مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-03-01

التقنية الرقمية في أنظمة الاتصالات العسكرية

واكبت عمليات الاتصال النشاط العسكرى منذ القدم كمفهوم يتطور باستمرار، ويزداد تعقيداً وتفاعلاً، حسب تعقيد الوضع القتالي نفسه، ومدى التقدم التقني، كما أن هذا المفهوم يتميز بالتعددية والتنوع من جهة، والانخراط في سلسلة من النظم وفق قواعد ثابتة إلى حد ما، من جهة ثانية.
 
إعداد: علي محمد رجب
 
لذلك، تبدو ساحة المعركة الرقمية، امتداداً طبيعياً ومنطقياً لآلية الاتصال اللاسلكي، إضافة إلى الاعتماد على تقنيات متجددة، كالاستناد إلى الألياف البصرية، أو على المقومات التي أدخلتها الانترنت والأقمار الصناعية المتطورة، وتشكل التقنية الرقمية النقلة النوعية المطلوبة في ساحة المعركة، المتميزة بوضع تكتيكي معقد ومتغير، والتعامل بصورة منهجية وفعالة مع هذا الوضع يفترض التحكم بتدفق المعلومات من مصادر متعددة، تمهيداً لتبويبها ومعالجتها، ولعل التقنية الرقمية، التي استفادت بصورة مباشرة من الإنجازات المدنية، والأبواب التي فتحتها الانترنت، تعمل على تسخير الإمكانيات المتوفرة لتوزيع المعطيات في سياق حرب المعلوماتية، مما يفسر صفة التماثل بين الشبكات العسكرية المستندة إلى هذه التقنية والشبكات المعدة للاستخدام المدنى، والقاسم المشترك الرئيسي بين الحالتين هو الاعتماد على النمط اللاسلكي لبث المعلومات.
 
إن أهم ملامح أجيال أجهزة الاتصالات العسكرية الحديثة هو زيادة نسبة استخدام المكونات التى تتعامل مع الإشارات الرقمية على حساب المكونات التماثلية المستخدمة فى بناء هذه الأجهزة، ومن المتوقع الوصول إلى بناء الجهاز الرقمى الكامل، وأن يسفر هذا التطور في تكنولوجيا تصميم الأجهزة اللاسلكية عن طفرة كبيرة في الاتصالات التكتيكية، يمكن أن تقارن بالطفرة التي حدثت في مجالات المعلومات والحاسبات، والتي واكبت الانتقال من الحاسبات التماثلية إلى الحاسبات الرقمية.
 
وأسهمت التقنيات الإلكترونية الحديثة، وأساليب تصميم الدوائر الإلكترونية بواسطة الحاسب الآلي، في إحداث طفرة في إنتاج قنوات اتصال عريضة النطاق الترددي، بما سمح باستخدامات هي من الأعمدة الأساسية لثورة الاتصالات، حيث أمكن إرسال كم كبير من المعلومات الرقمية، وبسرعة كبيرة.
 
وتاريخياً، وضعت نظرية الاتصالات الرقمية عام 1948عندما توصل العلماء إلى إمكانية التعبير عن الإشارات التماثلية (وهى الإشارات المستمرة في الزمن والقيمة) بإشارات محددة (رقمية)، وإمكان استرجاع المعلومات منها، إلا أن الأجزاء الرقمية فى أجهزة الاتصالات اقتصرت فقط على عناصر التحويل Analog/Digital Converter (A/D) والعكس D/A، أما باقي عناصر الاتصالات، فقد ظلت تماثلية كما هي.
 
وبمدى تأكد الاتجاه نحو تكثيف استخدام الكمبيوتر وأنماط المعالجة الالكترونية فائقة السرعة، للتحكم وتوجيه نظم الأسلحة والمستشعرات، انطرحت على بساط البحث تدريجياً التقنيات الرقمية لتوصيل المعلومات والربط المحكم بين أجهزة الاتصال، وبما أن الساحات الرقمية تمثل في العمل العسكري البري مجالاً مفتوحاً لاستغلال القدرات أكثر من السيناريوهات البحرية أو الجوية، فقد تبين على ضوء التجارب أن نطاق التردد العالي جداً VHF، يمثل نافذة الاختراق الأساسية ومحور المحاولات الأكثر تقدماً، ولا يلغي ذلك أجهزة الاتصالات الصوتية، وليس هناك من أي تضارب بين متطلبات نقل البيانات عن ساحة المعركة والتمتع بإرسال صوتي واضح ممتاز، ولعل في ذلك ما يفسر أن العديد من النظم التي قطعت شوطاً بعيداً في الاختبارات، وستدخل قريباً مجال الخدمة الفعلية، تجمع في نسق تكنولوجي مدمج بث الأصوات ونقل البيانات.
 
وميدان البث الرقمي فحواه الاستناد إلى المعطيات الرقمية بدلاً من المعطيات الصوتية، لتوفير أمان عملياتي مكثف خلال ممارسة الإرسال ولكن، بخلاف البث الصوتي التقليدي، يفترض التزود بجهاز لإدخال المعلومات على شكل آلة كاتبة بلوحة مفاتيح، مع شاشة عرض، وذاكرة كمبيوتر للتخزين، وفي هذه الحالة، وعلى الرغم من اعتماد نسق الارسال اللاسلكي، يتغير تماماً نمط البث ليأخذ شكل إعادة ترحيل رقمية للمعلومات المتوافرة، كما أن فترة الارسال في المقابل تختلف حسب طول الرسائل. ولتوفير المزيد من الأمان يتم التحقق بواسطة المقارنة بين آلية البث وآلية الاستقبال وفق ترتيبات تكون معدة سلفا.
 
ومن الدلائل المباشرة التي أشارت إليها البرامج الحديثة فى نطاق الاستخدام العسكرى، اللجوء المتزايد والمتطور للتقنيات الرقمية من أجل السيطرة على المعارك، ومعالجة أقصى ما يمكن من المعلومات. ولقد كان عقد التسعينات من القرن العشرين هو المدخل الفعلي لاعتماد هذا النمط من الاتصال في اطار يتسع مجاله باستمرار، ويشمل أيضا القطاع المدني. ولعل الثورة المعلوماتية الشاملة والجذرية عبر الهاتف الخلوي وشبكات الانترنت والأقمار الصناعية، توسع من حقل الاستخدام ومداه، الى جانب المساهمة في بلورة مفاهيم وتقنيات جديدة.
 
مميزات الاتصالات الرقمية
يؤدى استخدام المكونات الرقمية إلى زيادة إمكانيات الاتصالات اللاسلكية، بالإضافة إلى تصغير حجم أجهزة الاتصالات المحمولة، وتقليل وزنها، وتبسيط تشغيلها، ولكن، من ناحية أخرى، فإن ذلك يؤدى إلى ازدحام الحيز الترددي الذي تعمل فيه الأجهزة، مما زاد بالتالي من تداخل الإشارات، وسبب مشكلة مماثلة لمشكلة الاعاقة المعادية، ولحل هذه المشكلة، تستخدم أساليب الإدارة المتكيفة للترددات، حيث يقوم جهاز الاتصالات آلياً بفحص الطيف الترددي لمعرفة ما إذا كانت نسبة الإشارة إلى الشوشرة عند الترددات المختلفة كافية لتحقيق اتصال ناجح، وذك بإرسال إشارة اختبار من قسم الإرسال إلى قسم الاستقبال فى الجهاز، وإعادة إرسال هذه الإشارة فعلياً، وبذلك يمكن حصر قنوات الاتصال الجيدة.
 
وتتميز الاتصالات الرقمية بالإمكانيات الآتية:
- إمكانية التكويد الرقمي وما يوفره ذلك من درجة سرية عالية بالمقارنة بالتكويد التناظري، بالإضافة إلى أنه يسهل عملية تصحيح الأخطاء.
- قدرة أفضل على تمييز الأصوات.
- سهولة مقاومة الإعاقة، كما هو الحال في الأنظمة التي تعتمد على تكنولوجيا الطيف الممتد Spread Spectrum.
- إمكانية استرجاع الإشارات بصورة أفضل.
- سهولة تداول الإشارات باستخدام أساليب التخزين وتدفق المعلومات مع العديد من الشبكات وتبديل الحزم Packet Switching.
 
الاتصالات الرقمية عبر الأقمار الصناعية
في محاولة الإنسان للتغلب على المسافة وعلى تأثير الموقع، تفتق ذهنه، عن فكرة استخدام الأقمار الصناعية في المدارات التي يرتفع بعضها عن سطح الكرة الأرضية بمسافة 36.000 كم، للربط بين شبكات الاتصال المختلفة، وتبادل الإشارات التليفونية، والتلفزيونية، والرسائل الرقمية، من خلالها، متخطياً بذلك جميع العوائق، أيا كان ارتفاعها أو اتساعها، والأقمار الصناعية التي تستخدم الترددات المرتفعة للغاية EHF، ذات تكلفة مرتفعة، وقدرة أفضل على حركة المحطات الأرضية، ودرجة عالية لمقاومة التدخلات الإلكترونية، ولها قدرة عالية على استيعاب الرسائل ذات المعدلات العالية لتدفق البيانات الرقمية؛ وهذه الأقمار لازالت في مرحلة النمو وينتظر، مع التقدم التكنولوجي، أن تحقق مزايا وإنجازات غير مسبوقة.
 
والبرنامج الأمريكى المسمى "المعلومات الرقمية الاستكشافية المشتركة" Joint Expeditionary Digital Information Program (JEDI) خاص بهيئة الفضاء والدفاع ضد الصواريخ في الجيش الأمريكى، ويعتمد على جهاز كمبيوتر يدوي، يتصل بقمر صناعي للاتصالات المدنية، والوزن الكلي لهذا الجهاز حوالي كيلوجرامين فقط، كما يمكن ربط النظام بجهاز للملاحة ونظارة لتحديد المدى بالليزر. ويمكن للجندي تحديد مكان المواقع المعادية بدقة باستخدام نظارة تحديد المدى وجهاز الملاحة، وإرسال احداثيات الموقع لقيادته، ولا يستغرق ذلك أكثر من دقيقتين، وعلى العكس، يمكن أن يمد مركز القيادة الجنود باحداثيات مواقع العدو القريبة منهم.
 
الاتصالات الرقمية في حيز التردد العالي
إن أنساق الاتصال بشكل عام، التقليدية منها والرقمية، تحاول دائماً تخطي المعوقات الطبيعية والتضاريس الأرضية المرتفعة والحواجز المحصورة في إطار جغرافي وعملياتي ضيق، وليست مصادفة أن يكون نطاق التردد العالى جداً هو الأوسع استخداماً في حقل تكثر فيه الآليات على أنواعها، وأحياناً لتحسين شروط البث، يمكن إقامة محطات ترحيل، تعمل بنمط تتابعي لتوسيع المدى، وإن كانت فعالية هذا الإجراء غير مضمونة دائماً في ظروف قتالية يغلب عليها طابع التكثيف والتداخل.
 
ولا يمثل طيف التردد العالي جداً الجانب الوحيد في ادخال وتعزيز التقنيات الرقمية، إلا أنه الجانب المسيطر، الذي أثبت صلاحية واسعة ومجربة في إطار التقنيات التقليدية، مع تغطية ممتازة لكافة مسارات الإرسال التي تعبرها الموجات الصوتية، وفي تصور مكمل، بهدف نشر نظم اتصال على أوسع نطاق ممكن مع تأمين الحركية المطلوبة، يمكن اللجوء إلى خطوط الاتصالات الأرضية، وفي أي حال، ليس هناك من نطاق اتصالي لا يخلو من الشوائب، حتى في مجال المعالجات الرقمية الأكثر تقدماً حتى الآن، وحيث أن المعوقات على مستوى السطح والتضاريس والارتفاعات البيئية توهن من الطيف الترددي للتردد العالي والعالي جداً، فإن الطيف ما فوق العالي UHF يعاني من آثار مماثلة في الأحوال الجوية السيئة، أو في محيط تسيطر عليه الرطوبة المرتفعة.
 
وبالرغم من عيوب الاتصالات بالترددات العالية، فإنها مازالت أكثر مرونة، وأقلها تكلفة لتحقيق اتصالات قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، ومعظم أنواع الأجهزة اللاسلكية التي تعمل في هذا الحيز من الترددات لا تقاوم الاعاقة، وقد تم إحراز تقدم ملموس لتحسين الاتصالات بالترددات العالية من خلال استخدام الاشارات الرقمية والقفز الترددي، بالإضافة إلى استخدام وحدات تعديل، والتحكم بواسطة المشغلات الدقيقة، وشملت مجالات التطوير عمليات تحليل الاتصال بصفة مستمرة، وذلك بإرسال اختبار وقياس جودة الاتصال، ثم تحويل الاتصال آلياً إلى القناة الأفضل عند ضعف قناة الاتصال المستخدمة.
 
ويتألف نظام Panther-5، الذي يسهل من نقل البيانات الرقمية المختلفة إلى داخل نظم الأسلحة والمستشعرات، من سلسلة من أجهزة الراديو المحمولة فردياً والمستخدمة يدوياً، الخاصة بالآليات والقواعد، لأغراض البث الثابت والبث القافز وتعديل أنماط التشغيل، وتسمح قدراته الذاتية المدمجة بإضافة آلية للمعلومات الواردة من أجهزة تحديد الموقع عالميا GPS ضمن عمليات البث المزدوج، البياني والصوتي، وداخل سلم البيانات وتحديد أهميات تبويبها، يعطي النظام الأولوية للبيانات ذات الطابع المركزي في الحرب الالكترونية وتعليمات اطلاق صواريخ الدفاع الجوي المضادة للطائرات، إلا أن نجاح نسق التشغيل في النظام المذكور يتوقف في المستقبل على مواجهة مشكلة نقص الترددات في حال تضخمت إلى حد كبير وسائل الدفق في المعلومات البيانية والصوتية المدمجة.
 
وقد تكون نظم الاتصالات المتطورة العاملة على النمط الرقمي، والتي تشكل حلقات السلسلة ضمن شبكة RITA الفرنسية للاتصالات التكتيكية، مفتاحاً آخر في التوصل إلى تحقيق برامج رقمية مدمجة عالية التقنية لتأمين الاتصال الصوتي وايصال البيانات وتبويبها في الوقت المناسب، وبالسرعة المطلوبة، وإلى جانب ذلك، تتوفر الآن نظم اتصالات تكتيكية فعالة مضبوبة الحجم للاستخدام الفردي.
 
الاتصالات الرقمية فى حيز الترددات فائقة الارتفاع
تستخدم الترددات فائقة الارتفاع Super High Frequencies: S H F ( من 3 إلي 30 جيجاهرتز) بصفة أساسية لتحقيق الاتصالات التي تحتاج لنقل معدلات عالية من البيانات الرقمية، ومن خلال توفر خط الرؤية المباشر، وهذا الحيز يُستخدم في الاتصالات متعددة القنوات، أو الانعكاس من طبقات الجو العليا، أو باستخدام الأقمار الصناعية؛ وتتراوح مسافة الاتصال من 60 كم باستخدام الموجات الأرضية وخط الرؤية المباشر، إلي مسافة غير محدودة، عند استخدام الأقمار الصناعية بأسلوب الموجات المباشرة، أما عند استخدام الانعكاس من طبقات الجو العليا، فتتراوح مسافة الاتصال من 160 كم إلى 480 كم، طبقاً لعدد قنوات الاتصال المستخدمة، فكلما زاد عدد قنوات الاتصال الصوتي، كلما انخفضت مسافة الاتصال، ويسمح حيز الترددات فائقة الارتفاع، بتبادل إشارات ذات نطاق عريض، يمكنها استيعاب معدلات بيانات رقمية عالية، كما يمكنها نقل إشارات رقمية وتناظرية مختلطة.
 
الاتصالات الرقمية في حيز الترددات الضوئية
الحل الحقيقي لمشكلة الاتصال ونقل معدلات عالية جداً من البيانات، يتمثل في استخدام الترددات الضوئية، ولم يصبح ذلك ممكنا إلا بعد اكتشاف خواص الألياف الضوئية وهذه الألياف تتكون في أبسط صورة من قلب من مادة زجاجية، وجراب من مادة أخرى، ويتراوح قطر الليفة الضوئية المعتادة من 1000 ميكرومتر إلي 1500 ميكرومتر. فلسنوات عديدة، كان معلوماً أن استخدام الموجات الضوئية يصلح للاستخدامات التي تحتاج إلي حيز إمرار عريض جداً، وهو المطلب المناسب لنقل معدلات عالية من البيانات الرقمية.
 
وتردد الموجات الضوئية يقع بين حيز الترددات 1310هرتز و 1610 هرتز ( ملحوظة: 1310 تعنى 13 صفر أمام الرقم واحد). والمشكلة الأساسية في هذا الحيز، هي أن هذه الموجات تعاني من مشاكل عديدة خلال انتشارها في الجو المحيط، تجعلها لا تصلح للاتصال إلا عبر مسافات لا تزيد عن أمتار قليلة، وبعد اكتشاف الأدلة الموجية المصنوعة من الألياف الضوئية، تبين إمكانياتها الضخمة في نقل الموجات الضوئية.
 
وتتميز قنوات الألياف الضوئية، بسعة نطاقها الترددي، الذي يتجاوز بمئات المرات النطاق الترددي للكابلات المحورية وقد حدث في السنوات الأخيرة تقدم كبير في تصنيع كابلات الألياف الضوئية، وأصبحت نسبة الفقد في قوة الإشارة قليلة جدا، مما يساعد على استخدامها في الاتصالات عبر المحيطات، وبالإضافة إلي قدرة هذه القنوات على استيعاب حركة اتصالات كبيرة من المكالمات الهاتفية، إلي البرامج التلفزيونية وغيرها، فإن التداخل بين الإشارات فيها أقل بكثير من مثيله في الكابلات المحورية، والإشارة المرسلة خلال هذه القنوات تكون في صورة شعاع ضوئي مصدره صمام ضوئي مشع، أو شعاع ليزر، تتغير شدته طبقا للرسالة المراد نقلها، وفي جهاز الاستقبال يتم الكشف عن شدة الضوء بواسطة صمام ضوئي ثنائي كاشف ومن المتوقع أن يتم إحلال شبكات الألياف الضوئية محل جميع الشبكات السلكية النحاسية.
 
وإضافة إلي حيز الإمرار العريض جداً الذي توفره الألياف الضوئية، فإن الاتصالات عبرها توفر العديد من المميزات، من أهمها، الحجم والوزن والمرونة، فالألياف الضوئية ذات قطر صغير جداً، ويمكن تجميع عدد ضخم جداً من تلك الألياف في كابل لا يزيد قطره على قطر الكابل المحوري التقليدي، كما أن الألياف الضوئية محصنة تماماً ضد المجالات الكهرومغناطيسية الخارجية، وبذلك لا تعاني من أي تداخلات خارجية، وذلك بالإضافة إلى ميزة الأمن والسرية، لأنه من العسير جداً التصنت على الإشارات المنتشرة خلال الألياف الضوئية.
 
والعيب الرئيسي للألياف الضوئية هو الصعوبات المرتبطة بتنفيذ الدوائر التي تستخدمها، حيث يلزم استخدام مكونات ذات مواصفات خاصة، تتحمل نقل معدلات البيانات العالية، وسرعة أداء هذه المكونات هي المحدد الأول والوحيد الذي يحكم خواص دوائر الألياف الضوئية، وصعوبة ربط المكونات مع الألياف الضوئية، والتكلفة المرتفعة للمكونات المناسبة، تحدد استخدام الألياف الضوئية للاتصالات، التي تتطلب تبادل معدلات عالية جداً من البيانات، يصعب نقلها بأي وسائل أرخص أو أسهل.
 
أحدث أجهزة الاتصالات الرقمية
المطلوب هو التأقلم مع معطيات تكثيف المعلومات ووضعها البياني الرقمي في أنساق حسنة التبويب وسهلة القراءة وبالغة التماسك، ولهذا، تنتج شركات متخصصة أجهزة الراديو الرقمية متعددة الموجات، لتلبي احتياجات الاتصالات المتداخلة في عمليات القوات من مختلف الأسلحة والتشكيلات، وفي هذا الإطار، تم استحداث عائلة FALCON II لأنظمة الاتصالات المدمجة، التي تستطيع تأمين تواصل القوات البرية مع القوات الجوية والبحرية، على حد سواء. وأهم الأجهزة اللاسلكية الجديدة هو الجهاز RF-5800M الذي يعمل ضمن ترددات ما بين 30 و 512 ميجاهرتز، ويستطيع تشفير المكالمات، ويمكن حمله على الظهر، أو تركيبه على متن المركبات المتنوعة، ويتميز هذا الجهاز بقدرته على التقاط وارسال المعلومات ضمن شبكات يصل عددها إلى 25 شبكة مبرمجة، وفي الوقت نفسه، يسمح بالدخول على شبكات الإنترنت، وإجراء المكالمات الهاتفية، أما الجهاز RF-6010 من عائلة "فالكون" الذي يركب على المركبات، فهو يوفر اتصالات برية واسعة، ويدخل على شبكات في مناطق شاسعة، وله القدرة على تأمين برامج القيادة والسيطرة والاتصالات والكمبيوتر والاستخبارات C4I، وبالتالي، يمكن العسكريين من تحديد مواقع العدو وتحركات قواته ومراكز قياداته ومناطق تموينه وإخلائه الطبي.
 
ولعل برنامج الاتصالات البريطاني الذي أطلقته وزارة الدفاع البريطانية ودوائر الأبحاث التابعة لها في مطلع تسعينيات القرن الماضى، يشكل مثالاً بارزاً عن التحولات النوعية الآخذة بالاتساع وفق ايقاع متسارع، وهذا البرنامج، الذي يستفيد من خبرة 30 عاماً في النقل المحدود للبيانات الرقمية من خلال النظم اللاسلكية العسكرية، طرح هدفاً استراتيجياً في تغطية كامل شبكة الاتصالات المستقبلية في بريطانيا، بحيث تتفوق تدريجياً قدرات البيانات على قدرات نقل الأصوات، ويبدو أن شبكة النظام البريطاني، حين نشرها العملياتي الكامل، ستوفر اتصالات رقمية ممتازة ضمن النطاق الترددي العالى جدا VHF لمسافات تزيد على 175 كم، وبشكل متواصل، مهما كانت العوائق البرية القائمة، لكن، حيث أن هذا المدى يتجاوز بكثير المدى المصطلح عليه لمحطات ارسال نطاق التردد العالي جداً، سيتم الاعتماد على محطات ترحيل متوسطة لإعادة الارسال وتقويته بالدرجة المطلوبة، قبل تلقيه من مواقع تجمع وانتشار القوات المسلحة، وفي هذا السياق العام من التطور نشرت إحدى الشركات نظام الراديو الرقمي المحسن الذي يعتبر العنصر الأساسي في الشبكة، ومن مميزاته القدرة على البث المتزامن للمعطيات البيانية والصوتية من خلال التشفير الرقمي، مما يسمح أيضاً بنقل الصور الفيديوية والبريد الالكتروني .
 
وتنتج شركة ألمانية مجموعة كبيرة من أجهزة الاتصالات الراديوية التكتيكية، الصالحة لاستعمال القوات المسلحة براً وبحراً وجواً، وفي هذا المجال، أنتج الراديو التكتيكي المتطور M3TR متعدد الموجات ليلعب أدواراً فعالة في تأمين الاتصالات كافة خلال العمليات الحربية في اللحظة المطلوبة، وبسرية كاملة، وهو مصمم ليركب على مختلف أنواع المركبات، والشاحنات وناقلات الجند والدبابات، وهو سهل الادماج في مختلف الظروف، كونه يزن  3.3 كجم، وبالتالي، يعتبر من الأجهزة اللاسلكية المطلوبة لاستعمال العسكريين، ويتم تحديث برمجياته من خلال وصلة على لوحة التحكم، ويمكن إدماجه في شبكات معتمدة وفق بروتوكول، ويسمح بإرسال البيانات والفيديو في الوقت الحقيقي تقريبا، ويغطي الترددات العالية HF والعالية جداً VHF وفوق العالية UHF، ويقدم النظام إرسالاً متزامناً ومتواصلاً بالصوت والبيانات.
 
ازدادت الاتصالات أهمية في حياتنا اليومية، وفي سيناريوهات القتال الحديثة، ومرت أنظمتها بتطورات عديدة، من التماثلية إلى الرقمية لتوفر اتصالات آمنة، وحدث نمو سريع في صناعة وتكنولوجيا الاتصالات الرقمية نتج عنها تقديم خدمات اتصال متقدمة وعالية الجودة في شبكات هذه الاتصالات، تتميز بالسرعة في نقل المعلومات، وتقليل مدة تحقيق الاتصال في الشبكات، وانخفاض عدد مصادر الخطورة، وإمكانية تمييز الإشارات الصديقة من المعادية، ولعل أهم ملامح تطور أجهزة الاتصالات اللاسلكية العسكرية الحديثة هو الاتجاه نحو الاتصالات الرقمية، ومن المتوقع الوصول إلى تصميم الجهاز الرقمي الكامل، الذي ينتظر أن يسفر عن طفرة كبيرة في الاتصالات اللاسلكية، يمكن أن تقارن بالطفرة التي حدثت في مجال تقنية المعلومات عندما تحولت من الحاسبات التماثلية إلى الرقمية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره