مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-03-01

الرياضة واللياقة البدنية في القوات المسلحة

منذ وجد الإنسان على وجه الأرض، أدرك أهمية قوته البدنية في الحفاظ على حياته وتأمين معيشته، وكانت طبيعة الحياة تفرض عليه أن يكون قوي البنيان قادراً على الجري ومواجهة الصعوبات التي تعترض حياته، من أجواء طبيعة قاسية أو وحوش تحيط به وتتربص به. 
 
إعداد: 
محمد عبد الغفار
 
وكان الإنسان القديم حريصاً على التمتع بقدر كبير القوة والرشاقة والسرعة، وكان ذلك سلاحاً مهماً له على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي، وكان لكل قبيلة رجالها الذين تحرص على إعدادهم وتأهيلهم بدنياً من خلال عدد من الأنشطة ليكونوا جاهزين للدفاع عنها والذود عن حماها.
 
اللياقة البدنية في الحضارات القديمة:
وتشير كتب التاريخ إلى اهتمام الحضارات القديمة في بلاد الرافدين ووادي النيل والحضارة الإغريقية والرومانية بهذا الجانب، حيث كانت تدرّب جيوشها لترفع من لياقتهم البدنية ليكونوا عوناً لها في فتوحاتها وتوسيع رقعة المساحة التي تسيطر عليها.
 
وكانت اللياقة البدنية من العوامل المهمة في الحياة العامة لتلك الحضارات، وكان من يملك اللياقة البدنية قادراً على حسم المعارك لمصلحته غالباً.
لقد كان المشاة هم الأساس في معارك تلك الحضارات، ولذا اهتموا بتدريبهم من خلال فنون المبارزة والقتال الفردي، ليتمتعوا بالسرعة والقوة وخفة الحركة والرشاقة. وثمة أخبار كثيرة متواترة عن اهتمام حمورابي البابلي الذي جعل التجنيد إجبارياً بتدريب جيوشه وجعلهم يمارسون الألعاب الرياضية مثل السباقات المختلفة والمصارعة والرماية.
 
وفي مصر القديمة، كتن الاهتمام كبيراً بإعداد القوات بدنياً ورياضياً، حيث مارسوا الرماية والمصارعة والسباحة استعداداً لخوض المعارك لطرد الهكسوس الذي تحقق لهم أخيراً على يد الملك أحمس الأول.
وكذلك كانت الحال عند الإغريق الذين حرصوا على إعداد المقاتلين من خلال التمرينات البدنية اليومية التي يتدرب عليها الفرد لتطويره بدنياً، وكانت السباقات والمهرجانات الرياضية التي تقام في أيام السلم خير معين لهم على التدريب والاستعداد لأوقات الحرب. وتشير كتب التاريخ إلى أن إسبرطة جعلت التربية البدنية منطلقاً أساسياً في سيطرتها على دويلات الجوار، حيث كانت تحرص على أن يتحلى مقاتلوها بكل فنون القتال الفردي، وبالشجاعة والقوة اللازمتين ليكونوا مؤهلين لمواجهة جميع الصوبات في المعارك الحربية.
 
وكانت الألعاب في إسبرطة تضم المصارعة، والملاكمة، والرقص، والعدْو، والرماية، والسباحة، مع إجراء اختبارات دورية للشباب للتعرف على مدى استعدادهم وتحملهم للمشقة.
وحرص الرومان على إيجاد العقلية المدربة والمنظمة، وأبدوا اهتماماً كبيراً بإعداد المقاتلين وتأهيلهم ليكونوا فاعلين في المعارك، وشملت تدريباتهم الصيد والمطاردة وحياة الغابات وركوب الخيل والرماية والأقواس والسهام.
 
الرياضة في التاريخ العربي والإسلامي:
وحين جاء الدين الإسلامي، كانت القوة البدنية من ضمن اهتماماته، ولاسيما أن القرآن الكريم أمر المسلمين بالتسلح بالقوة لمواجهة أعدائهم: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل” (الأنفال 60)، ما يعني أن إعداد المسلمين من الناحية البدنية بات فرضاً عليهم؛ لأن من مستلزمات قتال العدو التسلح بالقوة البدنية والمهارات القتالية، وما يتضمنه ذلك من ركوب الخيل واستخدام السلاح.
 
ولا شك في أن استعراض تاريخ معارك المسمين الأولى يشير إلى تمكنهم في مجال اللياقة الدنية، ومن ذلك حفر الخندق، والسرعة في نقل الأخبار والرسائل، ووجود الرماة بينهم. وكل ذلك كان يجري في ظروف طبيعية ومناخية صعبة. فضلاً عن أن التقسيمات التي كانت تشهدها جيوش المسلمين تؤكد إتقانهم مختلف فنون القتال.
 
وقد مارس المسلمون ضروباً مختلفة من الرياضات مثل الرماية والسباحة وركوب الخيل والضرب بالسيف.
لقد كان اهتمام المسلمين بالتربية البدنية واضحاً، سواء كان ذلك لغرض عسكري أو صحي أو اجتماعي، «فالعقل السليم في الجسم السليم»، و»المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف»، مع عدم إهمال الجانب الفكري في الأمر، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول « ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».
 
الألعاب الرياضية عنــد العرب: 
عرف العرب والمسلمون ألعاباً رياضية كثيرة، مثل الفروسية، وركوب الخيل، وفنون الكر والفر، والرمي بالقوس، والطعن بالرماح، والقتال بالسيف، والرماية، والسباحة، والمصارعة، والصيد.
وفي المرحلة التالية، شهدت الدولتان الأموية والعباسية إقامة معسكرات للتدريب، ولاسيما مع توسع الفتوحات التي وصلت إلى بلدان بعيدة تختلف في تضاريسها ومناخها عما هو سائد في الجزيرة العربية. 
اللياقة البدنية في أوروبا في العصور الوسطى
 
وشهدت أوروبا تدريبات رياضية واسعة في إعداد الجيوش وتأهيلها بدنياً، ولاسيما مع الحروب التي خاضتها أوروبا في العصور الوسطى.
 وفي مرحلة لاحقة، وبعد بعد هزيمة الألمان على يد نابليون بونابرت كان هناك اهتمام كبير في ألمانيا بإعداد حيش قوي بدنياً. وقد استغل النازيون برامج الإعداد البدني، فكان هناك عملية انتقاء للشباب الأقوياء، للتخلص من سيطرة نابليون.
 
وفي فرنسا، وبعد أن هُزم نابليون أكثر من مرة، تنبه الفرنسيون إلى ضرورة إعداد جيشهم بدنياً.
 
وبعد الحرب العالمية الأولى اهتمت المنظمات الرياضية بدفع الشباب إلى تحمل مسؤولياتهم، وأسهمت الاتحادات الرياضية الفرنسية بإعداد فئات كبيرة من الشباب الفرنسيين المؤهلين بدنياً ليلتحقوا بالجيش الفرنسي.
 
اللياقة البدنية في العصر الحديث
أما في العصر الحديث فإن كثيراً من الجوانب التكتيكية، يتطلب تمتع المقاتل بقدر كبير من اللياقة البدنية ليكون قادراً على تنفيذ خطط الهجوم والدفاع والانسحاب في مختلف الظروف الطبيعية والمناخية.
فعلى الرغم من اعتماد الحروب في العصر الحديث على الأسلحة المتطورة والتقنيات المتقدمة، فإن العامل البشري يبقى مهماً وفاصلاً فيها؛ لأن الأفراد هم القوة الفاعلة في استخدامها، وهذا لا يتم إذا لم تتوافر فيهم اللياقة اللازمة والمهارات القتالية.
 
وهناك خطأ يسود لدى البعض ممن يعتقدون أن تأثير اللياقة البدنية خاص بالبدن، ولكن العلم الحديث يؤكد مقولة العقل السليم في الجسم السليم، وأن للياقة البدنية تأثير كبير في زيادة القدرة الذهنية للمقاتلين.
 
شهدت الرياضة العسكرية خلال السنوات القليلة الماضية تطوراً ملحوظاً سواءً من حيث اتساع رقعة انتشارها في أوساط المقاتلين من أبناء القوات المسلحة، وصاحب ذلك إنشاء عدد كبير من المرافق الرياضية في مختلف القطعات العسكرية مثل ملاعب كرة القدم والصالات الرياضية المغلقة المزودة بكل ما يحتاجه أفراد القوات المسلحة من تجهيزات رياضية.
 
وتعد اللياقة البدنية جزءاً مهماً في خطط تدريب قواتنا المسلحة وتأهيلها، ولاشك في أن هذا يتطلب في العصر الحديث الاستفادة من التطور التقني الحديث، ومن البرامج التدريبية الرياضية الحديثة. وتنشيط المسابقات والبطولات الرياضية بين الفرق العسكرية.
 
اللياقة البدنية في القوات المسلحة الإماراتية
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة تولي القوات المسلحة اللياقة البدنية اهتماماً كبيراً، إيماناً منها بأهمية الرياضة في إعداد أفرادها وتأهيلهم بدنياً ليكونوا قادرين على تلقي التدريبات العسكرية وهم في قمة الجاهزية البدنية والفكرية.
وتمتلك الكليات والمدارس والمعاهد العسكرية في دولة الإمارات العربية المتحدة برامج رياضية متكاملة، ومخطط لها بشكل علمي مدروس لترتقي باللياقة البدنية لجميع أفراد القوات المسلحة، وثمة برامج خاصة تناسب كل أفراد كل سلاح، بما يضمن الإعداد البدني والفكري المتميز لها.
 
وإضافة إلى وجود الوحدات الرياضية في مختلف صنوف الأسلحة، يقوم مركز التربية الرياضية في القوات المسلحة بدور نشط وفاعل في إعداد أفراد القوات المسلحة بدنياً، وذلك من خلال مختلف الأنشطة والمباريات والمسابقات التي يقيمها محلياً أو بالاشتراك مع فرق مماثلة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول الشقيقية والصديقة.
 
وكذلك يقوم وقع اتحاد الشرطة الرياضي بدور مماثل في إعداد أفراد الشرطة الذي يوسع نشاطاته الرياضية يوماً بعد يوم.
ويحرص كل من مركز التربية الرياضية واتحاد الشرطة الرياضي على تنظيم بطولات في الرياضات التي تسهم في رفع لياقة الأفراد في الشرطة والجيش، وذلك بالتعاون مع لتحاد تلك الرياضات، ومن ذلك تنظيم بطولة القوات المسلحة الأولى للجوجيستو التي أقيمت ضمن أنشطة درع التفوق للعام 2014-2015. 
 
وقد جاءت هذه البطولة انطلاقاً من حرص القيادة العامة للقوات المسلحة على رفع مستوى اللياقة البدنية للضباط والرتب الأخرى بالقوات المسلحة، وتنمية روح التنافس والمثابرة في مختلف المسابقات والبطولات الرياضية، وذلك في إطار حرص القيادة الإماراتية الحكيمة على جعل القوات المسلحة في أعلى مستويات الكفاءة القتالية والبدنية، ولاسيما أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة يحرص على الدعم المستمر للأنشطة الرياضية بغرض رفع اللياقة والكفاءة البدنية للضباط والرتب الأخرى، وبث روح المنافسة من خلال المشاركة في الأنشطة الرياضية المختلفة.
 
البطولات العسكرية الرياضية:
وتملك دولة الإمارات العربية المتحدة سجلاً مشرفاً في الرياضة العسكرية العالمية، ومن أبرز ما فيه إنجاز سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس مجلس دبي الرياضي، بتتويجه بطلاً لأول بطولة للعالم العسكرية للقدرة، التي استضافتها مملكة البحرين في ديسمبر 2012. ويعتبر منتخب الإمارات العسكري للقفز بالمظلات من المنتخبات المتميزة على المستوى العالمي، إذ استضافت الدولة بطولة العالم العسكرية في القفز الحر لثلاث مناسبات، باحتضان دبي لنسخة عام 1981، وأبوظبي لنسختي عامي 1985 و2001.
 
وتضم الرياضات العسكرية في دولة الإمارات مختلف الرياضات المتعارف عليها في البطولات العسكرية العالمية، مثل الرماية، والقفز بالمظلات، ومسابقات الشراع، والتايكواندو، والجوجيستو، والمصارعة، وألعاب القوى، وسباقات القدرة فضلاً عن ألعاب الكرات المختلفة، وغيرها من الرياضات. وقد حققت الفرق الإماراتية بطولات عدة في مختلف تلك الرياضات، كما استضافت بطولات عسكرية عدة في العقدين الأخيرين.
 
 
 
 
 
 
المراجع:
صحيفة الإمارات اليوم: 
http://www.emaratalyoum.com/sports/local/2014-01-13-1.640053
صحيفة الاتحاد:
http://www.alittihad.ae/details.php?id=3546&y=2014&article=full
صحيفة البيان:
http://www.albayan.ae/across-the-uae/news-and-reports/2014-12-15-1.2266741
مجلة درع الوطن:
http://www.albayan.ae/across-the-uae/news-and-reports/2014-12-15-1.2266741
كامل طه ألويس، أهمية اللياقة البدنية بين الأمس واليوم، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الرياضي لكليات وأقسام التربية الرياضية، بغداد، ١٩٨٨.
 عبد الكريم عطية، التدريب البدني في المعركة، بغداد، ١٩٨٥.
- ديبولد وآخرون، تاريخ التربية البدنية، (ترجمة) محمد عبد الخالق علام وآخرون، القاهرة، ١٩٧٠.
مجلة التربية الرياضية، الأكاديمية الرياضية العراقية، بغداد، العدد الثاني ٢٠٠١.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره