مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-03-01

الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي بين‭ ‬التطبيقات‭ ‬والسياسات‭ ‬والمستقبلي

كشفت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬ـ‭ ‬الأوكرانية‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬توجيه‭ ‬اتهامات‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬عن‭ ‬اختراق‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬روسيا‭ ‬ذلك‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬سبب‭ ‬آخر‭ ‬لخوض‭ ‬الحرب‮»‬‭.‬
 
 
‭ ‬بقلم‭ : ‬د‭. ‬عادل‭ ‬عبد‭ ‬الصادق
 
 
‭ ‬ويكشف‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬توظيف‭ ‬عسكري‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬للفضاء‭ ‬الخارجي،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬القوة‭ ‬الفضائية‮»‬‭ ‬من‭ ‬مرتكزات‭ ‬الهيمنة‭ ‬الجديدة،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التطور‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬أسلحة‭ ‬فضائية‭ ‬سرية‭ ‬وعلنية،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬والكواكب‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬وإقامة‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬به،‭ ‬دخل‭ ‬الفضاء‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العالمي،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التطبيقات‭ ‬أو‭ ‬السياسات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬الأمن‭ ‬الفضائي‭ ‬كرافد‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬الدولي،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬الاندماج‭ ‬الوظيفي‭ ‬‮«‬المتصاعد‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬والمجالات‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى‭.‬
 
 
ويطرح‭ ‬ذلك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬ماهية‭ ‬المتغيرات‭ ‬الجديدة‭ ‬نحو‭ ‬عسكرة‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وما‭ ‬الأنماط‭ ‬الجديدة‭ ‬للصراع‭ ‬المسلح‭ ‬وغير‭ ‬المسلح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السيطرة‭ ‬والهيمنة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الثروة‭ ‬والموارد‭ ‬الفضائية؟‭ ‬وما‭ ‬خصائص‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفضائية‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬الفضائي؟‭ ‬وما‭ ‬طبيعة‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يفرضها‭ ‬تنامي‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي؟‭ ‬وما‭ ‬فرص‭ ‬احتواء‭ ‬العسكرة؟‭ ‬وما‭ ‬دور‭ ‬القانون‭ ‬الدولي؟‭ ‬وكيف‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬دولية‭ ‬لحظر‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬الفضاء؟‭ ‬وما‭ ‬فرص‭ ‬دعم‭ ‬الاستخدام‭ ‬السلمي‭ ‬للفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬وتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬الدولي؟
 
 
خصائص‭ ‬وأنماط‭ ‬عمل‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفضائية‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الدولية
1‭. ‬خصائص‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفضائية‭ ‬والتغير‭ ‬في‭ ‬المدلول
إن‭ ‬تطوير‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الأسلحة‭ ‬الفضائية‮»‬‭ ‬جاء‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬دور‭ ‬المتغير‭ ‬التكنولوجي‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬العسكرية،‭ ‬ورقمنة‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬والتطور‭ ‬في‭ ‬الإطلاق‭ ‬والتشغيل،‭ ‬وانتقال‭ ‬بعض‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬العسكرية‭ ‬السرية‭ ‬إلى‭ ‬التجريب‭ ‬ثم‭ ‬الاستخدام‭ ‬الفعلي،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬وتيرة‭ ‬التسابق‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬ولا‭ ‬تعتمد‭ ‬تلك‭ ‬الأسلحة‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬النيران‭ ‬بل‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬القدرات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التشويش‭ ‬والتعمية‭ ‬والسيطرة‭ ‬والتحكم‭ ‬والاختراق‭. ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تتضمن‭ ‬القدرات‭ ‬التدميرية‭ ‬بالضرورة‭ ‬‮«‬تفجير‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬يتم‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الوسائل‭ ‬الأقل‭ ‬عدوانية،‭ ‬مثل‭ ‬الهجمات‭ ‬السيبرانية‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬تدفق‭ ‬البيانات‭ ‬بين‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬والمحطات‭ ‬الأرضية‭.‬
 
 
هذا‭ ‬وقد‭ ‬أخذ‭ ‬‮«‬السلاح‭ ‬الفضائي‮»‬‭ ‬طبيعة‭ ‬متحركة‭ ‬تكتسب‭ ‬قوتها‭ ‬بالاصطدام‭ ‬بالهدف‭ ‬وتدميره،‭ ‬أو‭ ‬بتوظيف‭ ‬أشعة‭ ‬الليزر‭ ‬أو‭ ‬الموجات‭ ‬الكهرومغناطيسية،‭ ‬أو‭ ‬بتدمير‭ ‬الألواح‭ ‬الشمسية‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬المعادية،‭ ‬أو‭ ‬بتوظيف‭ ‬الظواهر‭ ‬الطبيعية‭ ‬كالرعد‭ ‬والعواصف‭ ‬والأعاصير‏‭ ‬والزلازل‭ ‬كأسلحة‭ ‬غير‭ ‬تقليدية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أخرى‭ ‬اصطناعية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬غاز‭ ‬الكيمتريل‮»‬‭.‬
وتطور‭ ‬‮«‬الجيل‭ ‬الجديد‮»‬‭ ‬من‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬مع‭ ‬تطوير‭ ‬ونشر‭ ‬واستخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬الدفاعية‭ ‬والهجومية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الفضائية‭ ‬لدول‭ ‬أخرى،‭ ‬ومواجهة‭ ‬خطر‭ ‬الأسلحة‭ ‬الباليستية،‭ ‬أو‭ ‬للمساعدة‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬حربي‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬أو‭ ‬ضمان‭ ‬حرية‭ ‬الملاحة‭ ‬الفضائية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الاستخباراتي‭ ‬والحروب‭ ‬النفسية‭ ‬والإعلامية‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭.‬
ويمكن‭ ‬تعطيل‭ ‬وتدمير‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬دون‭ ‬تفجيرها‭ ‬باستخدام‭ ‬الصواريخ،‭ ‬ويمكن‭ ‬لمركبة‭ ‬فضائية‭ ‬أن‭ ‬تقترب‭ ‬وترش‭ ‬الطلاء‭ ‬على‭ ‬أجهزة‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬البصرية،‭ ‬وتدمير‭ ‬هوائيات‭ ‬الاتصال‭ ‬الخاصة‭ ‬بها،‭ ‬ويمكن‭ ‬استخدام‭ ‬الليزر‭ ‬كسلاح‭ ‬لتعطيل‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬أو‭ ‬إتلاف‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬الحساسة،‭ ‬وتوظيف‭ ‬موجات‭ ‬الراديو‭ ‬أو‭ ‬موجات‭ ‬الميكروويف‭ ‬للتشويش‭ ‬أو‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬موجات‭ ‬الإرسال‭ ‬والاستقبال‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬التحكم‭ ‬الأرضية‭. ‬
 
 
وهناك‭ ‬سلاح‭ ‬مباشر‭ ‬مضاد‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬ASAT،‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬المعدن‭ ‬بها‭ ‬نظام‭ ‬توجيه‭ ‬خاص،‭ ‬ومثبتة‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬صاروخ‭ ‬باليستي،‭ ‬وتنفصل‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬مغادرة‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬للأرض،‭ ‬ثم‭ ‬تقوم‭ ‬بتصحيح‭ ‬مسارها‭ ‬للاقتراب‭ ‬من‭ ‬الهدف‭ ‬وحدوث‭ ‬الاصطدام‭ ‬عند‭ ‬السرعات‭ ‬المدارية،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬طاقة‭ ‬هائلة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الانفجار‭. ‬
وتشكل‭ ‬الأسلحة‭ ‬المضادة‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬والتي‭ ‬تحطم‭ ‬أهدافها‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكوين‭ ‬سحابة‭ ‬من‭ ‬الشظايا،‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصطدم‭ ‬بأجسام‭ ‬أخرى،‭ ‬والتي‭ ‬بدورها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬من‭ ‬المقذوفات‭ ‬عبر‭ ‬مدار‭ ‬الأرض‭.‬
 
2‭. ‬اتجاهات‭ ‬أنماط‭ ‬نظم‭ ‬التسلح‭ ‬الفضائي‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية
تتفاوت‭ ‬الأسلحة‭ ‬المضادة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أنواع‭ ‬الآثار‭ ‬التي‭ ‬تحدثها،‭ ‬ومستوى‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬المطلوب،‭ ‬ومستوى‭ ‬الموارد‭ ‬اللازمة‭ ‬لتطويرها‭ ‬ونشرها،‭ ‬مثل‭ ‬امتلاك‭ ‬نظم‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬قواعد‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬أو‭ ‬أقمار‭ ‬صناعية‭ ‬تستخدم‭ ‬كأسلحة‭. ‬هذا‭ ‬وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬وفقًا‭ ‬لاعتبارات‭ ‬مكان‭ ‬وجود‭ ‬الهدف‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬وجود‭ ‬السلاح‭ ‬أنماط‭ ‬جديدة،‭ ‬تشمل‭:‬
نظام‭ ‬تسلح‭ ‬‮«‬أرض‭ - ‬فضاء‮»‬‭: ‬يتميز‭ ‬بالحركية‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬استخدام‭ ‬صواريخ‭ ‬أو‭ ‬أجسام‭ ‬أخرى‭ ‬تم‭ ‬إطلاقها‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬بغية‭ ‬إسقاط‭ ‬أهداف‭ ‬فضائية،‭ ‬وآخر‭ ‬غير‭ ‬حركي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬مثل‭ ‬أجهزة‭ ‬تشويش‭ ‬وأجهزة‭ ‬كمبيوتر‭ ‬يتم‭ ‬نشرها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬يكون‭ ‬بمقدورها‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الأهداف‭ ‬الفضائية‭ ‬تضمن‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭. ‬
 
 
والنمط‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬التسلح‭ ‬هو‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬فضاء‭ - ‬فضاء‮»‬‭: ‬حركي‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬قدرة‭ ‬أقمار‭ ‬صناعية‭ ‬في‭ ‬اعتراض‭ ‬وتدمير‭ ‬أقمار‭ ‬صناعية‭ ‬أخرى،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬تلك‭ ‬الصواريخ‭ ‬رؤوسًا‭ ‬نووية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬نووية،‭ ‬ونوع‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬حركي‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أقمار‭ ‬صناعية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬الموجات‭ ‬المايكروية‭ ‬والموجات‭ ‬الأخرى‭ ‬لتعطيل‭ ‬عمل‭ ‬أقمار‭ ‬صناعية‭ ‬أخرى‭.‬
 
 
والنمط‭ ‬الثالث‭ ‬هو‭ ‬سلاح‭ ‬‮«‬‭ ‬فضاء‭ - ‬أرض‮»‬‭: ‬يتميز‭ ‬بأنه‭ ‬نظام‭ ‬حركي‭ ‬يستهدف‭ ‬تدمير‭ ‬منشآت‭ ‬أرضية‭ ‬من‭ ‬الفضاء،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يخضع‭ ‬للبحوث‭ ‬العسكري،‭ ‬ونظام‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬حركي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الدرع‭ ‬الصاروخية‭ ‬الفضائية‭.‬
 
 
وهناك‭ ‬نمط‭ ‬رابع‭ ‬يرتبط‭ ‬بتطوير‭ ‬القدرات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إدارة‭ ‬الصراع‭ ‬والحرب‭ ‬بتبني‭ ‬نظم‭ ‬تسليح‭ ‬متقدمة‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬عمليات‭ ‬حربية‭ ‬أو‭ ‬عدائية‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬‮«‬أرض‭- ‬أرض‮»‬‭ (‬عبر‭ ‬الفضاء‭).‬
 
 
صعود‭ ‬اقتصاد‭ ‬الفضاء‭ ‬كمحرك‭ ‬جديد‭ ‬للتنافس‭ ‬الدولي
تأتي‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأهداف‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬وقد‭ ‬برز‭ ‬اقتصاد‭ ‬الفضاء‭ ‬باعتباره‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًّا‭ ‬في‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬منصات‭ ‬الإطلاق‭ ‬أو‭ ‬تصدير‭ ‬التقنيات‭ ‬اللازمة‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬وبات‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ»اقتصاد‭ ‬الفضاء‮»‬‭ ‬مدخلًا‭ ‬استراتيجيًّا‭ ‬للاستحواذ‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬الفضائية،‭ ‬وتعرفه‭ ‬منظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنمية‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬أي‭ ‬نشاط‭ ‬يتضمن‭ ‬استكشاف‭ ‬وفهم‭ ‬وإدارة‭ ‬واستخدام‭ ‬الفضاء‮»‬،‭ ‬ويعني‭ ‬اقتصاد‭ ‬الفضاء‭ ‬كذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬الموارد‭ ‬الفضائية‭ ‬وفهمها‭ ‬وإدارتها‭ ‬وتوظيفها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬منتجات‭ ‬وخدمات‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬بالمعرفة‭ ‬والبحث‭ ‬والتطوير،‭ ‬والتطبيقات‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الفضائية‮»‬‭.‬
 
 
ويشمل‭ ‬‮«‬اقتصاد‭ ‬الفضاء‮»‬‭ ‬نمطين؛‭ ‬الأول،‭ ‬يرتبط‭ ‬بـ»اقتصاد‭ ‬الفضاء‭ ‬مقابل‭ ‬الأرض‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬السلع‭ ‬أو‭ ‬الخدمات‭ ‬المنتَجة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬للاستخدام‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬الاتصالات‭ ‬السلكية‭ ‬واللاسلكية‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬للإنترنت‭ ‬وقدرات‭ ‬مراقبة‭ ‬الأرض،‭ ‬والأقمار‭ ‬الصناعية‭. ‬أما‭ ‬النمط‭ ‬الثاني،‭ ‬فيرتبط‭ ‬بـ»اقتصاد‭ ‬الفضاء‭ ‬مقابل‭ ‬الفضاء‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬المنتَجة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬لاستخدامها‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬مثل‭ ‬تعدين‭ ‬القمر‭ ‬والكويكبات‭ ‬لاستخراج‭ ‬مواد‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬للبناء‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭. ‬
 
 
وقد‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬ازدهار‭ ‬وتنامي‭ ‬فرص‭ ‬وإمكانات‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الفضاء‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬الحكومات‭ ‬أو‭ ‬الشركات‭ ‬متعدية‭ ‬الجنسيات؛‭ ‬ففي‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬نحو‭ ‬72‭ ‬صاروخًا‭ ‬فضائيًّا‭ ‬و1022‭ ‬مركبة‭ ‬فضائية،‭ ‬وقد‭ ‬دعمت‭ ‬الشركات‭ ‬التجارية‭ ‬نحو‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الإطلاق،‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬نحو‭ ‬958‭ ‬مركبة‭ ‬فضائية،‭ ‬وتجاوز‭ ‬تمويل‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬للشركات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الفضاء‭ ‬عشرة‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬وهو‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬زاد‭ ‬بمقدار‭ ‬عشرة‭ ‬أضعاف‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقد‭ ‬الماضي،‭ ‬ويوجد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬شركة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬ونحو‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المستثمرين‭ ‬يشاركون‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الفضاء،‭ ‬بقيمة‭ ‬إجمالية‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬469‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬بارتفاع‭ ‬نسبته‭ ‬9‭% ‬مقارنة‭ ‬بعام‭ ‬2020،‭ ‬مثل‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬للإنترنت‮«‬Starlink‮»‬‭  ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬SpaceX‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬يملكها‭ ‬الملياردير‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬إيلون‭ ‬ماسك‮»‬‭. ‬
 
 
كما‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬الفضاء‭ ‬حول‭ ‬العالم؛‭ ‬ففي‭ ‬2021‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ارتفاع‭ ‬19‭% ‬في‭ ‬الإنفاق‭ ‬الحكومي‭ ‬الإجمالي‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬الفضاء‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬أسرع‭ ‬معدل‭ ‬نمو‭ ‬منذ‭ ‬2014‭. ‬ورفعت‭ ‬الهند،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬إجمالي‭ ‬إنفاقها‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬إلى‭ ‬36‭%‬،‭ ‬والصين‭ ‬بنحو‭ ‬23‭%‬،‭ ‬بينما‭ ‬ضخت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬استثمارات‭ ‬بزيادة‭ ‬قدرها‭ ‬18‭%‬،‭ ‬وبما‭ ‬يعادل‭ ‬12%‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭.‬
 
 
ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬ينمو‭ ‬اقتصاد‭ ‬الفضاء‭ ‬بما‭ ‬يتجاوز‭ ‬640‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2026،‭ ‬وبحلول‭ ‬2030‭ ‬يُتوقّع‭ ‬أن‭ ‬ينمو‭ ‬اقتصاد‭ ‬الفضاء‭ ‬العالمي‭ ‬بنسبة‭ ‬75‭%‬،‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬642‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬بحلول‭ ‬2040‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬قيمة‭ ‬سوق‭ ‬السفر‭ ‬والسياحة‭ ‬الفضائية‭ ‬إلى‭ ‬23‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بحلول‭ ‬2030‭.‬
 
 
تصاعد‭ ‬الإنفاق‭ ‬والاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬بعسكرة‭ ‬الفضاء‭ ‬
طالبت‭ ‬إدارة‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬،‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬مارس‭ ‬2022،‭ ‬تخصيص‭ ‬ميزانية‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬تقدر‭ ‬بـ773‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬منها‭ ‬24‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لقوة‭ ‬الفضاء‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬بمقدار‭ ‬5‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬اعتماده‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬الكونجرس‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تخصيص‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لوكالة‭ ‬تطوير‭ ‬الفضاء‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬18‭.‬05‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬للقوة‭ ‬الفضائية،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬تدشينها‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬ديسمبر‭ ‬2019،‭ ‬وهي‭ ‬القوة‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬تنظيم‭ ‬وتدريب‭ ‬وتجهيز‭ ‬القوات‭ ‬للقيام‭ ‬بعمليات‭ ‬فضائية‭ ‬عالمية،‭ ‬وكفرع‭ ‬جديد‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬عام‭ ‬1947‭. ‬ويعكس‭ ‬ذلك‭ ‬اتجاه‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬لاعتبار‭ ‬الفضاء‭ ‬أمرًا‭ ‬حيويًّا‭ ‬للأمن‭ ‬القومي،‭ ‬كونه‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الحرب‭ ‬الحديثة،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬محاولة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الفضائية،‭ ‬وتحسين‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬المتصاعد‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬وردع‭ ‬الأعداء،‭ ‬والمرونة‭ ‬أثناء‭ ‬العمليات‭ ‬العدائية‭.‬
 
 
وتركز‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬النزاعات‭ ‬المستقبلية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬الدفاعية‭ ‬والاستثمارات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تطوير‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار،‭ ‬وتحقيق‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬الجهد‭ ‬الحكومي‭ ‬والتجاري‭ ‬وبين‭ ‬الحلفاء،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬قام‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬بتصميم‭ ‬هياكل‭ ‬فضائية‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬مدارات‭ ‬متنوعة،‭ ‬وذلك‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬مهاجمة‭ ‬الأنظمة‭ ‬الفضائية‭ ‬الأخرى،‭ ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬تطوير‭ ‬توظيف‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأجسام‭ ‬المضادة‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬ولا‭ ‬ينفصل‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬عن‭ ‬تحفيز‭ ‬المشغلين‭ ‬التجاريين‭ -‬وبخاصة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭- ‬لتطوير‭ ‬دفاعات‭ ‬متقدمة‭ ‬لأنظمتها‭ ‬الفضائية‭ ‬بشكل‭ ‬يجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬مقاومة‭ ‬للتشويش‭ ‬أو‭ ‬الهجمات‭ ‬السيبرانية‭.‬
 
 
ويشكل‭ ‬الصعود‭ ‬الفضائي‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬تحديًا‭ ‬للتفوق‭ ‬الأمريكي‭ ‬التقليدي،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬تبني‭ ‬البرامج‭ ‬الفضائية‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬البرامج‭ ‬الأخرى‭ ‬ذات‭ ‬الأبعاد‭ ‬المدنية،‭ ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬تهديدًا‭ ‬لاستقرار‭ ‬عمل‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الفضائية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفعها‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أنظمة‭ ‬فضائية‭ ‬متقدمة،‭ ‬وحماية‭ ‬البنية‭ ‬الفضائية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالإنذار‭ ‬المبكر‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬أجهزة‭ ‬استشعار‭ ‬تعمل‭ ‬بالأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء؛‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬القذائف‭ ‬الباليستية‭ ‬والصوتية‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬سرعتها‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت‭.‬
 
 
ويأتي‭ ‬التخوف‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬خسارة‭ ‬سباق‭ ‬الفضاء‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تطوير‭ ‬الأخيرة‭ ‬لقدراتها‭ ‬الفضائية‭ ‬بوتيرة‭ ‬متسارعة،‭ ‬وذلك‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تقدم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فمن‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬4500‭ ‬قمر‭ ‬صناعي،‭ ‬تمتلك‭ ‬أمريكا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬النصف‭ ‬بمقدار‭ ‬2700‭ ‬قمر‭ ‬صناعي،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬أضعاف‭ ‬ما‭ ‬تمتلكه‭ ‬الصين،‭ ‬لكن‭ ‬بكين‭ ‬حققت‭ ‬رقمًا‭ ‬قياسيًّا‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬الإطلاق‭ ‬الفضائية‭ ‬خلال‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭. ‬ودفعت‭ ‬تلك‭ ‬التطورات‭ ‬إلى‭ ‬تنبي‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‭ ‬مبدأ‭ ‬الصين‭ ‬كمنافس‭ ‬استراتيجي‭ ‬رئيس‭ ‬وروسيا‭ ‬كتهديد‭ ‬خطير‭ ‬لمصالح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭.‬
 
 
ومن‭ ‬أهم‭ ‬مؤشرات‭ ‬السباق‭ ‬نمو‭ ‬مجال‭ ‬الاستكشاف‭ ‬الدولي‭ ‬للفضاء‭ ‬ورغبة‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬للمريخ‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬وأن‭ ‬تصبح‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬فضائية‭ ‬كبرى‮»‬‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭: ‬روسيا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬والهند‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬والبرازيل،‭ ‬كما‭ ‬ظهرت‭ ‬قوى‭ ‬صاعدة،‭ ‬مثل‭: ‬المكسيك‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬وإيران‭ ‬وسنغافورة‭ ‬ونيجيريا‭ ‬والأرجنتين‭. ‬ويشهد‭ ‬الفضاء‭ ‬الآسيوي‭ ‬حالة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬التنافس‭ ‬انعكاسًا‭ ‬لحالة‭ ‬التوتر‭ ‬حول‭ ‬الحدود‭ ‬والمصالح‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية،‭ ‬مثل‭ ‬الهند‭ ‬وباكستان،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والغرب،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والعرب‭.‬
 
 
اتجاهات‭ ‬تنامي‭ ‬العسكرة‭ ‬بين‭ ‬الأسلحة‭ ‬والهيمنة
فرض‭ ‬امتلاك‭ ‬دول‭ ‬لأسلحة‭ ‬فضائية‭ ‬زيادة‭ ‬فرص‭ ‬تعرض‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تمتلك‭ ‬‮«‬بنية‭ ‬فضائية‮»‬‭ ‬لخطر‭ ‬الهجوم،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬هدفًا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اندلاع‭ ‬نزاع‭ ‬مسلح‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬واحتمال‭ ‬تجاوز‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬طرفي‭ ‬أو‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬المفترضين‭ ‬ليصيب‭ ‬أنظمة‭ ‬البنية‭ ‬الفضائية‭ ‬المدنية‭ ‬الكونية‭ ‬كافة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬مختلفة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭.‬
 
 
كذلك‭ ‬فإن‭ ‬دخول‭ ‬دول‭ ‬جديدة‭ ‬النادي‭ ‬الفضائي‭ ‬الدولي‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الفاعلين‭ ‬أو‭ ‬الأنشطة‭ ‬الفضائية‭ ‬سيعمل‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬على‭ ‬صعوبة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬السلوك‭ ‬الدولي،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬احتمالية‭ ‬التعرض‭ ‬للمخاطر؛‭ ‬إما‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬التسلح‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬اتجاهات‭ ‬عسكرة‭ ‬الفضاء،‭ ‬بسبب‭ ‬محاولة‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬الاستحواذ‭ ‬أو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬الفضائية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرتها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفضائية‭ ‬أو‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬أو‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬حول‭ ‬الأرض،‭ ‬أو‭ ‬باستخدام‭ ‬مقدرات‭ ‬الفضاء‭ ‬لتعزيز‭ ‬العمل‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬
 
 
على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الفضاء‭ ‬كمنصة‭ ‬لإطلاق‭ ‬النيران‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬فإن‭ ‬المخاوف‭ ‬بشأن‭ ‬ذلك‭ ‬تتصاعد،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬تحول‭ ‬الفضاء‭ ‬إلى‭ ‬مرفق‭ ‬دولي‭ ‬مشاع‭ ‬للاستخدام‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬الفاعلين‭ ‬كافة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬غيرها،‭ ‬ومحاولة‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مركزها‭ ‬وهيمنتها‭ ‬وإقامة‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬ثابتة‭ ‬على‭ ‬القمر‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الأجرام‭ ‬السماوية‭.‬
 
 
إن‭ ‬حالة‭ ‬اللايقين‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمدى‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬أبحاث‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تطوير‭ ‬أسلحة‭ ‬فضائية‭ ‬يدفع‭ ‬البقية‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمار‭ ‬فيها؛‭ ‬لتحقيق‭ ‬ردع‭ ‬مفترض‭ ‬ضد‭ ‬احتمالات‭ ‬التعرض‭ ‬لهجمات‭. ‬هذا‭ ‬وقد‭ ‬تحول‭ ‬سباق‭ ‬الفضاء‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬العلمي‭ ‬إلى‭ ‬العسكري،‭ ‬ومن‭ ‬النشاط‭ ‬العسكري‭ ‬السري‭ ‬إلى‭ ‬العلني‭ ‬عبر‭ ‬تأسيس‭ ‬جيوش‭ ‬فضائية،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬الإقرار‭ ‬بتحول‭ ‬المجال‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬ساحة‭ ‬حربية‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تصاعد‭ ‬أهمية‭ ‬‮«‬القوة‭ ‬الفضائية‮»‬‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬‮«‬القوة‭ ‬الجوية‭ ‬‮«‬،‭ ‬والتحول‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الاستكشاف‭ ‬المداري‭ ‬حول‭ ‬الأرض‭ ‬إلى‭ ‬السعي‭ ‬لإقامة‭ ‬قواعد‭ ‬ومركبات‭ ‬ثابتة‭ ‬على‭ ‬القمر‭ ‬أو‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأجرام‭ ‬السماوية‭.‬
وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تصاعد‭ ‬الاستخدامات‭ ‬العسكرية‭ ‬للفضاء،‭ ‬فإن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الأنشطة‭ ‬المدنية‭ ‬التجارية،‭ ‬بخاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإنترنت‭ ‬والاتصالات،‭ ‬وفي‭ ‬تعزيز‭ ‬القدرات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬اقتصاد‭ ‬الفضاء،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬التنافس‭ ‬والصراع‭ ‬حول‭ ‬مقدراته،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬برزت‭ ‬تحديات‭ ‬الالتزام‭ ‬بسلطة‭ ‬الدولة‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اختلاف‭ ‬الدوافع‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬تجارية‭.‬
 
 
وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬تنامي‭ ‬دور‭ ‬الاستخدامات‭ ‬العسكرية‭ ‬للفضاء‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬الصراعات،‭ ‬عبر‭ ‬تعزيز‭ ‬عمل‭ ‬منصات‭ ‬إطلاق‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يغذي‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية،‭ ‬ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬تحدي‭ ‬الأمن‭ ‬الفضائي‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬العسكري‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬برزت‭ ‬تحديات‭ ‬جديدة،‭ ‬مثل‭ ‬تحديات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬مع‭ ‬تفاقم‭ ‬مشكلة‭ ‬النفايات‭ ‬الفضائية،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬كسلاح‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬دولة‭ ‬ما‭ ‬لتدمير‭ ‬قمر‭ ‬صناعي‭ ‬للعدو،‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬مساءلة‭ ‬دولية‭.‬
 
 
القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وفرص‭ ‬تعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬الفضائي
‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬وتدابير‭ ‬وقائية‭ ‬لحماية‭ ‬الأمن‭ ‬الفضائي‭ ‬التوصل‭ ‬لاتفاقية‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬والأجرام‭ ‬السماوية‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬وهي‭ ‬المعنية‭ ‬بتنظيم‭ ‬الاستخدام‭ ‬السلمي،‭ ‬ومرور‭ ‬الرحلات‭ ‬والمركبات‭ ‬الفضائية،‭ ‬وحرية‭ ‬استكشاف‭ ‬واستخدام‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬وعلى‭ ‬قدم‭ ‬المساواة،‭ ‬وعدم‭ ‬جواز‭ ‬التملك‭ ‬القومي‭ ‬للفضاء‭ ‬أو‭ ‬ادعاء‭ ‬السيادة‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬اليد‭ ‬أو‭ ‬الاحتلال‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى،‭ ‬والتزام‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مباشرة‭ ‬نشاطها‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بغية‭ ‬صيانة‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدولي‭.‬
 
 
ولكن‭ ‬لم‭ ‬تذكر‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفضائية‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬نشرها‭ ‬واستخدامها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬اتفاق‭ ‬دولي‭ ‬يمنع‭ ‬الاختبارات‭ ‬العسكرية‭ ‬للقدرات‭ ‬الصاروخية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حظر‭ ‬المعاهدة‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تتطرق‭ ‬للأسلحة‭ ‬التقليدية‭ ‬الأخرى‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬تكييف‭ ‬ذلك‭ ‬وفق‭ ‬روح‭ ‬ومبادئ‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للقمر‭ (‬اتفاق‭ ‬القمر‭) ‬عام‭ ‬1979‭. ‬والتي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬القمر‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬المشترك‭ ‬للبشرية،‭ ‬وأن‭ ‬موارده‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬للاستيلاء‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المطالبة‭ ‬بالسيادة،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الاستخدام‭ ‬أو‭ ‬الاحتلال،‭ ‬أو‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭ ‬أخرى‮»‬‭.‬
وتواجه‭ ‬عملية‭ ‬التحكم‭ ‬أو‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬تحديات‭ ‬ترتبط‭ ‬باختلاف‭ ‬طبيعته‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬إخضاعها‭ ‬للسيطرة‭ ‬المادية‭ ‬وسهولة‭ ‬المراقبة‭ ‬والتفتيش،‭ ‬وصعوبات‭ ‬تتعلق‭ ‬بكون‭ ‬الفضاء‭ ‬مشاعًا‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬ادعاء‭ ‬تملكه‭ ‬أو‭ ‬ممارسة‭ ‬سيادة‭ ‬الدولة‭ ‬عليه‭. ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬فإن‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬استكشاف‭ ‬الفضاء‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬التاريخ‭ ‬الاستعماري‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬هيمنة‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬كساحة‭ ‬جديدة‭ ‬للصراع،‭ ‬ولذلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬اقترحت‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬نزع‭ ‬السلاح‭ ‬توقيع‭ ‬معاهدة‭ ‬لمنع‭ ‬وضع‭ ‬أسلحة‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬أو‭ ‬استخدامها‭ ‬أو‭ ‬التهديد‭ ‬بها،‭ ‬لكن‭ ‬ترفض‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بدء‭ ‬مباحثات‭ ‬حول‭ ‬التسلح‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬بدعوى‭ ‬أنها‭ ‬ستعمل‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القدرات‭ ‬الفضائية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬أسلحة‭ ‬فضائية‭ ‬وتحد‭ ‬من‭ ‬قدراتها‭.‬
 
 
ويواجه‭ ‬مقترح‭ ‬الاتفاق‭ ‬ثلاث‭ ‬مشكلات‭ ‬رئيسة؛‭ ‬الأولى‭: ‬غياب‭ ‬آليات‭ ‬التحقق‭ ‬والمراقبة،‭ ‬والثانية‭: ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬المقترح‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬قضية‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأرضية‭ ‬المضادة‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬والثالثة‭: ‬لم‭ ‬يتناول‭ ‬الاتفاق‭ ‬المقترح‭ ‬تعريف‭ ‬ماهية‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭.‬
 
 
وفي‭ ‬مارس‭ ‬2019‭ ‬اجتمع‭ ‬خبراء‭ ‬حكوميون‭ ‬بجينيف‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬دولة‭ ‬بمكتب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لعقد‭ ‬مباحثات‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬منع‭ ‬تحول‭ ‬الفضاء‭ ‬لساحة‭ ‬حربية،‭ ‬وتم‭ ‬وضع‭ ‬عدة‭ ‬بنود‭ ‬يمكن‭ ‬تضمينها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬معاهدة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بحيث‭ ‬تأخذ‭ ‬التدابير‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬قانوني‭ ‬غير‭ ‬ملزم،‭ ‬ويرى‭ ‬اتجاه‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يعد‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬ملزمة‭. ‬بينما‭ ‬يفضل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تعزيز‭ ‬إجراءات‭ ‬الشفافية‭ ‬وبناء‭ ‬الثقة‭ ‬لمنع‭ ‬التسلح‭ ‬الفضائي،‭ ‬وتسعى‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تقديم‭ ‬معاهدة‭ ‬دولية‭ ‬محدثة‭ ‬لحظر‭ ‬نشر‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭.‬
 
 
وتطالب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالربط‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬يمكن‭ ‬لدولة‭ ‬ما‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لحماية‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬العدائية‮»‬،‭ ‬والفصل‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬1967‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬‮«‬أن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬يمتدان‭ ‬ليشملا‭ ‬استكشاف‭ ‬واستخدام‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬بإمكان‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬القيام‭ ‬بمهام‭ ‬مراقبة‭ ‬الفضاء‭ ‬وتطبيق‭ ‬القوة‭ ‬الفضائية‭ ‬لحماية‭ ‬ممتلكاتها‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬تتضح‭ ‬أهمية‭ ‬ترسيخ‭ ‬قواعد‭ ‬لحماية‭ ‬البنية‭ ‬الفضائية‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬القصف‭ ‬أو‭ ‬التدمير،‭ ‬وكذلك‭ ‬مواجهة‭ ‬الأخطار‭ ‬الكونية‭ ‬مثل‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬والمخلفات‭ ‬الفضائية‭.‬
 
 
وتساند‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مبادرة‭ ‬أخرى‭ ‬بقيادة‭ ‬أوروبية‭ ‬لإرساء‭ ‬‮«‬معايير‮»‬‭ ‬للسلوك‭ ‬السليم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬مدونة‭ ‬طوعية‭ ‬دولية‭ ‬للقواعد‭ ‬السلوكية‭ ‬للفضاء‭ ‬الخارجي،‭ ‬ستكون‭ ‬بمنزلة‭ ‬خطوة‭ ‬أولى،‭ ‬يعقبها‭ ‬اتفاق‭ ‬ملزِم،‭ ‬والتي‭ ‬تطالب‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الشفافية‭ ‬و»بناء‭ ‬الثقة‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬المرتادة‭ ‬للفضاء‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتعزيز‭ ‬‮«‬الاستكشاف‭ ‬والاستخدام‭ ‬السلمي‭ ‬للفضاء‭ ‬الخارجي‮»‬‭. ‬يمكن‭ ‬لهذا‭ -‬كما‭ ‬هو‭ ‬مأمول‭- ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬توليد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الحطام‭ ‬وتطوير‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفضائية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬وكحال‭ ‬المعاهدة‭ ‬الروسية‭-‬الصينية،‭ ‬لم‭ ‬تضع‭ ‬المسودة‭ ‬تعريفًا‭ ‬دقيقًا‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬مقصود‭ ‬بمصطلح‭ ‬‮«‬السلاح‭ ‬الفضائي‮»‬‭.‬
 
 
وختامًا،‭ ‬باتت‭ ‬التطورات‭ ‬المتسارعة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفضاء‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬تنامي‭ ‬عسكرة‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وعن‭ ‬انتقال‭ ‬التوتر‭ ‬الدولي‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬تأثيرات‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الفضائي‭ ‬كرافد‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬الدولي،‭ ‬ويهدد‭ ‬التوجهات‭ ‬العالمية‭ ‬بتحول‭ ‬الفضاء‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬حربية‭ ‬وتهديد‭ ‬أطر‭ ‬التعاون‭ ‬والتكامل‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي،‭ ‬وحقيقة‭ ‬كونه‭ ‬مرفقًا‭ ‬دوليًّا‭ ‬وتراثًا‭ ‬مشتركًا‭ ‬للإنسانية‭.‬
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره