مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-06-01

الإمارات تربح معركتها ضد القرصنة البحرية

كثفت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تتمتع بسجل قوي حافل في مجال مكافحة القرصنة، جهودها في هذا الصدد ونجحت في تحقيق نتائج باهرة واضحة للعيان. فخلال العام الماضي، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة مجموعة من الإجراءات التي تغطي مجموعة واسعة من الأنشطة والتعاون فيما بين المؤسسات المحلية.
 
إعداد: بي. راج
 
وتشمل هذه الإجراءات تنفيذ عمليات أمنية وعمليات تطبيق القانون، وتعزيز سيادة القانون عن طريق ملاحقة القراصنة وتقديمهم إلى المحاكمة، وتوجيه المساعدات الإنسانية بحيث تعالج الأسباب الحقيقية لظاهرة القرصنة، وتطوير القدرات المؤسسية داخل الأجهزة والجهات المتضررة من أعمال القرصنة، ثمة شواهد وأدلة متزايدة تشير إلى أن هذه الإستراتيجية بدأت تؤتي ثمارها.
 
وترتكز الإستراتيجية التي وضعتها دولة الإمارات العربية المتحدة لمكافحة عمليات القرصنة على ضرورة الاعتراف بضرورة تنوع قدرات دول المنطقة على مكافحة هذه الظاهرة. إن سد الثغرات في القدرات النوعية وتعزيز عملية تطوير الدول المستقبلة يتيح لدولة الإمارات العربية المتحدة إمكانية توجيه المساعدات إلى المجالات الأكثر احتياجاً بهدف تعظيم الفائدة. هذا النموذج الناضج، بالإضافة إلى الإستراتيجية التي تبنتها دولة الإمارات العربية المتحدة في مكافحة أعمال القرصنة، يصبان معاً في اتجاه تعزيز الهدف الأساسي وهو تطوير الأمن والاستقرار لدى الشركاء الإقليميين وتعزيز قدرتهم على مكافحة عمليات القرصنة.
 
 
في عام 2008 اتخذ مجلس الأمن الدولي سلسلة من الإجراءات التي تستهدف مكافحة أعمال القرصنة في الصومال، وهي الإجراءات التي توجت بموافقة بالإجماع على القرار رقم 1851 الذي يخول الدول التي لديها أساطيل بحرية منتشرة في خليج عدن باتخاذ اللازم، بعد الحصول على موافقة الحكومة الفيدرالية الانتقالية في الصومال، ضد القراصنة والعصابات المسلحة في الصومال. وتستأثر أعمال القرصنة في الوقت الحاضر بالاهتمام الذي تستحقه، خصوصاً من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة.
 
دور قيادي
لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً قيادياً في الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة عمليات القرصنة. وقد أعلن سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في شهر إبريل عام 2011 أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستساهم بمبلغ مليون دولار في صندوق الأمم المتحدة لمكافحة القرصنة الدولية. علاوة على ذلك، شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة كعضو عامل في مجموعة الاتصالات الدولية المكلفة بملف القرصنة قبالة سواحل الصومال، واستضافت سلسلة من المؤتمرات بهدف حشد الجهود الجماعية الرامية إلى مكافحة القرصنة الإقليمية. وتعتبر هذه الجهود مكملة للمبادرات المشتركة التي اتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والشركاء الدوليين الآخرين مثل الجيوش الأجنبية ومؤسسات القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية.
 
وفي هذا المجال، نجد أن دولة الإمارات العربية المتحدة:
- أعلنت التزامها بالمشاركة في عمليات القوات البحرية المشتركة في المنطقة، مثل عمليات مكافحة القرصنة في "قوة العمل المشركة 151" و"قوة العمل المشتركة 152".
- وقعت مذكرة تفاهم مشترك مع حكومة الصومال لتقديم يد المساعدة في الجهود الدبلوماسية وبناء القدرات الأمنية والتنمية الاقتصادية.
- أعلنت عزمها على فتح سفارة في مقديشيو.
- وقعت "اتفاق جيبوتي" الذي يكرس التعاون بين الدول الموقعة على الاتفاق لمكافحة خطر القرصنة في غرب المحيط الهندي وخليج عدن.
- قادت الجهود الدولية، خصوصاً فيما يتصل بالمساهمة في جهود "مجموعة الاتصالات المكلفة بمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال"، بما في ذلك تولي رئاسة الجلسة الافتتاحية الحادية عشرة، واستضافتها للمؤتمر الدولي الثالث لمكافحة الإرهاب 2013.
 
ولا تشمل هذه الجهود والمبادرات المساهمات الضخمة التي قدمتها شركات القطاع الخاص في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تقود جهود مكافحة القرصنة من خلال بناء القدرات المحلية والإقليمية.
خطة فعالة
على المستوى المحلي، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة باتخاذ خطوات نحو تعزيز قدرات القوات المسلحة على صعيد الأمن البحري، وتكثيف عمليات التدريب في مجال أمن الموانئ والمرافئ، واستخدام النظام القضائي كأداة لملاحقة القراصنة وردع عمليات القرصنة.
 
 
هناك شواهد إيجابية على أن هذه الخطة المتعددة المحاور، التي تعتمد على المبادرات الدولية والقدرات المحلية، أثبتت فعاليتها. وإلى جانب هذه الخطة، هناك التحسن النسبي في الاستقرار والإدارة في الصومال واستخدام شركات الأمن الخاصة في حراسة القطع البحرية خلال عبورها المياه المعادية، وكلها عوامل ساهمت في تقليل أعمال القرصنة في المنطقة بدرجة كبيرة خلال العامين الماضيين. واستمرار مثل هذه العوامل المساعدة من شأنه أن يوفر للدول حلولاً أكثر استدامة وأقل تكلفة من الأمن الخاص.
 
وكان من الطبيعي أن تركز جهود دولة الإمارات العربية المتحدة على بحر العرب والمحيط الهندي، مع التركيز بصفة خاصة على حماية الممرات البحرية الإستراتيجية وخطوط الملاحة الحيوية التي تؤثر تأثيراً مباشراً على المصالح الاقتصادية والتجارية المرتبطة بالخليج العربي.
 
وتمشياً مع الخطة المتعددة المحاور التي طرحتها دولة الإمارات العربية المتحدة لمكافحة أعمال القرصنة البحرية، تقدمت حكومة الإمارات بعدة مبادرات لزيادة قدرة الشركاء الإقليميين عن طريق تعزيز قدراتهم البحرية من أجل التعامل مع تهديدات القرصنة البحرية. وقد كانت جزر سيشل إحدى الدول التي استفادت من المساعدات الإماراتية التي شملت:
- بناء قاعدة بحرية جديدة ومقر لقيادة حرس السواحل.
- تأمين جهاز رادار متطور جديد.
- التبرع بخمس زوارق من زوارق الدوريات في عام 2011 بهدف حماية سواحل سيشل.
- دعم الجهود الرامية إلى إعادة بناء البنية الأساسية والمرافق العامة، وتنفيذ سلسلة الإصلاحات الاقتصادية من أجل رفع مستوى المعيشة لسكان سيشل عن طريق بناء منازل جديدة ومحطات كهرباء وشق طرق جديدة.
 
أحد عناصر هذه المساعدات هو تسوية الأزمات الإنسانية والاقتصادية في الدول الفقيرة وغير المستقرة من أجل التغلب على الظروف المؤدية إلى تفشي ظاهرة القرصنة. وهنا أيضاً لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً دوراً رئيسياً. ففي الصومال، حيث الوضع في أمس الحاجة إلى المساعدات الخارجية، وحيث تعاني الصومال من سوء الإدارة الذي كان في الماضي سبباً رئيسياً لتفشي ظاهرة القرصنة، ركزت الجهود على المساعدات الإنسانية وتطوير المؤسسات والأجهزة الأمنية. وفي مؤتمر الصومال في لندن الذي انعقد في شهر مايو عام 2013 أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة تقديم مساعدات للصومال بقيمة 50 مليون دولار في إطار اتفاقية ثنائية تلبي أولويات الحكومة الصومالية. أما بالنسبة للمساعدات الإضافية التي قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة فقد شملت:
- تقديم مساعدات طبية على شكل بناء عيادات ومستشفيات، وتطوير البنية التحتية والمرافق العامة لبعض المستشفيات الحالية، وإقامة مستشفيات ميدانية.
- إعادة تأهيل مرافق الخدمات العامة مثل المدارس والمستشفيات والمراكز التعليمية.
- المساهمة في إعادة تعمير وبناء مؤسسات الدولة وأجهزتها، وتمكينها من تنفيذ مهامها عن طريق استقطاب طاقم إداري مؤهل جديد، ويتمتع بسمات القيادة والإدارة اللازمتين لإدارة المؤسسات والمرافق العامة بصورة فعالة.
- الاستثمار في مشاريع البنية التحتية من أجل مساعدة الصومال في إعادة بنـاء المرافــق والخدمــات التي دمــرتها الحرب.
- تطوير الاقتصاد الصومال، وإنعاش مؤسساتها الفاشلة.
- المساهمة، بالتعاون مع الشركاء الدوليين، في تدريب حرس السواحل الصومالية والشرطة البحرية.
- توصيل إمدادات الأغذية والمساعدات الإنسانية للمحتاجين من أبناء الشعب الصومالي الذين فروا من ويلات الحرب والكوارث الطبيعية التي سببتها الفيضانات والجفاف.
 
نموذج للاستحقاقات
إن أفضل قراءة لتحليل هذه المبادرات هو قراءته من خلال نموذج معد إعداداً جيداً للاستحقاقات. فهذا النموذج يطرح نظاماً لتحديد العوامل الرئيسية والطرق الحيوية والآليات اللازمة لتطوير إمكانيات الصومال، وهو أيضاً أداة لتحديد أوجه الاحتياجات الحقيقية والملحة للصومال، ومعرفة مدى تأثير المساعدات في تحسين الأوضاع المعيشية هناك.
 
ويوضح نظام الاستحقاقات الذي يستهدف مكافحة القرصنة البحرية كيفية بناء الدولة من خلال مراحل التنمية المختلفة. فكل مرحلة من هذه المراحل من شأنها أن تساعد الدولة أو المؤسسة في تعزيز قدراتها في المجالات الحيوية والرئيسية.
إن استخدام نظام الاستحقاقات المشار إليه يسمح للدول المانحة تركيز مساعداتها في المجالات الأشد احتياجاً، وتلبية تلك الاحتياجات بطريقة تسلسلية عقلانية، كما يمنح كافة الأطراف المعنية قائمة محددة من الأهداف يمكن عن طريقها قياس مدى التقدم الذي تم إحرازه. وأخيراً، يعتبر نظام الاستحقاقات المشار إليه وسيلة مهمة لتنسيق عملية توصيل المساعدات من الوكالات والمؤسسات الحكومية، وضمان تحقيق الأهداف بأقل التكاليف إمكاناً وبأفضل تنسيق ممكن.
 
ويضم نظام الاستحقاقات الذي يستهدف مكافحة القرصنة البحرية أربع فئات تنموية رئيسية، وتتضمن كل فئة تقييم قدرة الدولة على منع ورصد وتحييد أعمال القرصنة. وتعتبر قدرات الدولة وإمكانياتها واحدة من هذه الفئات. ويكمن الهدف وراء ذلك في تعزيز قدرات الدول بغرض تعزيز عملية التنمية. هذه الفئات الأربع هي:
- القدرات المحدودة Limited، وفيها تكون الدولة بلا موارد أو بموارد محدودة للغاية فيما يتعلق بمكافحة القرصنة.
- القدرة شبه المحدودة Reactive، وفيها تمتلك الدولة بعض القدرة على رصد والتعامل مع القرصنة ولكنها ليست في وضع يسمح لها بمكافحة القرصنة.
- القدرات شبه القوية Proactive، وفيها تكون الدولة قادرة على رصد والتعامل مع القرصنة، ولديها بعض الإجراءات اللازمة لمكافحة القرصنة.
- القدرات الشاملة Comprehensive، وفيها تكون الدولة في وضع مالي جيد، ولديها خطة متعددة المحاور للوقاية من أعمال القرصنة ورصدها والتعامل معها.
ويعتبر استخدام خطة شاملة تعتمد على نظام الاستحقاقات الذي يستهدف مكافحة القرصنة البحرية من أجل قياس قدرات الخطة وإجراءات بناء الدولة ومؤسساتها، يعتبر هذا الاستخدام أمراً مفيداً بصورة خاصة في حشد وتجميع كافة العناصر المتفرقة نحو تحقيق هدف واحد. وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من أكثر الدول تأييداً ودعماً لهذه الخطة العريضة الشاملة. فمن شأن هذه الإستراتيجية أن تعزز قدرة الدول الأكثر تضرراً من عمليات القرصنة، ومساعدتها في تطوير وتعزيز قدراتها فيما يتعلق بمكافحة القرصنة، وتعزيز سيادة القانون فيها، وحماية سيادتها وأراضيها ضد أعمال القرصنة البحرية.
 
ويبدو استخدام دولة الإمارات العربية المتحدة نظام الاستحقاقات الذي يستهدف مكافحة القرصنة البحرية، وذلك من أجل تحديد المساعدات تبعاً للاحتياجات النوعية لدى دولة ما، يبدو هذا الاستخدام أمراً جلياً وواضحاً في دعمها للصومال وجزر سيشل، وهما الدولتان التي تختلف احتياجاتهما عن بعضهما البعض بشكل كبير. إن عمل تقييم للاحتياجات، ثم تحديد مسار الدولة وتوجيهه نحو إستراتيجية قومية شاملة، كانا الأساس الذي ارتكزت عليه إستراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة في مساعدة شركائها الإقليميين.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره