مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-05-01

الصين‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭.. ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬والتوازن‭ ‬الاستراتيجي

أبى‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينقضي‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يرسم‭ ‬ملمحًا‭ ‬مهمًّا‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬الصينية،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬خلال‭ ‬الأعوام‭ ‬المقبلة‭ ‬أيضًا،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الصينية‭ ‬التي‭ ‬استضافتها‭ ‬العاصمة‭ ‬السعودية‭ ‬الرياض،‭ ‬والتي‭ ‬جاءت‭ ‬لتؤسس‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬المشترك،‭ ‬وتضع‭ ‬عدة‭ ‬أطر‭ ‬لتعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬البينية،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُسهِم‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬
 
بقلم‭: ‬د‭. ‬عمـاد‭ ‬الأزرق
 
ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الصينية،‭ ‬أن‭ ‬الجانبين‭ ‬يواجهان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬تعاونهما‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬المتبادل،‭ ‬والاستغلال‭ ‬الأمثل‭ ‬لإمكاناتهما،‭ ‬والفرص‭ ‬المتاحة،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تساعدهما‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬والقدرة‭ ‬وتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬اللازم‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمن‭ ‬والسلام،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬التنموية‭ ‬ورفاهية‭ ‬الأمتين‭. ‬
 
تحديات‭ ‬مشتركة
تواجه‭ ‬الصين‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬تحديات‭ ‬عديدة‭ ‬تتسم‭ ‬بعالمية‭ ‬التأثير؛‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬للتعاون‭ ‬المشترك‭ ‬فيما‭ ‬بينهما‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭:‬
 
1‭. ‬تباطؤ‭ ‬معدلات‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي
يعاني‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬النمو؛‭ ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬توقعات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬تباطؤ‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬6‭.‬0‭% ‬عام‭ ‬2021‭ ‬إلى‭ ‬3‭.‬2‭% ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬ثم‭ ‬2‭.‬7‭% ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬أضعف‭ ‬أنماط‭ ‬النمو‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2001،‭ ‬باستثناء‭ ‬فترة‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬والمرحلة‭ ‬الحرجة‭ ‬من‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬كوفيد‭- ‬19‮»‬،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬4‭.‬7‭% ‬عام‭ ‬2021‭ ‬إلى‭ ‬8‭.‬8‭% ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬مع‭ ‬التوقعات‭ ‬بتراجعه‭ ‬لاحقًا‭ ‬إلى‭ ‬6‭.‬5‭% ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬ثم‭ ‬4.1%‭ ‬عام‭ ‬2024‭.‬
 
غير‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية‭ ‬المؤثرة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬انخفاض‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬العالمية،‭ ‬مثل‭ ‬استمرار‭ ‬تفشي‭ ‬كوفيد‭ - ‬19‭ ‬أو‭ ‬ظهور‭ ‬سلالات‭ ‬جديدة‭ ‬منه،‭ ‬وكذلك‭ ‬تفاقم‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬ودخول‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬المواجهة،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬سوءًا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة،‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬التعاون‭ ‬متعدد‭ ‬الأطراف‭ ‬باعتباره‭ ‬أداة‭ ‬ضرورية‭ ‬لتسريع‭ ‬مسار‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنموي‭.‬
 
2‭. ‬فيروس‭ ‬‮«‬كوفيد‭- ‬19‮»‬
عانى‭ ‬العالم‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الصين‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬بشدة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاث‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬‮«‬كوفيد‭- ‬19‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬تأثيراته‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬الصحية‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬امتدت‭ ‬لتطال‭ ‬النواحي‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتنموية‭ ‬بل‭ ‬والاجتماعية‭ ‬أيضًا‭.‬
 
وشهدت‭ ‬أزمة‭ ‬“كوفيد‭- ‬19”‭ ‬تعاونًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬الصيني‭ ‬والعربي،‭ ‬ضاعف‭ ‬من‭ ‬قدرتهما‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬للدرجة‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬فيه‭ ‬بكين‭ ‬حاليًّا‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬“صفر‭ ‬كورونا”،‭ ‬ومن‭ ‬جانبها‭ ‬قدمت‭ ‬الصين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬340‭ ‬مليون‭ ‬جرعة‭ ‬من‭ ‬اللقاحات‭ ‬المضادة‭ ‬لفيروس‭ ‬كورونا‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬الأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬توطين‭ ‬صناعة‭ ‬لقاحات‭ ‬كورونا‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مصر،‭ ‬كما‭ ‬أجرى‭ ‬الجانبان‭ ‬تعاونًا‭ ‬فعالًا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬تطوير‭ ‬اللقاحات‭ ‬واستخدامها‭ ‬وتقاسم‭ ‬الخبرات‭ ‬والأدوية‭ ‬وغيرها؛‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬قدوة‭ ‬يحتذى‭ ‬به‭ ‬للتعاون‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الجائحة‭.‬
 
3‭. ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬
تستمر‭ ‬تأثيرات‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬ويزداد‭ ‬انعكاسها‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتنموية،‭ ‬ويتسع‭ ‬نطاق‭ ‬تأثيراتها‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬فرص‭ ‬اتساع‭ ‬الحرب،‭ ‬وإمكانية‭ ‬دخول‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى،‭ ‬سواء‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر،‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭. ‬وقد‭ ‬تأثرت‭ ‬الصين‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة؛‭ ‬فقد‭ ‬تسببت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم،‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وخطط‭ ‬التنمية‭. ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الحرب‭ ‬قد‭ ‬انعكست‭ ‬إيجابًا‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بارتفاع‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬البترول‭ ‬والغاز‭ ‬بعد‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬ووقف‭ ‬إمدادات‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬واعتبار‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بديلًا‭ ‬محتملًا‭ ‬له،‭ ‬فقد‭ ‬قدَّمت‭ ‬الصين‭ ‬نفسها‭ ‬أيضًا‭ ‬لروسيا‭ ‬كسوق‭ ‬بديلة‭ ‬للسوق‭ ‬الأوروبية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالنفط‭ ‬والغاز،‭ ‬ووعدت‭ ‬بشراء‭ ‬كميات‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الروسييْن‭ ‬وبناء‭ ‬مستودعات‭ ‬عملاقة‭ ‬لهما،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اتجاه‭ ‬بكين‭ ‬للتوقف‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬طاقة‭ ‬الفحم‭.‬
 
هذا‭ ‬ومن‭ ‬المتوقّع‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬حدة‭ ‬خلال‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء،‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬وتيرة‭ ‬تهديدات‭ ‬موسكو‭ ‬بتكثيف‭ ‬الهجوم‭ ‬خلاله،‭ ‬وتزايد‭ ‬معاناة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬وتفاقمها،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬إقرار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬“جو‭ ‬بايدن”‭ ‬نهاية‭ ‬2022‭ ‬قانون‭ ‬تفويض‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والذي‭ ‬أجاز‭ ‬إنفاقًا‭ ‬عسكريًّا‭ ‬بلغت‭ ‬قيمته‭ ‬858‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وتضمَّن‭ ‬توفير‭ ‬800‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬كمساعدات‭ ‬عسكرية‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬وتخصيص‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬لتأمين‭ ‬منظومات‭ ‬تسليح‭ ‬إلى‭ ‬تايوان،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬تقييد‭ ‬مشتريات‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬شرائح‭ ‬إلكترونية‭ ‬تقوم‭ ‬شركات‭ ‬صينية‭ ‬بتصنيعها‭.‬
 
الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬الخارجي
تواجه‭ ‬الصين‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬حالتين‭ ‬متباينتين‭ ‬نتيجة‭ ‬تغير‭ ‬توجهات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تولي‭ ‬الملف‭ ‬الصيني‭ ‬والروسي‭ ‬اهتمامًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬واشنطن‭ ‬كلًّا‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬‮«‬التحدي‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬وثيقة‭ ‬‮«‬التوجيه‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المؤقت‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأمريكي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬فـي‭ ‬مارس‭ ‬2021،‭ ‬نصَّت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬الصين‭ ‬مختلف،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬قوتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ،‭ ‬تَعُد‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصين‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬والأكثر‭ ‬خطرًا‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬روسيا‭.‬
 
هذا‭ ‬الاستشعار‭ ‬الأمريكي‭ ‬لأهمية‭ ‬خطر‭ ‬تنامي‭ ‬النفوذ‭ ‬الصيني‭ ‬لما‭ ‬يمثله‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬لاستمرار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تبوُّء‭ ‬مقعد‭ ‬قيادة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬والطويل،‭ ‬دفع‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬تكثيف‭ ‬تحركاتها‭ ‬بمناطق‭ ‬الجوار‭ ‬الصيني‭ ‬وفي‭ ‬مجالها‭ ‬الحيوي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بمنطقة‭ ‬‮«‬الإندوباسيفــيك‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬يؤشر‭ ‬إلى‭ ‬مساعٍ‭ ‬أمريكية‭ ‬لمحاصرة‭ ‬الصين،‭ ‬ووقف‭ ‬نفوذها‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكوين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأحلاف‭ ‬مثل‭ ‬تجمع‭ ‬الحوار‭ ‬الأمني‭ ‬الرباعي‭ ‬‮«‬كواد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والهند‭ ‬وأستراليا‭ ‬واليابان،‭ ‬والذي‭ ‬يُوصَف‭ ‬بـ»الناتو‭ ‬الآسيوي‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أنشأت‭ ‬واشنطن‭ ‬تحالف‭ ‬‮«‬أوكوس‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬يضم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وأستراليا،‭ ‬والذي‭ ‬يولي‭ ‬اهتمامًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بتطوير‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬وقدرات‭ ‬الحرب‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬والمعرفة‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الأمنية‭ ‬والدفاعية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬
 
وتستهدف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬إثارة‭ ‬المشكلات‭ ‬والتحديات‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الصين‭ ‬عرقلة‭ ‬مسيرتها‭ ‬الطموحة‭ ‬لقيادة‭ ‬أو‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد،‭ ‬تارة‭ ‬بإثارة‭ ‬قضايا‭ ‬الاضطهاد‭ ‬الديني‭ ‬والعرقي‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬شينجيانج،‭ ‬وتارة‭ ‬بقضايا‭ ‬الحريات‭ ‬في‭ ‬هونج‭ ‬كونج،‭ ‬وتارة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وتارة‭ ‬ثالثة‭ ‬بتحريض‭ ‬الفلبين‭ ‬على‭ ‬اللجوء‭ ‬لمحكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬للمطالبة‭ ‬بحقوقها‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي،‭ ‬وتارة‭ ‬رابعة‭ ‬بتسخين‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬تايوان‭ ‬بزيارة‭ ‬رئيسة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬نانسي‭ ‬بيلوسي‮»‬‭ ‬وتقديم‭ ‬الوعود‭ ‬بمخصصات‭ ‬لمنظومة‭ ‬التسليح‭ ‬في‭ ‬تايوان،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬شن‭ ‬حرب‭ ‬تجارية،‭ ‬ومقاطعة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬خاصة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬منها،‭ ‬والتحريض‭ ‬ضد‭ ‬الصين‭.‬
 
كل‭ ‬ذلك،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬يجعل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬منشغلة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بالأوضاع‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬وشرق‭ ‬آسيا‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬وشرق‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬اهتمامها‭ ‬بمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والقضايا‭ ‬والأزمات‭ ‬العربية؛‭ ‬فتراجع‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يخلق‭ ‬فراغًا‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬وثار‭ ‬التساؤل‭ ‬حول‭ ‬قدرة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬ملء‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ،‭ ‬أو‭ ‬مساعدة‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬ملئه‭ ‬حال‭ ‬حدوثه،‭ ‬وسبل‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لدى‭ ‬الجانبين‭ ‬استراتيجية‭ ‬أو‭ ‬تصور‭ ‬حول‭ ‬آليات‭ ‬عملية‭ ‬فاعلة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬شريكًا‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬والقوة‭ ‬اللازمتين‭ ‬لملء‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬التعاون‭ ‬العربي‭ ‬الصيني‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬وخلال‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة‭. ‬إن‭ ‬نجاح‭ ‬الصين‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬ملء‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أو‭ ‬مساعدة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬بامتلاك‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬والقدرة‭ ‬المختلفة،‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أنه‭ ‬سيحقق‭ ‬توازنًا‭ ‬استراتيجيًّا‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬وربما‭ ‬يبشر‭ ‬ببزوغ‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬وبروز‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬جديدة‭ ‬يمكنها‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬والمفتقد‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬
 
التعاون‭ ‬العربي‭ ‬الصيني‭ ‬
اكتسب‭ ‬التعاون‭ ‬العربي‭ ‬الصيني‭ ‬أهمية‭ ‬وزخمًا‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬القمة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬استضافتها‭ ‬الرياض،‭ ‬والتي‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬تقارب‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬والتوجهات‭ ‬والدعم‭ ‬المتبادل‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬ذات‭ ‬الاهتمام‭ ‬المشترك،‭ ‬بما‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الجانبيْن‭ ‬المُضي‭ ‬قدمًا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬التعاون،‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬التوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬دعوة‭ ‬الصين‭ ‬المتكررة‭ ‬لخلق‭ ‬ما‭ ‬يُعرَف‭ ‬بـ«مجتمع‭ ‬مصير‭ ‬مشترك‭ ‬عربي‭ ‬صيني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اقترحه‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬‮«‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينج‮»‬‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬خلال‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬السادس‭ ‬لمنتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي،‭ ‬وما‭ ‬أعقب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تناول‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬التفصيل‭ ‬خلال‭ ‬زيارته‭ ‬لمقر‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2016‭- ‬لسياسة‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الجديد‭ ‬بطريقة‭ ‬شاملة‭ ‬ومنهجية،‭ ‬ورسم‭ ‬مخطط‭ ‬للتنمية‭ ‬المستقبلية‭ ‬للعلاقات‭ ‬الصينية‭ ‬العربية؛‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬التعاون‭ ‬الشامل‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭.‬
 
وفي‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬أعلن‭ ‬‮«‬شي‮»‬‭ ‬اتفاق‭ ‬الصين‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬‮«‬شراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬صينية‭ ‬عربية‭ ‬موجهة‭ ‬نحو‭ ‬المستقبل‭ ‬للتعاون‭ ‬الشامل‭ ‬والتنمية‭ ‬المشتركة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬الثامن‭ ‬لمنتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي‭. ‬وفي‭ ‬يوليو‭ ‬2020،‭ ‬توصلت‭ ‬الصين‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬توافق‭ ‬حول‭ ‬إدراج‭ ‬‮«‬البناء‭ ‬المشترك‭ ‬لمجتمع‭ ‬مصير‭ ‬مشترك‭ ‬صيني‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الجديد‮»‬‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬عمان،‭ ‬الذي‭ ‬اعتُمِد‭ ‬خلال‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬التاسع‭ ‬لمنتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي‭.‬
 
أهمية‭ ‬التعاون‭ ‬العربي‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬الاستراتيجي
التوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬يمثل‭ ‬هاجسًا‭ ‬يؤرق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬صانعي‭ ‬القرار‭ ‬والمواطنين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء؛‭ ‬لما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬وانعكاسات‭ ‬مختلفة‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجوانب،‭ ‬سواء‭ ‬الأمنية‭ ‬أو‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتنموية‭. ‬ويمكن‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬أهدافها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المعروفة‭ ‬بالهدفين‭ ‬المئويين،‭ ‬والتي‭ ‬احتفلت‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬بتحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬الأول‭ ‬منهما‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬رغيد‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬شامل‮»‬،‭ ‬وسعيها‭ ‬جاهدة‭ ‬وفق‭ ‬روح‭ ‬وتوجيهات‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭ ‬الـ‭ ‬20‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني‭ ‬والذي‭ ‬عُقِد‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022‭- ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬المئوي‭ ‬الثاني‭ ‬عام‭ ‬2049‭ ‬بمناسبة‭ ‬الاحتفال‭ ‬بتأسيس‭ ‬جمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬اشتراكية‭ ‬حديثة‭ ‬قوية‭ ‬ومتحضرة‭ ‬ومتناغمة‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬سواء‭ ‬منفردة‭ ‬أو‭ ‬برفقة‭ ‬قوى‭ ‬أخرى‭.‬
 
وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬تحرص‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سعيها‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬دورها‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬الأصعدة،‭ ‬وعدم‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬فحسب،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬تقدير‭ ‬القيادة‭ ‬الصينية‭ ‬لتوقيت‭ ‬لعب‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬ولكيفيته‭ ‬وحدوده،‭ ‬والذي‭ ‬يُتوقَّع‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬تدريجيًّا‭ ‬وبحسب‭ ‬الحاجة،‭ ‬والتي‭ ‬تحددها‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬متطلبات‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الصيني‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬في‭ ‬مراحله‭ ‬الأولى‭.‬
 
ويمكن‭ ‬للصين‭ -‬التي‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬تجارتها‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬نحو‭ ‬330‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬ويُتوقَّع‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬خلال‭ ‬عامين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬إلى‭ ‬430‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬والتي‭ ‬تبلغ‭ ‬استثماراتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬نحو‭ ‬200‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭- ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًّا‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬قدراتها،‭ ‬وتوطين‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬الخطط‭ ‬التنموية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬الوفورات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬الخليجية‭ ‬والإمكانات‭ ‬والقدرات‭ ‬العربية،‭ ‬والخبرات‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الصينية؛‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬للمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬معدلات‭ ‬تنموية‭ ‬واقتصادية‭ ‬ضخمة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬محركًا‭ ‬قويًّا‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الصيني،‭ ‬وفرصة‭ ‬لتوطين‭ ‬الصناعات‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬للولوج‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬المختلفة،‭ ‬سواءً‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الإفريقية‭ ‬أو‭ ‬الأوروبية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وكسر‭ ‬الحصار‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يُفرض‭ ‬على‭ ‬الصناعات‭ ‬الصينية‭ ‬المنتَجة‭ ‬داخل‭ ‬الصين،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬الصين‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬التلوث‭ ‬البيئي،‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصناعات‭ ‬التي‭ ‬تُعَد‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاجها‭ ‬بتكنولوجيا‭ ‬متطورة‭ ‬أفضل‭ ‬اقتصاديًّا‭ ‬وبيئًّا‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلتها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يُمكِّن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬اقتصاد‭ ‬إنتاجي‭ ‬قوي،‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬لها‭ ‬توازنًا‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭.‬
 
ويمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬العربي‭ ‬الصيني‭ ‬ورغبة‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الدور‭ ‬الروسي،‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أنهما‭ ‬شجعا‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬الطلبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بزيادة‭ ‬ضخ‭ ‬البترول‭ ‬والغاز‭ ‬بدوافع‭ ‬اقتصادية،‭ ‬والتزامهما‭ ‬بقرار‭ ‬تحالف‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بـ«عواقب‭ ‬وخيمة‮»‬،‭ ‬وتأكيد‭ ‬الخارجية‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬أن‭ ‬‮«‬المملكة‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬الإملاءات‭ ‬وترفض‭ ‬أي‭ ‬تصرفات‭ ‬أو‭ ‬مساعٍ‭ ‬لتحوير‭ ‬الأهداف‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬عليها‭ ‬لحماية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬تقلبات‭ ‬الأسواق‭ ‬البترولية‮»‬‭.‬
 
هذا‭ ‬التغير‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وواشنطن‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬وإنما‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬معطيات‭ ‬عديدة،‭ ‬أبرزها‭ ‬تراجع‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وبروز‭ ‬أدوار‭ ‬قوى‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬استعدادًا‭ ‬للتعاون‭ ‬المشترك،‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬مصالح‭ ‬الأطراف‭ ‬المختلفة،‭ ‬ويعود‭ ‬بالنفع‭ ‬على‭ ‬الجميع‭.‬
 
كما‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬بما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬قوية‭ ‬مع‭ ‬ضفتي‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًّا‭ ‬في‭ ‬التقريب‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭. ‬ورغم‭ ‬أنها‭ ‬نأت‭ ‬بنفسها‭ ‬عن‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخلافات‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكنها‭ ‬التدخل‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتنموية‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الثلاثة‭ ‬عبر‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منها‭ ‬لتبريد‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لاستخدام‭ ‬الخلافات‭ ‬المذهبية‭ ‬والأيديولوجية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬السياسية‭ ‬وإشعال‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬
 
وختامًا،‭ ‬سبق‭ ‬وأكد‭ ‬الرئيس‭ ‬‮«‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينج‮»‬‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬بجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬أن‭ ‬التنمية‭ ‬تُعَد‭ ‬المفتاح‭ ‬السحري‭ ‬لحل‭ ‬كل‭ ‬مشكلات‭ ‬وقضايا‭ ‬المنطقة،‭ ‬ويمكن‭ ‬للصين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادراتها‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬التنمية‭ ‬العالمية‮»‬‭ ‬و»الأمن‭ ‬العالمي‭ ‬لتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬للجميع‭ ‬في‭ ‬العالم‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬اتفاقات‭ ‬الشراكات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الصين‭ ‬بالدول‭ ‬العربية،‭ ‬ومنتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي،‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًّا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعاون‭ ‬والتنسيق‭ ‬المشترك،‭ ‬واستخدام‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬وتعزيز‭ ‬التوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والأمني‭ ‬والاقتصادي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الجانبين‭ ‬ويحقق‭ ‬المكاسب‭ ‬المشتركة‭.‬
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره