مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2024-01-05

الحرب المعلوماتية.. حرب الحاضر والمستقبل

المجتمع الخامس Fifth Society أو مجتمع ما بعد المعلومات هو المجتمع الذى تندمج فيه ثلاثة عناصر أساسية هى : “ المعلومة ، الآلة ، عقل الإنسان “ والذى يأتى بعد أربعة أجيال تمثلت فى : مجتمع الصيد ، الزراعة ، الصناعة ، والمعلومات، وبما أن المعلوماتية هى السمة البارزة فى وقت تسود فيه الصراعات بإختلاف أشكالها بالتزامن مع الرغبة المُلحة فى اللحاق بكل ما هو جديد ومبتًكر فى مجال التقنيات التكنولوجية  ، تولدت مصطلحات كثيرة لترجمة مظاهر تلك الحالة من أهمها “ حرب المعلومات “ ، وهنا سنلقى الضوء على بعض المصطلحات أو النقاط ذات الصلة بالحرب المعلوماتية أهمها : 
 
بقلم: د. مي مصطفى
استاذ الصحافة والرأي العام
 
* تغير أنماط الحرب :
فلقد بات التغير سمة أساسية فى جميع أمور الحرب..أساليبها، أدواتها، أنماطها كالحرب العسكرية ، التكنولوجية، البيولوجية، المعلوماتية وغيرها، كذلك جمهورها الذى صار أكثر وعيا بمجريات الحرب وإدراكا لحقائقها وأكثر ذكاءا فى الحكم على نتائجها .
 
لكن الأمر الثابت فى كل الحروب هو المعلومة، فهى الركن الأساسى الذى يتم توظيفه تحقيقا لأهداف الحرب ، فقد قامت العديد من الحروب تحت مبرر المعلومة، فما حرب العراق 2003 إلا حرب نشبت بسبب إدعاءات ثبت بطلانها وتم اعتبارها مهمة غير عادلة خاصة مع استمرارها فترة ليست بالقصيرة وعدم حسمها بشكل نهائى .، ففى كتاب لـ  J. Boone Bartholomees, 2008 يقول فيه أن القصف الشامل والمدمر الذى تلجأ إليه قوى تمتلك قدرات هائلة يكمن هدفه الأساسى فى إحداث الصدمة والترويع لدى الخصم بهدف كسر إرادته ومن ثَم ممارسة التأثير النفسي في جمهوره أو الرأي العام المتحالف له، وكل ذلك يتم من خلال نشر المعلومات والآراء ، خاصة مع تطور قوة الثورة المعلوماتية والإعلامية حاليا، فقد أصبح من الصعب حجب المعلومات أو التحكم فيها بشكل كلى، فى ظل استخدام الإعلام بوسائله المختلفة كأداة لنقل الحروب وتطوراتها من خلال تأطير أحداثها بما يتفق مع مواقف الدول الباثة للوسائل الإعلامية ، والتى تستخدم الإعلام كأداة للضغط على الرأى العام، والحكومات ، أو للتبرير ، أو إثارة العواطف أو لوضع حد لأعمال الحرب، مع الوضع فى الاعتبار أن للإعلام قوة نسبية فى التأثير ، فهو عاملا مساعدا وليس حاسما فى توجيه الأحداث وفقا لموقف أو مصلحة ما . 
 
*الحرب النفسية الإلكترونية :
غالبا ما يتم استخدام المعلومات كخطة للخداع الاستراتيجى لنشر الأفكار المرغــوبــــة السلبيــــة والإيجابيــــة ، الحقيقيــــة أو الوهميــــة ، فما الحــرب إلا خدعــة يتم اســتخدام الحيلة والمكايــدة ضمن أدواتها بهدف هزيمة العدو وإفشـاله، ولهذا سعت الدول الكبرى منذ القــدم فى الحربين العالميتين إلى اســتهداف الروح المعنوية للشعــوب المعاديــة واضعافها لدى جيوشها، وقد كانت الدولة الألمانية خير مثال على ذلك من خلال ما قام به وزير دعايتها “جوبلز“، وتعـد الشائعات الإلكترونية من أحــد أبرز وســائل الحرب النفسيــة، وتتسم بقدرتها على صنع حالة من البلبلة والشك الذى يؤدى لبث الفوضى والروح الإنهزامية بين الفئات المجتمعية بتعددها .
 
تقوم الشائعة على أساس معلوماتى يتسم بالكذب والتضليل ويتم صنعها بحرفية عالية لإحداث التأثير النفسى والاجتماعى المرغوب تحقيقه، ولكن الجانب الأخطر الذى نواجهه فى وقتنا الحالى هو ما يسمى بـ “ الشائعة الإلكترونية “ التى يتم إطلاقها وانتشارها عبر وسيط إلكترونى تتوافق سماته مع سماتها والتى تكمن فى : الإيجاز ، سهولة التداول ، السرعة فى النقل والانتشار ، موجزة خاصة إذا ما امتلكت الشائعة معايير التصديق والتقبل لدى الجماهير وإذا ما ارتبطت ببيئة محيطة متأزمة يعانى أفرادها من التوتر وبالتالى زيادة رغبتهم فى البحث عن المعلومات كمحاولة للتغلب على حالة عدم الوضوح المعرفى لديهم ، بالإضافة إلى اتساقها مع الثقافة المجتمعية الموجهة إليها وتزويدها بعناصر الجاذبية والتشويق التى تتيحها الوسائط الالكترونية .
 
* الجرائم الإلكترونية : 
فهى من الظواهر الإجرامية المستحدثة والمبنية فى وقوعها على أساس جمع المعلومات اللازمة من خلال التقنيات التكنولوجية وشبكات المعلومات الدولية ، وستزداد نسبتها مع تزايد الاعتماد العالمى على تكنولوجيا المعلومات والإتصالات ، وتستهدف هذه النوعية من الجرائم المواطن والدولة على حد سواء مخلفة بذلك نوعية جديدة من الأدلة الرقمية تختلف تماما عن الأدلة التقليدية للجرائم .
 
 * الإغراق المعلوماتى : 
صنعت الإنترنت باعتبارها وسيطا إتصاليا يتسم بالضخامة طيفا واسعا من التعددية المعلوماتية الذى نتج عنه تضخم العبء المعرفى لراغبى البحث عن المعلومات نتيجة لغزارة وتنوع الخيارات المعلوماتية ، فيضطر أفراد الجمهور أحيانا كثيرة إلى بذل مزيد من الجهود للتأكد من صحة ودقة بعض المعلومات ، أو قد يتسبب الوضع فى إنتاج معرفة مشوهة بالمزج المعرفى بين ما هو نافع وضار نتيجة التعرض الفوضوى للمعلومات وعدم القدرة على الحكم على مدى مصداقيتها أو تكاسل المتلقى عن القيام بدور المدقق للمعلومة ، أو قيام البعض باستثمار بعض المعلومات الصحيحة والقيام بترويجها بطرق غير أخلاقية متبعا ما يُعرف بأسلوب دس السم فى العسل ، وهنا نجد مع الوقت تحول الوسائط المعلوماتية إلى وسائط دعائية تمارس تحيزاتها بالاستعانة بتوظيف نماذج علم النفس المعرفى فى التأثير على ذهن المتلقى وإقناعه من خلال عرض وتنظيم المعلومة بأساليب مدروسة قد تكون مبنية على وقائع سليمة أو دون ذلك .
 
* الأملاك المعلوماتية : 
تمتلك الدول أنواع مختلفة من القوة ، فهناك Hard Power المتمثلة فى القوة العسكرية ، القوة الناعمة Soft Power بتوظيف الأدوات الإجتماعية والثقافية للدولة بإختلافها من بعثات تعليمية ، إقامة معارض ، أنشطة المراكز الثقافية ، ما تنقله الوسائل الإعلامية ودورها فى نقل وترسيخ الصور الذهنية المختلفة عن الدول ، كذلك ما تمارسه الدبلوماسية الشعبية، وهناك Smart Power كمفهوم جديد فرض نفسه فى العلاقات الدولية  ، فمن الصعب حاليا أن نتخيل صراعا عسكريا دون  أن يتضمن أبعادا تكنولوجية والدول القوية هى تلك الدول التى تستثمر فى التكنولوجيا بما يدعم من قوة حضورها فى التفاعلات الدولية ، خاصة أن الذكاء الاصطناعى لعب دورا مهما فى نمط الأسلحة والخطط العسكرية بما يضيفه من تقنيات جديدة تعزز من قدرات الدول من خلال تقنيات الاستشعار عن بُعد ، الإدراك الآنى للمتغيرات ، المناورة ، واتخاذ القرار تحت ضغط .. وغيرها ، ولهذا كان لدولة الإمارات خطوات جادة وسريعة لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعى والعمل على تعزيز جاهزيتها للمستقبل واستكشاف الطرق المثلى للاستفادة من تلك التقنيات فى مختلف القطاعات حيث تهدف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعى إلى تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل ، و الاعتماد على الذكاء الاصطناعى فى الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام  2031 ، والارتقاء بالأداء الحكومى ، والوصول إلى أن تكون حكومة الإمارات الأولى فى العالم  في استثمار الذكاء الاصطناعى بمختلف القطاعات الحيوية ، وصنع سوق واعدة ذات قيمة اقتصادية عالية فى المنطقة.
 
* الحرب السيبرانية : 
ويرتبط مفهومها بمفاهيم الحرب المفتوحة وحروب الجيل الرابع والحرب الهجينة ، وتعنى استخدام مجموعة من الأدوات التقليدية وغير التقليدية بهدف تقويض إرادة الدولة ونزع شرعيتها شعبيا بما يؤدى إلى حدوث إنهيار داخلى بين فئاتها الإجتماعية المختلفة ، قد يكون ذلك من خلال ما يُعرف بالذباب الإلكترونى الذى ينشر المعلومات المزيفة أوتوظيف المعلومات الصحيحة المنزوعة من سياقاتها فتتعرض الجماهير لما يُعرف بـ “ الاحتيال المعلوماتى “ بغية افتعال الأزمات كمحاولة للعمل على إعادة تشكيل الرأى العام رقميا كنوع من التهديدات ذات الطابع الأيديولوجى وهناك التهديدات ذات الطابع الاستراتيجى أو الإرهاب الإلكترونى بهدف التجسس أو الاختراق للاستيلاء على معلومات ما أو بث الخوف فى النفوس ، وكذلك التهديدات بالوقوع فى مشاكل تقنية قد تتسبب فى فقد كلى أو جزئى للنظام المعلوماتى  للدول بهدف تدمير انسيابية المعلومات لدى الخصم أو التحكم فى منظومة أسلحته أو إصابته بالشلل والإرباك فى إدارة عملياته العسكرية ، ولعل أبرز مثال لحالة من حالات الحرب السيبرانية ما حدث فى عام 2016 بعمليات القرصنة الروسية التى استخدمت وسائل التواصل الاجتماعى للتلاعب بالخطاب العام فى انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية من خلال قيادة حملة تأثير لإلحاق الضرر بهيلارى كلينتون وإضعاف فرص فوزها حيث كانت القيادة الروسية أكثر تفضيلا للمرشح الرئاسى دونالد ترامب ويعكس هذا المشهد حالة التنافس على المعلومات وسعى كل الدول خاصة الكبرى منها لاستخدام الفضاء السيبرانى لصالحها 
 
*صناعة التكنولوجيا واستخدامها فى حرب المعلومات 
لقد زاد استهلاك التكنولوجيا خاصة بعد جائحة كورونا ، فبالرغم من تأثيراتها السلبية إلا أنها امتلكت عدة تأثيرات إيجابية على الاقتصاد المعلوماتى ، فقد زاد الطلب على صناعة تكنولوجيا المعلومات نتيجة الإعتماد على التطبيقات التكنولوجية فى العملية التعليمية ، كذلك متابعة سير العمل ، التجارة الإلكترونية و إتمام المعاملات المالية ، زيادة الطلب على منصات الترفية الإلكترونى و وسائل التواصل الإجتماعى كأداة للتغلب على العزلة الإجتماعية ، الأمر الذى أدى إلى إتجاه الكثير من القطاعات إلى زيادة استثماراتها فى المجال التكنولوجى فى مختلف القطاعات ، بهدف تحقيق مكاسب استثنائية نتيجة الإعتماد غير المسبوق على المنتجات التكنولوجية فى كافة الميادين.
 
وتعد الشركات التكنولوجية العملاقة من أهم المخاطر للدول الكبرى ومن أبرز الأمثلة على ذلك شركة هواوى التى حاربتها عدة دول تزعمتها الولايات المتحدة الأمريكية ، وتحدت هواوى العقوبات ولم تنهزم فى معركتها كما وعد رئيسها “ رين جنغفى “ فى 2019 : سنشكل جيشا يسيطر على العالم ووصف أزمة شركته بأنها : مسألة حياة أو موت ، كما قدمت هواهوى نفسها كمناصر للمسئولية الإجتماعية بتعزيز دور المواهب التقنية فى بناء الاقتصاد الرقمى وتطوير المنظومات التقنية حول العالم.
 
*التدفق الإعلامى الدولى، ولكن فى صورته الجديدة :
فقديما كنا نشير بأصابع الإتهام إلى وكالات الأنباء والوسائل الإعلامية الدولية الكبرى بأنها المتحكمة فى التدفق الاخبارى، وبأنها المتسبب الرئيسى فى حدوث ما يسمى بالغزو الثقافى للدول النامية ، الأمر الذى ينتج عنه طمس للهويات الوطنية تحت مسمى “ الذوق العام “ أو “ التجانس الثقافى “ ، كما يصنع حالة من التبعية التكنولوجية والثقافية من الدول الأضعف للدول الأقوى وفقا لما أشار إليه المفكر الأمريكى هربرت شيللر ، وبالرغم من مطالبة دول العالم الثالث بنظام إعلامى تستطيع فيه تطوير ذاتها وتوصيل أفكارها للعالم بحيادية متهمة الدول الكبرى بترويج أيديولوجياتها لخدمة أهدافها الاستراتيجية دون النظر للصور السلبية التى يتم ترسيخها عن الدول النامية ، إلا أن هذه المطالبات لم تجد أى استجابة إيجابية فى الدول المتقدمة التى عبَرت بقوة بأن تلك المطالبة تُعد تحد خطير لسياسة التلاقح الثقافى أو التدفق الحر للمعلومات وبالتالى فإن رفض الدول النامية ما هو إلا مجرد رد فعل معارض للتحديث الثقافى ، وبالتالى لم تتمكن معظم الدول النامية من اللحاق بالسوق الإعلامى الدولى بمظاهره المستحدثة بسبب الإمكانات الإتصالية العاجزة عن توفير ما يمكن المنافسة به أمام الترسانة الإعلامية الغربية الكبيرة التى اتخذت مؤخرا من خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعى شكلا جديدا من أشكال التحكم فى نمط المعلومات التى ترغب فى نشرها وبالتالى أصبحت تلك الوسائل تمثل شريكا أو بديلا لما تقوم به وكالات الأنباء الدولية .
 
ولذلك نجد دولا كالصين تلتزم سلطاتها بالسيطرة الصارمة على تدفق المعلومات داخل البلاد مع تسخير المعلومات للتأثير على المجتمعات فى الخارج ، وتطوير بكين لتكنولوجيا مراقبة تعتمد على الذكاء الاصطناعى لما تسميه الحوكمة الاجتماعية والتى تتمثل فى تجسسها على ما ترغب به من سكانها  ، كما قامت بإنشاء نموذجا بديلا للإنترنت الحر والمفتوح الذى تدافع عنه أمريكا وحلفاها.
 
خلاصة الأمر ، لا مفر من ضرورة توطين التكنولوجيا والعمل على تسليح الأمة العربية تكنولوجيا وثقافيا مثلما يتم تسليحها عسكريا كما علينا التمسك بما يُعرف بـ “ اليقظة المعلوماتية “ وهو مصطلح يشير إلى ضرورة مراقبة البيئة التنافسية المحيطة فى ظل التطورات التكنولوجية الحديثة وذلك لمواجهة الحروب المعلوماتية المعاصرة


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره