مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-07-07

اسس تميز الإمارات في مكافحة وباء كورونا

شكل فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) منذ ظهوره في الصين أواخر العام الماضي، وانتشاره إلى باقي دول العالم بدرجات وأشكال مختلفة، اختباراً جدياً لقدرات وسياسات كثير من دول العالم وكفاءة حكوماتها ونظمها السياسية في التعامل مع الأزمات وإدارتها بالشكل العلمي السليم، حيث تباينت الخطط والاستراتيجيات التي اتبعتها الدول في إدارة هذه الأزمة، بالرغم من تشابه كثير من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها.
 
 
بقلم : امل عبدالله الهدابي  
 باحثه وكاتبة اماراتية 
 
وكان لافتاً هنا أن دولاً متقدمة تكنولوجيا وطبيا وغنية اقتصادياً، تعرضت لانتقادات كبيرة بعدما بدا أنها لم تكن مستعدة للتعامل مع أزمة بهذا المستوى، أو أنها لم تدر الأزمة بالشكل المناسب ما ترتب علىه تحولها إلى بؤر لتفشي الوباء في العالم، فيما قدمت دول أخرى، بعضها متقدم وبعضها نامي، نماذج رائدة في كيفية التصدي لهذه الأزمة وإدارتها بالأسلوب الأمثل.
 
 
وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة، إحدى الدول التي قدمت نموذجاً رائداً ومتميزاً في إدارتها لهذه الأزمة عالمية الطابع والتأثير حيث جعلت الإدارة الحكيمة للأزمة، الدولة في مأمن من هذا الخطر، وجعلها من أقل دول العالم تأثراً بالوباء، فحتى تاريخ 6 يونيو 2016، بلغ إجمالي عدد الإصابات نحو 38 ألف إصابة، فيما لم يتجاوز عدد الوفيات 275 حالة، وبنسبة وفيات إلى إجمالي الإصابات لم يتجاوز %0.7 وهي من أدنى النسب في العالم.
 
 
مظاهر تميز النموذج الإماراتي في مواجهة جائحة كوفيد-19 وريادته عالمياً، متعددة وكثيرة لكن أبرزها من وجهة نظري ثلاثة أمور:
 
 
الأول، هو التحرك الاستباقي: فأهم ما يميز دولة الإمارات وقيادتها الرشيدة هو تخطيطها الدائم للمستقبل، فهي تخطط للحاضر، لكن عينها دائماً على المستقبل، حيث تضع السيناريوهات المختلفة لتطور كل مجال من المجالات، والخطط الاستباقية للتعامل مع كل سيناريو. وظهر هذا جلياً في استثمارها منذ عشرات السنوات في تطوير القطاع الصحي والارتقاء به، وهو الاستثمار الذي أظهرت هذه الأزمة مدى نجاعته وفاعلىته، حيث استفادت الإمارات من البنية التحتية الصحية المتطورة التي أسستها على مدى هذه السنوات في إجراء الفحوص، وتوفير الرعاية الصحية للمصابيين بدرجة عالية من الكفاءة، مما قلل من أعداد الإصابات وقلل بصورة كبيرة من أعداد الوفيات التي تكاد لا تذكر مقارنة بكثير من دول العالم المتقدمة.
 
 
وتمثل هذا النهج الاستباقي أيضاً في التحرك المبكــر من قبل الدولــة للتعامل مع هذه الأزمــة ومنــع انتشـــار الوبـاء في أراضيهــا، حيث اتخذت الدولة مجموعــة من الإجــراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المناسبة لها، سواء من خلال تأهيل المؤسسات الصحية والمستشفيات وتزويدها بكافة الإمكانيات التي تساعدها على التعامل مع أية حالات إصابة محتملة، وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة ، والتحرك الحاسم والسريع والشفاف في التعامل مع الحالات التي يتم اكتشافها وتقديم الرعاية الصحية المناسبة لها، وفرض العزل والحجر الصحيين على المشتبه بإصابتهم بالفيروس. 
 
 
وتمــــــــيز النهـــــج الإمـــــاراتي في هــــذا الصــدد بميزتــين أخرتـــين، الأولى هي التوسـع الكبير والمبكر في إجـراء الفحـوصــات الطبيـــة، والذي جعل الإمارات تتصدر دول العالم في عدد الفحوص الطبية نسبة إلى عدد السكان، حيث تجاوز عدد هذه الفحوص حاجز الـ 2.5 مليون فحص على مستوى الدولة حتى مطلع يونيو 2020. كما قامت بتأسيس أكبر مختبر لتشخيص “كورونا” في العالم خارج الصين، وتشغيله خلال 14 يوماً فقط في تطور أظهر مرونة وقدرة الدولة على التعامل مع التحديات الجسام. والثاني، هو دخول الإمارات بقوة في سباق التنافس العالمي الرامي إلى اكتشاف علاج لهذا الفيروس والوقاية منه، وحققت إنجازاً علمياً عالمـياً بتوصلها إلى ابتكار عــلاج جديد باستخدام تقنية الخلايا الجذعيـــة، وكذلك تطويــرهـا تقنيـــة جديــدة لاكتشــاف الفيروس بسرعة في عمليات الفحص باستخــدام أشعـة الليزر، وهـو إنجـاز يعـزز ريـادة الدولــة عالمـياً في المجالات الطبية والعلمية.
 
 
المظهــر الثـاني، هـو التعامل الشامل مـع مختلف جــوانب الأزمــة، فالدولـة لم تقتصـر في تعاملها مع الأزمة على الجانب الصحي فقط، وإنما تحركت لمعالجة تداعيات الأزمة على كل المستويات الأخرى الاقتصاديـــة والاجتماعيـــة والسياسيـــة، فعلى المستــوى الاقتصــادي، أقرت الدولـــــة حـزم مساعــدة اقتصـاديــة ضخمــة لدعــم الاقتصاد الوطني، ومساعدة الأفراد والشركات المتأثرين بالأزمة، وسرعت منوتيرة إنجاز العديد من المشروعـــات والمبــادرات الاقتصاديــة المهمة بهدف دعـم الأنشطـة الاقتصاديـة وخفض تكاليف المعيشة وتسهيل ممارسة الأعمال. كما استفادت الدولة من البنية التكنولوجية التحتية القويــة التي استثمــرت فيهــا لسنوات طويلة لتنفيذ مبادرة العمــل عـن بعــد، والتي ضمنت استمرار النشاط الاقتصادي مع الالتزام بالإجــــراءات الصحيــــة. واستفادت أيضاً من هذه البنية التحتية في دعم مبادرة التعلىم عن بعد التي ضمنت استمرار التعلىم مع الحفاظ على صحــة الأطفــال وضمــان حمايتهم.
 
 
وعلى المستوى الاجتماعي، وضعت الدولة العديد من الضوابط والإجراءات الاحترازية لتطبيق سياسة التباعد الاجتماعي، وحماية الفئات الأضعف، ولاسيما كبار السن والأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة. كما أقرت العديد من الخطط الإعلامية والمبادرات الرسمية والمجتمعية لتوعية الرأي العام بخطر هذا الفيروس وكيفية التعامل معه، وطرق الوقاية الصحيحة منه. ومن أهم هذه المبادرات إطلاق الهـيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، المنصة الإلكترونية الوطنية «وقاية» بهدف التعريف بالإجراءات الصحية والوقائية، التي يجب اتباعها لسلامة وصحة الأفراد من أية أمراض أو أوبئة.
 
 
وعلى المستوى السياسي، تحركت الإمارات بفاعلىة لتعزيز التعاون مع مختلف القوى الدولية والإقليمية بهدف تنسيق جهود مواجهة هذا الوباء العالمي، وتجسد ذلك بوضوح في الاتصالات المكثفة التي أجراها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مع العديد من قادة دول العالم والمسؤولين الدوليين لبحث سبل تحقيق التضامن الدولي في مواجهة هذا الوباء، وتقديم المساعدات اللازمة للدول المتضررة. كما قامت الدولة، في مبادرة إنسانية رائدة، بنقل رعايا عدد من أبناء الدول الأخرى من مدينة ووهان الصينية، وأنشأت لهم مدينة متكاملة وهي مدينة الإمارات الإنسانية لتوفير الرعاية الصحية لهم حتى إعادتهم إلى بلدانهم بعد التأكيد من خلوهم من الإصابة بالفيروس وعلاج المصابيين منهم. وقد قوبل هذا النهج بتقدير كبير للإمارات وقيادتها على المستويين الشعبي والرسمي في العديد من دول العالم.
 
 
المظهر الثالث، هو التخطيط لمرحلة ما بعد الأزمة. فكما أشرت آنفا، فإن أهم ما يميز سياسة الإمارات هو رؤيتها المستقبلية، وقد تجسد ذلك بوضوح في الاجتماع الذي عقدته حكومة دولة الإمارات عن بُعد في الفترة من 10 - 12 مايو 2020 تحت عنوان: «الاستعداد لمرحلة ما بعد كوفيد – 19»، بهدف تطوير منظومة العمل الحكومي في الدولة، ووضع استراتيجية الدولة لمرحلة ما بعد فيروس كورونا المستجد «كوفيد – 19». فبينما كان العالم منشغل بمواجهة هذه الجائحة، كانت دولة الإمـــــارات تخطط لمرحلة ما بعد الوباء. وهذا يوضح كيف تفكر قيادة الإمارات الرشيدة، وكيف تنظر للمستقبل حتى في قلب الأزمات، وهذا هو سر تميز الإمارات وريادتها دائماً.
 
 
هذه المظاهر وغيرها تفسر لماذا أصبحت إدارة الإمارات لأزمة جائحة كوفيد-19 نموذجاً يحتذى لكل العالم في كيفية إدارة الأزمات، وتعطي برهاناً آخر على أن دولتنا وقيادتنا الرشيدة، ماضية بقوة وبثبات في مسارها نحو تحقيق الريادة العالمية..
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره