مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2025-09-04

الحروب الاعلامية متغيرات مستقلة تعزز مفاهيم الصراعات غير التقليدية

 لم تعد الحروب الحديثة مجرد مواجهات عسكرية صلبة ومباشرة وتقليدية، كما كان الشأن في الماضي، حيث شهدت دخول عوامل أخرى في تدبير الحالات الصراعية، أهمها توظيف الحرب النفسية كما تحدث عنها المفكر العسكري الاستراتيجي سن تزو منذ ألاف السنين، وركز عليها أيضا كلوزفيتش في العديد من كتبه ودراساته، لكنها عادت في العصر الحالي بشكل أكثر قوة و نفوذا وتأثيرا من خلال الاستفادة من الثورة التكنولوجيا والرقمنة العالية الدقة.

وجود مصادر مختلفة ومتعددة للأخبار و التحليلات اليومية، مما يتسبب في تدافع كبير بين القنوات الفضائية و وسائل الاعلام بقصد توجيه الرأي العام العالمي وفق منظومة مدروسة سلفا تجعل من معظم المواجهات و الحروب تجرى افتراضيا في الكثير من الأحيان و تغالط الواقع و ما يحصل في الميدان.
الحرب الإعلاميّة هي عبارة عن بث الأفكار، والإشاعات، والمعلومات الخاطئة والمغلوطة وغير السويّة بين الناس من خلال الفضائيات، والإذاعات، ووسائل التواصل الاجتماعي، والجرائد، بهدف تغيير وجهات النظر وتسييرها باتجاه ما هو مطلوب منها، وتحقيق التضليل الإعلامي، والتلاعب بالرأي والوعي العام.

وتعدّ الحرب الإعلاميّة من أخطر أنواع الحروب نظرا لتأثيرها في نفسيّة متلقي المعلومة وعمل غسيل دماغ لما يؤمن ويقتنع به، مما يجعله يغيّر الواقع اتباعا لما تلقى وترسّخ في عقله. كما أنّها تعدّ حربا باردة لا يمكن التنبؤ بنتائجها ونهايتها. وتأتي الحرب الإعلاميّة مرافقة لبقية أنواع الحروب سواء كانت عسكريّة، أم اقتصاديّة، أم سياسيّة. وقد تكون في حالة السلم بهدف إفساد عقول الشباب والأمة، ونشر الفوضى والإرباك بين صفوفهم.  فكيف تِؤثر الحرب الإعلامية في وتيرة الصراعات المسلحة و ديناميتها و مالاتها و تداعياتها على مستوى المخرجات و النتائج الاستراتيجية و الجيوسياسية؟

أولا : دور وسائل الاعلام في تدبير الحروب
غالبًا ما تلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في صراعات العصر الحديث. ويمكن أن يتخذ دورها شكلين مختلفين ومتعارضين، فإما أن تشارك وسائل الإعلام بفعالية في الصراع وتتحمل مسؤولية تفاقم العنف، أو أن تبقى مستقلةً ومنعزلةً عنه، مساهمةً بذلك في حلّ النزاع وتخفيف حدته. ويعتمد دور وسائل الإعلام في أي صراع، وفي المراحل التي تسبقه والتي تليه، على مجموعة معقدة من العوامل، بما في ذلك علاقة وسائل الإعلام بأطراف الصراع، واستقلاليتها عن أصحاب السلطة في المجتمع
في الحقيقة لم يُثر سوى عدد قليل جدًا من هذه الصراعات قلقًا جديًا من جانب المجتمع الدولي، على الرغم من أن تلك التي جذبت الاهتمام الدولي كان لها تأثير كبير. وقد أدت الإبادة الجماعية في رواندا والحروب في البلقان التي ميزت تفكك يوغوسلافيا، إلى جدل كبير حول صلاحيات ومسؤوليات المجتمع الدولي، كما أثارت انقسامات خطيرة داخل الأمم المتحدة، مما زاد من صعوبة العمل داخل المنظمة الأممية.

في كلا الصراعين، لعبت وسائل الإعلام دورًا سلبيا و ضارا، إذ حرضت بشكل مباشر على الإبادة الجماعية في حالة بعض وسائل الإعلام الرواندية (ونظمتها في حالة راديو ميل كولين)، بينما عملت كأداة لتأجيج النزعة القومية المتشددة في يوغوسلافيا السابقة. وهذه ليست مجرد ظاهرة حديثة - فقد استخدم كل من النازيين والاتحاد السوفيتي وسائل الإعلام لخلق مناخ هيمني يُمكّنهم من ممارسة السلطة بسهولة أكبر. ومع ذلك، كان صناع السياسات جد متخاذلين في فهم أهمية الإعلام في تشكيل الصراعات الحديثة، أو كيف يمكنه أن يُسهم في تهيئة الظروف المناسبة  للأمن و السلام في المجتمعات العالمية.

على الرغم من كثرة الصراعات العنيفة في العالم، لا يزال هناك فهم محدود من قبل وسائل الاعلام  لكيفية اندلاع الصراعات الداخلية الحديثة. وعلى الرغم من تزايد القلق بين الديمقراطيات المتقدمة بشأن مشكلة الدول الفاشلة أو الهشة، وكيف تُغذي مناطق الصراع بالجريمة والإرهاب والأمراض وغيرها من التهديدات للأمن البشري، لم يُحدد أحد المؤشرات الرئيسية التي تُشير إلى بداية شرارة العنف. يمكن تفسير الحروب بين الدول من منظور جيوسياسي - كصراع على الموارد الطبيعية، ووسيلة لحل النزاعات حول الحدود الإقليمية، ومع ذلك، فإن الصراعات الداخلية لا زالت غير مفهومة بشكل جيد.

ربما يكون أحد تفسيرات هذا القصور في الفهم هو النهج غير المتسق نسبيًا في التغطية الإعلامية للصراعات حول العالم. من الواضح أن الأهمية السياسية لبعض الصراعات تؤثر على استجابة أقوى الحكومات، وهذا بدوره يؤثر على تغطية وسائل الإعلام للصراعات. ومع ذلك، فمن المرجح أيضًا أن مدى إعطاء وسائل الإعلام الأولوية لتغطية صراع معين دون آخر يُشكل بدوره استجابة المجتمع الدولي. ويبدو أن العامل المشترك هو أن وسائل الإعلام تولي اهتمامًا وثيقًا لشواغل و اهتمامات مجتمعاتها المحلية-  كما هو الشأن بالنسبة لوسائل الإعلام الدولية التي تقدم مصالح شعوب أمريكا الشمالية وأوروبا- التي تحتاج إلى نقطة تماهي مع الصراع لجذب انتباههم.
 
ثانيا : توظيف البروباغندا في الحروب
تجنبت أبحاث الاتصال الجماهيري في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، البحث المباشر في العلاقة بين وسائل الإعلام والصراعات، و يُعزى ذلك في الغالب إلى غياب الصراعات الكبرى بين الدول. وقد أُثيرت مسألة دور وسائل الإعلام في الصراعات مجددًا ردًا على حرب فيتنام؛ إلا أن نهج التحليل كان مختلفًا بعض الشيء هذه المرة.

لقد كان الاعتقاد السائد آنذاك أن الصحافة الرقابية حديثة العهد، والمتحررة من سيطرة الحكومة، قادرة على تحدي الدعاية الحكومية ومع ذلك، خلص بعض المفكرين إلى أنه حتى لو بدا أن وسائل الإعلام خالية من التأثيرات الدعائية، فإنها تعمل وفقًا للإدارة، وبالكاد تأثر على سياسة الحكومة. و في الغالب كما يزعم العديد من المفكرين أن وسائل الإعلام اتبعت الأجندة التي وضعتها الحكومة، وليس العكس. و من الواضح أن حرب فيتنام دفعت الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى فهم التأثير المحتمل لوسائل الإعلام التي تبدو غير مقيدة ولا تتبع أجندتها الحربية. تُعرف هذه الظاهرة باسم متلازمة فيتنام، وكان الدرس المستفاد من حقبة فيتنام هو الحاجة إلى إدارة الوصول إلى المعلومات أثناء الصراع.

خلال الصراعات الحديثة في القرن العشرين، اتضح أن وسائل الإعلام الناشئة (شبكةCNN) لم تكن مستعدة لقبول تقييد الوصول إلى العمليات العسكرية. و قد أدركت الحكومة استحالة إبعاد التقنيات المتقدمة (مثل كاميرات الفيديو، والهواتف الفضائية، إلخ) عن تغطية الصراع. لذلك، تم تشغيل نظام تجمع صحفي - وهو عبارة عن مجموعة صغيرة من المراسلين المدعوين لمرافقة القوات في القتال - وشُجِّع على مشاركة المعلومات مع بقية وسائل الإعلام. وقد برز هذا النظام، الذي طُبِّق خلال صراع بنما، و خلال حرب الخليج الأولى. وفقًا للخبراء، ينبع نجاح دعاية «عاصفة الصحراء» من الانطباع الذي خلّفته التغطية التلفزيونية المباشرة (لا سيما من خلال المراسلين الصحافيين و الإحاطات الإعلامية) الذي أوحى بوجود أجندة حرب علنية وغير مُدارة. وعلى الرغم من وفرة الصور من الخليج، يبدو أن اختيار هذه المواضيع والصور كان في صالح الجانب الأمريكي في الصراع.

ثالثا: الحرب الروسية- الأوكرانية: حرب السرديات المتضاربة
تشكل الحرب الروسية- الأوكرانية تجسيداً حياً لكيفية استغلال وتوظيف الإعلام كوسيلة رئيسية من وسائل إدارة الحرب والصراع بين الجانبين الروسي والغربي (الداعم لأوكرانيا)؛ حيث تعامل الإعلام الغربي مع الحرب باعتبارها فرصة سياسية، يمكن توظيفها في التحريض ضد روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين من أجل عزلهما دولياً، فعمدت إلى تشويه وشيطنة صورة الرئيس الروسي وتضخيم خسائر الجيش الروسي من ناحية، وكذلك حجم الدمار الذي خلفته الحرب على أوكرانيا وشعبها من جهة أخرى، لتصدير صورة تعكس فشل الجيش الروسي في عمليته العسكرية في أوكرانيا لإصابة الراي العام الروسي بالإحباط واليأس، وكذلك إبراز ما ترى أنها جرائم حرب غير مبررة ترتكبها القوات الروسية في أوكرانيا.

وفي هذا السياق، نشرت العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية والمحطات التلفزيونية الغربية مقابلات وتحليلات ومقالات رأي للعديد من الكتاب، ركزت أغلبها على تشوية صورة روسيا ورئيسها بوتين، والتشكيك في سياساتها الخارجية وأسباب ودوافع حربها على أوكرانيا، وبدت شبكات إعلامية ضخمة مثل سي إن إن الإخبارية، وفوكس نيوز، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست، ودايلي نيوز وغيرها وكأنها تقود حملة منظمة للنيل من روسيا وشحن الرأي العام العالمي ضدها بما يتجاوز الهدف الخاص بدفعها لوقف الحرب في أوكرانيا أو حتى التعاطف مع أوكرانيا وشعبها في مواجهة ما تصفه بالعدوان الروسي الذي تتعرض له. وهذا يمكن تفهمه في ضوء السياسية الأمريكية خاصة، والغربية عامة والتي تستهدف إضعاف مكانة روسيا الدولية وإخراجها من دائرة التنافس على قيادة النظام الدولي القائم والمستقبلي، ولاسيما بعدما أظهرت تحدياً لواشنطن والغرب في أكثر من مشهد عالمي مؤثر.

من جهة أخرى، لعب الإعلام دورا كبيرا  في حملات التضليل التي تقوم بها الجبهتان الروسية و الاوكرانية، خاصة مع انحياز أطراف قوية لأوكرانيا، واستُخدِمَت في ذلك حيل كثيرة: بث أكاذيب، وحجب حقائق، وبتعمد تمرير جانب واحد من الوقائع. ومن بين المناورات التضليلية، إعلان أوكرانيا عن هجوم عسكري مضاد يقلب الأوضاع العسكرية ويضرب القوات الروسية بشدة، ثم بعد تأخر الهجوم المزعوم كثيراً قيل إنه بدأ بالفعل وإنهم فضلوا عدم الإعلان عن انتصارات في العديد من المناطق الأوكرانية.

وفي الجبهة الأخرى، أعلنت المنابر الروسية الرسمية قيام تمرد مسلح لشركة فاغنر بزعامة القائد بريجوجين، وقيل إن مجموعة فاغنر تمردَّت وجمعت قواتها فى مسيرة نحو موسكو، ونُسِب إلى قائدها أنه قال إنهم سيقومون بتغيير الرئيس، وأصيب العالم بالذهول و الدهشة العالم وانشغل الجميع بمتابعة المسافة المتبقية لفاجنر حتى اقتربت من موسكو بـ800 كم فقط، مع تعجب الجميع من غياب كامل لأى مواجهات ضد المتمردين، وأذاع الإعلام الروسي كلمات لبوتين يقول إنها طعنة في الظهر، وإنها خيانة عظمى.

واشتغلت ماكينات التحليلات في الغرب عن أن هذه بداية النهاية لبوتين، و أن مسألة إعلان هزيمة روسيا في أوكرانيا صارت محسومة، ثم إذا بأخبار مفاجِئة على النقيض، من موسكو، عن إبرام اتفاق بين روسيا و فاغنر على انتقالهم بقياداتهم وسلاحهم إلى بيلاروس، مع إسقاط أي مسائلات قانونية ضدهم، ثم أعلنت بيلاروس إن قائد فاجنر لا زال يتواجد داخل روسيا، ثم بعدها قيل إنه التقى ومعه بعض قيادات فاجنر مع بوتين شخصياً فى الكرملين! مما جعل بعض المراقبين الغربيين يؤكدون إن الموضوع كله خديعة كبرى طُبِخَت جيداً على يد بوتين، لإلهاء الغرب عن رصد ومتابَعة ما يقوم به فعليا في ميدان القتال.
 
رابعا: الاعلام الدولي و الحرب على غزة
 تعرّضت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية للانتقاد بسبب فشلها في تغطية الحرب في غزة بدقة وإنصاف وشمولية. يتمثّل أحد الانتقادات بالتحيّز في التغطية التي تعطي الأولوية للسردية الإسرائيلية على السردية الفلسطينية والتي تعتمد إلى حدّ بعيد على التقارير الرسمية الصادرة عن الجانب الإسرائيلي من دون التدقيق في الحقائق بشكلٍ مناسب.

بالإضافة إلى ذلك، يبرز نقصٌ كبير في التأطير التاريخي وفي أنسنة الضحايا الفلسطينيين، الذي غالباً ما يؤدّي إلى التقليل من شأن معاناتهم اليومية. علاوة على ذلك، تزيد صعوبة وصول الصحافيين الدوليين إلى غزة بسبب القيود السياسية من الجانب الإسرائيلي والهواجس المتعلّقة بالسلامة من تقييد إعداد التقارير الشاملة. وهذا يدفع عدداً من وسائل الإعلام الدولية إلى الاعتماد على البيانات الحكومية الرسمية والصحافة المدمجة، ما يحدّ من تنوّع وجهات النظر وعمق التغطية الإخبارية.
في مقابل فشل وسائل الاعلام العالمية في تقصي حقائق الصراع في غزة، سدّت وسائل التواصل الاجتماعي الفجوات في التقارير المتعلقة بها. ففي السنوات الأخيرة، أثبتت قوتها ونفوذها في صياغة السرديّات المتعلّقة بالصراعات العالمية. في الواقع، تحولت منصّات التواصل الاجتماعي الى مرجعيات لا غنى عنها لتقديم سرديّات بديلة، إذ تشكّل منصّات مثل “إنستغرام” و”فايسبوك” و”تويتر” منبراً للمواطنين العاديين وتسلّط الضوء على قصصهم الشخصية وصورهم وتحديثاتهم في الوقت الفعلي. وقد انتشرت منشورات ووسوم مثل#FreePalestine(فلسطين حرة) و#GazaUnderAttack (غزة تحت الهجوم) أدّت إلى زيادة الوعي والحديث عبر الحدود الجغرافية والأيديولوجية.

بالرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي تعمل جاهدة لتقديم سرديات بديلة بشأن الحرب على غزة، لكنّها ليست أيضا محايدة و مثالية  بسبب الاستقطاب المتزايد الذي يشكّل أحد قيودهاـ و هذا ما يجعلها مجرد غرف صدى لا توفّر للمستخدمين سوى المعلومات التي ترسّخ معتقداتهم. من ناحيةٍ أخرى، يُشكّل الانتشار السريع للمعلومات الخاطئة والمعلومات المضلّلة تحدّياً كبيراً، ما يتطلّب من مستخدمي الإنترنت مهارات إعلامية تثقيفية نقدية تخوّلهم تحليل المحتوى الإعلامي وتقييمه. على سبيل المثال، اضطرّت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى إصدار بيان لدحض المعلومات الضارة والخاطئة ردّاً على الأخبار المغرضة التي انتشرت بشكلٍ سريع بشأن عملها في إسرائيل وفلسطين.
إن منْع دخول الصحافيين الى قطاع غزة، حرم الرأي العام من تقديم رواية ثالثة إلى جانب الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية. ولمّا كانت الرواية الإسرائيلية هي الرواية المعتمَدة في دوائر الإعلام الغربي الأساسية، ساهمت تقارير المنظمات الدولية المختصة، وأفلام الفيديو التي نشرها جنود الاحتلال عن جرائمهم البشعة في دعم الرواية الفلسطينية، وبحسب تقرير صحيفة «واشنطن بوست»، فقد «أظهرت مقاطع الفيديو والصور مراراً وتكراراً قوات إسرائيلية وهي تهدم مباني بأكملها، بما في ذلك المنازل والمدارس، فضلاً عن نهبها وإحراقها. وتُظهر صور أُخرى جنوداً إسرائيليين يقفون بجوار جثث القتلى ويدعون إلى إبادة الفلسطينيين وطردهم. وقد نشر الجنود الإسرائيليون آلاف الصور ومقاطع الفيديو من ساحة المعركة، وسجلوا أفعالهم في وسائل التواصل الاجتماعي، واستمروا في تصوير المشاهد، والنتيجة هي مخزون هائل من الصور والفيديوهات التي تقدم رؤية نادرة ومزعجة لكيفية تصرف الجنود في إحدى أكثر الحروب دموية وتدميراً.

خاتمة
تعكس الأدوات الحديثة للحرب الإعلامية تحولًا بنيويًا في مفهوم القوة والهيمنة بمفردات جديدة توظف أليات القوة الناعمة، حيث بات التأثير على الإدراك والوعي الجماعي أهم من السيطرة المادية التقليدية، وفي ظل هذا الواقع، تواجه الدول تحديات متزايدة تتطلب بناء منظومات رصد وتحليل للمعلومات الرقمية، تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر التضليل الإعلامي، وتطوير تشريعات و استراتيجيات إعلامية تحاصر الاستخدام المسيء للذكاء الاصطناعي في المجال الإعلامي.
ختاماً، تُظهر تطورات البيئة الإعلامية الحديثة أن السيطرة على المعلومات لم تعد خيارًا ثانويا في الوقت الحالي، بل ضرورة استراتيجية للدول الساعية للحفاظ على استقرارها الداخلي ومكانتها الدولية في عالم تهيمن عليه السرعة المعلوماتية والسيولة الإدراكية، حيث تصبح القدرة على إدارة الحرب الإعلامية الحديثة ركيزة أساسية في بناء النفوذ وضمان الأمن الوطني.

لا شك أن المعارك و النزاعات المسلحة لم تعد تكسب بالقوة العسكرية فحسب، و إنما أصبحت تحسم بوجود عوامل دفع جديدة تتجلى في طرق استغلال المعلومات و أساليب إقناع الرأي العام بالسرديات المنتصرة و التي تعكس ثقافة المحتكر للمعلومة و الموجه لها وفق أجندة مدروسة. بناء على الامثلة التي أوردناها في السابق عن الحرب الروسية-الأوكرانية و الحرب على غزة، يبدو أن الهيمنة الإعلامية الغربية أصبحت تفقد مصداقيتها، و أصبح المجال مفتوحا أمام السرديات الواقعية المدعومة من قبل وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل الحدث بالمباشر. إن الاعلام العربي مدعو الى تبني استراتيجيات جديدة للدفاع عن الهوية العربية الاسلامية و عن القضايا العربية في مواجهة التحديات المستقبلية.
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2025-10-02 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2025-08-06
2014-06-09
2014-11-02
2014-03-16
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره