مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-05-01

الأولويات الأمنية والدفاعية للولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة بايدن

الوثائق الأمريكية التي صدرت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من ولاية الرئيس جوبايدن وخاصة دليل الأمن الاستراتيجي المؤقت، والتقرير السنوي لتقييم المخاطر لعام 2021 والموازنة الدفاعية المقترحة للعام 2022 تشير في مجملها إلى أن الأولويات الأمنية والدفاعية للولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن لم تختلف عن الإدارات الأمريكية السابقة، والتي تدور في معظمهما حول مواجهة النفوذ الروسي والصيني المتصاعد في العالم، والتصدي للخطر الذي تشكله بعض الدول على المصالح الأمريكية، كإيران وكوريا الشمالية، هذا إضافة إلى مواجهة التنظيمات المتطرفة والإرهابية في المنطقة والعالم.
 
بقلم: داليا السيد أحمد
 
فيما تنطلق السياسة الأمريكية من نفس الأدوات التي تمزج بين القوة الخشنة والذكية والناعمة، وذلك بهدف الحفاظ على التفوق الأمريكي في مواجهة القوى الدولية المنافسة، وضمان المصالح الأمريكية في الخارج.
 
الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي
صدر هذا الدليل في مارس 2021، ويمكن اعتباره أول وثيقة رسمية تحدد بشكل واضح الأولويات الأمنية لإدارة الرئيس جوبايدن، حيث يتطرق إلى العديد من القضايا التي ترتبط بالأمن القومي الأمريكي، سواء فيما يتعلق بالتحديات والمخاطر او فيما يتعلق بمتطلبات الحفاظ على الأمن القومي والمصالح الأمريكية في الخارج.
 
هذه الوثيقة التي نشرها البيت الأبيض بعد 45 يوماً من تقلد الرئيس جو بايدن الحكم، أكدت على أن مستقبل الولايات المتحدة صار مرتبطاً بشكل أكبر من أي وقت مضى بالأحداث التي تقع خارجها، وتضمنت هذه الوثيقة الأدوات التي ستلجأ إليها إدارة بايدن في مواجهة التحديات والمخاطر الخارجية التي تهدد الأمن القومي الأمريكي، بداية من الدبلوماسية ومروراً بالترويج للديمقراطية في جميع أنحاء العالم، وبناء التحالفات الخارجية، ونهاية باستخدام القوة العسكرية.
 
وفيما يتعلق بالمخاطر والتحديات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي حسبما جاء في هذا الدليل، فإنها تتضمن ما يلي:
1 - التحدي الصيني : يشير هذا الدليل إلى أن الصين تشكل الاختبار الجيوسياسي الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، فالعلاقة مع بكين يطغى عليها التنافس والصراع بينما في حالات بسيطة يمكن أن تكون تعاونية، ولهذا فإن هناك  ضرورة للتعامل مع الصين من موقع قوة، لأنها هي المنافس الوحيد المحتمل القادر على الجمع بين قوته الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكيل تحد مستدام لنظام دولي مستقر ومنفتح . ويؤكد هذا الدليل على أن الولايات المتحدة سترد بحسم على الصين، ومواجهة «الممارسات التجارية غير العادلة وغير المشروعة والقرصنة الإلكترونية، والممارسات الاقتصادية التي تؤذي العمال الأمريكيين»، والعمل في الوقت ذاته على «دعم  جيران الصين والشركاء التجاريين في الدفاع عن حقوقهم في جعل الخيارات السياسية المستقلة خالية من الإكراه».
 
2 - التحدي الروسي: يشير الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي إلى أن خطر موسكو يكمن بالأساس من كونها لا تزال تصر على تعزيز نفوذها العالمي وأن تلعب دورا يتسبب في حالة من الفوضى على الساحة العالمية، كما أنها تسعى في الوقت ذاته إلى تقويض القوة الأمريكية وتعمل على الحد من قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن نفسها ومصالحها، وهذا الدور يزعزع الاستقرار على المستوى الدولي.
 
3 - إيران وكوريا الشمالية: تشكل الدولتان حسبما جاء في هذا الدليل خطراً على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، فهما يندرجان ضمن القوى الإقليمية الفاعلية الساعية إلى قدرات «تغيير قواعد اللعبة، وتشكل تهديداً لحلفاء واشنطن وشركائها وتتحدى الاستقرار الإقليمي.   
 
4 - الهجمات السيبرانية: تأتي ضمن قائمة التهديدات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي بالنظر لتزايد الاعتماد على منظومات الكومبيوتر في إدارة الخدمات العامة، ووسائل النقل، والتواصل، والأعمال المصرفية، الأمر الذي يجعل من الفضاء السيبراني ساحة لحروب المستقبل، التي تمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي.
 
5 - الجوائح وأزمات المناخ والتطرف العنيف تمثل «أكبر التهديدات» التي تواجه الولايات المتحدة والعالم بوجه عام، خاصة أن كثيرا من تلك التهديدات هي تهديدات كونية لا تعرف حدودا أو أسوارا، ويجب أن تقابل بعمل جماعي.
 
أما بالنسبة لأولويات الولايات المتحدة ورؤيتها لمواجهة هذه النوعية من التحديات والمخاطر، كما جاءت في الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي، فإنها تتضمن ما يلي:
1 -  تعظيم القوة العسكرية الأمريكية من خلال التركيز على الأسلحة الذكية ومعدات الاستطلاع الحديثة، والقوات الخاصة، والتدريب على مكافحة التمرد. حيث يؤكد هذا الدليل على أن الولايات المتحدة «لن تتردد أبدا في استخدام القوة عند الحاجة للدفاع عن مصالحها الوطنية الحيوية»، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن الدبلوماسية ستكون الملاذ الأول لتعزيز مصالح الولايات المتحدة عالميا.
2 -  ضرورة العمل مع الشركاء والحلفاء وبقية العالم في مواجهة التحديات والمخاطر الأمنية، وتقاسم أعبائها.
3 -    توسيع الاتفاقات التي تساعد على الحد من انتشار الأسلحة النووية.
4 -   تعزيز تحالفات الولايات المتحدة  مع الناتو، وأستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، والسعي إلى تعميق العلاقات مع نيوزيلندا، وسنغافورة، وفيتنام، ودول أخرى من رابطة دول جنوب شرق آسيا
5 -  التركيز على منطقة المحيط الهندي والهادي، بدلاً من منطقة الشرق الأوسط، وذلك بما يواكب أولويات المصالح الأمريكية.
6 -   القضاء على تنظيم القاعدة والشبكات الإرهابية المرتبطة بها، ومنع عودة ظهور داعش مرة أخرى. 
 
أما فيما يتعلق بالأولويات الأمنية لإدارة الرئيس الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، فإنها بحسب ما جاء في هذا الدليل تتضمن ما يلي :
1 -   حمايــة أمن إســـرائيل والسعــي إلى تعـزيز علاقــاتهــا مـع جيرانها، واستئناف دور الولايات المتحدة كداعم لحل الدولتين بصيغة واقعية قابلة للتطبيق
2 - التعاون مع الحلفاء لردع التهديدات الإيرانية والحد من أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
3 - إنهاء حالة «الحروب المستمرة للأبد» التي كلّفت آلاف الأرواح وتريليونات الدولارات.. وفي مقدمتها الحرب في أفغانستان. والعمل على عدم عودتها مرة ثانية لتصبح ملاذاً آمناً للإرهابيين وقاعدة لشن هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة. 
4 - حل النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط التي تهدد الاستقرار الإقليمي، من خلال تعزيز التعاون مع الحلفاء والعمل معهم على إيجاد حلول لهذه النزاعات.
 
التقرير السنوي لتقييم المخاطر لعام 2021
يعد هذا الوثيقة الثانية التي تكشف بوضوح عن رؤية الاستخبارات الأمريكية لطبيعة التحديات والمخاطر الخارجية التي تهدد الأمن القومي والمصالح الأمريكية في العالم في السنوات المقبلة، وهذا التقرير صدر في أبريل 2021، ولا يختلف بدرجة كبيرة عن الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي، وإن كان ركز على التهديدات ذات الطابع الأمني، حيث أشار إلى أن المخاطر والتهديدات التي تواجه الولايات المتحدة تتضمن ما يلي:
 
1 - التهديد الصيني والروسي: فبكين تسعى لأن تصبح قوة عالمية تنافس الولايات المتحدة، كما أنها تمتلك قدرات كبيرة على شن هجمات إلكترونية، يمكنها على أقل تقدير أن تتسبب في أعطال محدودة ومؤقتة للبنية التحتية الحيوية بالولايات المتحدة. بينما تسعى موسكو إلى تقويض النفوذ الأمريكي وإثارة الشقاق بين الدول الغربية، وداخل التحالفات الغربية، وبناء القدرات التي تمكن موسكو من «تشكيل الأحداث العالمية باعتبارها طرفا رئيسيا»، كما أنها «ستظل تمثل تهديدا إلكترونيا رئيسيا».
 
2 - التنظيمات المتطرفة والإرهابية: تأتي في مقدمة التهديدات الخارجية، حيث تنظر الولايات المتحدة إلى هذه التنظيمات باعتبارها تمثل تهديداً للأمن القومي ، وخطراً على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، حيث حذر التقرير من الخطر الذي تشكله كيانات مثل «داعش والقاعدة وحزب الله»، على المصالح الأمريكية، ودعا إلى مواصلة الضغوط عليها. فتنظيمي داعش والقاعدة لا يزالان يشكلان أكبر تهديد إرهابي لمصالح الولايات المتحدة في الخارج، كما يسعيان أيضا لشن هجمات داخل الولايات المتحدة على الرغم من الضعف الذي لحق بقدراتهما جراء الضغط المستمر عليهما.  فيما يسعى حزب الله لتطوير قدراته الإرهابية لإخراج الولايات المتحدة من المنطقة. 
 
3 - التهديدات الداخلية: يشير التقرير إلى إن الجهات الفاعلة الفردية والخلايا الصغيرة الموجودة في الولايات المتحدة والتي لديها مجموعة واسعة من الدوافع الأيديولوجية، تشكل «تهديدا داخليا مباشرا أكبر».  وهذا التهديد المنفرد يتجلى في كل من المتطرفين المحليين الذي يستوحون أفكارهم من تنظيمي القاعدة وداعش، إضافة إلى المتطرفين المحليين الذين يرتكبون أعمالا إرهابية لأهداف أيديولوجية نابعة من التأثيرات المحلية مثل التحيز العنصري والمشاعر المناهضة للحكومة. 
 
4 - إيران وحلفائها في المنطقة: تمثل تهديد حقيقي لمصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن طهران بالتنسيق مع حزب الله والميليشيات المسلحة الأخرى، تواصل استهداف المصالح الأمريكية، و تعمل على تقليص النفوذ الأمريكي في لبنان والشرق الأوسط بعد مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني في يناير من العام 2020، ويحتفظ حزب الله  بالقدرة على استهداف المصالح الأمريكية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، داخل لبنان وخارجها، لكن بدرجة أقل داخل الولايات المتحدة.
 
وتوقع التقرير السنوي لتقييم المخاطر لعام 2021 أن تواصل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران هجماتها ضد أهداف أمريكية للضغط عليها لمغادرة العراق. كما سيواجه الموظفون الأمريكيون في العراق، خطراً إذا تصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد وتدهور الاقتصاد. ورجح التقرير أن تواجه القوات الأمريكية في شرق سوريا تهديدات من إيران والجماعات المتحالفة مع النظام السوري، عبر هجمات يمكن إنكارها في الغالب، لافتاً إلى أن الإرهابيين سيحاولون شن هجمات على القوات الغربية من ملاذاتهم الآمنة في سوريا، وقد يؤدي تزايد القتال أو الانهيار الاقتصادي إلى موجة هجرة جديدة من البلاد.
 
  ميزانية الدفاع الأمريكية المقترحة للعام 2022
الوثيقة الثالثة التي تكشف عن الأولويات الدفاعية والأمنية لإدارة بايدن، هي ميزانية الدفاع  المقترحة التي أعلن البيت الأبيض، في التاسع من أبريل 2021 أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، تقدم بها الكونجرس، وتتضمن تخصيص ميزانية دفاع قيمتها 715 مليار دولار لعام 2022. وهذه الميزانية تنخفض سبعة مليارات مقارنة بالتوقعات الأخيرة للنفقات المستقبلية للقوات المسلحة الأمريكية ، التي قدمها دونالد ترامب في نهاية فترة رئاسته. وضمن هذه الميزانية ، اقترح جو بايدن إلغاء الإنفاق على العمليات الخارجية المخصصة بالنسبة لعام 2021 .  
 
ووفقاً لمسودة الميزانية الرئاسية المنشورة على موقع البيت الأبيض، فإن ميزانية الدفاع الأمريكية للعام 2022 تركز على مواجهة مخاطر وتهديدات الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، فضلا عن تطوير قدرات ورصد نفقات لمكافحة عمليات القرصنة الإلكترونية والتهديدات السيبيرانية. وذكرت مجلة «ديفينس نيوز» الأمريكية أن ميزانية الدفاع التي يسعى بايدن لاعتمادها من الكونغرس تضع ثمانية مطالب على قائمة أولويات الإنفاق الدفاعي في ميزانية 2022، تتضمن ما يلي:
1 - التحدي الصيني: تمثل بكين أكبر تحد للولايات المتحدة الأمريكية بصورة تتطلب مزيد من الإنفاق العسكري لامتلاك اليد العليا في المحيط الهادئ بقوة ردع عسكرية مناسبة، ويتطلب هذا الأمر زيادة في دعم الإنفاق الدفاعي للقيادة الأمريكي في المحيطين النهدي والهادئ.
 
2 - الأبحاث والتطوير: تركز الميزانية الدفاعية المقبلة على إنفاق مزيد من الأموال على جهود البحث والتطوير لتقنيات عسكرية جديدة تشمل العديد من القطاعات لتأمين امتلاك مكانة رائدة في تصنيع أسلحة الجيل التالي التكنولوجية.
 
3 - الاقتطاع والإضافة: تركز الميزانية الدفاعية المقترحة للعام 2022 على اقتطاع أموال من قطاعات معينة لصالح قطاعات أخرى أكثر أهمية، ويشمل ذلك أنواع الأسلحة الأنظمة الدفاعية.
 
4 - بناء السفن:  كان بناء المزيد من السفن الحربية هدفا رئيسيا لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وظل كذلك مع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن التي تهدف من وراء ذلك للحفاظ على توازن الردع البحري مع خصوم الجيش الأمريكي حول العالم.وتشير المعلومات المتاحة إلى أنه سيكون هناك تركيز على المركبات المسيرة البحرية وتطوير الجيل التالي من غواصات الصواريخ النووية.
 
5 - الإنفاق النووي: يمثل واحدا من أهم أوجه الإنفاق الدفاعي التي يثار حولها الكثير من التساؤلات حول حجم الإنفاق الذي تحتاجه هذه الأسلحة لتطويرها خاصة تطوير قواعد الصواريخ الاستراتيجية الأرضية واستبدالها بالجيل التالي من الصواريخ.
 
6 - الأسلحة الهجومية بعيدة المدى:  يعد الإنفاق على تطوير الأسلحة الاستراتيجية بعيدة المدى من أهم أولويات الإنفاق الدفاعي الأمريكي في المستقبل، وهناك تركيز على امتلاك قوة ردع بعيدة المدى في أعلى درجات الاستعداد وقادرة على الرد على التهديدات في زمن قياسي. ويشمل ذلك طائرات الحروب المشتركة والصواريخ الفرط صوتية والصواريخ والقاذفات الموجودة فعليا في الخدمة.
 
7 - الطاقة والمناخ: تركز وزارة الدفاع الأمريكية على ضخ المزيد من التمويل في قطاعات الطاقة وتطوير الوسائل التي تساهم في الحد من التغيرات المناخية بصورة يمكن أن تعود بالنفع المباشر وغير المباشر على الجيش الأمريكي.
 
8 - التهديدات البيولوجية:  كانت هناك جهود قائمة لزيادة الإنفاق على جهود التصدي للتهديدات البيولوجية قبل ظهور جائحة كورونا، لكن بعد الجائحة أصبح هناك دعوات لمضاعفة الإنفاق على مواجهة التهديدات البيولوجية ثلاث مرات. وحسب المجلة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستزيد الإنفاق على هذا المجال بالتعاون مع شركائها الدوليين خاصة في جهود مكافحة الأوبئة والمسح الوبائي والأمن البيولوجي والطب الوقائي.
 
الأولويات الأمنية والدفاعية الأمريكية.. الثابت والمتغير
في ضوء الوثائق الثلاث السابقة، يمكن القول أن الأولويات الأمنية والدفاعية للولايات المتحدة لم تتغير طيلة السنوات السابقة، ربما اختلفت الأدوات التي تحقق هذه الأولويات باختلاف الإدارات الأمريكية، جمهورية كانت أم ديموقراطية، وفي هذا يمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات المهمة:
 
1 - ثمة تشابه بين الاستراتيجيات الأمنية والدفاعية التي طبقتها الإدارات الأمريكية على مدار العشرين عاماً الماضية، منذ عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن مروراً بباراك أوباما ودونالد ترامب ونهاية بالرئيس الحالي جو بايدن، وخاصة فيما يتعلق بالتعامل مع كل من الصين وروسيا، حيث تنظر الولايات المتحدة إليهما باعتبارهما منافسين حقيقيين لها، ويهددان تفوقها وقيادتها للنظام الدولي، فضلاً عن التركيز على مواجهة التنظيمات المتطرفة والإرهابية العابرة للحدود ، والتي تستهدف المصالح الأمريكية في الخارج.
 
2 - استمرت أولويات السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط على مدار العقدين الماضيين كما هي، والتي تتركز بالأساس على حماية أمن إسرائيل، واحتواء الخطر الإيراني ومواجهة التنظيمات المتطرفة والإرهابية. فإدارة أوباما كانت ترى على سبيل المثال أن الاتفاق النووي مع إيران هو الوسيلة الأمثل لاحتواء خطرها، وجعلها تندمج مع دول المنطقة في الحفاظ على أمنها واستقرارها، بينما لجأت إدارة ترامب إلى سياسة الضغوط القصوي التي تمزج بين العقوبات المشددة والتهديد باستخدام القوة العسكرية لاحتواء خطرها، بينما ما تزال إدارة بايدن تدرس الطريقة المثلى للتعامل مع الخطر الإيراني، وإن كانت الشواهد تؤكد أنها تميل إلى نهج أوباما في التعامل معها.
 
3 - الأولويات الأمنية، التي جاءت في الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي تتضمن  إعادة الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان والديموقراطية في العالم، وتجديد التحالفات، وقيادة الولايات المتحدة للمؤسسات العالمية؛ والاهتمام بقضايا التنمية الدولية، والعمل على إنهاء جائحة كوفيد-19، والحفاظ على البيئة، وقيادة العالم، وتحسين نظام الهجرة، هي إعادة تأكيد على الأولويات التي غالباً ما تركز عليها الإدارات الديموقراطية، والتي تنظر إلى هذه القضايا باعتبارها لا تنفصل عن الأمن القومي والمصالح الأمريكية. 
 
4 - الأولويات الجديدة: أدرجت إدارة بايدن مجموعة من الأولويات الأمنية الجديدة تتضمن الجوائح العالمية وقضايا التغير المناخي والأزمات والكوارث الطارئة، وهي تحديات غير تقليدية، لا يقتصر تأثيرها على دولة بمفردها وإنما تمتد إلى جميع دول العالم ، وتمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ولهذا فإن التعاون الدولي في مواجهتها يمثل أولوية لإدارة بايدن، التي تسعى إلى إعادة بناء التحالفات والانضمام إلى الاتفاقيات التي انسحبت منها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
 
5 - الأمن البيولوجي: يمثل أولوية لدى إدارة بايدن، وخاصة بعد أن أكدت جائحة كوفيد-19، أهمية العمل على تعزيز الأمن البيولوجي، في ظل تزايد المخاوف من انتشار الأوبئة المعدية وعودة بعض الأوبئة القديمة وتزايد مقاومة الفيروسات والبكتيريا للمضادات الحيوية، نتيجة للطفرات الجينية وتداعيات التغير المناخي والتطور في وسائل شن الحروب البيولوجية.  ويأتي الاهتمام بالأمن البيولوجي نتيجة حالة الجدل التي صاحبت كوفيد-19 والتساؤلات التي أثيرت حول ما إذا كان مصنعاً في معامل بيولوجية لإحدى الدول؟، وأنه يندرج ضمن حروب المستقبل، ولاسيما في ظل الثورة التي يشهدها العالم الآن في علوم الجينوم والأمراض الوراثية؟ حيث يؤكد العديد من الخبراء على أن الفيروسات المصنعة قد تكون أهم أدوات حروب وصراعات المستقبل، التي تشكل خطورة على الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولعل هذا يفسر في جانب منه تركيز الميزانية الدفاعية المقترحة للولايات المتحدة للعام 2022 على الأمن البيولوجي.
 
خاتمة
تؤكد الوثائق الثلاث السابق الإشارة إليها أن أولويات الولايات المتحدة الأمنية والدفاعية تدور جميعها حول تأكيد القيادة الأمريكية للنظام الدولي، والحيلولة دون ظهور قوى دولية منافسة لها، وخاصة روسيا والصين، والعمل على احتواء الخطر الناجم عن الدول الأخرى التي تتبنى توجهات معارضة لها كإيران وكوريا الشمالية، وذلك من خلال إعادة بناء تحالفاتها الاستراتيجية، من منطلق إدراكها أن التحديات والمخاطر الكونية الجديدة تتطلب مزيداً من التعاون الجماعي الدولي في مواجهتها. في الوقت ذاته، فإن أدوات تنفيذ هذه الأولويات تمزج بين أدوات القوة الخشنة، من قبيل استخدام القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية، وأدوات القوة الناعمة كنشر الديموقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان في العالم ودعم الأهداف الإنمائية العالمية، وإن كان تنفيذ هذه الأدوات يختلف من إدارة لأخرى، فالإدارات الجمهورية تميل إلى استخدام القوة الخشنة، العسكرية والعقوبات الاقتصادية، بينما تفضل الإدارات الديموقراطية إلى استخدام القوة الذكية التي تجمع بين القوة الصلبة والناعمة.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره