مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-04-02

القمة العالمية للحكومات.. جودة الحياة أولًا

شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة، في الفترة من 13 ولغاية 15 فبراير 2023، حَدَثًا عالميًّا ضخمًا، تمثّل بعقْد القمة العالمية للحكومات 2023، والتي جمعت تحت مظلتها قادة دول وحكومات ووزراء، إضافة إلى رواد أعمال ومتخصصين في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والمالية من مختلف دول العالم.
 
بقلم/ سوزان عفيفي
 
هذا الحدث، الذي أُقيم في إمارة دبي، شهد تبادلًا لأهم الخبرات والأفكار التي تسهم في تعزيز الازدهار والتنمية العالمية، وذلك في انسجام واضح مع الأهداف الدولية الخاصة بتحقيق مستهدفات التنمية المستدامة، الخاصة بالوصول إلى مستقبل آمن يمكّن الأفراد والشعوب والدول من استخدام فضلى الممارسات والأدوات التي تتواءم مع التطور التقني الحاصل، وما يوفّره من أدوات تكنولوجية حديثة تحقق آفاق التحوّل المطلوب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وفي أنشطة المال وريادة الأعمال.
 
لقد اتجهت الرؤى العالمية الجديدة في التطوير نحو قطاعات حيوية تؤثر إيجابًا في اقتصادات الدول، وتسعى إلى إيجاد فرص عمل واستثمار مستقبلية يصبح من خلالها الفرد شريكًا في عملية البناء والنهضة والتطوير؛ وهو الأمر الذي حوّل القمة العالمية للحكومات إلى أحد أهم الملتقيات العالمية للتعامل مع المرحلة المقبلة وما تحتويه من تحديات، من خلال دعم مسارات التنمية المستدامة، وبناء مستقبلٍ أفضل للبشرية، يكون فيه الإنسان محور التنمية والتحديث، وأساسها الأول.
 
«قمم ما قبل 2023»
لا يخفى على أحد أن القمة العالمية للحكومات، التي تُعقد سنويًّا في دولة الإمارات، منذ عام 2013، قد رسخت مكانتها كأحد أبرز الملتقيات العالمية تأثيرًا في صناعة المستقبل، وتحوّلت إلى منصة رائدة تستضيف العديد من المنتديات وورش العمل والجلسات، جامعةً آلاف المشاركين من دول العالم ومن منظمات دولية وإقليمية، وتُنتج مجموعة من اتفاقيات التعاون بين الحكومات والمؤسسات، وتُصدر عشرات التقارير عن كبرى المؤسسات الاستشارية والمراكز البحثية.
 
وعادة ما هدفت مخرجات القمم السابقة إلى تقديم رؤى واضحة بشأن الحلول الاستباقية لأبرز التحديات العالمية، والخروج بتصميمات مبتكرة للتوجهات الجديدة بشأن أداء الحكومات ومستقبلها، تسهم في صناعة مستقبل أفضل للأجيال، محققةً بذلك رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بشأن تطوير منصة توفّر حاضنة لدعم النماذج المستقبلية للعمل الحكومي القائم على المرونة والابتكار وتعزيز الجاهزية لاسيّما عبْر تسخير التكنولوجيا في سبيل التغلب على التحديات الحالية والمستقبلية بأنواعها كافة.
 
«قمة الحكومات العالمية 2023»
يجد المتأمل في مخرجات القمة الأخيرة، التي أُقيمت تحت شعار «استشراف مستقبل الحكومات»، حجم الاهتمام الذي أكّده المشاركون بضرورة جعْل التكنولوجيا المتقدمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي أداةً فاعلة في تحقيق الأهداف الإنمائية العالمية، وأبرزها القضاء على الفقر والجوع، وتمكين الشعوب من حقوقها الصحية والتعليمية، وتأمين مصادر آمنة من الماء والكهرباء، وتوفير فرص عملٍ لائقة للشباب، تمكين السكان من العيش في مدن مستدامة، إضافة إلى تعزيز محفّزات الصناعة والريادة والابتكار، وصولًا إلى مجتمعات تنعم بالسلام والعدل والازدهار.
 
وأفرزت القمة الأخيرة، التي شهدت مشاركة 20 رئيس دولة وحكومة، وما يزيد على 250 وزيراً و10 آلاف من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين وقادة الفكر والخبراء، و80 منظمة دولية وإقليمية وحكومية، مجموعة من المخرجات التي تركز على وضع خطط واستراتيجيات تعزز جاهزية الحكومات وتوفّر أعلى مستويات الجودة المقدّمة للمجتمعات، والتغلب على التحديات والعبور إلى مستقبل أكثر رخاءً وأمنًا وتطورًا في القطاعات كافة.
 
وتتلخص مخرجات القمة العالمية للحكومات 2023 بمحاور عدّة، يدور أولها حول مستقبل المجتمعات والرعاية الصحية وتحليل التطورات المستقبلية، ويتعلّق ثانيها بالحوكمة وتعزيز الانتعاش الاقتصادي والازدهار، فيما يختصّ المحور الثالث بالتأكيد على أن التعليم والعمل يُعدّان أولويةً أساسية تهدف الحكومات من خلالهما إلى تحقيق التغييرات للأجيال المقبلة وتطويرها. أما بشأن التنمية، فقد أكّدت القمة الأخيرة أهمية وضع الحكومات لنماذج وسياسات مبتكرة تسرّع عملية الاستدامة وترتقي بالخدمات وتوفّر الموارد اللازمة لإنشاء مدن مستدامة، تقوم على البنى التحتية الذكية وتعزيز استخدامات أنظمة نقل مستدامة وطاقة نظيفة، باستكشاف آفاق جديدة للتكنولوجيا.
 
واشتملت المحاور الرئيسية التي دارت حولها جلسات القمة، على تأثير الفرص المستقبلية في أكثر من 40 قطاعًا حيويًا؛ فإضافة إلى قطاعات التعليم والصحة والإسكان، فقد تركّز الاهتمام على قطاعات يواجه فيها العالم حاليًّا تحديات جمّة، لكنها تشكّل في الوقت نفسه فرصًا مستقبلية يمكن أن تحقق للبشرية التقدم وتنعكس على جودة حياة الأفراد والجماعات، إن أحسنت الحكومات التعامل معها بمرونة وابتكار؛ وخصوصًا في قطاعات الغذاء والفضاء والاتصالات والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، والطاقة بنوعيْها الأحفورية والنظيفة، والخدمات المالية والاستثمار والبنى التحتية والبناء، والخدمات اللوجستية والنقل والشحن والسياحة، إضافة إلى الإعلام والترفيه.
 
«ماذا عن مستقبل الإعلام لتحقيق جودة الحياة؟»
جاء تنظيم وكالة أنباء الإمارات (وام) الطاولة المستديرة ضمن فعاليات اليوم الثاني للقمة العالمية للحكومات، بعنوان «مستقبل وكالات الأنباء الحكومية ووسائل الإعلام»، التي شارك فيها ممثلون عن مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية، تأكيدًا على اهتمام دولة الإمارات بصناعة مستقبل «صحي» للإعلام، يضمن إنتاج محتوى يتسق مع الرؤى التنموية الجديدة، الخاصة بمواجهة التحديات العالمية في الصعد والمجالات كافة، وتطوير الإعلام البيئي وتعزيز الشراكات الهادفة للتعامل مع التحديات، لاسيّما قضايا التغير المناخي، من خلال استخدام لغة خطاب جديدة ومبسّطة، تسهم في خلق رأي عام يعي تلك التحديات.
 
تلك الجلسة، التي كان من نتاجها الدعوة إلى إنشاء تحالف إعلامي من أجل صياغة محتوى إعلامي يلتزم بالمهنية والموثوقية، ويستهدف توعية المجتمعات حول تحديات المناخ، تشير إلى استعداد دولة الإمارات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 28» على أرضها خلال العام الحالي بكفاءة وفاعلية، وهو ما يُعدّ فرصة لتوحيد الجهود وتعزيز المبادرات الدولية في مواجهة تداعيات تغير المناخ مستقبلًا.
 
هذه الدعوات تؤكد أهمية أن تنتهج وسائل الإعلام العامة والخاصة مجموعة قواعد وأسس تراعي جودة العمل الصحفي وبناء قصة خبرية وسياسات تحريرية قائمة على الموضوعية وعدم الانحياز والدقة والمصداقية، بعد تحديد أولويات الجمهور، ودعم المبادرات المجتمعية التي تستهدف الحفاظ على البيئة وحماية المناخ، دون إغفال ضرورة احتضان الإعلام الحكومي لهذه القضايا، من خلال التشجيع على الاهتمام بالمحتوى الإعلامي المتوازن والمتخصص، وإنتاج محتوى علمي يسهم في تغيير سلوك المجتمعات، وتسليط الضوء على التحديات ورفع الوعي الفردي والمجتمعي بخطورة ظاهرة التغير المناخي وأهمية الاقتصاد الأخضر للتصدي لتلك الظاهرة.
 
إن التأسيس لمحتويات إعلامية دقيقة وموضوعية يعني أن يقوم العاملون في هذا الشأن على تحرّي مجموعة معايير عند صناعة المحتوى الإعلامي أيًّا كان نوعه؛ وأبرزها اللجوء لأدوات تلزم لتطوير العمل الإعلامي، ومتابعـة الأحـداث والقضايا والشخصيات التي تراعي وجهـات النظـر المختلفـة، وتتـيـح فـهـم الأحـداث والقضايا بشكل يوفر القدرة على تـحليـل مـا يـتـوافر مـن معلومات، والوصول إلى منتج إعلامي يتضمن التفسير والمتابعـة لتسهيل فهـم القضايا المطروحة إعلاميًّـا وتوفير فرص التنبؤ بالأحداث مستقبلًا.
 
«الإمارات.. نموذج لاستشراف مستقبل الحكومات»
النجاح الذي حققته القمة العالمية للحكومات 2023 في تسليط الضوء على أبرز تحديات العقد المقبل، كالتغير المناخي واستدامة موارد الغذاء والطاقة، والتعليم والتقنيات الحديثة وأدوات الذكاء الاصطناعي والشراكات الاقتصادية، لا ينفصل عن كون دولة الإمارات تولي هذه الملفات اهتمامًا بالغ الدقة؛ إذ أكّدت القمة أن الإمارات تُعدّ صاحبة خطط استباقية وجهود غير مسبوقة تتهيأ من خلالها لمواجهة تحديات المستقبل في تلك الصعد.
 
ولتفسير ذلك، أعلنت الإمارات العام الحالي 2023 عامًا للاستدامة، كما أنها تستعد لاستضافة مؤتمر «كوب 28» كما ذُكر آنفًا، وأعلنت في «عيدها الخمسين» المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، باستثمار مليارات الدولارات في مجال الطاقة النظيفة، عبْر ابتكار مبادرات تحافظ على البيئة والمناخ، وتسعى إلى خفض الانبعاثات والحياد المناخي بحلول 2050.
أما عن مساعيها في مجال بناء الشراكات الاقتصادية، فإن لدولة الإمارات باعًا طويلًا في ذلك مع كبرى الدول وأكثرها تقدّمًا؛ آخذة في الاعتبار المصالح الوطنية التي تسهم في تنويع اقتصادها وبناء مستقبل آمن للأجيال، من خلال تمكين الشباب بتقنيات التعلّم الحديث وأدوات الذكاء الاصطناعي.
 
وسياسيًّا؛ ولأن المتغيرات الجيوسياسية تلعب دورًا مؤثرًا في مستقبل العالم، فإن الإمارات تعمل على تعزيز دورها الحيوي في رسم خريطة الأمن والاستقرار العالميين، وتسعى إلى جمْع الخبراء والمتخصصين على أرضها، ضمن فعاليات عالمية تحث فيها حكومات العالم على اقتراح حلول ممنهجة لمواجهة تحديات المستقبل، الأمر الذي منحها ثقلًا دوليًّا في مجال إنعاش الآمال بمستقبل أفضل للبشرية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره