وهي شكل من أشكال «التعهيد» أو  التعاقد من الباطن Outsourcing.

ومن ضمن هؤلاء أيضاً من يعرفون بالمقاولون المعتمدون أو المتعاقدون، الذين يقدمون خدمات دعم للجيوش، وهي مسألة قائمة كذلك منذ قرون عدة مضت، حيث كانت جيوش الإمبراطورية البريطانية وجيوش أخرى كبرى عدة تعتمد على هؤلاء المقاولين في تزويد قواتها في المستعمرات بالأغذية والسلع وما تحتاجه لأداء مهامها القتالية أو مهام الحفاظ على الأمن في مناطق نفوذها. وفي هذا الإطار تشير تقارير غربية إلى أن القوات الأمريكية في أفغانستان كانت تعتمد في عام 2013 على سجل من المقاولين يضم نحو خمسة وثمانون ألف مقاول يقدمون خدمات، من بينهم نحو 20 % مؤهلون لتقديم خدمات أمنية وتدريبية والبقية منخرطة في تقديم خدمات لوجستية مثل البناء والنقل وأعمال الترجمة وغير ذلك من مهام كان مقاولون أفغان يقومون بما يفوق 75 % منها (تشير إحصاءات إلى أن القوات الأمريكية في أفغانستان كانت تستخدم في عام 2010 قوات أمن خاصة يبلغ قوامها نحو 107 ألف مدني و78 ألف جندي)، ما يعني أن بيئات النزاع وما بعد النزاع تفرز بطبيعتها مجالات عمل تعتبر بمنزلة فرص لشركات تجارية.
 
وتنقسم أنشطة التعهيد إلى فئات ثلاث هي مقاولو خدمات دعم القوات العسكرية، وهي شريحة لا تستخدم السلاح ولا تشارك في حفظ النظام، وتعمل في تقديم خدمات الإسكان والتغذية والمرافق والنقل والبنى التحتية وصيانة المركبات غير القتالية والمعدات المدنية، وهي مهام تتطلب إنفاقاً أكبر من الدول مقارنة بالتكلفة الموازية للشركات الخاصة. وهناك شريحة مقاولو خدمات الدعم وتعمل هذه الشريحة في مجالات تقنية المعلومات ودعم الأنظمة المعلوماتية للأسلحة والعتاد ويعمل البعض منها ضمن الجيوش كفرق تابعة للشركات الدفاعية المصنعة لهذه الأسلحة. أما الشريحة الثالثة فهم مقاولو الخدمات الأمنية وهم فئات مسلحة أو غير مسلحة تعمل في مجال الأمن والحماية للأشخاص والمباني والمنشآت، وهي الأنشطة الأكثر رواجاً ضمن الشرائح الثلاث.
 
وتنشط الشركات العسكرية الخاصة الحديثة عابرة القارات من جانب الدول التي تمتلك جيوش احترافية ولا تطبق أنظمة تجنيد إلزامية تتيح لها توسيع قاعدة الموارد البشرية لديها، ما يفتح المجال أمام هذه الشركات للقيام بمهام عدة منها أبرزها التدريب العسكري والدعم اللوجستي، وتعمل هذه الشركات بفكر تجاري بحت أي أنها تمتلك دوافع ربحية وليست سياسية، وتعتمد على كوادر من العسكريين المتقاعدين ذوي المهارات والكفاءة والثقافة العسكرية الراسخة، ولا تزال نطاقات عملها تنحصر في تخصصات محدودة أبرزها التشكيلات القتالية البرية، وتقديم الخدمات اللوجستية المساندة في ميادين القتال، وتختلف عن الجيوش النظامية في أنها ترتبط بالاتفاقات الموقعة مع طالبي الخدمة ولا علاقة لها بمعايير القانون الدولي أو المحلي المطبق في نطاقات عملها، أي أنها ليست جهة إنفاذ للقانون فهي بالأساس مؤسسات تجارية احترافية تعمل وفق أهداف تعاقدية محددة. وفي جميع الأحوال فهذه الشركات باتت تعمل ضمان نطاقات سيادية ظلت طيلة قرون وعقود مضت حكراً على الدول والمؤسسات العسكرية النظامية.

وللتعرف على حجم هذا النشاط التجاري المتزايد، تشير بعض التقديرات إلى أن عدد شركات المقاولات العسكرية أو الشركات العسكرية الخاصة كان وصل في عام 2008 إلى نحو 300 ألف شركة في مختلف أرجاء العالم، وتشهد هذه الشركات تزايداً سريعاً في حجم أعمالها منذ بدء النِّزاع في كلّ من أفغانستان والعراق، حيث تقدر قيمة العقود التي وُقِّعَت إجمالاً بنحو 100 مليار دولار سنوياً في أقصى التقديرات، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في صدارة المستفيدين من أنشطة الشركات العسكرية الخاصة بنسبة تصل إلى نحو 70 % من حجم هذا القطاع، علماً بأنه يصعب حصر عدد هذه الشركات بدقة أو معرفة حجم أنشطتها الحقيقي بدقة شديدة من الناحية المالية لأسباب تتعلق بطبيعة معظم هذه الشركات والأنشطة ذاتها التي تتصل في معظمها بحسابات الأمن القومي للدول التي تستعين بها.
 
واقع دولي 
المؤشرات في مجملها تؤكد أن النظر إلى الشركات العسكرية الخاصة من منظور اقتصادي يضفي على أنشطة هذه الشركات مشروعية قانونية دولية متنامية، خصوصاً في ظل اعتبارات عدة أهمها تراجع احتكار الدولة لأنشطة اقتصادية وعسكرية سيادية ظلت لقرون حكراً عليها وفي مقدمتها الصناعات العسكرية التي يلعب القطاع الخاص فيها دوراً حيوياً على مستوى التطوير والإنتاج والتسويق، فضلاً عن تنامي الشق الخاص بشركات الأمن الخاصة التي تتزايد الحاجة إلى أنشطتها بشكل هائل في السنوات الأخيرة في ظل اتساع نطاق الصراعات والمناطق غير الآمنة، والأزمات الإنسانية المتزايدة التي تتسع جغرافياً وتتعمق إنسانياً بشكل يملي أدوار متزايدة للأمم المتحدة ومنظماتها على الصعيد الإنساني، ومن ثم تبرز الحاجة إلى أدوار حمائية للعناصر الناشطة على صعيد تقديم الإغاثة والمساعدات الإنسانية في ظل تراجع دور الدولة السيادي وتآكله في مناطق شتى من العالم، فضلاً عن صعوبة تغطية الاحتياجات اللازمة في هذا المجال من خلال إسهامات أعضاء الأمم المتحدة في مجال حفظ السلام والإغاثة وغير ذلك من مهام إنسانية. 
 
أضف إلى ذلك أن شركات الخدمات العسكرية والأمنية باتت تلعب أدوار متزايدة يحتاج القائمين عليها إلى حماية أمنية يصعب تغطيتها من جانب الجيوش الرسمية والقوات الحكومية في مناطق ودول كثيرة تعاني الفوضى والاضطرابات الأمنية، ومنها أنشطة المنظمات العابرة للحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والشركات العابرة للقارات، والمنظمات الإنسانية، ووسائل الإعلام، والمنظمات الدولية، وغيرها من فرق عمل دولية متخصصة تحتاج إلى فرق حماية أثناء عملها في مناطق الصراعات والنزاعات. 
 
وفي هذا الإطار يلاحظ أن الأمم المتحدة اتجهت إلى محاولة تأطير أنشطة هذه الشركات من الناحية القانونية، وباتت تولي اهتماماً متزايداً لمراقبة تأثير شركات الأمن الخاصة أو المقاولين العسكريين على قضايا حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير المصير، وغير ذلك من قضايا ذات صلة بأنشطة هذه الشركات التي يمكن أن تلعب دوراً مضاداً لأهداف المنظمة الدولية على هذا الصعيد بحكم تضارب المصالح.
 
وبجانب ما سبق، فإن التوقعات جميعها تتجه إلى تنامي دور المتعاقدون أو الشركات العسكرية الخاصة في القرن الحادي والعشرين، بل إن هناك خبراء يرشحون دورهم إلى الوصول إلى خطوط الجبهات الأمامية في الحروب، أي المشاركة الفعالة والانخراط الجاد في هياكل القوة العسكرية للدول، وتكتسب هذه التوقعات قدر من الأرجحية في ظل توجه دولي نحو خفض ميزانيات التسلح والإنفاق العسكري ما يفتح بالتبعية مجالاً لمزيد من الاعتماد على أنشطة التعهيد، أضف إلى ذلك اختلاف أنماط التهديدات وبروز مصادر تهديد قوية غير مرتبط بالدول وذات طابع عابر للجغرافيا، أي أنها تتطلب قدرات نوعية لمواجهتها وإنفاقاً مالياً كبيراً في ملاحقتها، حيث تنبع هذه التهديدات من ميلشيات أو تنظيمات تستخدم تكتيكات غير تقليدية، فضلاً عن انتشار نمط الفوضى وغياب الأمن في الدول الفاشلة أو الضعيفة أو الآيلة للفشل، وكل ذلك يفرز صراعات محدودة وغير تقليدية يصعب حسمها من قبل جيوش تقليدية. 
 
أضف إلى ذلك كله أن الجيوش في القرن الحادي والعشرين باتت تمتلك مهام أوسع نطاقاً مما سبق، حيث تنخرط الجيوش في مهام جديدة مثل مكافحة الإرهاب والإسهام في التنمية وإعادة البناء والتأهيل في مناطق النزاعات وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثة وغير ذلك من مهام وصفها مايكل مولن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة السابق بقوله إنه «زمن الطلب الكبير على الموارد الوطنية»، ما يعني وجود مهام غير عسكرية مثل إعادة تأهيل المباني والمرافق والمطارات ومحطات الكهرباء وإصلاح الطرق وغير ذلك مما لا يتوقع أن تكون الجيوش مؤهلة له بشكل تام، ما يفرض ضرورة السعي إلى تحقيق أكبر قدر من المهام بأقل قدر من التكلفة والتوفيق بين الالتزامات الإستراتيجية والموارد الوطنية المتاحة، أو ما يعرف اصطلاحاً بردم فجوة الإمكانيات، ومن هنا تتزايد الفرص أمام الاعتماد على أنشطة التعهيد في المجالات الأمنية والعسكرية.
 
وفي ظل هذا الواقع الدولي، أنشئت الأمم المتحدة في عام 2005 فريقاً متخصصاً في مراقبة استخدام أنشطة التعهيد الأمني، بناء على توصيات لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن المنظمة، وذلك بدلاً من المفوض الأمم المعني بهذه المسألة، والتي كان يتولاها منذ عام 1987 حتى عام 2004، السيد انريك برناليز باليستيروس من دولة بيرو، وأعقبته السيدة شايستا شاميم من فيجي حتى مارس 2004. 
 
وتستهدف الأمم المتحدة من وراء ذلك بناء دروع قانونية تحمي حقوق الإنسان وتصون حق الشعوب في تقرير مصيرها تحسباً لأي تجاوزات في المصالح قد تنجم عن أنشطة الشركات العسكرية الخاصة أو المقاولون العسكريون.
 
وتقوم هذه اللجنة بمراقبة هذه الشركات وأنشطتها في مختلف أرجاء العالم، كما تدرس ما يترتب على أنشطة الشركات الخاصة التي تقدم المساعدات العسكرية والخدمات الاستشارية على المستوى الدولي، من آثار على صعيد حقوق الإنسان، ولا سيما حق الشعوب في تقرير مصيرها،  كما تضع اللجنة مبادئ أساسية دولية تشجع الشركات على احترام حقوق الإنسان في أنشطتها. 
 
كل ما سبق يعني ضمناً أن هذه الشركات باتت جزءاً من الواقع الدولي وبيئة الأمن والأنشطة العسكرية في العالم، وربما هذا ما يدفع خبراء الأمم المتحدة المتخصصون إلى المطالبة بتشريع دولي منظم للأنشطة الأمنية الخاصة في ظل تضارب الاختصاصات وصعوبة بلورة مفهوم دولي محدد للولاية القضائية على هذه الأنشطة.
 
بيع القوة و«تسليع» الحروب
هناك العديد من مصادر التحدي تفرزها بيئات الأمن المتغيرة في القرن الحادي والعشرين منها أن الشركات العسكرية الخاصة يمكن أن تعمل في خدمة طرفي صراع واحد، بمعنى احتمالية مشاركة أفراد شركة عسكرية خاصة واحدة في صراع أو حرب واحدة لخدمة طرفين متصارعين، ما يعكس احتمالية وجود مصالح لهذه الشركات في إدامة الحروب والصراعات العسكرية، التي تمثل بالنسبة لها «فرص عمل» أو «استثمارات اقتصادية وتجارية» من دون النظر إلى تداعياتها وأبعادها السياسية والإستراتيجية؛ إذ أن إدارات هذه الشركات معنية بتحقيق أرباح للمساهمين والمستثمرين، وطالبو الخدمة من الدول أو الحكومات بالنسبة لها هم «زبائن» و«مستهلكين حاليون أو محتملون»؛ ومن ثم يبرز مفهوم «تسليع الصراعات» أو تسليع القوة وبيعها، وما يترتب على ذلك من إمكانية تحول الحروب والصراعات إلى مصدر كسب وأرباح ما يهدد بانتشارها وتفاقمها في مناطق شتى من العالم، خصوصاً في ظل فورة الاقتصادات وحدوث تغيرات نسبية ملحوظة على خارطة مسببات الصراع وتوسعها لتشمل مصادر جديدة للثروة والنفوذ الدولي، إضافة إلى المحركات التاريخية التقليدية للحروب مثل البحث عن النفوذ واستعراض القوة والتمدد الاستراتيجي والرغبة في الانتقام ورد الاعتبار وغير ذلك من عوامل تقليدية.
 
ثمة تحد آخر يتعلق بالوضع القانوني للاستعانة بشركات عسكرية خاصة في الصراعات أو الحروب، حيث يرى خبراء أن هذه الشركات تندرج قانوناً ضمن بنود الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، والتي تحظر اللجوء إلى أشخاص ليسوا من بين رعايا أطراف النزاع أو يستوطنون أقاليم يسيطر عليها أحد أطراف النزاع أو تقع ضمن نفوذه، كما أن هناك إشكالية أخرى تتعلق بوضعية مستخدمي هذه الشركات في حالات الأسر، حيث لا يصنفون قانوناً ضمن أسرى الحرب، ولا تسرى عليهم قواعد الحصول على تعويضات مقابل الإصابات أو غير ذلك، وينحصر وضعهم القانوني في إطار القوانين المدينة أو الطبيعية للدول المعنية.
 
وهناك أيضاً تحد يتعلق بالصورة النمطية لأنشطة الأمن الخاص في نظر شريحة ليست قليلة من سكان مناطق النزاع وما بعد النزاع، حيث يتشكك هؤلاء في وجود مصالح لهذه الشركات في الإبقاء على وضعية الاضطراب باعتبارها ضمانة لاستمرار هذه الشركات، وتٌروج لها صور نمطية سلبية بغض النظر عن حقيقة ما يدور في تلك المناطق، ما يضع تحديات كبيرة أمام هذه الشركات لنفي صفة «السلعة» عن أنشطتها، وإعادة صياغة رسالتها ضمن الأطر الإنسانية والحمائية والنأي بنفسها عن الصورة النمطية السائدة للميلشيات المسلحة وأمراء الحرب والعصابات، وبما يضمن لها صورة إيجابية وانخراطاً سوياً في المجتمع الدولي.
 
 ورغم ما سبق من تحديات، فإن الواقع يشير إلى أن الجهود الدولية تتجه إلى تقنين وضعية أنشطة الأمن الخاصة، وسن تشريعات تضمن السيطرة القانونية على الأطر والبيئات التي تعمل فيها هذه الشركات، وهو الذي يندرج ضمن ما يمكن تسميته بالحدود التي تفصل الخدمات العامة للدولة والخدمات التجارية للقطاع الخاص، وهي منطقة توصف بـ «الرمادية» كونها تفتقر إلى ما يعتبره خبراء معايير للمساءلة والتنظيم القانوني في معظم الأحيان.
 
ورغم التحديات، فإن الواقع يؤكد تنامي دور شركات الأمن الخاصة أو مقاولي الأمن، بل إن دورهم يبدو في بعض الأحيان ملحاً، خصوصا عندما تبرز الحاجة إلى تقديم مساعدات إنسانية في مناطق ما بعد النزاع كما ذكرت، وحيث لا توجد حماية أمنية حكومية كافية لفرق الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وهو ما تركز عليه هذه الشركات في الترويج لأعمالها والسعي لفتح نطاقات جديدة له، إذ يحرص بعض هذه الشركات على نشر إعلاناتها الترويجية مع التركيز على دورها في إحداث التغيير وتقديم الأمل للبؤساء في الأوقات العصيبة.
 
وبشكل عام فإن المرحلة الراهنة في العلاقات الدولية تتسم بمظاهر متباينة ولكنها ذات صلة وثيقة بمفهوم سيادة الدولة، وبشكل أوضح إذا كانت الشركات العسكرية الخاصة في نظر بعض الباحثين تمثل تهديداً لمظاهر هذه السيادة وانتقاص منها، فإن باحثون آخرون يرون أنها باتت أمراً واقعاً لا فكاك منه وتمليه طبيعة التحديات المتغيرة في القرن الحادي والعشرين، ومن ثم يرون أن معالجات ذلك وتوصيفاته المفاهيمية تنطلق من القاعدة القائلة بأن احترام حقوق الإنسان بشكل عام بات أحد مظاهر الدول المعاصرة، وأن الإنسان محمياً في أوقات النزاعات المسلحة دولية كانت أو غير دولية بمقتضى أحكام القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي العرفي والوثائق الدولية وغير ذلك من معايير لا يجوز مخالفتها باعتبارها من النظام الدولي العام.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره