مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-12-03

الأمن المناخى وخارطة صراعات المستقبل

حالة من الإضطراب الأمنى والمؤسسى إعتلت المشهد السياسي لمختلف الأقاليم الفرعية للنظام الدولى بعام 2022، وذلك بالنظر إلى ثلاث محددات ساهمت فى تضافر التوترات بالعام المنصرم، حيث، أولا: الإنعكاسات المباشرة وغير المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية على إضطراب الأنظمة والمؤسسات السياسية في عدة دول حول العالم مقابل إجتياز الشرق الأوسط فخ الانزلاق بـ»صراع الوكلاء» بين القوى العظمى الرامي لعودة نظرية «الكولونيالية القطبية»، وثانيا: تباطئ سياسات التعافى الاقتصادى بكافة المجالات الحيوية بمختلف دول الاقاليم الفرعية جراء أزمة «كوفيد- 19»، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الغذاء والطاقة وتصاعد معدلات التضخم. وثالثا: إضطراب السياسات النقدية عالميا خاصة مع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة مقابل تباطؤ النمو الصيني، وهو ما قد يدفع بتزايد التوقعات حول التخلف عن السداد السيادي والاضطرابات الاجتماعية برغم الأدوار المتباينة للأسواق الناشئة لموازنة إضطراب السياسات النقدية عالميا.  
 
 
بقلم: د. إيمان زهران 
 
 
وإنطلاقا من تلك الفرضية “التهديدات الحيوية للقضايا البيئية”، أصبح هناك الحاجة لفهم المخاطر الأمنية المتصلة بذلك وفى مقدمتها “التغيرالمناخى”، ومسارات الإستجابة التى باتت من أهم الأولوليات الاستراتيجية على المستويين الوطنى والدولى. خاصة مع إختلاف الآثار المتباينة لتلك المخاطر على مختلف الأقاليم الفرعية بالنظام الدولى على نحو ما يستدعى عدد من التساؤلات والتى ترتبط بأمننة المناخ، وحدود تأثير تلك التهديدات البيئية على المستويات الأمنية الوطنية/ القومية والدولية، وما يرتبط بإشكالية “مجابهة المخاطر” والتناول الأممى لمعضلة الأمن المناخى، ومدى إرتباط “مُعضلة المناخ” بخارطة الصراعات المستقبلية. وذلك بالنظر إلى النقاط التالية:  
 
 
أولا- ماهية الأمن المناخى – Climate Security:  
فرضت التغيرات المتسارعة فى طبيعة التهديدات الأمنية غير التقليدية، إستدعاء مفاهيم حديثة ومعقدة ذات أبعاد متعددة لما لها من تداعيات متباينة على مختلف الأصعدة. ويأتى فى مقدمة ذلك ما يتعلق بـ «التغير المناخى»، وإنعكاساته المباشرة على مستويات الأمن المائى، والغذائى، والإنسانى، والصحى، والسياسي، والاقتصادى، وكذلك إنعكاس التطرف المناخى على الأمن بمفهومة التقليدي بما قد يُنذر بتنامى الصراعات على إختلاف أشكالها، وتهديد الأمن والسلم سواء على المستوى القومى للدول، أو على المستويين الاقليمي والعالمى. 
 
 
إنطلاقا من ذلك، أصبح هناك الحاجة لبلورة ما بات يُعرف بـ «الأمن المناخى» باعتباره حجر الزاوية لفهم المخاطر الأمنية الناتجة بشكل مباشر أو غير مباشر عن التغيرات المناخية، وساهم فى ذلك الأمر عدد من المؤشرات الداعمة – أكاديميا وسياسيا – وذلك من خلال:
 
 
المؤشرات الأكاديمية:  ما تضمنة تقرير «بروندتلاند» الصادر عام 1987 من الإشارة الواضحة لـ «الأمن المناخى»، وحجم المخاطر والتهديدات المباشرة وغير المباشرة على كافة مجالات الأمن القومى والعالمى.  
ما إنتهت إليه مجموعة جاسون الاستشارية خلال السبعينيات والثمانينيات فى أبحاثها المعنية بالتغير المناخي، وتصنيفهم له بكونه «عامل مضاعف للأخطار».
ما أشارت إليه العديد من الأبحاث والتقارير الدولية خلال السنوات الأخيرة من وجود علاقة إرتباطية بين التغير المناخى والإختلال الأمنى ، فعلى سبيل المثال: « نشرت مجلة Nature ما إنتهى إليه عدد من الباحثون من أن تكثيف التغير المناخى من المُرجح أن يزيد من المخاطر المستقبلية للصراع المسلح داخل البلدان، مقدرين أن تهديدات المناخ قد أثر على ما بين 3 - 20% من مخاطر الصراع المسلح خلال القرن الماضى. وأشارت الدراسة أنه إذ لم يتم تفعيل آلية “الأمن المناخى” فإن خطر العنف/ الصراع الناجم عن التطرف المناخى سيصبح خمسة أضعاف ما هو عليه بالوقت الحالى.  
وإستنادا إلى التقارير والدراسات الأكاديمية حول التهديد البيئي وما يتعلق بأطر «الأمن المناخى»، تأتى التطبيقات السياسية للتحرك نحو»مجابهه الأخطار»، ومحاول تطويق تلك التهديدات وإنعكاساتها المتباينة على «حالة الأمن» بكافة المستويات الوطنية والاقليمية والدولية.
 
 
المؤشرات السياسية: 
تزايد الإدراك الأممى داخل المنظمات الاقليمية والدولية لحجم التهديدات المناخية وآثارها على تنامى حدة الصراعات والنزاعات المسلحة فى عدد من مناطق العالم، فعلى سبيل المثال: أقر مجلس الأمن فى إحدى جلساته أن التغير المناخى هو أحد العوامل الرئيسية التى تؤثر على استقرار الدول. 
تأسيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ «IPCC”، عام ‎1988‏، لتقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتهديدات المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة على الأمن القومى والعالمى الشامل، وتعيين استراتيجيات التصدي لهذا التغير.
 
 
تزايد مراكز الفكر  think tank والتى تعمل بشكل رئيسى فى توجيه صانع القرار نحو قضايا “الأمن المناخى” ودعم الخطاب المرتبط بذلك الملف، أبرزها: مركز المناخ والأمن بالولايات المتحدة الأمريكية «The Center for Climate and Security-CCS”، وكذلك معهد ستوكهولهم الدولى للأبحاث السلام  “Stockholm International Peace Research”. 
إنطلاق الإستراتيجية الخاصة بإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام التابعة للأمم المتحدة 2020 – 2022، حيث تضمنت التعامل مع التغير المناخى بإعتبارة عاملاً محفزاً للصراع. 
إنشاء الأمم المتحدة لآليات عمل أممية تختص بمعضلة “الأمن المناخى” عبر ثلاث هيئات تابعة لها “إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام – برنامج الأمم المتحدة الإنمائى – برنامج الأمم المتحدة للبيئة”، ودمج اعتبارات المخاطر المناخية عبر منظومة الأمم المتحدة منذ عام 2018، كأحد أهم المؤشرات الداعمة لإحتمالات تصاعد تهديدات التغيرات المناخية للأمن والسلم الدوليين.  
الإهتمام بتفعيل الآليه الدبلوماسية على المستويات الوطنية لإستدراك إشكالية “الأمن المناخى”، فعلى سبيل المثال: إستحداث الرئيس الديموقراطى جو بايدن منصب “مستشار الرئيس الأمريكي للمناخ”، وتم تخصيص مقعد له بمجلس الأمن القومى الأمريكي، وذلك فى ضوء تصنيف الرئيس بايدن لتغير المناخ بإعتبارة تهديداً وجوديا.  
 
 
ما يسعى له المجتمع الدولى حاليا – وبصورة دورية– من تسليط الضوء على إشكالية “الأمن المناخى” وتناول أبعادها وحجم إنعكاساتها المباشرة وغير المباشرة خلال فعاليات مؤتمرات الأطراف المعنية بتغير المناخ (COPs)، وهو ما إنتهت إليه القاهرة بتوصياتها خلال إستضافتها لـ “COP27”، وما سيتم تقييمة والبناء عليه إبان إستضافة دولة الإمارات للنسخة الحالية “COP28”- نوفمبر 2023.
تأسيسا على ذلك، تفرض التهديدات القائمة ما يُعرف بـ «أمننة المناخ»، أى إضفاء الطابع الأمني على قضية تغير المناخ، وجعلها على رأس أولويات أجندة الأمن القومي للدولة الوطنية، والنظام الدولى ككل، إذ تنصرف ماهية «الأمن المناخى» إلى الإنتقال بقضية التغيرات المناخية من مناقشات «السياسات الدنيا- Low Politics”  والتى تعتمد على الأطرر التى تحددها قواعد الديمقراطية والشفافية وإجراءات اتخاذ القرار،  إلى مناقشات “السياسات العليا- High Politics” والتى تتميز بالطابع الاستثنائى والأولويات العاجلة والمُلحة. 
 
 
ثانيا- آثر التهديدات المناخية على المستويات الأمنية:
تُثير مُعضلة «الأمن المناخى» العديد من المخاوف حول تداعياتها المباشرة وغير مباشرة على حالة الأمن بمختلف أبعاده الانسانية والمجتمعية والجيوسياسية والاقتصادية وذلك على كافة المستويات الوطنية والدولية، وهو ما يتضح بالنظر إلى ما تضمنة مؤشر «المخاطر المناخية» الصادر عن اليونسكو عام 2022 .. وذلك على النحو التالى:   
يُشير “مؤشر المخاطر المناخية” إلى التهديدات القائمة والمُحتملة لـ”حالة الأمن” بمختلف الأقاليم الفرعية بالنظام الدولى، خاصة للدول المأزومة سياسيا واقتصاديا، والدول ذات الهشاشة الاجتماعية. إذ يُعد التطرف المناخى بمثابة “عامل مضاعف للتهديدات– Threat Multiplier” وذلك بالنظر إلى التداعياته المتباينة للتهديدات المناخية على مستويات الأمن، حيث:  
التداعيات السلبية لأنماط الطقس المتقلبة، سواء بالتغير فى معدلات هطول الأمطار أو درجات الحرارة، والذى من شأنه أن يُعيد تشكيل «المشهد الإنتاجى» لمناطق بأكملها. مما قد يدفع بأزمة فى مستويات تأمين الغذاء والمياه والطاقة.  
 
 
إنعكاس التطرف المناخى على تنامى الهجرات غير النظامية، وإضطراب الهيكل السكانى الداخلى، وإرتداد ذلك لخارج حدود الدولة الوطنية.  
ما يتعلق بتكفلة “الكوارث الطبيعية”، ومدى تكيف الدول الوطنية وقدرة مورادها على تحمل عبء تلك الكوارث مثل الفيضانات أو الأعاصير أو الجفاف والتصحر.  
إنعكاس التغيرات المناخية على الأوضاع الصحة، فعلى سبيل المثال: قد تؤدى الظواهر المناخية لحدوث طفرات مرضية معينة، أو إنتشار بعض الأمراض المعدية على نطاق واسع . 
بالسياق ذاته، ففى حال إذ ما اقترن تداعيات «التطرف المناخى» السابق ذكرها بعوامل أخرى لهشاشة الدولة، سيزيد ذلك من حجم التهديدات الرئيسية لمنظومة الأمن الشامل على المستوى الوطني القومي، وذلك بالنظر إلى ما يلى:  
 
 
هشاشة الأوضاع السياسية للدولة: تنتهى إلى ما يُعرف بـ «أزمة الشرعية»، وهى تلك الأزمة التى أضحت ملفاً قائماً على أغلب طاولات الدول المأزومة بالشرق الأوسط وإفريقيا، وإرتداتها المتباينه على التعامل الوطنى مع «التهديدات المناخية»، فضلا عن الوقوع بإشكالية من يحق له تمثيل الدولة الوطنية فى المؤسسات الاقليمية والدولية المعنية بـ «أمننة المناخ»؟!.  
القصور فى الحوكمة الذاتية للموراد: تنصرف تلك الفرضية إلى تباطؤ النمو الاقتصادى فى ظل محدودية الموارد، فضلا عن ضعف قدرة مؤسسات الدولة على تلبية إحتياجات المواطنين وتوفير الاساسيات من أمن غذائي ومائى، وتأمين الأوضاع الصحية، ومعيشية.
 
 
الإنقسام المجتمعى: تُبنى على فكرة الاختلافات الجهوية والقبلية والطائفية، وتآكل المجتمعات المحلية، إذ يُشكل الإنقسام المجتمعى بالدولة مدخلا لتفتت الأجندة الوطنية، وعاملا محفزا لتهديد الأمن القومى للدول عبر إذكاء الصراعات الدخلية. فعلى سبيل المثال: أكثر من 1.2 مليون شخص من جميع أنحاء القارة الإفريقية لقوا مصرعم فى صراع أهلى ممتد من عام 1989 وحتى عام 2018، وهى الفترة التى شهدت إنخفاض فى هطول الأمطار السنوى إلى أقل من تقديرات المتوسط . 
 
 
ثالثا-  التهديدات المناخية وخارطة صراعات المستقبل:
تُشير العديد من الدراسات إلى العلاقة الإرتباطية ما بين ندرة الموارد وتصاعد أنماط الصراع المسلح خاصة بالدول المازومة أو ذات الهشاشة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. إذ تضفى «إرتدادات المناخ» نقاطاً إضافية على أعباء تلك الدول. فعلى سبيل المثال: تُعد موجات الجفاف التى ضربت سوريا خلال الفترة من 2006 – 2011 أحد أهم الأسباب المحفزة لإندلاع الحرب الأهلية، حيث أدت بدورها إلى إرتفاع معدلات الفقر مما دفع السكان للهجرة إلى أطراف المدن الرئيسية التى تعانى من الاكتظاظ السكانى. مما فاقم الضغوط على البنية التحتية المتهالكة وأدى بدورة إلى تأجيج الاضطرابات المدنية والحرب الأهليه، ولحق بذلك تنامى عدد من الإضطرابات المماثلة فى كل من لبنان وإيران واليمن والعديد من الدول الإفريقية.  
بالسياق ذاته، فثمة خمسة إرتدادات لحالة «التهديدات المناخية»، تعمل بدورها كمحفزات وسيطة وحاسمة لخارطة الصراعات المنظمة بالمستقبل، وذلك بالنظر إلى:  
 ما يتعلق بمتوالية إنخفاض دخل الدولة الوطنية الناتج عن ندرة الموارد الطبيعية، وإرتدادتها السلبية على توفير الإحتياجات الأسياسية للمواطنين. 
تنامى حدة التنافس على الموارد الطبيعية بالمجتمعات المحلية غير المتجانسة، وإرتفاع حدة الانقسامات الاجتماعية، أو الدينية، أو الجهوية والعرقية.
ما يتعلق بالعلاقة الإرتباطية بين ندرة الموارد فى مجتمعات “اقتصاد الكفاف” وإرتفاع معدلات البطالة، وفقدان سُبل العيش، وتدنى النشاط الاقتصادى، وإنعكاس ذلك على إرتفاع معدلات الفقر ومن ثم إرتفاع معدلات الجريمة.  
 
 
ظهور مفهوم “اللاجئ البيئي”، وإنعكاس ذلك على مزيد من الضغوط فى المجتمعات المُستقبلة. وما يلحق بذلك من تنامى معدلات التطرف والعنف وخطابات الكراهيه والانقسام المجتمعى. 
مقايضة خطاب “الأمن المناخى” بمزيد من السيطرة وشرعنه وقبول السلطة فى بعض المناطق والأقاليم المأزومة سياسيا. وفى هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى الأنماط المتباينة لخطابات “أمننه المناخ”، وذلك بالنظر إلى خمس محددات تتلخص فى:”مستوى الخطاب الأمنى، الإطار المرجعى، طبيعة التهديد، الفاعل الرئيسي، درجة الإستجابة”، وذلك على النحو التالى:  
Source: McDonald, M. “Climate change and security: towards ecological security?”. Cambridge University Press. 2018.
 
 
الجدير بالذكر، أن ثمة اتجاهات متباينة لمستقبل العلاقة بين التغيرات المناخية وتنامى الصراعات المسلحة. ويمكن بلورة ذلك فى اتجاهين رئيسيين، حيث: 
الاتجاه الأول: يُبنى على فرضية «التأثير المباشر» بين المتغيريين، حيث: «كلما تزايدت حدة التغيرات المناخية وإرتداتها المتباينة على الموارد الطبيعية، كلما زادت حدة الصراعات المُسلحة على كافة المستويات الداخلية والاقليمية والدولية خاصة بالمناطق التى يعتمد اقتصادها بصفة رئيسية على الموارد المشتركة أو العابرة للحدود».  
الاتجاه الثانى: يُبنى على فرضية «التأثير غير المباشر»، إذ تُعد «التهديدات المناخية أحد الدوافع المحفزة للصراع بوصفها عاملاً مضاعفاً للتهديد الأمنى بجانب أسباب اخرى، مثل: هشاشة المؤسسات الوطنية، التردى الاقتصادى، الانقسام المجتمعى،..إلخ. كما يُرجح أنصار ذلك الاتجاة أن تكون التهديدات المناخية سببا فى دفع التعاون بين الجميع للخروج بأقل الخسائر، وليس فقط سبباً للصراع.  
قياسا على ما سلف ذكره، فمن من المُحتمل أن تؤثر الإضطرابات المناخية - بشكل مباشر وغير مباشر- على تتنامى خريطة الصراعات المسلحة بدول الجنوب، خاصة الدول الإفريقية المُستغلة من جانب الجماعات المُسلحة والمتطرفة مثل النيجر ونيجيريا، والدول المأزومة سياسيا بالشرق الأوسط مثل سوريا واليمن، وكذلك الدول المُستنزفة اقتصاديا وسياسيا بالقارة اللاتينية مثل كولومبيا. لما يتوافر بها من عوامل محفزة للصراع، منها: توظيف الإنقسامات المجتمعية، تنامى حالة الإضطرابات الأمنية بالنظر إلى إعادة إنتاج نمط الجماعات المسلحة بأغلب مناطق الشرق الاوسط وغرب إفريقيا، بالإضافة إلى تردى الأوضاع الاقتصادية مقابل إرتفاع النمط الإستهلاكى،..إلخ.  
 
 
بالسياق ذاته، من المُحتمل تنامى فرضية «الصراعات المُستقبلية»، فى حال توظيف ما يُعرف بـ «عسكرة المناخ» كإحدى الأنماط الحديثة لتأجيج الصراعات أو حسمها عبر إمكانية تحويل المناخ إلى مجال جديد للحروب والنزاعات المسلحة، وقد تم توظيف ذلك الأمر بالفعل إبان الحرب الفيتنامية حينما تلاعبت الولايات المتحدة بالمناخ عبر تقنيات الاستمطار لإلحاق الضرر بالجيش الفيتنامى آنذاك. وعلى آثر ذلك، فقد تبلورت إتفاقية «حظر إستخدام تقنيات التعديل البيئي» لأغراض عسكرية أو عدائية من قِبل الأمم المتحدة فى عام 1976 ودخلت حيز التنفيذ عام 1978.
 
 
رابعا- مجابهه المخاطر:  
على الرغم من فشل المجتمع الدولى فى تطويق التداعيات المتصاعدة للتهديدات البيئية، وفشل تطبيقات «الأمن المناخى» لإحتواء تلك الظاهرة وذلك بالنظر إلى:  
عدم إلزامية «إتفاقية باريس» للحد من الإنبعاثات الكربونية، فضلا عن عدم وضع آليات محددة لإلزام الدول بالوفاء بتعهداتها. 
فشل الاقتصاديات الصناعية والناشئة فى التحلل من الإعتماد على الوقود الأحفورى، أو تطوير نموذج للنمو الاقتصادى بمنأى عن التصنيع كثيف الطاقة.  
ضعف التمويل وعدم توفير تدفقات رأس المال اللازم لتأمين التمويل الكافى لمشاريع الطاقة الخضراء للاقتصاديات النامية والناشئة.  
تعقيدات التكييف مع التهديدات المناخية على المستوى التطبيقي، إذ يتطلب الأمر تغييرات اجتماعية وثقافية واقتصادية، فضلا عن فشل المنظومة الأممية فى احتواء الصراعات المسلحة وإنعكاستها المباشرة على التدهور البيئي ومن ثم إضطراب “الأمن المناخى”.  
إلا أنه بالمقابل، لازالنا نملك فرص حيوية عبر القنوات الدبلوماسية المختلفة خلال إستضافة دولة الإمارات العربية المتحدة للدورة الـ28 لمؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخى COP28 لتضمين عدد من “النقاط المُقترحة” بأجندة المؤتمر وورش العمل وحلقات النقاش تحت بند “دبلوماسية المناخ”، وذلك إنطلاقا من الاهمية النوعية لتعزيز فرضية “الامن المناخى”، وتطويق ومحاصرة إنعكاساته المتباينة على ترسيم خرائط الصراعات المسلحة بأغلب الأقاليم الفرعية بالنظام الدولى، وذلك على النحو التالى:  
 
 
إعادة تنقيح ملف «التمويل المناخى»: تُبنى تلك النقطة على أهمية تمويل المجتمعات المهمشة والأكثر عرضة لتهديدات المناخ لتحقيق ما يُعرف بـ «العدالة المناخية»، ومساندة المجتمعات المأزومة سياسيا، والنامية، وذات الإضطرابات الاقتصادية. للمساهمة فى دعم القدرات المحلية على التكييف مع المخاطر البيئية والحد من إحتمالات تأجيج الصراعات الداخلية.
تحسين أنظمة الاستجابة لسياسات «المخاطر الأمنية»: وذلك عبر تكثيف وتطوير الجهود المبذولة من جانب صانعى السياسات من قبل الدول والمؤسسات، والعمل بطريقة أكثر تكاملية ما بين كافة الأطراف المعنية سواء على المستوى الوطنى أو الدولى لإحتواء «التهديدات المناخية» على كافة المستويات الأمنية، مثل:إعادة تعريف مفهوم «الهجرة البيئية واللجوء البيئي» ودمجهم فى التشريعات الوطنية والدولية كإحدى استراتيجيات التكييف على أن تكون هناك قاعدة بيانات موحدة لتلك الحالات، وضع برامج لبناء قدرات الجماعات المحلية بالمناطق الأكثر تضررا، وتعيين آليات لحل النزاعات المحلية حال وقوعها. 
 
 
تعزيز آليات «السلام البيئي»: وذلك لإحتواء كافة التوترات والصراعات التى قد تنشأ نتيجة التهديدات المناخية، على كافة المستويات الوطنية، والاقليمية، والدولية. عبر بلورة آفاق للتعاون بين مختلف الأطراف المتصارعة على الإدارة المشتركة للموارد محل النزاع  والقضايا المناخية، وتفعيل آليات الإنذار المبكر، وتعزيز درجات الإستعداد للإضطرابات غير التقليدية للإرتدادت المناخية. 
 
الـخـاتـمـة ،،
تأتى الدورة الـ28 لمؤتمر الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخى «COP28» والتى تستضيفها دولة الإمارات العربية المتحدة فى ظل تعقيدات متشابكة بالمشهد العالمى جراء مُعضلة الأمن والمناخ. لتفرض بدورها تحدياً نوعياً إزاء كيفية مواجهه التهديدات البيئية وإرتداتها المتباينة على البؤر الصراعية المتأججة إقليميا ودوليا، والتى قد تُنذر بمزيد من الإضطراب جراء التغير المناخى، بما يستلزم معه التقييم والبناء على توصيات القاهرة إبان إستضافتها لمؤتمر الأمم المتحدة COP27، والتحرك لتدشين ميثاق أممى يُراعى من خلاله الإلزامية بإنجاز تطلعاتنا نحو “أمننة المناخ”.  
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره