مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-08-01

الإنسحاب من أفغانستان مناورات تكتيكية أم إستراتيجية؟

ما الذي يستدعي الإنسحابات الأميركية  الأخيرة من مواقع ومواضع  مختلفة حول العالم، على الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها واشنطن للوصول إلى تلك النقاط، وها هي ترحل عنها، مخلفة من وراءها تساؤلات حائرة  عما يجري ؟
 
بقلم/ إميل أمين
كاتب وباحث في الشؤون الدولية
 
لعل الدافع  الرئيس لعلامة الإستفهام المتقدمة القرار الذي أتخذ من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالإنسحاب من أفغانستان، وها  هي إدارة بايدن لا تكمل الطريق فحسب، بل تبدو إرهاصات الإنسحاب من العراق ظاهرة للعيان، مهما حاول البعض تجميل الحقيقة  .
في الإنسحابات الأمريكية مسحة من روح أميركا الثنائية، تلك التي أشرنا  إليها من قبل مرات عديدة، فهي أميركا  الحائرة بين المثالية والواقعية، أميركا  المضطربة روحها في داخلها بين الويلسنية والجيفرسونية، أمريكا التي تمضي في طريق أفغانستان بهدف تخليصها من إرهاب طالبان، وأميركا  التي تترك الأفغان اليوم  وبعد عقدين من وجودها المسلح، نهبا  لصعود طالبان الشرس مرة جديدة، مع ما يعني ذلك من خسارة أي مكتسبات متعلقة بالحرية أو الديموقراطية  .
 
تضاد استراتيجي
الحيرة  لا تتوقف عند الشأن الأفغاني، بل تمتد أيضا  إلى  الشرق الأوسط، لا سيما  أن واشنطن  قد سحبت  مؤخرا  بطاريات صواريخ من بعض دول المنطقة، حكما كان لها أهمية وحضور عسكريين، وتدخل ضمن إطار الدفاع عن المصالح الأميركية في المنطقة، بشرا  وحجرا، عطفا على دعم الحلفاء، أولئك الذين يتعرضون لهجمات لا تخطئها العين من قوى إقليمية لا تغيب عن أحد .
 
تبدو فكرة الإنسحاب أول الأمر، في حالة تضاد إستراتيجي، لرؤية مشروع القرن الأميركي، ذلك الذي وضع لبناته المحافظون الجدد في نهاية تسعينات القرن الماضي، وفلسفته تقوم على  الحتمية الجبرية أو القدرية، التي تكفل هيمنة الولايات المتحدة على  المسكونة وساكنيها، من شرقها إلى  غربها، ومن شمالها  إلى  جنوبها .
 
يبدو الإنسحاب بمثابة إخلاء مربعات نفوذ وقوة أميركية، وليس سرا أن هناك خلف الباب من يتربص بالحضور الأميركي العالمي، ويريد أن يقتنص فرائسه، ويجعل قسمها من نصيبه، وفي أول السلم تبدو روسيا  المتشهية الإنتقام مما  جرى لها قبل ثلاثة عقود، والصين التنين القادم لا محالة .
 
وثيقة الدليل الاستراتيجي
ربما يكون من المفيد الإطلاع على،  وثيقة الدليل الإستراتيجي المؤقت  للأمن القومي الأميركي، والتي أعلنتها إدارة الرئيس بايدن في 3 مارس 2021، وتعرض لأهم وأبرز التحديات، ومصادر الخطر التي تواجه الأمن القومي الأميركي على المستوى  العالمي .
إحدى النقاط التوجيهية المثيرة في الوثيقة تتعلق بالصين، الجار الأقرب مع روسيا الإتحادية لأفغانستان،وفيها  نجد التناقض التكتوني الأميركي باديا للعيان لا يدانيه الشك، ذلك أن واشنطن تنظر لبكين على  أنها  الأختبار الجيوسياسي الأكثر أهمية بالنسبة إليها،  وينطر إلى هذه العلاقة  بأنها  علاقة تنافسية  بشكل عام وتعاونية عندما يتطلب الأمر ذلك،  وعدائية  في أحيان أخر، ويشدد بايدن على ضرورة التعامل مع الصين من موقع قوة .
 
الهدف من الإنسحاب
تحليل البند المتقدم يدفعنا إلى تساؤل أكثر قربا  من دائرة التفكير أو التفسير التآمري للتاريخ،والسؤال الجوهري هنا :” هل الإنسحاب من أفغانستان، مع العلم بأن هناك رفض كبير من مجمع الإستخبارات الأمريكية، وجنرالات  البنتاغون، لمثل هذا  الهروب الكبير في جنح الظلام، كما جرى من عند قاعدة باغرام، هل هذا الإنسحاب هدفه الرئيس إيقاع الصين في فخ أفغانستان، ومن ثم تعطيل مسارها ومساقها  القطبي ؟
 
لم يوفر بعض المحللين الصينيين الثقات الإشارة  قبل بضعة أعوام إلى  أن الصين مدينة لأسامة بن لادن،  ولجماعة طالبان، ذلك أنهم عطلوا  الأمريكيين لعقدين من الزمن، وأوقعوهم في مستنقع لا يقل ضراوة عن نظيره الفيتنامي،  وإن تجاوزه من حيث تريليونات الدولارات التي تكبدها الإقتصاد الأميركي، في حين كانت  بكين تستبق العالم وبخاصة أميركا، وتتهدها بقوة الردع النقدي في الحال، وتتجهز لها  بدرع نووي تحت الأرض في الإستقبال .
 
أصحاب هذا السيناريو يدركون أنه ليس من السهولة وقوع  الصين في الفخ، لكنهم غير قادرين على  نفي الإحتمالية بحال من الأحوال، لا سيما  وأن موسكو قد تفكر بصورة أو بأخرى في ذات السيناريو،  إذ ليس الذي بين موسكو وبكين هو تآخي أو صداقة عميقة جذرية وتحالف سياسي وثيق، بل علاقة  براجماتية بهدف مواجهة العدو المشترك، والذي هو واشنطن وليس أحد أخر .
 
 ولعله من القراءات المعمقة  للمشهد الأفغاني يدرك المرء أن القوات المسلحة الأمريكية، لم تعد في حاجة إلى  البقاء على  الأرض طويلا،  إذ يكفي حضورها  بحرا  وجوا، كي تتسيد العالم .
 
خذ إليك في هذا  السياق، عالم الطائرات المسيرة، الدرونز، والتي ستضحى عما قريب الأداة الفاعلة في الصراعات المسلحة حول العالم، وقد أحرزت واشنطن  تقدما غير مسبوق في هذا  المجال العسكري، وقد حققت بالفعل نجاحات على  صعيد عمليات عسكرية عديدة،  وكثير منها جرى في أفغانستان نفسها، فمن خلالها  تم إصطياد كبار قيادات تنظيم القاعدة   المركزي في باكستان وأفغانستان، وتم تمهيد الطريق  أيضا  لإنهاء فرع التنظيم الأكبر “ تنظيم القاعدة  في شبه جزيرة العرب”، عبر إغتيال كبار قادتها  في اليمن، بدون كلفة بشرية من على بعد آلاف الأميال، ودون تحمل عناء الحصول على  إذن رسمي لإختراق الأجواء .
 
من ناحية أخرى يتحدث المؤيدون للإنسحاب من أفغانستان عن فاعلية الصواريخ الباليستية بعيدة المدى والتي يمكنها أن تصيب أهداف بعيدة على الأراضي الأفغانية، وبخاصة إذا  تصاعد المد الطالباني، وهو السيناريو المرجح في كل  الأحوال .
 
عطفا على  ذلك لا تبدو واشنطن  في حاجة إلى تحريك جنود بالآلاف، كما  كان الحال قبل عقدين وقت غزو أفغانستان بنوع خاص، ذلك أن حاملات  طائراتها باتت اليوم جيوش متحركة، يمكن تنقلها  من محيط إلى  أخر، ومن بحر إلى سواه،  ما يحقق لأمريكا السيادة والهيمنة على  79 % من مساحة الكرة الأرضية، وعلى غير المصدق النظر إلى حاملة الطائرات الأميركية الأولى، جيرالد فورد، والأولى  أيضا من نوعها، بطول يصل إلى 335 مترا، ووزن يبلغ  مائة  ألف طن، وهي التي أنطلقت  منها  صواريخ توماهوك البحرية  على مطار الشعيرات في سوريا  قبل بضعة أعوام .
 
تبدو الولايات المتحدة  في مرحلة  مراجعة لكثير من ثوابت  المرحلة الممتدة  من الحرب العالمية الثانية إلى  نهاية الحرب الباردة، وفي هذا السياق يمكن أن تكون الإنسحابات بمثابة الرجوع إلى  الوراء خطوة،للإنطلاق إلى الأمام خطوات، وهي نظرية مكر التاريخ، كما نظر لها  الفيلسوف الألماني الاشهر جورج هيجل ....فأنظر ماذا ترى؟.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره