مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-11-05

العرب والتغيّر المناخي ..تهديدٌ وخطرٌ وجودي .. فماذا نحن فاعلون ؟

لايمكننا أن نعتبر التغيّر المناخي مجرد تحذيرات تطلقها المنظمات المهتمة بالبيئة ، أو توصيات تخرج بها المؤتمرات المعنية بالموضوع ، وليس مجرد أخبار تنقلها وسائل الإعلام العربية والعالمية وتحذرنا من آثاره وتداعياته ، بل أصبح تغيّر المناخ  يشكّل واقعّيا ودون مبالغة تهديداً كبيراً وخطراً داهماً للإنسانية ، بكل ماتعنيه الكلمة ، فقد يؤدي إلى استحالة الحياة في كثير من البلدان ، مع انتشار المجاعة والفقر والهجرة وازدياد الوفيات ولاسيما في وطننا العربي ، حيث تشهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، احتراراً يعادل ضعفي المتوسط العالمي .
 
 
إعداد: د. سفانة الديب
وفي تقرير لمنظمة “ غرين بيس “ المعنية بقضايا البيئة، وصف الوضع في المنطقة بأنه على شفير الهاوية، وتوقّع التّقرير أن تعاني  ثمانين بالمئة من المدن المكتظة بالسكان في الوطن العربي من موجات الحر، وأن تتجاوز درجات الحرارة ستين درجة مستقبلاً في بعض مناطق الخليج، في ظل انبعاثات عالية للغازات المسببة للاحتباس الحراري . 
 
 
وقد حذرت مسودة تقرير أعدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من أنّ ارتفاع درجات الحرارة بهذه الوتيرة في غضون العقود المقبلة، سيتسبب في ذوبان الجليد في المنطقة القطبية الشمالية، مما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع منسوب مياه البحار، وبالتالي غرق معظم المدن الساحلية خاصة نواكشوط والإسكندرية، وبنغازي، والجزائر العاصمة - المطلة على البحر المتوسط الذي يرتفع منسوب المياه فيه ثمانية ميللتر سنويا، حسب آخر رصد للأقمار الصناعية.
 
 
كما سيؤدي ارتفاع منسوب البحر المتوسط وانخفاض مستوى الأرض في مصر - بحسب وزارة البيئة المصرية - إلى تعرض مساحات واسعة من شمال دلتا نهر النيل، التي تمثل المساحة الزراعية الأكبر والأهم هناك للملوحة والغرق، مايعني بدوره انهيار الإنتاج الزراعي، وكذلك الاستثمارات السياحية على امتداد الشاطئ الشمالي، وهذه الحال تنطبق أيضا على دول شمال أفريقيا، وتعد مصر خامس دولة على الصعيد العالمي عرضة لتأثيرات اقتصادية، لارتفاع مستوى سطح البحر على المدن الساحلية والدلتا، وتشير تقديرات متباينة إلى انخفاض بنسب تتراوح ما بين و%60 في غلة المصالح الزراعية بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، وزيادة ملوحة مياه الري .
 
 
أما السودان، فيعاني وضعاً كارثياً، كونه البلد العربي الوحيد ضمن قائمة الدول العشر الأكثر تضرراً في العالم، حيث سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدلات الجفاف والتصحر، وشح موارد المياه، الأمر الذي يعني تعاظم النزاعات بين التجمعات البدوية التي تعيش على الرعي والمجتمعات الزراعية، ومن المتوقع أن تمتد الظاهرة إلى مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ودول الخليج.
 
 
وفي منطقة تعاني من أدنى مستوى من المياه العذبة في العالم، يقدّر أن يتعرض ما بين ثمانين ومئة مليون شخص فيها لضغوط ناجمة عن شح المياه بحلول عام 2025،  كما تتخوف مصر من أن يؤدي ارتفاع الحرارة إلى تقلص تدفق مياه النيل بنسبة وقد تصل إلى %80، والسيناريو نفسه قد تشهده مناطق نهرية أخرى في سوريا والأردن والعراق، وسط توقعات بانخفاض نسبة هطول الأمطار في العالم بنحو %20.
 
 
وأما العراق، فتحذّر تقارير أممية من أنه من بين أكثر خمس دول تأثرا بالتغير المناخي، وهو مهدد بفقدان %20 من مياهه العذبة، في حال ارتفعت درجة الحرارة بمقدار درجة واحدة بحلول عام 2050.
وبالنسبة للبنان، سينخفض الناتج المحلي اللبناني بنسبة خلال عقدين، والمعدل في تزايد إن لم يتغير الحال، والمغرب ليس أحسن حالاً بسبب موجات الجفاف والتي استهدفت ثلثي أشجار النخيل في الواحات خلال القرن الماضي، والتي كانت تقدر بـ 14 مليون نخلة .
 
 
أما تونس، فهي مهدده بفعل انعكاسات التغيّر المناخي بفقدان مواردها الطبيعية، ويتوقع أن تواجه نقصا حادا في محاصيل الحبوب، بسبب جفاف نحو ثلث المساحات الزراعية بحلول عام   2030
  وإذا ذهبنا إلى دولة الإمارات، والتي تلعب دوراً مركزياً في اقتصاد الطاقة في العالم، باعتبارها مورداً للوقود الأحفوري، سنجد أنها تُصنف من بين الدول الأكثر عرضة للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ في العالم، مايؤدي إلى ارتفاع أكثر في درجات الحرارة، وسقوط الأمطار بشكل أقل، وانتشار الجفاف،  وارتفاع مستوى مياه البحار، والمزيد من  العواصف، ما يجعلها  داعماً مهماً وأساسيّاً في إيجاد حلول لتقليل الانبعاثات .
 
 
ولكن رغم الدراسات الكثيرة، واستمرار الخبراء برصد الكوارث المناخية والاقتصادية التي تهدد دولا عربية بسبب التغير المناخي، والتي قد تصل إلى مستوى يؤثر على الأمن الاقتصادي والاجتماعي والغذائي، إلا أن كثيراً من الدول العربية تتعامل مع الظواهر المناخية على أنها فقط كوارث لحظية، وهنا يتصدر التفاوت في الوعي والمبادرات وإيجاد آليات للتصدي لتغير المناخ بين هذه الدول المشهد، فهناك من لاتضع هذا الخطر في حسبانها وكأنّهم في كوكب آخر، وهناك بعض الدول التي تعاني كثيراً بسبب الصراعات والحروب فلا يمكنها وضع التغير المناخي والتصدي له على رأس اهتماماتها، ولكن في المقابل، هناك من سبق الدول المتقدمة في التخطيط والوعي والتنفيذ والحد من تفاقم آثار وتداعيات التغير المناخي .. وهنا نأخذ نموذجاً حياً وفاعلاً، وهو دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تستضيف أكبر مؤتمر عالمي ودولي، 
 
 
« حول التصـدي لتداعيــات تغيّر المنـاخ والتخفيف منها، COP28”
وذلك خــلال المـدة من 30 نوفمــبر إلى 12 ديسمــبر من العــام الجــاري، في مدينة إكسبو دبي، حيث يسلط هـذا المؤتمر الضوء على مشروعات واستثمـارات دولة الإمــارات في القطاع الذي لا يتوقف على الصعيدين المحلي والعالمي، بل تسعى الإمارات إلى قيادة الجهود العالمية في قطاع الطاقة النظيفـة والمتجددة، وذلك من خـلال إستراتيجياتها واستثماراتها في هذا المجال . هذا ويعدّ المؤتمر منعطفاً قوياً وفرصة تاريخية للعالم، للالتقاء وتصحيح المسار ودفع التقدم، ليكون الجميع أكثر طموحاً لإيجاد حلول واقعية لمعالجة تغيّر المناخ، حيث تشهد الطاقة المتجددة في الإمارات طفرة ضخمة، في إطار المساعي لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050، ومواصلة الجهود الرائدة عالميا، لتعزيز أمن الطاقة ونشر تطبيقات التكنولوجيا النظيفة .
 
 
 وشهد عام 2017 إطلاق إستراتيجية الإمارات للطاقة 2050، والتي تعد أول استراتيجية موحدة للطاقة في الدولة، تعتمد على العرض والطلب، وتهدف الاستراتيجية إلى زيادة حصة الطاقة النظيفة ضمن إجمالي مزيج الطاقة من %25 إلى %50 بحلول عام 2050، والحد من البصمة الكربونية لتوليد الكهرباء بنسبة %70 . 
 
 
ومن هنا تكمن أهمية العمل على المستوى العربي والعالمي، بوضع تداعيات وآثار التغير المناخي والتصدي له على رأس أولوياتنا الحكومية، وبالتالي التنسيق والتعاون المشترك والجماعي، لإنقاذ البلاد والعباد .
 
 
إذاً هي آثار وتداعيات خطيرة ومدمرة ستنتج عن التغير المناخي، والذي ينشأ عنه تحديات تجعل المسألة تصل إلى الأمن القومي لكل دولة، لا بل تحمل في الوطن العربي بعداً شديد الخطورة، أقرب مايكون إلى التهديد الوجودي، والذي يفرض بدوره على الحكومات والمجتمعات جهوداً مشتركة وفعالة، لمعالجة هذه التحديات بقوة وخبرة أكبر ..
فما لم تغيّره الحروب والنزاعات، وما ينتج عنها من كوارث ومصائب، يبدو أن التغيرات المناخية ستتكفل به في القادم من الأيام،” إذا لم نحسن استخدام طوق النّجاة “ .
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره