مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-11-05

التغير المناخي وأثره على القوات المسلحة

تعتبر انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من العوامل الرئيسة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري ولها علاقة مباشرة في تدهور البيئة في العالم، ومن هنا ظهر ما يسمى بالبصمة الكربونية، وهو مؤشر يتم من خلاله التعبير عن كمية انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري) المستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية وفي وسائل النقل المختلفة والنشاطات الصناعية.
 
 
إعداد: كلية القيادة والأركان المشتركة
التغير المناخي يعرض الأمن الوطني للخطر ويقوض جاهزية القوات المسلحة، ويجعل المنشآت العسكرية تحت خطر الظروف المناخية غير الملائمة، ويجب أن ينظر إلى تهديد الاحتباس الحراري على أنه أولوية أمنية قصوى، فالقوات المسلحة ستكون معنية بالتعامل مع آثار الأحوال الجوية القاسية التي قد تداهم البلاد، ومن هذا المنطلق يهتم القادة العسكريون بالتغير المناخي وتأثيراته من حيث التخطيط والتدريب والتسليح وسبل المحافظة على البنى التحتية ذات الأهمية للاستخدام العسكري.
 
 
يستعرض هذا الفصل المفاهيم المتعلقة بقضية التغير المناخي والتي تنعكس آثارها على المجتمع والقوات المسلحة بشكل خاص، مما يستوجب التعامل مع التهديدات البيئية والمناخية على أنها أولوية أمنية قصوى، ويجب أيضاً تضافر جميع الجهود الوطنية والدولية لتحقيق الاستدامة وحفظ الأمن والاستقرار العالمي، ووزارة الدفاع معنية بتحقيق الاستدامة للتقليل من التداعيات السلبية للتغير المناخي، فالتغير المناخي قد تنشأ عنه كوارث بيئية تستنزف القدرات المالية والبشرية والجهود الوطنية المدنية والعسكرية.
 
 
التغير المناخي 
يقصد بتغير المناخ التحولات في درجات الحرارة وأنماط الطقس بسبب الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري كالفحم والنفط والغاز، فتنبعث الغازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة. وتشمل الغازات ثاني أكسيد الكربون والميثان التي تنتج عن استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني، ويؤدي قطع الأشجار إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون، وتعتبر مكبات النفايات مصدراً رئيساً لانبعاث غاز الميثان. الملحق “جـ” الإمارات ومكافحة تغير المناخ. 
 
 
ونظراً للتوجه العالمي نحو تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، سيصبح التقليل من الأثر البيئي للأنشطة العسكرية ضروريا لتحقيق النجاح العملياتي مستقبلاً، حيث تؤثر الأنشطة العسكرية وبشكل كبير على البيئة، إذ أن في معظم الدولة المتقدمة تعد المؤسسات الدفاعية من أكبر القطاعات المساهمة في الانبعاثات الكربونية، وهي ذاتَ تأثرٍ على عناصر البيئة، من خلال البنية الأساسية التي تمَّ تشييدها، مثل القواعد العسكرية، أو التحركات والتمارين العسكرية واستخدام الذخائر الحية بمختلف أنواعها، أو الأنشطة اليومية التي تتمثل في استهلاك الأوراق وإنتاج النفايات غير القابلة لإعادة التدوير.
 
 
عندما نفكر في المساهمة العسكرية في تغير المناخ، فإننا نميل إلى التركيز على الانبعاثات المباشرة من الوقود أو استخدام الطاقة، ولكن للحصول على تفاصيل دقيقة يجب النظر في سلاسل التوريد ودورة حياة الأسلحة والمعدات والبنية التحتية للقوات العسكرية. فالجيوش تستخدم طاقة ضخمة، وتساهم بشكل سلبي في تغير المناخ. ولكن هناك فجوات كبيرة في البيانات التي تقدمها الشركات الصانعة فيما يتعلق بالانبعاثات الكربونية. فكل عملية بيع تقوم بها الشركات الصانعة لها تكلفة كربون، من استخراج المواد الخام، إلى الإنتاج من قبل شركات الأسلحة، ثم الاستخدام من قبل الجيوش، وإخراجها من الخدمة والتخلص منها عند انتهاء عمرها الافتراضي. 
 
 
الاستهلاك العالي للوقود. تستهلك الدبابة الألمانية ليوبارد مثلاً 400 لتر من الديزل لقطع مسافة 100 كيلومتر فقط، بينما يبلغ متوسط استهلاك الوقود لسيارة مدنية 9.4 لتر لكل 100 كيلومتر، وقد استهلكت القوات الجوية الأمريكية عام 2017 وقوداً بـ 4.9 مليار دولار أمريكي، وعندما تم استخدام قاذفتين من طراز B-2B في يناير 2017 في ليبيا انبعث حوالي 1000 طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وتحلق عادةً الطائرات العسكرية على ارتفاعات عالية، فينتج عن ذلك انبعاث الغازات وتسخين الغلاف الجوي، والتي يمكن أن تستمر كصفائح كبيرة من السحب الرقيقة.
الحرائق الناتجة عن الرمايات. يمكن أن تكون حرائق الغابات مصادر مهمة للانبعاثات الحرارية وتقليل قدرة الغطاء النباتي والتربة على تخزين الكربون، كما تزيد الحرارة المرتفعة في الصيف وظروف الجفاف من مخاطر الحرائق أثناء التمارين والرمايات الحية، وفي الحالات التي تحدث فيها الحرائق على أرض التدريب العسكري، يمكن أن تكون معالجة الحريق معقدة وخطيرة بسبب وجود ذخائر غير منفجرة، وقد تندلع الحرائق الضخمة بعد إطلاق الصواريخ من الطائرات، كما أن التدريبات العسكرية نفسها تولد انبعاثات كبيرة من الغازات، مما يتطلب مراعاة الأمن المناخي والالتزام بإجراء تقييمات مناخية وبيئية لجميع التدريبات العسكرية لتخفيف أية آثار سلبية ستنتج عن ذلك.
 
 
آثار التغير المناخي على قدرات القوات المسلحة 
يشكل التغير المناخي تهديداً خطيراً على الأمن ويؤثر على جاهزية القوات المسلحة وكيفية استخدامها، ويجعل المنشآت العسكرية تحت خطر الظروف المناخية، ويجب أن يتم النظر الى التهديدات البيئية والمناخية على أنها أولوية أمنية قصوى، لأن القوات المسلحة ستكون معنية بالتعامل مع آثار الأحوال الجوية القاسية التي قد تداهم البلاد، ومن هذا المنطلق يهتم القادة العسكريون بالتغير المناخي من حيث التخطيط والتدريب والتسليح وسبل المحافظة على البنى التحتية ذات الأهمية للاستخدام العسكري.
 
 
يمكن أن يشكل تغير المناخ عاملاً مضاعفاً للتهديد في المناطق التي تعاني التوتر وعدم الاستقرار السياسي، فالنزاعات الدولية تحدث بسبب جفاف الأنهار او تراجع الغطاء النباتي ونقص كميات المياه الضرورية للشرب والرعي، كما تحدث النزاعات بين الدول بسبب قضايا الهجرة غير الشرعية الناتجة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية والبيئية للسكان مثل انعدام الاستقرار، والمجاعة، والأمراض، والجفاف. مما يتطلب تضافر الجهود لتحقيق الاستدامة وحفظ الأمن والاستقرار العالمي.
 
 
يؤثر التغير المناخي على أمن الدولة وقدرات القوات المسلحة وطريقة تنفيذ المهام، وقد يؤدي لتعطيل القواعد والمرافق العسكرية وميادين التدريب، مما يتطلب التكيف مع التغير المناخي عبر أخذ المخاطر بالحسبان خلال وضع الخطط الاستراتيجية.
 
 
أ. تتسبب الحرارة الشديدة بالإرهاق وفقدان الوعي والوفاة، وتعطيل وتلف المعدات.
ب. يتسبب الغبار بالمخاطر الصحية، ويخترق الأجزاء الميكانيكية لأنظمة الأسلحة ويعمل على تعطيلها، ويسبب تدني الرؤية وتغيير مسار الطيران، ويقلل القدرة على تحديد مواقع العدو.
جـ. تعتبر الأمطار والفيضانات من الأخطار المناخية التي تهدد الاستعداد القتالي وتشكل أخطار على الأمن القومي والعمليات العسكرية، مما يتطلب الاستعداد الكافي لمواجهة آثارها. 
د. أدت موجات الجفاف والتصحر إلى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية وتراجع منسوب المياه في الأنهار مما زاد من الصراعات على الموارد وظهور تهديدات أمنية تتمثل بالصراعات الداخلية والإرهاب وعدم الاستقرار. 
هـ. يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر لغرق المدن الساحلية ونزوح الملايين، وهذا يتطلب تغيير المفاهيم حول الأمن البيئي وصياغة سياسات لمواجهة موجات النزوح الداخلي المتوقع.
 
 
ارتفاع درجات الحرارة. تعتبر الحرارة الشديدة من العوامل المؤثرة على القدرات القتالية، حيث تتسبب في نقص الماء في الجسم والإرهاق وفقدان الوعي والوفاة، ويمكن أن يؤدي الإرهاق والجهد البدني ووزن المعدات إلى انخفاض القدرة على التحمل عند الجنود، ويساهم ارتفاع الحرارة في تعطيل وتآكل المعدات، والعاملون في الطقس الحار مع الطائرات المقاتلة مثلاً يجدون صعوبة في الحفاظ على الاستعداد القتالي وتجنب الأعطال الإلكترونية وإبقاء الطيارين في لياقة جيدة داخل قمرات القيادة، وبالنسبة لمخططي الضربات الجوية في مراكز العمليات الجوية المشتركة، فالحرارة تجبرهم على اجراء تغييرات في التكتيك وتقلل من القدرة على تنفيذ الضربات الجوية.
 
 
الغبار والعواصف الرملية. يقلل الغبار والعواصف الرملية من القدرة على الرؤية، إضافة إلى اختراق الأجزاء الميكانيكية لأنظمة الأسلحة، وتعطيل أو توقيف البنادق، كما أن تعرض محركات الطائرات للغبار له آثار قصيرة وطويلة المدى على القدرة العسكرية والجاهزية القتالية وعلى العمليات وعلى المطارات، كما تؤدي الرؤية المنخفضة إلى تغيير تخطيط مسار الطيران، وتقلل من القدرة على تحديد مواقع وضرب المدرعات أو القوات البرية المتحركة، بالإضافة إلى ذلك فإن حالات الإصابة بالربو والإصابات الرئوية للجنود تشكل خطراً صحياً كبيراً.
زيادة بؤر التوتر وعدم الاستقرار. في المناطق التي تعاني التوتر وعدم الاستقرار السياسي يمكن أن يشكل تغير المناخ عاملاً مضاعفاً للتهديد، فالنزاعات الدولية تحدث بسبب تقلص الأنهار او تراجع الغطاء النباتي وكميات المياه الضرورية للشرب والرعي، واليوم نشاهد بروز توترات بين الدول مثل النزاع بين مصر واثيوبيا على مياه نهر النيل، كما تحدث النزاعات بين الدول بسبب قضايا الهجرة غير الشرعية الناتجة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية للسكان مثل انعدام الاستقرار، والمجاعة، والأمراض، والجفاف. ولذلك أصبحت قضية التغير المناخي من أشد القضايا خطورة على المستوى المحلي والدولي مما يتطلب تضافر كافة الجهود لحفظ الأمن والاستقرار العالمي.
 
 
الأضرار البيئية وتهديد الأمن الغذائي. يقاس معدل التعرض السنوي لتلوث الهواء بمستويات الجسيمات الدقيقة التي تولدها العواصف الرملية والمركبات الآلية وعمليات التصنيع. ويكثر التلوث في المناطق الحضرية بسبب كثافة حركة مرور المركبات، مما يتطلب فرض الضوابط الصارمة بخصوص الوقود المستخدم، واستخدام معدات لتصفية الانبعاثات. وهناك أخطار متنوعة بسبب التغير في أحوال الطقس والمناخ، مثل موجات الحر والجفاف والسيول والفيضانات والأعاصير والعواصف الرملية، حيث أصبحت هذه الظواهر الطبيعية أكثر تواترا وحدة، وتؤدي لنتائج جسيمة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالجفاف يعمل على نقص إمدادات المياه، وخسارة المحاصيل، ونفوق المواشي، وكلها تهدد الأمن الغذائي، وسيؤدي الاستمرار في التغاضي عن التهديدات المتصلة بتغير المناخ إلى أضرار طويلة الأمد بالنظم البيئية.
 
 
التأثير على جاهزية القوات المسلحة. تشير الجاهزية إلى قدرة الجيش على تنفيذ العمليات العسكرية بكفاءة عالية في الوقت المناسب. ويتضمن ذلك وجود بنية تحتية عسكرية مستقرة وآمنة بما في ذلك المعسكرات والقواعد الجوية والإمداد والشؤون الإدارية والفنية من أجل تنفيذ المهام. حيث إن تغير المناخ مثل ارتفاع مستوى سطح البحر يؤثر بشكل كبير على كفاءة عمل المنشآت العسكرية الساحلية التي تعتبر بالغة الأهمية لتنفيذ العديد من العمليات. ويمكن لتقلبات الطقس المتطرفة الأخرى، مثل الجفاف والفيضانات، أن تسبب ضغوطًا شديدة على البنية التحتية العسكرية الحيوية.
التأثير على العمليات العسكرية. تؤثر تغيرات المناخ على العمليات العسكرية، سواء كانت عمليات قتالية أو مهام إنسانية. يمكن أن يفرض تغير المناخ أعباء كبيرة على سلاسل التوريد والقدرة اللوجستية للقوات المسلحة المشاركة في العمليات. ويمكن أن يؤدي الجفاف الشديد أو الفيضانات في المناطق التي تشارك فيها الجيوش في القتال، إلى تعريض خطوط إمدادات المياه للخطر، وبالتالي تهديد الأفراد العسكريين بشكل مباشر. ويمكن أن يزيد الجفاف الشديد أيضاً من احتمالية الاستيلاء على الموارد المائية كوسيلة ضغط. وقد تؤدي زيادة وتيرة الكوارث الطبيعية وشدتها أيضًا إلى فرض ضغوط على قدرة القوات المسلحة على تقديم المساعدة الإنسانية والإغاثة في حالات الكوارث.
 
 
التأثير على الاستراتيجية العسكرية. يمكن أن يؤثر تغير المناخ على الاستراتيجية العسكرية من خلال زيادة احتمالية الظروف المزعزعة للاستقرار في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية في العالم. فقد تؤدي تأثيرات تغير المناخ على الأمن المائي إلى زيادة احتمالية عدم الاستقرار في المستقبل. وقد يتفاعل تقلب هطول الأمطار مع تزايد عدد السكان في المناطق الحضرية والساحلية، إضافة إلى الطلب المتزايد على الطاقة، ليشكل تحديات هائلة، ويمكن أن تزيد هذه المخاطر من احتمالية استدعاء الجيوش لحل النزاعات أو تقديم المساعدة بعد الصراع. وستضع كل هذه التفاعلات المزيد من الضغوط والتوتر على الاستراتيجيات العسكرية.
 
 
إرهاق الجيوش. مع اشتداد تغير المناخ سوف تتعرض الجيوش للإرهاق بشكل متزايد. فمع زيادة وتيرة وشدة الظواهر الجوية المتطرفة يزيد الاعتماد على القوات العسكرية كأول المستجيبين، إن التهديدات الأمنية الأكثر صعوبة ستأتي من الاضطرابات الناتجة عن تغير المناخ، وقد كان من الصعب التكهن بمدى ارتفاع منسوب البحار واشتداد حدة العواصف على مدى العقود المقبلة، ولكن التقنيات المتوفرة اليوم جعلت من تحقيق هذا الحلم إمكانية حقيقية. إن دمج بيانات صور الأقمار الصناعية والبنية التحتية سيسمح للجيش بفهم أفضل للمناطق المعرضة للغرق أو التي ستضربها رياح الأعاصير العاتية وتأثير إغلاق طريق معين على حركة المرور، أو المدة التي ستستغرقها القاعدة العسكرية لاستعادة دورها.
 
 
تلف المعدات وازدياد المهام العسكرية. إن تغير المناخ قد يجعل المعدات العسكرية عديمة الفائدة، فالحرارة الشديدة لها تأثير مباشر بالفعل على المعدات العسكرية، إن التأثير الأكبر لتغير المناخ على القوات المسلحة هو الطريقة التي يؤثر بها على المجتمعات ويزعزعها. فعندما يعجز الجيش عن مكافحة تغير المناخ من خلال الوسائل التقليدية، فإنه سيضطر إلى تنفيذ مهام عسكرية تتراوح بين الإغاثة الإنسانية والقتال في حالات الكوارث، وإذا كانت دول العالم غير قادرة على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري فيجب على الجيوش أن تخطط لمواجهة انعدام الأمن وتلبية الطلب بتنفيذ المزيد من المهام العسكرية.
 
 
المخاطر على الأمن القومي والعمليات العسكرية والإنسانية. يعتبر الذوبان السريع للجليد والفيضانات المفاجئة والعواصف الرعدية المدمرة من الأخطار المناخية التي تهدد الاستعداد القتالي وتؤدي لقتل العشرات من المدنيين وجرح المئات، ويشكل مخاطر فورية على الأمن القومي والعمليات العسكرية والانسانية في العالم، مما يتطلب الاستعداد كي لا تتأثر المهام بارتفاع مستوى المياه وبالكوارث الطبيعية أو شح المياه والمواد الغذائية، فالتغير المناخي سيؤثر سلبا على قدرات الدفاع عن الأمن وستكون له تداعيات حقيقية على الجيش وعلى الطريقة التي ينفذ بها مهماته، مما يستدعي التأقلم والتكيف مع التغير المناخي عبر أخذ المخاطر بالحسبان في جهود الحرب والخطط الاستراتيجية.
 
 
التهديدات المباشرة والتهديدات غير المباشرة. لن يؤثر تغير المناخ على أمن الدولة فقط من خلال التأثيرات على الاقتصاد والبنية التحتية المادية ولكنه يؤثر أيضًا على القواعد العسكرية، وقد تؤدي التغييرات المادية في البيئة مثل الفيضانات والجفاف والظواهر الجوية الشديدة إلى تعطيل القدرات والمرافق العسكرية، بما في ذلك ميادين التدريب العسكري، وتشعر الجيوش بالقلق بشأن تغير المناخ لأن وظيفتها هي معالجة جميع التهديدات التي تمس أمن الدولة، وتأتي هذه التهديدات في أشكال مباشرة وغير مباشرة، بما في ذلك التهديدات المباشرة للمنشآت العسكرية من ارتفاع مستوى سطح البحر والجفاف الشديد، والتهديدات غير المباشرة من خلال تفاقم عدم الاستقرار في المناطق الحرجة.
 
 
تهديدات الأمن التقليدي وتهديدات الأمن غير التقليدي. يوجد تداخل بين تهديدات الأمن التقليدي ذات الطابع الأمني والعسكري التي تتمحور حول الدول، وتهديدات الأمن غير التقليدي البيئي والمجتمعي والإنساني التي تتمحور حول المجتمعات والأفراد، حيث تتسبب ظاهرة تغير المناخ في تهديدات أمنية تتمثل بالصراعات الداخلية والإرهاب وعدم الاستقرار. ورغم انخفاض الانبعاثات الحرارية في منطقة الشرق الأوسط إلا أنها الأكثر تضرراً من تداعيات التغير المناخي، حيث تسببت موجات الجفاف والتصحر في تراجع المحاصيل الزراعية وانخفاض منسوب المياه في الأنهار مما بتسبب بالصراعات على الموارد.
 
 
تهديدات الأمن الإنساني. من المرجح أن يؤدي التغير المناخي لزيادة النازحين واللاجئين، حيث يتوقع أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر لنزوح الملايين إلى المناطق الداخلية، يضاف إلى ذلك أن المدن الساحلية باتت معرضة للغرق نتيجة ارتفاع مستويات البحر، وبالتالي يمكن القول أن التهديدات الناجمة عن التغير المناخي باتت تتجاوز نطاقات الأمن البيئي والأمن المجتمعي والإنساني واضحت ترتبط بالأمن التقليدي والاستقرار الداخلي، وهو ما يؤكد ضرورة تصعيد الضغوط على الدول الصناعية الأكثر إسهاماً في الانبعاثات الحرارية للمساهمة بقوة في التصدي لتداعياتها الخطيرة، وتغيير المفاهيم حول مخاطر الأمن البيئي وصياغة سياسات لمواجهة موجات النزوح الداخلي المتوقع.
 
 
خلاصة الفصل الخامس
تواجه البشرية أزمة بيئية هائلة، والجيوش العالمية تستخدم المعدات القتالية التي تستهلك الوقود الأحفوري وبالتالي تساهم الانبعاثات الكربونية الصادرة في زيادة مستوى الاحتباس الحراري، مما يؤدي إلى التغير المناخي، ومواجهة ظروف بيئية ومناخية قاسية، ولذلك فإن القوات المسلحة وباقي أجهزة الدولة يعملون على مواجهة هذه التحديات، وإذا حدث تقاعس في اتخاذ الإجراءات اللازمة الآن لوقف ارتفاع الحرارة الشامل فقد نعاني من عواقب لا يمكن مواجهتها، وهناك ضرورة ملحة لإيجاد حلول عاجلة للحد من نتائج التغيرات المناخية وانعكاساتها على الأمن بمختلف أبعاده.
تستخدم القوات المسلحة معدات تعمل على الوقود الأحفوري ولذلك فهي معنية بالعمل إلى جانب الجهات الحكومية لتقليل البصمة الكربونية، وتستطيع القوات المسلحة القيام بالعديد من الإجراءات التي تساهم في الحفاظ على البيئة ومواجهة التهديدات والكوارث الطبيعية والقيام بالواجبات الإنسانية في هذا المجال. ويمكن للقوات المسلحة أن تدعم جهود الدولة من خلال وعي العاملين فيها بخطورة قضايا التغير المناخي، وأن ينعكس ذلك على نوعية المعدات والوقود المستخدم وكذلك على طبيعة المعسكرات ونمط الحياة اليومية للعسكريين، ومشاركة العسكريين في الحفاظ على التوازن البيئي والتنوع الحيوي.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره