مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-07-05

التصور الأمريكي الجديد لصراعات وحروب المستقبل

الأبعاد والتداعيات على الأمن والسلم الدوليين 
 
التصريح اللافت الذي أدلى به وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في مايو 2021، وأشار فيه إلى»أن بلاده على استعداد لصراع محتمل في المستقبل، لا يشبه كثيرا الحروب القديمة»، ينبأ بأن العالم قد يتحول إلى نمط جديد من الحروب يختلف في أدواته عن الحروب التقليدية، يعتمد بالأساس على مخرجات التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي التي أحدث طفرة هائلة في الصناعات الدفاعية والعسكرية، وكل هذا سينعكس على جيوش المستقبل وطبيعة المهام التي قد تقوم بها في إدارة هذه الحروب.
 
بقلم العقيد الركن/ يوسف الحداد
 تضمنت تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في أول كلمة سياسية مهمة له خلال زيارته للقيادة الأمريكية في المحيط الهادي بهاواي في شهر مايو 2021 بعض الإشارات المهمة إلى وجود تصور مختلف حول صراعات وحروب المستقبل، حينما أشار بوضوح إلى أنه على الولايات المتحدة الاستعداد لصراع محتمل في المستقبل لا يشبه كثيرا «الحروب القديمة» التي «استهلكت» وزارة الدفاع لفترة طويلة. كما دعا أوستن إلى حشد التقدم التكنولوجي وتحسين دمج العمليات العسكرية على الصعيد العالمي من أجل «الفهم بشكل أسرع، واتخاذ القرار بشكل أسرع، والعمل بشكل أسرع» وأضاف إن «الطريقة التي سنقاتل بها في الحرب الرئيسية المقبلة ستبدو مختلفة تماما عن الطريقة التي قاتلنا بها في الحروب السابقة».
 
الحديث عن حروب المستقبل لم يصدر فقط عن وزير الدفاع  لويد أوستن، وإنما أيضاً عن هنري كسينجر وزير الخارجية في عهد الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون حينما تحدث أمام منتدى المركز الفكري الأمريكي»ماكين اينستيتيوت» في شهر مايو 2021 وحذر من أن «التوتر بين الولايات المتحدة والصين يهدد العالم بأسره وقد يؤدي إلى نزاع غير مسبوق بين الدولتين العملاقتين عسكريا وتقنيا». وأوضح كسينجر أن خطورة أي نزاع أو صراع مستقبلي بين الدولتين تكمن بالأساس من أن القدرات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية الهائلة للقوتين العظميين تجعل التوتر الحالي أخطر من ذاك الذي حدث في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فعلى الرغم من أن خطر نشوب نزاع نووي كان كبيرا خلال الحرب الباردة، فإن التقدم التكنولوجي في مجال الأسلحة النووية وخصوصا الذكاء الاصطناعي، وهما قطاعان تتصدرهما الولايات المتحدة والصين، قد يؤدي إلى مضاعفة خطر نهاية العالم في حال نشوب صراع مستقبلي بينهما.
 
في الوقت ذاته، يرى كسينجر أن «المسألة النووية تضاف الآن إلى المسألة التكنولوجية، التي ترتكز على مجال الذكاء الاصطناعي، وإلى واقع أن الإنسان يصبح شريكا للآلة، وأن الآلة يمكنها تطوير حكمها الخاص»، ولهذا فإنه «في حال نشوب نزاع عسكري بين قوتين تكنولوجيتين عظميين، من شأنه تعقيد هذا النزاع»، ولهذا لا يمكن مقارنة هذا الوضع الراهن بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فالاتحاد السوفياتي- كما يقول كسينجر- «لم يكن قوة اقتصادية وكانت قدراته التكنولوجية عسكرية، ولم يكن لديه التطور التكنولوجي الذي تتمتع به اليوم الصين التي تمتلك قوة اقتصادية هائلة بالإضافة إلى قوتها العسكرية الكبيرة».
 
الحديث المتصاعد عن استعداد الولايات المتحدة لصراعات وحروب المستقبل تزامن أيضاً مع تقييمات لمسئولين عسكريين سابقين، رأوا ضرورة تطوير الجيش الأمريكي لمواكبة متطلبات المستقبل، من هؤلاء المقدم المتقاعد من القوات الجوية الأميركية ويليام أستور الذي يرى أن استخدام نفس الأسلحة والعقلية التي كانت سائدة خلال العقدين الماضيين لن يكون مجدياً في التعامل مع صراعات وحروب المستقبل. ووصف أستور حروب المستقبل القريب بأنها «مجموعة خيالية من العمليات، على الرغم من وجود مخاطر حقيقية للغاية من حرائق محتملة قادمة». وذهب أستور إلى أن التركيز الجديد للجيش الأمريكي على صراعات المستقبل القريب سيساعد بلا شك في تحويل تريليونات من الدولارات إلى المزيد من الأسلحة بما في ذلك الترسانة النووية المُجددة.  هذا في الوقت الذي تقر فيه العديد من الدراسات الأمريكية بتراجع سيطرة الولايات المتحدة على أعالي البحار لصالح الصين للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد أن أصبحت بكين اليوم قادرة على فرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي، نتيجة تطوير قدراتها التكنولوجية والتي مكّنتها من تعطيل شبكات الاتصال للقوات الأمريكية البحرية حتى لا تتمكن من طلب المساعدة في حالة التعرض لهجوم، أو حتى إبلاغ مركز القيادة بمكان التواجد.
 
في ضوء حديث كل من لويد أوستن وهنري كسينجر، يمكن القول أن التصور الأمريكي لصراعات وحروب المستقبل يرتكز على:
 
1 - التكنولوجيا المتقدمة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت تشكل معالم الأجيال الجديدة من الأسلحة الدفاعية والعسكرية حول العالم، ولعل هذا يفسر تحذير هنري كسينجر من خطورة نزاعات المستقبل، وخاصة تلك التي قد تنشب بين قوتين عملاقتين في التكنولوجيا المتقدمة والقدرات العسكرية كالولايات المتحدة والصين، فهذه الصراعات قد تعتمد على الأسلحة الذكية وتدار بواسطة الآلة وربما من غير إطلاق رصاصة واحدة من أي جانب تجاه الآخر، لكن تداعياتها وتكلفتها البشرية والاقتصادية قد تفوق بمراحل خسائر الصراعات والحروب التقليدية. 
 
2 - اختلاف ساحات حروب المستقبل عن الحروب التقليدية، فلا تعتمد على المواجهات المباشرة وإنما تقوم على إدارة الصراعات والحروب عن بُعد، من خلال الهجمات السيبرانية والفضاء كأهم أدوات الردع، بمعنى آخر فإن حروب المستقبل ستعتمد على ما يطلق عليه الخبراء استراتيجية «الردع عن بُعد»، والتي تعتمد على مزيج من تكنولوجيا الكمبيوتر  والفيزياء الكمية  والفضاء والهجمات السيبرانية والحروب الرقمية ومعارك الطاقة الموجهة والإشعاعات الكهرومغناطيسية وهي أنماط جديدة من القوة غير التقليدية ستقود حروب المستقبل.  
 
3 - التركيز على الأدوات التي تمكن قيادات الجيوش من «الفهم بشكل أسرع ، واتخاذ القرار بشكل أسرع ، والعمل بشكل أسرع»، على حد تعبير وزير الدفاع الأمريكي، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ترى أن الاستعداد لصراعات وحروب المستقبل يتطلب أدوات جديدة غير تقليدية لإدارتها تعتمد على الكيف والنوع والجودة وضرورة امتلاك المهارات القيادية التي تمكنها من إدارة هذه الحروب بكفاءة ومرونة عالية. وهذا يعني – كما يشير خبراء الاستراتيجية والأمن القومي- أن الصراعات والحروب الحديثة والمستقبلية باتت تتطلب سلسلة متصلة من المهارات والأفعال السريعة ذات التـأثيرات الحاسمة بالنسبة لعامل الوقت والمكان، وخاصة فيما يتعلق بتطوير نظم التحكم الاوتوماتيكي والسيطرة الآلية والتشفير لرصد وتحديد المناطق بدقة، وبما يسهم في سرعة وحسم اتخاذ القرارات العسكرية.  
 
ووفقاً لما جاء في كتاب «الحروب المستقبلية في القرن الحادي والعشرين»، الصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، فإن هذه الحروب ستعتمد بدرجة كبيرة على التكنولوجيا المتطورة غير المأهولة من قبيل الطائرات بدون طيار، والطائرات المقاتلة من دون طيار التي تطير بسرعة أكبر، وتقطع مسافات أبعد، وتتفادى دفاعات العدو بشكل أفضل؛ ولكنها تختلف كثيرًا عن سابقاتها نتيجة استقلاليَتها المتزايدة باستمرار أيضًا؛ فضلاً عن أنها تدار وتهبط ذاتيًّا لتنفيذ مجموعة من المهمات بنفسها كاختراق دفاعات العدو، ومن المُتوقَّع إنتاج طائرات من دون طيار أكثر ذكاءً، ومن ثم أكثر قدرةً. في الوقت ذاته، فإن الفضاء الإلكتروني يعد أحد ساحات حروب المستقبل، وما يرتبط به من إنتاج أسلحة إلكترونية واستخدامها من خلال إطلاق البرمجيات الخبيثة التي تتسبَّب بسلسلة من الهجمات المؤثرة. وفي هذا الفضاء المعقَّد ثمَّة حاجة قوية إلى دفاعات فضاء إلكتروني أفضل.  
 
4 - التحول في العقيدة القتالية للجيوش، لتواكب صراعات وحروب المستقبل، حيث سيتم التركيز على الأدوات الرادعة التي يمكن خلالها أن تؤدي القوة العسكرية وظيفتها في تغيير سلوك الأطراف المتصارعة، وهذا يفهم من الأولويات غير التقليدية، التي  تستهدفها ميزانية الدفاع  المقترحة التي أعلن  البيت الأبيض، في التاسع من أبريل 2021 أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، تقدم بها إلى الكونجرس، من قبيل: التركيز على امتلاك قوة ردع بعيدة المدى في أعلى درجات الاستعداد وقادرة على الرد على التهديدات في زمن قياسي، ويشمل ذلك طائرات الحروب المشتركة والصواريخ الفرط صوتية والصواريخ والقاذفات الموجودة فعليا في الخدمة، والمركبات المسيرة البحرية وتطوير الجيل التالي من غواصات الصواريخ النووية، وإنفاق المزيد من الأموال على جهود البحث والتطوير لتقنيات عسكرية جديدة تشمل العديد من القطاعات لتأمين امتلاك مكانة رائدة في تصنيع أسلحة الجيل التالي التكنولوجية.
 
ولعل من أهم مظاهر التحول في العقيدة العسكرية الأمريكية والتي بدأت في التبلور في نهاية حكم الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب هي فكرة الانسحاب من مناطق الأزمات والصراعات التي أنهكت الجيش الأمريكي، وكلفت الولايات المتحدة تريليونات الدولارات، فالحروب التي خاضتها في أفغانستان والعراق خلال العقدين الماضيين لم تضر فقط بمصالحها ولا بهيبة الجيش الامريكي، وإنما أيضاً استنزفت قدراته وأخرت عملية تحديثه لدرجة دفعت العديد من المسئولين الأمريكيين إلى القول أن الجيش الأمريكي ما يزال يستخدم في الوقت الراهن تقنيات تعود إلى عقدين أو أكثر، هذا في الوقت الذي شهدت فيه القوة العسكرية لدول أخرى، كروسيا والصين، طفرة غير مسبوقة أصبحت تهدد التفوق الأمريكي، لهذا فإن الحديث الأمريكي المتصاعد خلال الآونة الأخيرة حول حروب وصراعات المستقبل لا ينفصل عن كل ما سبق، ويأتي في سياق التحول إلى مرحلة جديدة تعيد فيها الولايات المتحدة أولوياتها لتكون على أهبة الاستعداد للتعامل مع حروب المستقبل. 
 
ماذا وراء الحديث الأمريكي عن حروب المستقبل؟ 
رغم أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن لم يشر صراحة إلى الأسباب والمعطيات التي تجعل  الولايات المتحدة  تتحدث عن نمط جديد من صراعات وحروب المستقبل، ولا إلى التحديات والمخاطر التي تهدد الولايات المتحدة، وتدفعها إلى مراجعة عقيدتها العسكرية والدفاعية، إلا أن هناك بالفعل مجموعة من المعطيات والعوامل التي تفسر الاستعداد الأمريكي لصراعات وحروب المستقبل، لعل أبرزها: 
 1 - رغبة الولايات المتحدة في الحفاظ على تفوقها العسكري على الصعيد العالمي، من منطلق إدراكها بأن القوة العسكرية ما تزال تشكل الضمانة لاستمرارية قيادتها للنظام الدولي وإدارة تفاعلاته المختلفة، وهذا ما يفهم من دليل الأمن الاستراتيجي المؤقت الذي أصدرته إدارة الرئيس جو بايدن في شهر مارس 2021، وأكد بوضوح أن الولايات المتحدة ماضية في تعظيم قوتها العسكرية من خلال التركيز على الأسلحة الذكية ومعدات الاستطلاع الحديثة، والقوات الخاصة، والتدريب على مكافحة التمرد، باعتبارها من أهم متطلبات إدارة صراعات وحروب المستقبل. 
 
2 - إدراك الولايات المتحدة لخطورة منافسيها المحتملين على مصالحها الاستراتيجية في العالم، وخاصة الصين وروسيا، واللتان غالباً ما يتم ذكرهما في التقييمات الأمريكية، باعتبارهما يمثلان التهديد الرئيسي الذي يواجه الولايات المتحدة، سواء لاعتبارات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية. هذا في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات مع الدولتين توتراً متصاعداً في ظل تقارير تتحدث عن وقوف موسكو وبكين وراء الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها الولايات المتحدة منذ بداية العام 2021. فضلاً عن التصريحات الصادرة عن مسولين أمريكيين حول ضرورة التصدي للتهديدات الصادرة عن الدولتين، وها ما يفهم من تصريحات الجنرال، جون ريموند، قائد القوات الفضائية الأمريكية، والذي أشار مؤخراً إلى أن «موسكو وبكين قد صمما سلاحاً قادراً على تعطيل وتدمير الأقمار الاصطناعية الأمريكية بالكامل في الفضاء».
 
3 -  الاستجابة للتقييمات الأمنية والاستخباراتية الأمريكية التي تنظر إلى صراعات وحروب المستقبل من منظور شامل ومتكامل، لا يقتصر فقط على الجوانب الدفاعية والعسكرية والأمنية، وإنما يتضمن أيضاً الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمعلوماتية، باعتبارها لا تنفصل عن القوة الشاملة للدول، وهذا ما أشار إليه بوضوح التقرير الصادر عن لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي في العام 2020، والذي كشف بوضوح أن الولايات المتحدة معرضة لخطر عدم قدرتها على حماية أمنها وتنافسيتها في سباقها العالمي مع الصين. وأوصى التقرير بضرورة أن يصبح مسؤولو المخابرات الأمريكية «أكثر مهارة في تحليل التهديدات غير العسكرية، مثل الصحة والاقتصاد وتغير المناخ»، خاصة أن تركيز الولايات المتحدة على مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر سمح بضعف القدرات الاستخباراتية في النواحي الأخرى المتعلقة بالأمن القومي للبلاد، وحذر التقرير من أنه «في ظل غياب إعادة ترتيب الأولويات وإعادة تنظيم الموارد، فإن الولايات المتحدة ستكون غير مستعدة للتنافس مع الصين - دبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا - على المسرح العالمي خلال العقود القادمة». ووجدت اللجنة أن وكالات الاستخبارات لم تهتم بشكل كاف بالتهديدات «الناعمة» مثل الأمراض المعدية وتغير المناخ والآثار الاقتصادية غير المباشرة التي يمكن أن تقوض الأمن القومي للولايات المتحدة.
 
وهذا يعني أن الولايات المتحدة تدرك الآن أن الاستعداد لحروب المستقبل لا يقتصر فقط على تعظيم القوة العسكرية والتكنولوجية، وإنما أيضاً الحفاظ على تفوقها الاقتصادي، وهذا يفسر استمرار النهج المتشدد الذي تتبناه إدارة الرئيس جوبايدن تجاه الشركات الصينية، خلافاً لمعظم التوقعات التي كانت تشير إلى أنها ستتراجع عن القيود التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لكنها خلافاً لذلك أبقت على التعريفات الجمركية على السلع الصينية وعلى التحكم في بعض الصادرات الأمريكية ذات التكنولوجيا الفائقة للشركات الصينية، كما أبلغت بعض الموردين لشركة هواوي الصينية للتكنولوجيا بقيود أشد على بعض رخص التصدير التي تمت الموافقة عليها سابقا، لتحظر بعض المواد من الاستخدام وخاصة المرتبطة بأجهزة الـ5G  وقد بدأ هذا الحظر فعليا في شهر مارس2021، كما أضافت الولايات المتحدة في شهر أبريل 2021 سبع شركات صينية تعمل في مجال الحوسبة الفائقة إلى قائمة الهويات المحظور عليها تلقي صادرات من الشركات الأمريكية، متذرعة بممارسة هذه الشركات الصينية لأنشطة تتعارض مع الأمن القومي أو مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ووهذا لا يمكن فهمه بمعزل عن الحرب التجارية والتكنولوجية بين الدولتين منذ سنوات، والمرشحة للمزيد من التصعيد في المستقبل. 
 
4 - التحول في خريطة الأطراف المتصارعة، فلم تعد تقتصر على الدول أو الجيوش التقليدية، وإنما باتت تتضمن ما يمكن تسميتهم بـ» الفاعلين من غير الدول» من قبيل التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود والميليشيات المسلحة والعصابات المسلحة والجماعات المتمردة التي أصبحت تمتلك أسلحة متنوعة، توظفها في العديد من مناطق الأزمات والصراعات حول العالم. وحسب كتاب «الحروب المستقبلية في القرن الحادي والعشرين»، فإن العالم سيشهد في المديين القصير و المتوسط حروبًا غير تقليدية، ولا متماثلةً تندلع بين دول قائمة وأطراف فاعلة من غير الدول، تختلف أدواتها من قبيل الطائرات من دون طيار، والفضاء الإلكتروني؛ والهجمات السيبرانية التي تترك تأثيرات بالغة.  
في ضوء هذه المعطيات والتطورات، يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة تعمل من الآن على الاستعداد لحروب المستقبل سواء من خلال مواكبة متطلباتها وامتلاك أدواتها المختلفة، العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، أو من خلال التركيز على استراتيجة ردع الخصوم وإرباك مخططاتهم المستقبلية، واحتواء نفوذهم المتصاعد على الساحة الدولية، كي تحافظ على تفوقها العسكري، وبالتالي استمرار قيادتها للنظام الدولي. 
 
تطوير الجيوش لمواكبة متطلبات حروب المستقبل
لا شك أن الحديث المتصاعد حول صراعات وحروب المستقبل يتطلب من الجيوش حول العالم الاستعداد لمواكبة متطلباتها والإلمام بأدواتها، حتى تتمكن من مواجهة التحديات والمخاطر والتهديدات التي قد تثيرها على الأمن القومي والمصالح الاستراتيجية للدول. وهناك العديد من الخبراء يرون أن جيوش المستقبل ستختلف في ملامحها وطبيعة مهامها عن الجيوش التقليدية، بحيث ستركز بالأساس على النوعية والكيف، سواء فيما يتعلق بالعنصر البشري أو الأسلحة، وأنها ستكون أقرب إلى القوة الشاملة الصغيرة التي تمتلك ما يكفي من الأفراد المؤهلين والمعدات العسكرية الحديثة القادرة على هزيمة قوات معادية تقليدية ضخمة، وهذا ما يطلق عليه «نظرية الجيش الذكي الصغير»، الذي يستطيع حسم صراعات وحروب المستقبل، لأنه يمتلك أفراد مؤهلين للتعامل مع التكنولوجيا المتطورة، ويستثمر في تكنولوجيا المعلومات، باعتبارها عامل حاسم في إدارة حروب المستقبل، كما يمتلك الأدوات الاستخباراتية والرقمية والاتصالية التي تمكنه من فهم طبيعة هذه الحروب بشكل متكامل واتخاذ القرار المناسب بشأنها بشكل أسرع ، والعمل على حسمها بفاعلية وكفاءة.  
 
 هذا وتشير العديد من الدراسات العسكرية إلى أن جيوش المستقبل باتت في حاجة إلى أن تطور من استراتيجياتها الدفاعية والقتالية بشكل مستمر؛ كي تواكب الثورة غير المسبوقة في مجال الصناعات العسكرية والتكنولوجية، والتي يصفها البعض بأنها أقرب إلى «الخيال العلمي»، فمن ضمن مخرجات هذه الثورة التي يتعين على الجيوش مواكبتها أجهزة الرؤية الليلية المتطورة التي تتيح للجنود رؤية أفضل ليلا، و»النظارات الذكية» التي يطورها الجيش الأمريكي، وهي ذات قدرات فائقة، وبإمكانها التعرف على الوجوه، وترجمة الكلمات الموجودة في الشوارع، وعرض البيانات القادمة من طائرات «الدرون» على الجنود المرتدين للنظارات.
 
في الوقت ذاته، ستعتمد جيوش المستقبل بدرجة كبيرة على تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، حتى أن مجلة « ناشونال إنترست» الأمريكية أشارت في تقرير صدر عنها في أغسطس 2020 تحت عنوان «انسوا أمر البنادق.. الحواسيب والذكاء الاصطناعي سيجعلان الجيش أكثر فتكاً»، إلى أنه لن يكون مستغربا، خلال مرحلة مقبلة، خوض بعض الدول حروبا من دون استخدام الأسلحة التقليدية، إذ إنها ستعتمد على أنظمة الذكاء الاصطناعي، وأجهزة الكمبيوتر، والمركبات والطائرات المسيرة عن بعد». وذكرت المجلة «أن جنود المستقبل، لن يكونوا بالضرورة مدججين بالأسلحة، بقدر ما ستكون معداتهم تحتوي على قطع إلكترونية ومستشعرات، تستطيع توفير معلومات لمراكز المراقبة، التي ستقوم بإتمام المهام الهجومية عن بُعد». وتوقعت المجلة أن تدار جميع أنظمة القتال الهجومية مستقبلا عبر الإنترنت، وأن التحدي الأكبر أمام حروب المستقبل، لن يكون فقط بامتلاكها التقنية والمعدات المتطورة، إنما بتقوية أمن وحماية الشبكات وأنظمة الاتصال التي تستخدمها، خاصة وأن القرصنة الإلكترونية تزيد يوما بعد يوم، ولم تسلم منها الأهداف العسكرية أيضا، وربما لن يعتمد حسم أي معركة على القدرة الهجومية، وإنما على قدرة الأنظمة القتالية على التعامل مع أي عطل أو اختراق، والاستمرار بعملها ومنع تعطيلها من قبل الأعداء. 
 
خاتمـــــة
من الواضح في ضوء ما سبق أن الولايات المتحدة تقود العالم نحو الاستعداد لمرحلة جديدة من صراعات وحروب المستقبل، التي تستفيد من خبرات ودروس الحروب التقليدية التي شهدها العالم خلال العقدين الماضيين، وهي حروب ترتكز على التكنولوجيا المتطورة التي تعيد تشكيل منظومات الدفاع والأسلحة في العالم، وصياغة الاستراتيجيات الدفاعية لتأخذ في الاعتبار المنظور الشامل لهذه الصراعات، فهي ليست فقط عسكرية وإنما اقتصادية وتكنولوجية وثقافية وسياسية، وترتبط بالصراع على المكانة والنفوذ في النظام الدولي. 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره