2023-08-03
الحفاظ على تنافسية النموذج الإماراتي وضمان جاذبيته
اتجاهات السياسة الخارجية الاماراتية
رغم أن دولة الامارات العربية المتحدة اشتهرت اقليمياً ودولياً بالتميز والابتكار والتنافسية والتفوق على الصعيد التنموي وفقاً لمؤشرات التنافسية العالمية، فإن طموحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ لمواصلة مسيرة الصعود الاماراتي في مختلف مجالات وقطاعات التنمية المستدامة، والحفاظ على تنافسية النموذج الاماراتي وضمان جاذبيته.
بقلم: العقيد الركن/ يوسف جمعه الحداد
تطلبت هذه الطموحات رسم سياسة خارجية جديدة تخدم هذه الأهداف وتسعى إلى تحقيقها، لذا فقد اتجهت الامارات إلى الامساك بزمام مبادرة دبلوماسية ومواصلة خطواتها الاختراقية التي بدأت بفتح مسار عربي جديد للسلام مع اسرائيل، وفي هذا الإطار يمكن الاشارة إلى تحركات عدة وصفت بأنها تستهدف «تصفير المشاكل»، بينما وصفها آخرون بسياسة بناء الجسور وردم الفجوات، واعتبرها فريق ثالث شرق أوسط جديد يعكس التحولات الجيوسياسية الحاصلة في توازنات القوى الاقليمية، ولكن الواقع يقول أنها يمكن أن تكون مزيجاً من كل هذه الرؤى والتصورات التحليلية.
وقد وضعت الامارات في مستهل الخمسينية الجديدة استراتيجية طموحة للمستقبل، تضمنتها وثيقة الخمسين، التي نصت على عشر مبادئ ترسم في مجملها خطوات الامارات في سنواتها المقبلة، وتعد بمنزلة خارطة طريق سياسية واقتصادية وتنموية للمستقبل المنظور، وبالتالي فإن فهم ما وراء التحركات الدبلوماسية الإماراتية يجب أن يبدأ من قراءة دقيقة لهذه المبادئ، التي تضمنت ـ بحسب نص المبدأ الثاني من الوثيقة ـ «التركيز بشكل كامل خلال الفترة المقبلة على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم.
التنمية الاقتصادية للدولة هي المصلحة الوطنية الأعلى، وجميع مؤسسات الدولة في كافة تخصصاتها وعبر مستوياتها الاتحادية والمحلية ستكون مسؤوليتها بناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية والحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الخمسين عاما السابقة»، والمعنى هنا واضح تمام الوضوح ويعني أن تركيز القيادة الرشيدة والدولة الاماراتية سينصب «بشكل كامل» خلال السنوات المقبلة على «بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم» وأن «التنمية الاقتصادية للدولة هي المصلحة الوطنية الأعلى»، وإذا كان هذا هو الهدف الاستراتيجي الذي يحظى بأولوية مطلقة في تخطيط ورؤية القيادة الرشيدة، فإن من البديهي أن تأتي الوثيقة على ذكر الآليات التي تحقق هذا الهدف وهنا لابد من الاشارة إلى المبدأ الثالث بالوثيقة، والذي يكمل ما قبله وينص على أن «السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات، هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الإمارات»، وهنا تبدو الأمور واضحة حيث يؤطر هذا المبدأ لدور السياسة الخارجية الاماراتية ويضعها في خدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية، مشيراً بمنتهى الوضوح إلى أن هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد وصولاً إلى توفير «أفضل حياة» لشعب الامارات، أو الارتقاء بمؤشرات السعادة التي تعد ثمرة أو حصاداً لمجمل جهود التنمية.
ووقد اتجهت دولة الامارات إلى تبني نهج تشاركي يعكس رؤية الامارات وميلها الدائم نحو ترسيخ الأمن والسلم الدوليين، فالإمارات لا تسعى للجمع بين المتناقضين كما يتصور البعض، بل تريد تشاركاً بين الجميع وفق رؤية تحقق المصالح المشتركة قفزاً على التناقضات والتباينات من خلال تعظيم المشتركات والبناء عليها واقصاء الاختلافات والحد من تأثيرها، والانفتاح على الجميع، وليس مفاجئاً أن تعتمد الدولة التي تمتلك أهداف طموحة، كالتي وردت في وثيقة الخمسين، أو التي تعلنها القيادة الرشيدة بأن الطموحات لا سقف لها سوى السماء، تطرق أبواب مصالحها الاستراتيجية أينما كانت، لاسيما أن المسألة لا تتعلق فقط بمكاسب اقتصادية وتجارية، بل برغبة صادقة في نشر قيم التسامح والتعايش والانفتاح على الآخر، لذا ليس من باب المنطق أن تُبذل كل هذه الجهود في التقريب بين البشر سواء من خلال وثيقة الأخوة الانسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك ـ التي وقعها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا فرانسيس في الرابع من فبراير 2019 في أبوظبي، في حين لا تستطيع اختراق الحواجز في علاقاتها الثنائية مع أطراف اقليمية مثل اسرائيل أو تركيا أو إيران.
وتعكس زيارات أو استقبالات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ لمختلف قادة دول العالم، والتي كان آخرها المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة في العاصمة الايطالية روما تطور السياسة الخارجية للدولة بتطور المعطيات الدولية، مع احتفاظها بسماتها الأساسية المميزة والمتفردة، وفي مقدمتها الفاعلية والدينامكية والهدوء، يضاف إلى ذلك كله السمات الشخصية القيادية والكاريزما التي يتمتع بها صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله، وهي سمات تسهم في بناء الجسور وتقريب وجهات النظر وإنجاح جهود الوساطة وتسوية الأزمات، ولا ينفك ذلك كله عن اهتمام الدبلوماسية الاماراتية بالاضطلاع بمسؤولياتها الدولية باعتبارها عضو غير دائم بمجلس الأمن الدولي، لمدة عامين، للفترة 2022-2023؛ حيث أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وقتذاك، إن انتخاب دولة الإمارات العربية المتحدة، لعضوية مجلس الأمن الدولي، يجسد ثقة العالم بالسياسة الإماراتية، وكفاءة منظومتها الدبلوماسية وفاعليتها، مؤكداً أن الإمارات ستواصل مسؤوليتها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية.
وفي المجمل فإن عضوية دولة الامارات غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي للمرة الثانية (كانت الامارات عضواً في مجلس الأمن في الفترة 1986 – 1987) لمدة عامين، تمثل فرصة ثمينة لتعزيز دور الدولة ومكانتها وتحقيق رسالتها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية. وهنا يبدو تحرك الامارات على الصعيد الدولي، انعكاساً لرؤيتها الاستراتيجية التي عبر عنها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي بالقول: «التزمت دولة الإمارات بالعمل المتعدد الأطراف، والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة منذ تأسيسها وستستمر الدولة في التمسك بهذه المبادئ خلال عضويتها في مجلس الأمن. وإنني على ثقة من أن تاريخنا ودورنا كشريك ووسيط موثوق به، سيمكننا من تقديم مساهمة فاعلة خلال السنتين اللتين سنعمل فيهما في مجلس الأمن. وإننا ندرك المسؤولية الكبيرة المرتبطة بالعضوية وأهمية التحديات التي يواجها المجلس، وبكل عزم ومثابرة، ستحرص دولة الإمارات على الحفاظ على السلم والأمن الدوليين».
تحرك الامارات على الصعيد الدولي، انعكاساً لرؤيتها الاستراتيجية، فهي رسالة بالغة الأهمية تؤكد تمسك الامارات برؤيتها الخاصة بأن ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي هي الركيزة الأهم في العلاقات الدولية، وكذلك استشعارها لأهمية دورها في توظيف قدراتها وامكانياتها الكبيرة لمصلحة تنفيذ التزاماتها ومسؤولياتها كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة، كما تأتي تلك التحركات نتاج رغبة الامارات في تعزيز التعاون والتكامل والعمل المشترك بشأن مختلف القضايا الدولية بما يخدم تطلعات شعوب العالم نحو الاستقرار والتنمية والازدهار، والارتقاء بالإنسان وضمان مستقبل مزهر للأجيال القادمة.
لا يوجد تعليقات