مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-09-01

الشراكة الإماراتية - الهندية، وأثرها في تعزيز الأمن والاستقرار

يدعمها موروث تاريخي وروابط قديمة
 
 
تتشارك الإمارات والهند في كونهما تمتلكان دبلوماسية فاعلة نجحت خلال السنوات الأخيرة في وضع البلدين في مكانهما المناسب على خارطة التفاعلات الدولية، فالإمارات باتت محطة رئيسية لزيارات وتحركات قادة دول العالم وكبار المسؤولين لإجراء محادثات بشأن التعاون الثنائي وعقد اتفاقات وتوقيع مذكرات تفاهم في مختلف المجالات، وبات الاقتصاد والاستثمارات المشتركة العنوان الأبرز لجميع تحركات دول العالم تجاه الإمارات التي تتمتع بمرونة وتنوع وفاعلية وقدرة على إدارة علاقاتها ومصالحها مع جميع القوى الاقليمية والدولية الكبرى بشكل مستقل.
 
 
بقلم العقيد الركن/ يوسف جمعه الحداد
 
أما الهند التي قال عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن أن العلاقات معها هي «الأكثر أهمية وتأثيراً» في العالم، وذلك خلال زيارة الدولة، التي قام بها مؤخراً ناريندا مودي رئيس الوزراء الهندي إلى واشنطن، فقد حققت مكاسب استراتيجية كبيرة من التنافس الحاصل على الصعيد الدولي، ولاسيما بين الصين والولايات المتحدةـ وقدمت نفسها كمركز بديل للتصنيع وخدمات التعهيد للشركات عابرة القارات، وهي تمتلك من المؤهلات والمقومات ما يعزز موقفها، لاسيما بعد تسوية الكثير من الخلافات الخاصة بمنظمة التجارة العالمية، وهو دفع رئيس الوزراء مودي للقول بأنه: «ولا حتى السماء تمثل حدوداً للعلاقات بين الهند والولايات المتحدة».
 
 
وقد نجح رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي في تحقيق طفرة نوعية كبرى للتننمية في بلاده، سواء من حيث عناصر القوة الشاملة، أو من حيث الموقع والمكانة في توازنات القوى الدولية، ويتعامل بحنكة شديدة مع الصدام الحاصل بين روسيا والغرب، ويعبر عن موقف بلاده ومبادئها من دون إغضاب أي من الطرفين أو التخلي عن ثوابت السياسة الخارجية لبلاده.
 
 
وعطفاً على ماسبق، يلاحظ تقارب الموقفين الإماراتي والهندي حيال العديد من القضايا والملفات الاقليمية والدولية، وهذا يسهم في تعزيز التعاون الثنائي لعدم وجود فرص للاختلاف، فضلاً عن حرص قيادتي الدولتين على تطوير العلاقات الثنائية والارتقاء بها لتخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، ويدعم ذلك كله أن هناك آليات مؤسسية، اقتصادية وسياسية، تعمل على تعزيز هذه الشراكة في مختلف المجالات، وفي صدارة هذه الآليات اتفاق الشراكة الاستراتيجية ثم الشراكة الاقتصادية الشاملة، الذي بات يلعب دور قاطرة التعاون بين البلدين خلال المرحلة الراهنة.
 
 
مرتكزات الشراكة الاستراتيجية
وتقدم العلاقات الإماراتية - الهندية نموذجاً للعلاقات الثنائية المتميزة القائمة على الشراكة الاستراتيجية، التي تتجه بقوة وثقة نحو المستقبل، في إطار من التفاهم في المواقف والتوجهات، سواء على مستوى الروابط الثنائية، أو في ما يتعلق بالمتغيرات والتحديات القائمة في البيئتين الإقليمية والدولية. والمتتبع لمسار هذه العلاقات، يدرك أن هذه العلاقات باتت تشكل النموذج الأمثل للشراكات الاستراتيجية القائمة بين الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي.
 
 
ولعل أهم ما يميز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الدولتين أنها تستند على مجموعة من المرتكزات، التي تجعل منها نموذجاً ناجحاً للشراكات على الصعيدين الإقليمي والدولي، أبرزها:
 
 
•  وجود إرادة سياسية مشتركة لدى قيادتَي البلدين، تقف بقوة وراء دفع هذه الشراكة والارتقاء بها قدماً إلى الأمام، وهذا ما تجسده الزيارات رفيعة المستوى بين الدولتين، وهي الزيارات التي تعكس المستوى المتقدم من التنسيق السياسي بين الدولتين، وتوافق رؤيتهما إزاء القضايا الإقليمية والدولية.
 
 
•  تقدم الدولتان نموذجاً فريداً في التسامح والتعايش البنّاء، فالإمارات تستضيف على أراضيها أبناء ما يزيد على مائتي جنسية يعيشون في تناغم وسلام، والهند تمثل نموذجاً سكانياً فريداً يضم مختلف الديانات والأعراق، ولا شك في أن هذا النموذج يقف وراء ما تنعم به الدولتان من أمن واستقرار على المستويات كافة، ويفسر أيضاً حرصهما على تعزيز القيم المشتركة في احترام التنوع والتعددية الثقافية، باعتبارها تمثل منظومة القيم العالمية التي تسهم في تعزيز التعايش على الصعيد العالمي. وهذا ما عبر عنه بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ خلال إحدى زيارات رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للدولة، بقول سموه إن ما يزيد من أهمية العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند ويمنحها بعداً حضارياً متميزاً، أن البلدين يشتركان في الكثير من القيم الحضارية وفي مقدمتها التعايش والاعتدال والتسامح، مؤكداً أن الثقافة والقيم المشتركة تمثل أساساً قوياً لتعزيز العلاقات بين الدول وترسيخ أسس السلام والاستقرار والتنمية، ولذلك تعطي دولة الإمارات العربية المتحدة هذا البعد أهمية كبيرة في سياساتها، وتحرص على مد جسور التواصل الحضاري والثقافي مع مختلف شعوب العالم وحضاراته، ومن بينها الحضارة الهندية العريقة، وهو نفس المعنى الذي أكده أيضاً ناريندرا مودي الذي أشاد فيها بسياسة التسامح والتعايش التي تنتهجها دولة الإمارات العربية المتحدة تجاه مختلف الجنسيات التي تعيش على أرضها، وذلك في مجتمع تسوده علاقات تعاون واحترام، وأكد حرص بلاده على تعزيز علاقات الصداقة والتعاون الاستراتيجي مع دولة الإمارات، بما يضمن مصالح البلدين والشعبين الصديقين على مختلف الصعد.
•  توافق رؤى الدولتين إزاء القضايا الإقليمية والدولية، وبدا هذا واضحاً في البيانات الختامية الصادرة في ختام الزيارات المتبادلة، والتي لا تخلو من التشديد على الرغبة المشتركة في تعزيز العلاقات الاستراتيجية وتكثيف تعاون وتنسيق البلدين في المجالات كافة بما يعزز الشراكات الثنائية التي تخدم عملية التنمية والتقدم والازدهار لمصلحة الشعبين الصديقين. 
 
 
•  المصالح المشتركة، التي لا تقتصر على المصالح الاقتصادية والتجارية فقط، وإنما السياسية والاستراتيجية والأمنية أيضاً؛ فالهند قوة إقليمية يُعتَدُّ بها، ومرشحة للعب دور متزايد على الصعيدَين الإقليمي والدولي، والإمارات قوة مهمة في محيطها الإقليمي، وتقوم بدور فاعل في إرساء أسس الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة؛ وهذا الثقل الذي تتمتع به كلٌّ من الدولتين يعزِّز ليس علاقاتهما والشراكة فيما بينهما في المجالات كافة فقط، وإنما قدرتهما على تبنِّي مبادرات مشتركة تجاه مختلف قضايا المنطقة والعالم أيضاً، خاصة فيما يتعلَّق بمواجهة التطرَّف والإرهاب، اللذين باتا يمثلان خطراً يهدِّد الأمن والسلم على الصعيدَين الإقليمي والدولي.
 
 
أثر الشراكة في تعزيز الأمن والاستقرار
لا شك أن العلاقات القوية والشراكة الاستراتيجية الإماراتية- الهندية في مختلف المجالات عززت من دورهما في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم أجمع، وبدا هذا واضحاً في تبني الدولتين مواقف مشتركة فيما يتعلق بمواجهة مصادر التهديد التي تواجه الأمن والسلم العالمي، فضلاً عن التوافق بين الدولتين إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وهو ما جعل من هذه العلاقات عاملاً مهماً في تعزيز أسس الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهذا ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خلال استقباله على هامش القمة العالمية للحكومات، ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند  في شهر فبراير 2018،  فقد أعرب سموه عن أمله في تحقيق المزيد من التطور في علاقات الصداقة والتعاون بين الجانبين بما يحفظ للشعبين الصديقين مصالحهما المشتركة ويعزز توجهات الأمن والسلام والتقارب التي ينتهجها البلدان حفاظاً على السلم والاستقرار الإقليمي والدولي. ويظهر الأثر الإيجابي للشراكة الإماراتية- الهندية على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي في مظاهر عدة، أبرزها:
 
 
•  دعم جهود مكافحة التطرف والإرهاب، خاصة أن الدولتين تدركان أن الإرهاب يشكل خطراً عاماً على جميع دول العالم، كما تعارضان بشدة الإرهاب، بكل أشكاله ومظاهره بغض النظر عن مرتكبه ودوافعه ومكانه، وتعملان معاً من أجل محاربة التطرف والأصولية وسوء استخدام الدين من قبل الجماعات والدول للتحريض على الكراهية والجرائم الإرهابية، كما تطالبان بضرورة العمل على نشر قيم السلام والتسامح التي تدعو إليها كل الأديان، وتؤكدان ضرورة مواصلة الجهود لنشر التجربة الإماراتية - الهندية في بناء مجتمعات يقتدى بها في محاربة الإرهاب والتطرف. وتسعى دولة الإمارات من خلال علاقتها القوية مع الهند لمحاربة الإرهاب، كونها تؤدي دوراً كبيراً في منطقة جنوب غرب آسيا. كما تتعاون الدولتان في العمل على تفكيك البنية التحتية للإرهاب، من خلال مراقبة وتنظيم تبادل المعلومات وتدفق الأموال، التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على أنشطة الجماعات المتطرفة. كما يجري، منذ سنوات، تنسيق الجهود لمواجهة التطرف، وإساءة استخدام الدين من قبل الجماعات والبلدان من أجل التحريض على الكراهية، وارتكاب وتبرير الإرهاب أو استخدامه لأغراض سياسية.  وتتبنى الدولتان رؤية مشتركة فيما يتعلق بمكافحة التطرف والإرهاب، تنطلق من أنه لا يمكن التغلب على التطرف والإرهاب باستخدام القوة فقط، وإنما باتباع نهج شمولي متكامل، يركز على محاربة التطرف والأصولية وسوء استخدام الدين من قبل الجماعات والدول للتحريض على الكراهية وارتكاب أعمال الإرهاب، وتعزيز ثقافة الانفتاح على الآخر والتسامح في المجتمعات وفيما بينها، والعمل معاً عن كثب لمواجهة شرور وأمراض التطرف والإرهاب والتعصب الديني، والعمل على تفكيك واعتراض الشبكات الإرهابية وتجفيف مصادر تمويلها والحد من تحركاتها وفق مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، وإدانة استخدام المعايير المزدوجة في معالجة خطر الإرهاب الدولي.
 
 
•  ترسيخ ثقافة التعايش والتسامح والانفتاح، فالإمارات تضمن لأكثر من مئتي جنسية العيش على أراضيها في أمن وسلام، في حين تتسم الهند بتنوع ديموجرافي يشمل مختلف الديانات والأعراق، وهذا يؤكد كيف أن الدولتين قد نجحتا في تحويل قيم التعايش والتسامح إلى ممارسات تنبذ التعصب والتمييز وتعلي من شأن التفاهم والحوار والعيش المشترك، وهذا يسهم بدور فاعل في التصدي لنزعات التطرف والارهاب.
 
 
•  التعاون الأمني في مواجهة التحديات والمخاطر المختلفة، سواء فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخباراتية، أو العمل معاً من أجل تنظيم التحكم في ما يختص بتدفق الأموال وتجريم التدفقات المالية غير القانونية، واتخاذ الإجراءات ضد الأفراد والمنظمات التي تقف وراء ذلك، وتقوية العلاقات في مجالات الدفاع.  كما أن الحوار الأمني بين مؤسسات الأمن الوطني في البلدين، والذي يركز على مناقشة قضايا الأمن خاصة مكافحة الإرهاب والأمن البحري والأمن الإلكتروني، والتعاون المشترك في مجالات إنفاذ القانون ومحاربة غسيل الأموال وتهريب العملات المزيفة والمخدرات ومكافحة تهريب البشر والهجرة غير الشرعية والجرائم المنظمة العابرة للحدود، وهي جهود لا شك تسهم في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي.
 
 
ولاشك أن تميز العلاقات الإماراتية -الهندية، وما تشكله من نموذج ناجح للشراكات الثنائية بين الدول لم يأت من فراغ، وإنما من توافر قناعة مشترك متجذرة لدى البلدين بأهمية هذه العلاقات، وضرورة تطويرها ودفعها إلى الأمام باستمرار. في الوقت ذاته، فإن هناك إدراك مشترك لدى قيادتي الدولتين بأهمية هذه الشراكة، وما تنطوي عليه من مردود إيجابي للدولتين، على أكثر من مستوى، فهي من ناحية تضيف زخماً للعلاقات بين الدولتين، وتجعلها أكثر تطوراً لتأخذ في الاعتبار الأبعاد والمتغيرات الجديدة للعلاقات الدولية، كقضايا البيئة والأمن والطاقة الجديدة  والتغير المناخي والتكنولوجيا وصناعة الفضاء، وغيرها من القضايا التي تدفع في اتجاه تعزيز المصالح المشتركة. كما أن هذه الشراكة من ناحية ثانية تعزز من الهامش المتاح للدولتين في مجال التعامل مع العالم الخارجي، وتقوي قدرتهما على المناورة ومواجهة الضغوط النابعة من البيئتين الإقليمية والدولية.
 
 
الخلاصة
يمكن القول بأن أهم ما يميز الشراكة الإماراتية- الهندية أنها لا تقتصر على مجالات معينة، وإنما هي شراكة استراتيجية شاملة، سياسية واقتصادية وتجارية واستثمارية وعسكرية وأمنية وثقافية وحضارية، يدعمها موروث تاريخي وروابط قديمة بين البلدين،إذ تشترك دولة الإمارات مع جمهورية الهند في عدة عوامل، منها الروابط التاريخية والقرب الجغرافي والتفاعل والتقارب الثقافي، والآمال والطموحات والتحديات المشتركة. ويعزز التعاون بين البلدين النمو المشترك في العديد من القطاعات الحديثة، منها الطاقة والفضاء والغذاء والتكنولوجيا الحديثة والاستثمارات والبنية التحتية.
 
 
ولاشك أن الشراكة الإماراتية-الهندية، بما تقوم عليه من توافق في الرؤى إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية، تعزز من جهود الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وتسهم في حل النزاعات والصراعات بالطرق السلمية، والتصدّي الحازم لقوى التطرف والإرهاب، والعمل على خلق بيئة إقليمية وعالمية آمنة ومستقرة، بما يدعم التنمية لمصلحة حاضر الشعوب ومستقبلها في العالم كله.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره