مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-09-01

الأمن البحري في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.. تحديات متزايدة وجهود محدودة التأثير

جاء تصاعد الهجمات على السفن التجارية وناقلات النفط البحرية بمنطقة البحر الأحمر وجنوب باب المندب ليثير التساؤل حول الأمن البحري في واحد من أهم الممرات المائية في العالم،   وهو التساؤل الذي ينطوي بدوره على سؤالين فرعيين يتعرض أولهما لأبرز التحديات التي تواجه الأمن البحري وتهدد حركة الملاحة العالمية في هذه المنطقة، في حين يتعرض ثانيهما لمدى نجاعة الآليات المُتبعة والجهود المبذولة من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية لمواجهة التحديات ومن ثم إحلال الأمن البحري بالبحر الأحمر وجنوب باب المندب. 
 
بقلم: هاني الأعصر
باحث متخصص في شؤون الأمن القومي - المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات ـــــ القاهرة 
 
أولاً: الأمن البحري قبالة سواحل القرن الأفريقي وفي البحر الأحمر.. تهديدات متزايدة
  تشير الحوادث التي تتعرض لها ــــــ مؤخراً ــــــ السفن المارة قبالة سواحل القرن الأفريقي وفي البحر الأحمر إلى أن التهديدات التي تواجه الأمن البحري في هذه المنطقة تتزايد بشكل ملحوظ؛ فبخلاف تصاعد التهديدات المعروفة سلفاً كالقرصنة والإرهاب البحري والتي كانت قد استحضرت الوجود العسكري الخارجي بالمنطقة، شهدت الأشهر والأسابيع الأخيرة بدء حوادث الاعتداء على السفن التي تشير إلى تحول المنطقة لساحة للمواجهات المسلحة غير المُعلنة بين بعض الأطراف الإقليمية المتنافسة، وفي هذا السياق: 
 
لا تزال ظاهرة القرصنة حاضرة قبالة سواحل القرن الأفريقي؛ لاسيما أمام سواحل الصومال التي عاد قراصنتها لإستهداف السفن التجارية بعد تطوير أجهزتهم التي باتت تمكنهم من التشويش على أجهزة الملاحة الخاصة بالسفن، وذلك برغم تطبيقها لإرشادات المنظمة البحرية الدولية (MIO) بشأن إدارة المخاطر السيبرانية البحرية والتي بدأ تفعيلها مع بداية العام الجاري، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بالهجوم الذي نفذه منذ أيام مجموعه من القراصنة قبالة سواحل العاصمة الصومالية مقديشو ضد إحدى سفن الشحن التركية بغرض خطفها؛ بحسب ما ذكرت منظمة التجارة البحرية البريطانية. 
 
تصاعد معدل عمليات الإرهاب البحري التي عادت من جديد لتستهدف سفن الشحن والإغاثة وناقلات البترول بالإضافة إلى السفن الحربية، وذلك بعدما انتهج الحوثيون ـــــ منذ اندلاع الحرب في اليمن ـــــ استهداف السفن المملوكة للدول الداعمة للشرعية عند مرورها بالقرب من السواحل اليمنية؛ وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت الجماعة ـــــ خلال السنوات الماضية ـــــ مسئوليتها عن استهداف عدد من السفن والقطع البحرية كالسفينة الإماراتية “سويفت - 2” والمدمرة الأمريكية “يو أس أس مايسون” وناقلة النفط السعودية “أرسان” والفرقاطة السعودية “المدينة 702”، هذا بالإضافة لعدد من المنشآت البحرية كميناء المخا ومنشأة تعبئة النفط في “جازان”. 
 
امتدت الأنشطة التخريبية المتبادلة بين بعض الأطراف الإقليمية إلى المنطقة؛ وعلى رأسها إيران واسرائيل، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بقيام الأخيرة بإستهداف السفينة “سافيز” التي ترفع العلم الإيراني بواسطة لغم مغناطيسي تم ثبيته على أحد أطراف قاعدة السفينة؛ بحسب ما نقله مسئول أمريكي رفيع المستوى لصحيفة “نيويورك تايمز”، مشيراً إلى أن اسرائيل اعتبرت هذه العملية رداً مناسباً لقيام إيران بإستهداف عدة سفن اسرائيلية قبل ذلك، كما يمكن الاستدلال عليه ـــــ أيضاً ــــــ بواقعة استهداف سفينة الشحن الإسرائيلية “تيندال” ــــــ خلال رحلتها من جدة إلى الإمارات ـــــ والتي أشارت وسائل إعلام اسرائيلية إلى تورط إيران في تنفيذ العملية.  
 
من ناحية أخرى؛ لا يمكن إغفال الأثار السلبية المتوقعة للتنافس الإقليمي والدولي على الاستحواذ والسيطرة على الموانئ البحرية الموجودة بالمنطقة والذي احتدم منذ بدأت الصين تحركاتها الرامية لفرض سيطرتها على أهم الموانئ التي تطل على أحد الطرق البحرية لمبادرة «الحزام والطريق»، لاسيما وأن هذه التحركات لم تولي اهتماماً لا بإظهار حرص «بكين» في الحفاظ على التوازن بين الأطراف الإقليمية والدولية؛ ولا بمراعاة مصالح الغير، وهو ما يمكن الاستدلال عليه ببعض الممارسات؛ وفي المقدمة منها التعاقد لإدارة «مرفأ دوراليه للحاويات» في أعقاب قيام جيبوتي بإنهاء تعاقدها مع شركة موانئ دبي العالمية للغرض ذاته بشكل غير قانوني، الأمر الذي أثار مخاوف أطرافاً إقليمية ودولية عديدة؛ خاصة وأنة جاء بعد أشهر من الإعلان عن افتتاح أول قاعدة عسكرية صينية بالخارج ومقرها جيبوتي، وهي أمور تتزايد درجة خطورتها في ضوء تنامي الوجود العسكري الأجنبي بالمنطقة.
 
كما تأتي هشاشة الأوضاع الأمنية للدول الواقعة سواء في جنوب البحر الأحمر أو في جنوب باب المندب لتشكل مناخاً ملائماً لتزايد حجم التهديدات التي تواجه الأمن البحري في هذه المنطقة؛ ومن ثم الأثار المترتبة عليها، خاصة وأن الأوضاع الأمنية لهذه الدول لا تكتسب هشاشتها من الصراعات التي تدب في أغلبها أو على حدودها فحسب، بل تكتسبها أيضاً من تراجع قدراتها الأمنية للنحو الذي يحول بينها وبين فرض الأمن البحري. 
 
ثانياً: المقاربات والجهود الأمنية المبذولة.. تأثير محدود
ارتبط السواد الأعظم من المقاربات والجهود الأمنية التي بذلتها أطرافاً إقليمية ودولية عديدة في سبيل تحقيق الأمن البحري بالبحر الأحمر وجنوب باب المندب ببزوغ التحديات التي وجدوا فيها تهديداً لمصالحهم، وهو ما ظهر بوضوح في التحركات اليمنية ــــــ في إطار جامعة الدول العربية ــــــ والتي ارتبطت بإنهيار دولة الصومال وما رأته اليمن ـــــ وقتها ـــــ من تداعيات سلبية لهذا الانهيار سواء على أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي أو على أمنها القومي جراء تدفق اللاجئين الصوماليين إليها عبر البحر، وكذلك القرارات التي بدأ مجلس الأمن في إصدارها منذ 2008 لمواجهة أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية والتي وفرت الإطار الشرعي للوجود العسكري الخارجي قبالة سواحل القرن الأفريقي، ثم مدونة سلوك جيبوتي لعام 2009 والتي جرى صياغتها بغرض مواجهة القرصنة البحرية في خليج عدن وغرب المحيط الهندي وبدأت بدول القرن الإفريقي؛ قبل أن تنضم إليها الدول المشاطئة للبحر الأحمر، وآخرى غير مشاطئة كسلطنة عمان وجنوب أفريقيا وموريشيوس وموزمبيق، أضف إلى ذلك الجهود التي بذلتها كل من القاهرة والرياض عقب تلغيم البحر لإنشاء منظومة لأمن البحر الأحمر والتي لم تسفر إلا عن تعاون عسكري قادهم لحلحلة الأزمة، وكذا الدعوة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية لتأسيس منتدى البحر الأحمر والتي ارتبطت بتصاعد التهديدات الإيرانية في هذه المنطقة؛ وأسفرت رغم تعثرها عن انطلاق التدريب البحري المشترك «الموج الأحمر».
 
وبالنظر إلى النتائج التي أسفرت عنها كافة المقاربات والجهود المبذولة في هذا الإطار؛ نجد أن ثمة إخفاقاً واضحاً قد صادفها ومن ثم حال دون تحقيقها لأي من أهدافها المُعلنة، وذلك بإستثناء العمليات العسكرية التي نفذتها القوات البحرية لبعض الدول بغرض مواجهة القرصنة كالعملية «أتلانتا» والتي لم يتجاوز نجاحها حدود تحجيم نشاط القراصنة لسنوات قليلة منذ 2012، ففي حين تعطلت الجهود اليمنية المبذولة لإنشاء المنظومة العربية للأمن البحري جراء إلغاء الاجتماع الذي حدد مجلس السلم والأمن العربي يناير 2008 موعداً لإنعقاده في صنعاء على خلفية اندلاع أحداث غزة، تعثرت المبادرة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية نتيجة للتحفظات التي أبدتها إريتريا وأشارت في معظمها إلى وجود قصور في عمليات التشاور بشأن المسائل الإجرائية؛ وعدم وضوح الأهداف الرئيسية من تكوين هذا التحالف، بينما لم تنجح مدونة سلوك جيبوتي في تحقيق ما كانت تصبو إليه جراء ارتفاع مستوى التهديدات وتطور الجريمة العابرة للبحار؛ لاسيما في ظل تراجع القدرات الأمنية والعسكرية لأغلب الدول المنخرطة في المدونة. 
 
خاتمة
في الأخير؛ وبالنظر إلى تطورات المشهد الإقليمي؛ وفي المقدمة منها التحديات التي تواجه الأمن البحري في البحر الأحمر وجنوب باب المندب، نجد أن ثمة ضرورة لصياغة مبادرة إقليمية قادرة على تعزيز الأمن البحري في هذه المنطقة؛ سواء عبر تفكيك التحديات التي تواجهه ومن ثم تشكل تهديداً له؛ مع الأخذ في الاعتبار التجارب السابقة وما انطوت عليه من نقاط ضعف، أو عبر تفكيك المحفزات التي تدعم وجود مثل هذه التحديات؛ وفي المقدمة منها الصراعات التي تسيطر على أغلب دول جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وما يرتبط بها من ضعف وهشاشة أمنية. 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره