2024-05-03
الغليان الحراري يهدد قطاعاتنا الحيوية في الأعوام القادمة،،، وهذه الحلول
سخر الله تعالى الأرض للحياة البشرية، وجعل كل ما فيها من صفات فيزيائية داعمة للحياة؛ من رطوبة ودرجات حرارة وقيم ضغط مناسبة، وحقول جاذبية تناسب ميكانيكية الحركة والتنقل والثبات وحقول مغناطيسية وأغلفة جوية تحمي أشكال الحياة من الأشعة الضارة، ووفرة مائية وغذائية ودورات طبيعية وموسمية متزنة ومتناسقة... إلخ.
بقلم: أ.د. محمد الفرجات
ونعرض خلال هذه المادة طبيعة كوكب الأرض (موئل البشرية) الداعم للحياة، ثم نتعرض لأسباب وأعراض التغير المناخي وآثاره وسبل الحد منها لحماية الكوكب وسكانه، فيما نتعرض بعد ذلك لعمليات وسبل التكيف والتعايش والتأقلم مع آثار التغير المناخي من أجل ضمان الاستدامة واستمرار عجلة التنمية، ومن ثم نعرض الخلاصة والتوصيات.
كوكب الأرض الداعم للحياة
يدور كوكبنا المبارك بمحور ثابت حول نفسه من أجل تقلب الليل والنهار، ويدور حول الشمس في مدار ثابت لتقلب الفصول الأربعة، وتعد الدورات الطبيعية على الكوكب متناسقة بالمكان والزمان ومتزنة تماما، وينتج عنها تقلبات وحالة الغلاف الجوي، ودورة المياه في الطبيعة، وكل عوامل الطقس، وحالة ونمو وتكاثر وتوزيع الأحياء المختلفة في بيئاتها وموائلها، بينما يحافظ الكوكب الأرضي على مسافة من الشمس بحيث لا تتبخر مياهه بشكل كامل ولا تتجمد بشكل كامل أيضا، لتتوفر في حالة السيولة في البحار والمحيطات والبحيرات والأنهار وداخل الخزانات الجوفية، الأمر الذي يميز كوكبنا عن باقي كواكب المجموعة الشمسية.
يحمي كوكبنا سكانه بشرا وتنوعا حيويا من الأشعة فوق البنفسجية عبر طبقة الأوزون، ويحافظ الكوكب على ارتفاع وسماكة وتركيب هذه الطبقة الكيميائي بعمليات طبيعية مستمرة وبشكل متزن،
الكوكب -المغناطيس الكبير- يحمي سكانه وكائناته الحية الحيوانية والنباتية من الأشعة الكونية بنفرها، ونجد بأن قيمة واتجاه وقوة حقله المغناطيسي ذات علاقة بدورات الكوكب وتنوعه الحيوي، ويحافظ الكوكب على قيمة واتجاه حقله الجاذبي بفضل مكوناته في الأعماق وبعملياته الداخلية، فلا يزيد من مقدار الجاذبية فيمنعنا من الحركة، ولا يقل فنتطاير للأعلى،
تتم على الكوكب دورات طبيعية للصخور وللمياه والأكسجين وثاني أكسيد الكربون والنيتروجين، فلا تنقص ولا تزيد وتبقى في مقادير لتدعم حياة الإنسان وبقية أشكال التنوع الحيوي، ويسود اتزان بيئي في الغابات والبحار والبراري والجبال بين الكائنات الحية بسلاسلها وشبكاتها الغذائية، فينقص من هذا المكون ويزيد ذلك الجزء ليستمر هذا النظام.
التغير المناخي الطبيعي وتبعاته
لا شك بأن كوكب الأرض قد تطور خلال العصور الجيولوجية عبر عمر الكوكب والذي يصل نحو 4 مليار عام، وأن هذا الكوكب قد مر بإرهاصات وحركات عنيفة من زلازل وبراكين وزحزحة صفائح وقارات وعمليات بانية للجبال وأخرى تسوي سطح الأرض بالحت والتعرية، وأن هنالك تفاعلات مستمرة بين أغلفة الأرض الصخرية والمائية والغازية والحيوية، وفي دراسات البيئات الرسوبية القديمة في تربة وصخور وطبقات مواقع مختلفة من العالم فقد تبين بأن هنالك تغير مناخي طبيعي متذبذب كان يسود الكوكب، فقد مرت على كوكبنا فترات العصور الجليدية، بينما كان هنالك فترات اتصفت بالثورات البركانية والتي كان من تبعاتها حصول المجاعات كما حصل عام 536 ميلادي:
فقد أعلن باحثون أنهم حددوا أسوأ سنة مرت على الإنسانية على مدار تاريخها المعلوم، جعلت البشر لا يخلدون للنوم طوال الليالي.
ويدعي المؤرخ المختص في تاريخ العصور الوسطى، مايكل ماكورميك، رئيس مبادرة جامعة هارفارد لعلوم الماضي البشري، أن عام 536 ميلادية، كان أكثر السنوات فظاعة وعناءا ليبقى الناس على قيد الحياة
وذكر أنه خلال هذه الفترة “المشؤومة” غطى ضباب غامض وكثيف دام لمدة 12 شهراً مناطق أوروبا والصين والشرق الأوسط، وجعلها تعيش في ظلام دامس
فيما انخفضت درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية تقريباً، ليبدأ أبرد عقد على مدى أكثر من 2000 عام، أدى ذلك إلى التسبب في حدوث المجاعة في جميع أنحاء العالم، قبل أن تتعرض المجموعات السكانية الضعيفة لتفشي مرض الطاعون الدبلي، الذي ربما يكون قد قضى على ما بين ثلث أو حتى نصف سكان الإمبراطورية الرومانية الشرقي، واكتشف العلماء أن بركاناً هائلاً حدث في أيسلندا في بداية عام 536، تلاه اثنان آخران عامي 540 و547 هما السبب وراء ما حدث.
حيث ألقى البركان كماً هائلاً من الرماد في الهواء وأطلق سلسلة من الأحداث التي أغرقت أوروبا في ركود اقتصادي استمر حتى عام 640، ويرتبط التغير المناخي الطبيعي بموقع الكوكب الفلكي وبعده عن الشمس، وكذلك بالنشاط الشمسي ودوراته، وبزاوية محور دوران الأرض حول نفسها، كما ويرتبط بالحقل المغناطيسي الأرضي وإنقلاباته، ويرتبط أيضا بتكتونية الصفائح وزحزحة القارات واختلاف مواقعها الجغرافية، وعمليات الكوكب الطبيعية كدورة الصخور في الطبيعة وأثرها في جغرافية الأرض، ويرتبط كثيرا بالبراكين والزلازل وتبعاتها.
لقد ثبت من خلال آثار الحضارة النبطية في مدينة البترا عاصمة مملكة الأنباط التاريخية الواقعة في وادي موسى في جنوب الأردن، بأن سكانها قد تعايشوا مع الشح المائي والجفاف، فشيدوا السدود والقنوات والآبار السطحية لغايات الحصاد المائي، كما وقد تحصنوا ضد خطر الفيضان لوقوع عاصمتهم في مجرى حوض تصريف مائي كبير.
القنبلة السكانية وعصر الأنشطة البشرية المتفاقمة
لم يكن عدد سكان الأرض في يوم ما وعبر التاريخ البشري بالمليارات كما هو الحال اليوم، ويعزى ذلك للثورة الصناعية التي بدأت في القرن الثامن عشر، ليرافقها كذلك تطور اللقاحات ضد مختلف الأمراض المعدية التي كانت تفتك بمدن وقرى كاملة عبر العصور؛ لتتحسن الإنتاجية الغذائية وتقل الوفيات وخاصة مع تحسن العناية الصحية، وتزداد فرص العمل ويزداد الطلب على الأراضي والمصادر الطبيعية والتوسع، وفيما بلغ عدد سكان الأرض في القرن الثامن عشر نحو 200 مليون نسمة، فقد تزايد البشر خلال القرنين الأخيرين إلى 8 مليار نسمة، وهذا يعد نمو سكاني سريع وضخم ولم يشهده التاريخ من قبل.
وبينما حل النظام الدولي والتوافق منذ عقود بشكل أو بآخر، ونشأت مجالس دولية لفك النشب وحل النزاعات كمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ومنظمات الإغاثة وقوات حفظ السلام الدولية ومنظمات صحية وبيئية وغذائية إلخ، لتحمي وتسند سكان العالم وترفع الجاهزية ضد الكوارث، فقد سادت الحروب الطاحنة والأوبئة الشرسة عبر العصور الماضية وحتى في الماضي القريب كالحربين العالميتين الأولى والثانية، وحدثت كوارث طبيعية كثيرة، وقد هلك بسبب هذه الحروب والأوبئة والكوارث والمجاعات والتشرد مئات الملايين من البشر، وتؤكد ذلك المصادر التاريخية ودراسات علم الآثار البيئي والجيولوجيا في مواقع مختلفة من العالم.
أنشطة السكان اليومية تهدد الكوكب
اليوم ومع الزيادة السكانية الهائلة ومع التغير المناخي الذي ندفعه كثمن للثورة الصناعية بمراحلها المختلفة وتقدم أدواتها ومنتجاتها في قطاعات الصناعة والزراعة والنقل والخدمات المختلفة وتوليد الكهرباء... إلخ، وما تتطلبه من طاقة تنتج عن حرق الوقود والفحم، ولإطعام وتنقل ورفاه البشر الذين أصبح عددهم بالمليارات، فيبدو بأن الأنظمة الدولية العالمية بشكلها الحالي باتت مرهقة، وأصبح الخلل يظهر بشكل متسارع وبمظاهر وأعراض كثيرة، بينما تفاقمت الكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي، وأصبحت هي بحد ذاتها تفاقم ظاهرة التغير المناخي وتؤدي لتسارعه على الكوكب.
مع ما سبق، ومع القنبلة السكانية العالمية فأزمة المياه والغذاء والطاقة تفاقمت في العالم، وباتت بوادر حروب المياه والتعطيش تظهر، وأصبح المد السكاني يستهلك الأراضي الصالحة للزراعة.
الأسباب المباشرة للتغير المناخي
البشرية اليوم التي تشارف على الثمانية مليار نسمة تدفع ثمن معيشتها ورفاهها معا لغياب الحكمة والراشدية في استهلاك الموارد وزيادة الطلب عليها، مقابل الإسراف باستعمال النفط والفحم وحرقها لغايات الإنتاج والنقل وتوليد الكهرباء والتدفئة وغيرها، فالسفر للاستجمام والسياحة له ثمنه، والمنتجات الصناعية والزراعية وعمليات النقل والتنقل اليومية وعلى مدار الساعة لها ثمنها، ومخلفات الأنشطة اليومية المختلفة بأشكالها الصلبة والسائلة والغازية باتت تفاقم الأمور وتهدد بيئة الكوكب وأغلفته الصخرية والمائية والغازية والحيوية، ولنأخذ مثالا عن ضريبة السفر بالطائرات:
-
عروض خيالية للسفر بالطائرات تلوث الغلاف الجوي بمخرجاتها الغازية
-
تذاكر طيران بأسعار زهيدة تصل إلى 10 يورو للسفر بين العواصم الأوروبية
-
رحلات جوية تنفث مليارات الأطنان سنويا من الغازات وخصوصا ثاني وأول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والكبريت والرصاص وبخار الماء
الحسابات المناخية تؤكد أن كل مسافر يسبب انبعاث كيلوغرام واحد من ثاني أكسيد الكربون إذا سافر 10 كيلومترات بالطائرة بالرحلات الجماعية منذ الثورة الصناعية الأولى واختراع الآلة البخارية قبل أكثر من قرنين، والاستمرار بالابتكارات وصولا إلى الآلة الغازية وتطور وسائل النقل البري والبحري والجوي وتطور عمليات الإنتاج الصناعية، وزيادة الطلب على الكهرباء وزيادة الاستهلاك وما يرافق هذه كلها من عمليات حرق تقليدية، فلقد أشبع غلافنا الجوي الغازي بالغازات الدخيلة بمليارات الأطنان، ليصل حد عدم المقدرة على التنقية الذاتية ويصبح مثقلا غير قادر على القيام بعملياته الطبيعية بالشكل الصحيح، فيشهد الكوكب ظاهرة البيت الزجاجي والتي أدت إلى ظاهرة الاحتباس الحراري فالإحترار العالمي وذوبان الأقطاب وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات وتهديد مدن ساحلية، لتبدأ منذ نحو عقدين أعراضا أكثر قسوة وعنفا تشمل تطور العواصف والأعاصير وموجات الحر والجفاف والصقيع والفيضانات، لنتنبه ومع دخول وباء كورونا إلى كارثة الأمن الغذائي والمجاعات القادمة على الكوكب.
أعراض التغير المناخي
شح المياه والأبعاد التنموية
الزيادة السكانية والتغير المناخي معا وبجانب الأنشطة البشرية التي فاقمت الطلب على المياه ولوثت مصادره أيضا، كلها قد جعلت هذا العنصر -والذي يشكل قاعدة التنمية التي يعتمد عليها مزارعو المنطقة العربية ويشكل من ناحية أخرى عصب الزراعة والأمن الغذائي والصناعة والسياحة- مهددا كمصدر، وأصبح عنصرا نادرا وثمينا ومصيريا في المنطقة ومن دواعي الصراع والأزمات إقليميا (أزمة سد النهضة وأثره على مصر مثال)، وأن نقص هذا العنصر الذي يدعم الحياة يهدد أيضا مصادر دخل نسبة كبيرة جدا من المواطنين كالفلاحين والمزارعين والصناعيين ... الخ، بينما ترتبط وفرته بالناتج القومي والاقتصاد والتنمية والرفاه وقوة العملة الشرائية في كل دولة.
ولا شك بأن العالم والمنطقة العربية خاصة تمر بفترة بدأت فيها علامات التغير المناخي تظهر جلية وواضحة، حيث أن التساقط المطري أخذ أشكال توزيع مكاني وزمني مختلفة تماما عن المعدلات السنوية للعقود الماضية، كما وأصبح يتركز في مناطق دون الأخرى، بينما الفجائية وارتفاع كميات المطر في فترة قصيرة أصبحت السمة الغالبة، والتي تشكل الفيضانات الومضية.
فمثلا وفي الأردن فإحدى دراساتي العلمية مع أحد الزملاء والمنشورة في مجلة علمية تشير إلى انخفاض في كميات الأمطار وتغير في خارطة التوزيع المطري في المملكة، حيث تزداد المناطق الجافة جفافا في الجنوب والشرق، بينما تتحول المناطق ذات كميات التساقط المطري الجيد في الوسط والشمال الغربي إلى شبه جافة.
ومن ناحية أخرى وعن ذات الدراسة أعلاه، فطبيعة التساقط المطري زمنيا أصبحت تتجه نحو التأخر عن شهر أيلول وتشرين أول، حيث تحدث إزاحة للتساقط باتجاه الفترة الأكثر دفئا، مما يقلل من فرص النمو الخضري والشحن الجوفي وإغناء التربة بالماء، حيث يستهلك التبخر جزء جيد من الماء، ويعد هذا تحدي واضح يواجه الزراعة والإنتاج الزراعي والغطاء الأخضر والصحة العامة وسلامة المحيط البيئي والتنوع الحيوي، فضلا عن قلة تجدد المياه الجوفية وتحسن نوعيتها والتي تعد مصدر الشرب الرئيسي وشبه الوحيد في المملكة.
أما التوسع باستعمالات الأراضي فقد بات يستهلك المساحات الزراعية الخصبة، كما وأصبح يزيد من خطر الفيضان المفاجئ عند زيادة الجريان السطحي وانخفاض كميات الرشح للتربة، كما وأنه يؤدي إلى انخفاض التغذية الجوفية وتدني نوعية المياه الجوفية.
الموائل الجغرافية والسكان والتنوع الحيوي بخطر
أصبح التغير المناخي يهدد الموائل الجغرافية للكائنات الحية وحتى سكان الكوكب، فالمناطق الجافة في الدول العربية والشرق الأوسط مثلا أصبحت تزداد جفافا، والمناطق الرطبة (نسبة لكميات الأمطار) أصبحت جافة، والتصحر أصبح يهدد المنطقة العربية وأجزاء من العالم مثل أقصى جنوب أوروبا، والكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي تزداد، مما يؤثر على الوفرة المائية والوفرة الغذائية، ويضطر سكان المجتمعات المحلية المنتجين للهجرة، ويزداد الأمر سوءا بالضغط على أشكال التنوع الحيوي الطبيعي عند فقدان ميزات موائلها الطبيعية من غابات ومناطق جبلية وسهلية مهددة بالحرائق والجفاف، وبيئات مائية تعاني تغير صفاتها الفيزيائية والكيميائية تبعا للتغير المناخي.
الأمن الغذائي المقلق والمجاعات القادمة
الأمن الغذائي العالمي والمحلي في دول العالم أصبح مسألة مقلقة كثيرا وترتبط بالتغير المناخي، فداخل الدول تجد الفلاحين والمزارعين ومربي الثروة الحيوانية في المنطقة العربية خاصة وفي العالم (أو أبناؤهم على الأقل) يهجرون الأرياف والقرى والبوادي للمدن، ويتركون مهنتهم طلبا للكسب السريع وطلبا للراحة بعيد عن العمل المرهق، وخاصة مع تدني إنتاجية المحاصيل والشح المائي والكوارث الطبيعية (كموجات الحر والصقيع والفيضانات مثلا والتي تهدد المحاصيل)، بجانب غلاء الأعلاف وكلف تربية المواشي... إلخ، مما يقلل من الإنتاج الغذائي العالمي السنوي مقابل زيادة النمو السكاني والطلب والاستهلاك الحاصل بالأصل، لنتحدث عن نقص الغذاء وارتفاع أسعاره ومجاعات تهدد جزءا من سكان الكوكب وخاصة في الدول المستهلكة.
الفقر والتنمية والحروب والصراعات
يؤثر التغير المناخي بشكل كبير على الدول الفقيرة، والتي لا تملك الأموال الكافية لرفع الجاهزية وتحسين الخدمات والبنى التحتية والفوقية والشبكات وتحصين كودات بناء المساكن لرفع المنعة ضد المخاطر الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي، فتدفع بذلك الثمن لأمر لم تكن سببا له، حيث تعد الدول الصناعية الغنية هي الأكثر إنتاجا لثاني أكسيد الكربون.
ومع الفقر ولبطالة في الدول الفقيرة تجد مخالفات قطع الغابات لغايات التدفئة وبيع الحطب، وتجد الرعي الجائر وتجد الصيد الجائر، ومع غياب الرقابة تتفاقم الظاهرة لتسارع عمليات التغير المناخي.
بالمقابل ففرص العمل مع زيادة السكان شحت في معظم دول العالم، فتجد الشباب الأفارقة مثلا يهاجرون بالقوارب وبشكل غير قانوني إلى أوروبا، وسكان أمريكا الجنوبية يتسللون إلى أمريكا، وأصبح اللاجئون بسبب الحروب والنزاعات بعشرات الملايين، وعمت النزاعات على الأراضي الخصبة المنتجة وعلى العناصر النادرة والثروات الطبيعية والغاز والمعادن؛ حرب روسيا أوكرانيا مثال.
وتعد الجاهزية والمنعة ضد المخاطر الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي مهمة لدفع عجلة التنمية وتعزيز الاستثمار وديمومة القطاعات المختلفة في أي دولة.
ولطالما كانت الحروب والنزاعات والصراعات الدولية من التحديات والعراقيل التي تباطيء أو حتى تمنع جهود الحلول الدولية على مستوى الكوكب، أو حتى على المستويات المحلية في العديد من دول العالم، لتصبح قضايا البيئة من الكماليات أمام شبح الموت والمجاعات الناتجة عن الحروب.
جهود للحد من أسباب التغير المناخي
تقييم الاثر البيئي
منذ نصف قرن تقريبا والدول تنهج دراسة وتقييم آثار المشاريع المختلفة على البيئة الفيزيائية والحيوية والسكان، وتهدف هذه الدراسات إلى الحد والتخفيف من أية أسباب تؤدي إلى أية ضغوطات على الأنظمة البيئية، وبهدف الاستدامة ودفع عجلة التنمية وبما يضمن سلامة مكونات وعناصر البيئة، وتساهم هذه الدراسات بلا شك في الحد من أسباب التغير المناخي وانبعاثات الغازات والمخلفات التي تفاقم هذا التحدي العالمي الخطير.
البصمة الكربونية
نجحت دول العالم في إدخال مصطلح البصمة الكربونية حيز الوجود، ليقيس مدى مساهمة الأفراد والمؤسسات والدول في إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال حرق الوقود، وبهدف رفع معايير التوعية، لتنخفض مثلا مقاييس البصمة لدى من يتنقل بالدراجة الهوائية بينما تزداد لدى من يتنقل بالسيارة، وتنخفض لدى من يسافر داخل دولته للسياحة بدلا من المسافات الطويلة، وتنخفض لدى المصنع الذي يستعمل وسائل الطاقة النظيفة بدلا من الحرق في عمليات الإنتاج، لنتمكن بالنهاية من تصنيف الدول ذاتها بين دول ذات بصمة كربونية عالية ومتوسطة ومنخفضة، وينطبق الأمر على كافة القطاعات كذلك من سياحة ونقل وزراعة وخدمات ... الخ.
الاقتصاد الأخضر
أصبحت الدول تتجه للاقتصاد الأخضر وتشجع عليه في كافة قطاعاتها من سياحة وصناعة وزراعة ونقل وخدمات وغيرها، ويهدف ذلك لتوجيه عمليات الإنتاج وكافة الأنشطة للاعتماد على الطاقة النظيفة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلا عن فرز وتدوير المخلفات الصلبة والسائلة وإعادة استخدامها، مما يحد من إنبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، ويحافظ على المصادر الطبيعية من الاستنزاف، الأمر الذي يساهم في تعافي الكوكب وغلافه الغازي, وبالتالي تراجع ظاهرة الاحترار كما هو مؤمل خلال العقود القادمة.
تحويل ديون الدول النامية إلى مشاريع الاقتصاد الأخضر
من الجيد التفكير بتحويل جزء من مديونية الدول الفقيرة والنامية إلى مشاريع تكنولوجيا وصناعات الاقتصاد الأخضر على أراضيها للدول الدائنة، مما يساهم بدمج هذه الدول ضمن جهود تعافي الكوكب من ناحية، وكذلك حفاظها على مواردها الطبيعية من الاستنزاف وتبني حلول زيادة منعتها ضد الكوارث الطبيعية من ناحية أخرى.
حلول التعايش والتكيف والتأقلم
لقد أصبح التغير المناخي حقيقة واقعية تهدد البشر على هذا الكوكب، ما بين كوارث طبيعية مختلفة وشح مائي وجفاف وتقلص إنتاج غذائي وأوبئة وأمراض تظهر حديثا وسريعة الانتشار،
مراكز عالمية للتكيف مع آثار التغير المناخي
يعد إيجاد مركز عالمي ذات فروع في كل دول العالم لدراسات وحلول التعايش والتكيف مع آثار التغير المناخي أمرا هاما وملحا، لجمع المحاور أعلاه والتعامل معها بمنهجية وإستراتيجيات وخطط واضحة وإسناد الأجيال القادمة للتعامل مع القادم، كما ويجب أن يكون المركز على علاقات رسمية مع الوزارات والمؤسسات داخل الدولة ومع باقي المراكز في دول العالم لتبادل الخبرات والحلول، فالتغير المناخي بات يهدد الكوكب، والجميع معرضون للمخاطر والآثار، والجميع مدعوون لإنجاح هكذا مركز وفي كل دولة،
الإنذار المبكر لخطر الفيضان
كنا في مفوضية البترا عام 2011 أول من تنبه لتفاقم سلوك خطر الفيضان في منطقة البترا ووادي موسى في المملكة الأردنية الهاشمية لطبيعتها الجغرافية وتصاعد مظاهر التغير المناخي، وقد قمنا وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة بدراسة جدوى تركيب وتشغيل نظام إنذار مبكر للفيضان، ليعمل على إطلاق تنبيه للمواطنين والسياح وغرفة العمليات قبل حدوث الفيضان في المدينة، لتمكين الجاهزية وجهود الإخلاء، حفاظا على الأرواح والممتلكات، وقد تم تركيب نظام الإنذار المبكر لخطر الفيضان في البترا عام 2012 مما زاد من منعة المدينة.
التحلية كخيار استراتيجي للبقاء
أصبحت قضية تحلية مياه البحر لسد العجز في مياه الشرب في الدول العربية حل إستراتيجي لا غنى عنه، لا بل أنه أصبحت التحلية مصدر المياه في معظم دول الخليج، ويقابله جهود بالتحول للطاقة النظيفة للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وتتجه دول مثل الأردن لهذا الحل حيث تعاني البلاد من نقص حاد بمصادر المياه.
ناقل البحرين )حالة خاصة من الأردن)
يعاني البحر الميت في الأردن من الجفاف وهبوط متسارع بسطح المياه، وقد يفقد تماما بحلول عام 2050، مما يدعو للحلول العاجلة لإنقاذ هذا الإرث العالمي ذات القيمة البيئية والدينية والسياحية والتراثية، ومنعا لزيادة النشاط الزلزالي الانزلاقي التوسعي على صدع حفرة الانهدام والمرتبط بالصفيحة العربية تكتونيا، وذلك عند تحرر الضغوط التي كانت تشكلها كتلة المياه على جسد الصدع.
ويدرس الأردن إمكانية مد أنبوب من خليج العقبة إلى البحر الميت في محاولة لنقل كميات من مياه الخليج لتعويض الفاقد منه (بفعل التبخر وتحويل مجاري المياه السطحية وبناء السدود عليها)، وكذلك لاستغلال طاقة المياه المندفعة مع الجاذبية بسبب فرق الارتفاعات بين العقبة والبحر الميت لتحلية جزء من المياه بالتناضح العكسي، وتوليد التيار الكهربائي بالمياه المندفعة أيضا من خلال تمريرها بتوربينات خاصة في مراحل معينة من الأنبوب، وبهدف تنمية قرى منطقة وادي عربة والواقعة على طول مسار الأنبوب وصولا إلى البحر الميت.
تخطيط استعمالات الأراضي الذكي
عندما أشرفت على إعداد المخطط الشمولي الإستراتيجي لإقليم البترا للعشرين عاما القادمة والذي أطلق في 2013، وضعت في مقدمة الاهتمامات وبالتعاون مع الشركات العالمية والتي فازت بالعطاء وفيما يتعلق بحيثية مخطط إستعمالات الأراضي، أهمية الحفاظ على المناطق الصالحة للزراعة ومجاري الأودية والتربة الخصبة والموائل الجغرافية المتنوعة حفاظا على البيئة وتعزيزا لأمننا الغذائي المحلي ومصادر دخل الفلاح والمزارع، وذلك بنمذجتها بدلالة خرائط مكانية لخصوبة التربة وطبوغرافية الأراضي وثباتيتها الجيوهندسية ووفرة مصادر المياه وحساسية الخزانات الجوفية للتلوث، وخصصنا نطاق عازل حول حرم الأودية الرئيسية بمسافة 50 متر عن كلا جانبي المجرى، حيث كان مستقبل المواطن وأمنه في مقدمة الأولويات.
مشاريع الصحراء الذكية والزراعة الذكية مناخيا
في الدول التي تعاني التصحر وفقدان المساحات الصالحة للزراعة وسعيا لتعزيز أمنها الغذائي والحفاظ على مصادر دخل المزارعين والفلاحين، لا بد من تبني مشاريع الزراعة الذكية مناخيا، وذلك بدراسات البذور المقاومة للظروف المناخية الصعبة وذات الإنتاجية العالية والتي تتحمل الجفاف، وتطوير وسائل الري العصرية الأكثر كفاءة، واستصلاح التربة ورفع إنتاجيتها وحمايتها من الانجراف ووقف التصحر، وبالمقابل تمكين مربي المواشي والثروة الحيوانية بتقنيات زراعة وإنتاج الأعلاف، واستدامة الثروة الحيوانية خاصة لدى سكان البوادي وتقديم الدعم لهم.
المجتمعات المحلية والتغير المناخي واستقرارها
يؤثر التغير المناخي بشكل خاص على من يتعامل مع الأرض ويحتاج الماء لغايات الإنتاج، وتعتبر المجتمعات المحلية في القرى والبوادي والأرياف والمخيمات بأمس الحاجة لتوفير الدعم والتكنولوجيا المناسبة لاستدامة أنشطتهم ومنتجاتهم التي تعد مصادر دخلهم، مما يحد من الهجرة للمدينة ويعزز جهود تسكين واستقرار وتوطين سكان البوادي خاصة والشباب بشكل كبير، ويحد من تحول السكان من نمط الإنتاج إلى نمط الاستهلاك، ويقلل من التزاحم في المدن التي تشهد التلوث بالضجيج والغازات وزيادة الطلب على المياه والطاقة والخدمات.
لا يوجد تعليقات