مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-10-01

التحديات التي تواجه الهوية الوطنية في الإمارات العربية المتحدة

في هذه المرحلة التاريخية، التي تتزايد فيها أبعاد المخاطر والتحديات المهددة لسلامة وطننا ومنطقتنا الخليجية وعالمنا العربي، ما أحوجنا إلى البحث في كل ما يحصن دولتنا ومجتمعنا، وإلى تضافر جهود المؤسسات كافة، للحفاظ على أمن الدولة واستقرارها. 

بقلم: معالي محمد أحمد المر
رئيس المجلس الوطني الاتحادي
 
ولاشك في أن قضية الهوية الوطنية تعد واحدة من أهم القضايا الوطنية في ظل التحديات المتعاظمة التي تواجه استقرار الأوطان، ونماء الشعوب، واستثمار طاقات الدولة ومواردها البشرية والاقتصادية. 
وقد أبدت الدراسات والعلوم الاجتماعية اهتماماً أساسياً بأبعاد الهوية الوطنية، واعتبرتها المدخل الرئيسي للقيم التربوية، والثقافية، والاقتصادية والفلسفية لأي مجتمع. فالاستقرار، والأمن، وتقدم الأمم رهين بمدى تجذر الهوية الوطنية في مواطنيها، وقدرتهم على التلاحم السياسي والمجتمعي لتحقيق أهداف النماء والتطور.
 
والهوية الوطنية كمفهوم اجتماعي يعني الانتماء، والولاء، والإخلاص، والعطاء المبذول من المواطنين، كلٌّ في موقع عمله وفق استثمار أفضل القدرات لرفعة شأن الوطن. وهذا المفهوم هو الذي تفرع عنه مفهوم المواطن المسؤول، أو المواطنة المنتجة. فلا يكفي أن ينتسب الإنسان إلى جنسية دولةٍ ما من دون أن يحمل المضامين الثقافية، والعقائدية، واللغوية، والسياسية لهذه الدولة، ويعمل على تعظيمها وإعلاء شأنها في كل عمل، أو مناسبة.
 
والأوطان لا تبنى فقط بالمشاعر، والأحاسيس، والعواطف. وهو ما يعبر عنه بالجانب النفسي في الهوية الوطنية، وإنما لابد من اقترانها بطاقات وإمكانات يتم تسخيرها من كل مواطن. وهو ما يعبر عنه بالجانب العملي للهوية الوطنية. فالهوية الفطرية التي يشير إليها علماء الاجتماع بأنها المشاعر الإيجابية للفرد تجاه أسرته، أو عشيرته أو قبيلته لابد أن يلازمها الهوية الوطنية التي تسمو فيها المشاعر والأحاسيس إلى الولاء والانتماء للوطن.
 
إن الهوية الوطنية في تطبيقاتها العملية تعني الإيمان بالهوية المؤسساتية، التي تعني بذل كل جهد ممكن وكل طاقة متاحة في مؤسسات الدولة أو في أعمال الفرد وتسخيره لصالح الدولة. وهذا ما يفرق بين مفهوم المواطنة، والوطنية اللذين هما جناحا مفهوم الهوية. فالمواطنة تعني الانتساب إلى الدولةـ في حين أن الوطنية تعني العمل والفعل الصالح للدولة. ومن ثم فإن المواطنة يقترن بها الانتماء أي الانتماء إلى الأسرة، أو القبيلة، أو العشيرة، وأخيراً إلى الدولة، في حين أن الوطنية يقترن بها الولاء، وتعني تغليب مصلحة الوطن على مصلحة الفرد وفق المصلحة المشتركة والمصير الواحد. فالفرد في الولاء يدرك أن مصيره، ومصلحته، وتقدمه مقترنٌ بنماء الوطن واستقراره وتنميته.
 
الهوية الوطنية والاستقرار
إن لمفهوم الهوية الوطنية دوراً كبيراً في ترسيخ استقرار المجتمعات ونمائها، الأمر الذي يتطلب العمل على مواجهة المخاطر المتنامية، والتحديات المتزايدة التي تواجه هذا المفهوم. وهي بطبيعتها تحديات ومخاطر لم تكن معهودة من قبل نظراً إلى اضطراب أوضاع الإقليم العربي، وتعقد السياسات الدولية، وسيادة العولمة الثقافية، والحضارية والعلمية التي تحاول أن تنزع عن الأوطان خصائصها وثوابتها الرئيسية لمصلحة معتقدات يُدعى أنها عالمية.
 
 ودولتنا الشابة لم تنشأ من فراغ، وإنما قامت على تاريخ عريق وشعب أصيل وأسس راسخة من الثوابت والقيم والتقاليد الموروثة، بالإضافة إلى ما أكسبنا إياه الآباء المؤسسون لهذه الدولة، وعلى رأسهم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من قيم الوطنية والتفاني في العمل والتضحية بكل ما هو نفيس لمصلحة المجموع من أجل بناء دولة قوية مستقرة يشار إليها بالبنان في الرقي والتقدم، وهي المسيرة التي يرعاها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه حكام الإمارات.
 
الخدمة الوطنية: قيم وآمال وطموحات
إن صدور القانون الاتحادي بشأن الخدمة الوطنية والاحتياطية جاء عاكساً لقيم الوطنية، والولاء، والانتماء، والتنشئة الوطنية الإيجابية. ومحققاً لإدراكات أبناء الوطن في تحمل المسؤولية المشتركة، وتنمية قدراتهم الذاتية تجاه كل متربص، أو مغرض، أو طامع يهدد تراب هذا الوطن.
 
كما أن هذا القانون يحقق الوحدة الوطنية في العيش والمصير بأسمى معاني التضامن والمشاركة الإيجابية. بالإضافة إلى ذلك فإن مفهوم المواطنة المنتجة لا يمكن أن نلمس مضمونه، أو نتائجه إلا من خلال الخدمة الوطنية التي تعد وسام شرف لكل منتسب إليها؛ لأنها هي الأكثر قدرة على تجسيد العمل الجماعي في نطاق المصلحة العامة المجتمعية. كذلك فإن هذا القانون يعد ترجمة عملية وواقعية لما قاله صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بأن «هذه الأرض الطيبة تحرسها عناية الخالق وتحميها عزائم الشباب وسواعدهم». وها هي ذي عزائم شباب الإمارات تتوحد جميعاً في نسق وطني مشترك بمقتضى أحكام هذا القانون للذود عن هذا الوطن مسلحة بالتأهيل والتدريب والخبرة العملية.
 
تحديات داخلية وخارجية
إن مسيرتنا، شأن كسائر مسيرات الأوطان والأمم تواجه بتحديات وطنية، وإقليمية ودولية. فعلى الصعيد الوطني، وعلى الرغم من أن المؤشرات والمعايير الدولية تضع دولتنا في أولى مراتب دول العالم من حيث السعادة، والتنمية البشرية والاقتصادية بمجالاتها المتعددة، فإن هذه التصنيفات الدولية تضع علينا مسؤولية مشتركة في بذل المزيد من الجهد، والتفاني، والإخلاص في أداء ما نكلف به. ولعل أول التحديات في هذا الشأن هو الارتقاء بقدراتنا العلمية والثقافية والتكنولوجية بحيث تكون هناك قدرات وطنية تلبي احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية ومتطلباتها كافة. 
 
التحدي الثاني الذي أريد أن أشير إليه هو مواجهة التشدد والغلواء الفكري والديني. فإذا كانت الهوية الوطنية هي الصانعة للولاء الوطني الذي يحقق استقرار المجتمع وتقدمه، فإن الأديان السماوية، والأفكار الإنسانية تحمل بين جوانبها كل الخير لبناء الأوطان. وعلينا التنبه والاحتراس من تلك الأفكار المغلوطة، والادعاءات الفكرية والدينية التي تهدم الأوطان، وتفرق أهاليها، وتشتت طوائفها وجماعاتها، فمثل هذه الادعاءات كالسوس الذي ينخر في تماسك الأوطان فيحيلها إلى هشيم محتضر.
 
التحدي الثالث هو الحفاظ على القيم الموروثة بتقاليدها وعاداتها، وقيمها الإسلامية العربية الأصيلة. فالتقدم والتطور الذي يقطع الصلة بالماضي إنما هو تطور هش لا يعبر عن تطور شخصية الإنسان. فالحداثة في مفهومها العلمي تعني الانتقال بالمجتمعات من مرحلة إلى أخرى على أن تحمل كل مرحلة تالية الخصائص الإيجابية للمرحلة التي سبقتها. 
 
أما على الصعيد الإقليمي، فلعلنا جميعاً ندرك طبيعة الاضطراب في عالمنا العربي، وما تمخض عنها من تفتت الأوطان، وتشريد الأهالي، بالإضافة إلى مئات الألوف من القتلى، والجرحى والثكالى والأيتام. وصاحب كل ذلك انتشار الجماعات الدينية المتطرفة التي تسعى إلى إيجاد أرض ومأوى لها، الأمر الذي يهدد دولنا العربية كافة.
 
ونحن لسنا بمنأى عن إقليمنا العربي، ولذلك فنحن اليوم في أمس الحاجة إلى إحياء مفاهيم الهوية الوطنية وثوابتها الراسخة حتى نعبر بأمان من هذه الأنواء العاصفة التي تهب على منطقتنا العربية. فهويتنا الوطنية هي سلاحنا الأقوى للتغلب على كل ما يجنب الوطن من آثار ونتائج ما تشهده الكثير من دولنا العربية.
 
إن تلاحمنا السياسي يعد من أبرز مفاهيم الهوية الوطنية، فلنصطفّ جميعاً بتآزر وتكاتف خلف قيادتنا الرشيدة، وحكومتنا الوطنية في كل قراراتها وسياساتها؛ لأنها هي الأقدر على التعبير عن الضمير الوطني العام، والمصلحة الوطنية المشتركة.
 
ولا شك في أن ولاءنا الوطني الذي نعلي فيه مصلحة الوطن العليا على كل مصلحة ذاتية أو شخصية قد تم تجسيده في قانون الخدمة الوطنية الإلزامية الذي يمثل رافداً مهماً لتعزيز الولاء الوطني.
 
ومن ثم فإن التلاحم السياسي والاجتماعي، والولاء الوطني، وهي أهم مفاهيم الهوية الوطنية تعد السد المنيع لدرء كل شر أو أثر غير مرغوب فيه جراء الاضطرابات المنتشرة في العالم العربي.
أما على الصعيد الدولي فقد اختلطت المبادئ القانونية الدولية المستقرة وتداخلت، ما أدى إلى تخبط السياسات الدولية التي أعلت من لغة المصالح الضيقة على المصلحة الإنسانية الدولية المشتركة. ولذا لم يعد مجدياً في حال وجود أي همٍّ وطني، أو تهديد للوطن أن يتم التعامل معه باللجوء إلى المؤسسات الدولية فقط، أو استدعاء فكرة الأمن الجماعي الدولي الذي تعبر عنه الأمم المتحدة.

وإنما أبناء الوطن هم وحدهم المعنيّون بالذود عن وطنهم في مواجهة أي تهديد، أو تحقيق أي مصلحة. ودليلنا على ذلك الإخفاق الذريع للمؤسسات الدولية والإقليمية في حل أزمات دول العالم مما ترتب عليه ضياع الشعوب، ومقدرات الأوطان، ومكتسبات الأجداد.
 
إن يقظة شبابنا وتأهبهم الدائم للدفاع عن الوطن، والتمسك بوحدتنا الوطنية وقيمنا الإيجابية هي الضمان لنا، لكي تبقى دولة الإمارات العربية المتحدة دولة والأمن والرخاء والاستقرار، في ظل قيادتنا الرشيدة التي تبذل دائماً الغالي والنفيس في سبيل عز ومجد ورفعة وطننا الحبيب وشعبنا الكريم.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره