مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-09-01

القوة الناعمة لدول الإعتدال بعد سقوط كابول

في أعقاب انتصار طالبان الكاسح في أفغانستان، ستواجه المنطقة تداعيات هذه المشاهد الدراماتيكية للفشل الأمريكي الغير مسبوق منذ حرب فيتنام. لا شك أن الذي حدث سيعيد الفكرة القائلة بعودة ظهور الإسلام السياسي – في أحد أكثر أشكاله تطرفاً – لأنه كما يبدو هو المنتصر الآن.
 
بقلم: د.نجاة السعيد
أستاذ في الجامعة الأمريكية في الإمارات-كلية الإعلام والاتصال الجماهيري
 
فبعد 20 عاماً من حرب الكر والفر والاختباء في كهوف تورا بورا، والتسلل إلى أحياء المدن النائية، عادت جماعة طالبان المتشددة إلى العاصمة الأفغانية كابول، منتشية بنصر مماثل للنصر الذي تمتعت به مع مقاتليها في الثمانينيات على الاتحاد السوفيتي.  
 
وبغض النظر عن التساؤلات الكثيرة مثل: هل كان قرار الانسحاب مخططاً بعناية أم أنه خطأ استراتيجي كارثي سيتعين على الرئيس الأمريكي جو بايدن دفع ثمنه في الانتخابات المقبلة؟ أو كيف خرجت القوة العظمى الوحيدة في العالم مهزومة من قبل حركة طالبان؟ تبقى هذه الأسئلة بدون أجوبة في الوقت الحاضر، لكن السؤالين المهمين بالنسبة لدول الاعتدال ماهي انعكاسات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على أمنهم وخاصة الأمن الفكري، كون هذا الانتصار لطالبان قد يؤثر بشكل أو بآخر على الشعوب وخاصة الشباب بأن الجماعة التي هزمت القوة العظمى الوحيدة في العالم عسكرياً وسياسياً قد يكون فكرها ومنهجها على صواب؟ 
أما السؤال الآخر مالذي يمكن عمله لتفعيل القوة الناعمة وتأثيرها على الشعوب لمواجهة هذه التحديات الجديدة التي طرأت على الساحة الإقليمية؟   
 
انعكاسات الانسحاب الأمريكي
الانسحاب الأمريكي يعد فاجعة سياسية لأن زمام الحكم يسلم إلى نفس القوة التي شن الحرب عليها باسم مكافحة الإرهاب، فقبل عشرين عاماً، بدت «الحرب العالمية على الإرهاب» وكأنها بداية واعدة. فسرعان ما تم الإطاحة بحكم طالبان في أفغانستان وبدا أن الأمريكيين وحلفائهم مرحب بهم كمحررين. لكن الذي غفل عنه الأمريكان آنذاك أن الانتصار الحقيقي ليس العسكري فقط بل أيضاً الفكري واتضح فيما بعد أن غزو البلاد أسهل بكثير من إصلاحها خاصة عندما تتجذر بها القبلية، والفساد، وسوء الحكم، والفقر المدقع، إضافة إلى التطرف الديني لأن هذا الإصلاح لا يمكن تحقيقه فقط بحرب طويلة الأمد ومكلفة مثل الحرب في أفغانستان بل تحتاج إلى قوة ذكية تشمل القوة الصلبة والناعمة معاً، وفي هذا الحالات القوة الناعمة تكون أهم وتنفيذ أهدافها أصعب من القوة الصلبة لأنها تحتاج إلى تغيير ثقافي وفكري وهذا ليس من السهل تحقيقه.  لذلك، فإن الفشل الأمريكي في أفغانستان كان محتوماً لأنها اعتمدت على قوتها الصلبة أما بالنسبة للقوة الناعمة بسبب عدم فهمها للثقافة السائدة في البلاد لم تكن استراتيجيتها ناجحة وقوية أو كما يبدو أنه لم تكن هناك استراتيجية من الأساس.  
 
قد يكون هناك تأثير استراتيجي وتحديات لما يحدث في أفغانستان على روسيا والصين، أما دول دعاة الإسلام السياسي فالأمر سيكون فرجاً بالنسبة لهم لأنه سيعزز فكرهم ونهجهم، لكن الوضع سيكون أشد وقعاً على الدول التي تعاني من تطرف الحركات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي، لأن أفغانستان مرة أخرى ربما ستكون مركزاً للإرهاب. وعلى الرغم أن الغالبية كانت على يقين أنه سيأتي يوماً وستنسحب أمريكا من أفغانستان فلا يمكنها أن تستمر هناك للأبد فهذا أمر متفق عليه من الحزبين، لكن الإشكالية في طريقة الانسحاب المخجلة والمرتبكة، لأنها بدت وكأنها استسلام وليس انسحاباً وهذا أعطى إشارة كأنه قوس النصر للمؤدلجين والدليل على ذلك حالة من الإجماع على الابتهاج الذي عمّ كل الحركات الأصولية من جماعات الإسلام السياسي والتشدد الديني في شرق العالم وغربه، مما يشير بأن عواقب الذي حدث ستكون وخيمة على الاستقرار الإقليمي والعالمي أيضاً.  
 
الحاجة إلى التماسك الإقليمي
أحد أهم النقاط الرئيسية التي يجب التركيز عليها هو التماسك الإقليمي بين الدول التي تشترك في نفس التهديد على أمنها الوطني من المؤدلجين من الحركات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي، والحث بالقيام بعمل مشترك على غرار رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، فهذه الرابطة تأسست في 8 أغسطس 1967 في بانكوك بتايلند من خمس دول مسلمة وغير مسلمة هي: إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند وقد كان الدافع المشترك وراء إنشاء آسيان هو الخوف المشترك من الشيوعية. كما تتمثل أهداف ومقاصد آسيان في تسريع النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتنمية الثقافية وتعزيز السلام الإقليمي والتعاون والمساعدة المتبادلة في الأمور ذات الاهتمام المشترك وتقديم المساعدة لبعضهم البعض. 
 
وبغض النظر عن الاختلافات والتظلمات التاريخية الواضحة، يمكن أن يكون نموذج رابطة آسيان بمثابة نموذج عام لدول الشرق الأوسط التي تخشى من هيمنة الحركات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي خاصة بعد الانسحاب الأمريكي ليس فقط من أفغانستان بل الانسحاب من المنطقة كما هو مخطط له. أحدى دول الإعتدال يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في التماسك الإقليمي بين الدول المشتركة في هذا الهدف الأمني كون لها علاقات دبلوماسية وطيدة مع دول الاعتدال. 
 
كذلك يمكن لإحدى دول الإعتدال أن تلعب دوراً مهماً في أن تجعل تونس من ضمن المجموعة خاصة بعد حملتها ضد الحركات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي. ولتوطيد هذا التماسك الإقليمي يحتاج إلى دعم دولي بنفس التوجه، فيمكن أن تكون النمسا والهند من ضمن المجموعة، فكلاهما اتخذا مواقف حازمة ضد التطرف الإسلامي وكلاهما لديه روابط قوية مع دول الاعتدال ودول الاتفاقيات الإبراهيمية. والشيء نفسه، ينطبق أيضاً على اليونان وقبرص، والقوى الأخرى في أوروبا التي تدرك خطر الحركات الأصولية.
 
الحاجة إلى تحالف إعلامي 
فكما يمكن لأحدى دول الإعتدال يمكن أن تلعب دوراً هاماً دبلوماسياً في تأسيس رابطة مشتركة بين الدول التي تعاني من نفس التهديد على أمنها الوطني، يمكنها أيضاً أن يكون لها دوراً في تحالف إعلامي بين هذه الدول. 
إن أكبر نقطة اختلاف مع الأحزاب الليبرالية واليسارية في الدول الغربية مثل الحزب الديمقراطي في أمريكا أنها تعتقد أن جماعات الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين ممكن أن تكون علاجاً مناسباً للجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة، لأنها تعتبر جماعات الإسلام السياسي تمثل الإسلام المعتدل التي يمكنها ترويض الجماعات الإرهابية. من ناحية أخرى، تجد الأحزاب المحافظة مثل الحزب الجمهوري أن جماعات الإسلام السياسي هي بوابة للتطرف وأن دعمهم يعني دعم الجماعات الإرهابية لأنهم جميعاً ينتمون إلى نفس الفكر المتطرف. 
 
وهذا قد يفسر سبب تقارب دول الاعتدال من الأحزاب المحافظة خاصة في شأن الحركات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي، في حين أن دعاة الإسلام السياسي متحالفون مع الأحزاب اليسارية الليبرالية في الغرب. ونظراً لأن الإعلام الدولي، ولا سيما وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يهيمن عليه اليسار الليبرالي، فإنهم يدعمون الإسلام السياسي بشكل غير مباشر، مشيرين إلى جماعات الإسلام السياسي بأنهم «معتدلين» لتمييزهم عن الجماعات المتطرفة مثل داعش والقاعدة.
 
ومن هنا تنطلق أهمية وجود تحالف إعلامي يشمل فكر مشترك لدول الاعتدال ودول الاتفاق الإبراهيمي لشرح وجهات نظرها بوضوح للعالم والتأكيد على عدم وجود فرق بين جماعات الإسلام السياسي والجماعات القتالية المتطرفة، بل إن خطر جماعات الإسلام السياسي أكبر لأنها تمارس الخدع السياسية بتقديم نسخة متسامحة لنفسها باللغة الإنجليزية أمام الغرب، أما نسختها الراديكالية الحقيقية تكون باللغة العربية للمنطقة. 
 
إحدى أشكال هذا التحالف الإعلامي يكون عن طريق إنشاء قناة إخبارية فضائية مشتركة باللغتين العربية والإنجليزية والتي من شأنها أن تشمل مواطنين من هذه الدول لتوضيح رؤيتهم ورسالتهم ولكي تواجه الإعلام التعبوي المنحاز للجماعات الإسلامية وحلفائها سواء من دول المنطقة أو الدول الغربية. كذلك من المهم أيضاً توقيع اتفاقية تعاون وتبادل إخباري بين وكالات أنباء تلك الدول لتكون هناك آلية مشتركة في تغطية الأحداث خاصة أوقات الأزمات والصراعات كما حدث في أفغانستان مؤخراً وتحليل تداعيات هذه الأزمات على المنطقة وتقديم التوصيات للخروج منها.  
 
هذا التحالف الإعلامي كما هو مهم أن يكون له إعلام تقليدي نهجه من الأعلى إلى الأسفل، من المهم أيضاً أن يكون له إعلام جديد نهجه من الأسفل إلى الأعلى، وبناءً على ذلك، فإن وجود حملة على وسائل التواصل الاجتماعي أمر بالغ الأهمية خاصة بين الشباب. من المهم جداً استثمار مهارات الشباب لكي لا يتم استغلالهم من الجماعات المتطرفة وأن يتم تدريبهم بشكل فعال على مواجهة المتطرفين في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المتحيزة التي تؤيد هؤلاء المتطرفين وتطلق عليهم أسماء مثل المعتدلين أو سياسيين شرعيين وغيرها. بمعنى آخر، يجب تفعيل ما يسمى بدبلوماسية المواطن. لكن النقطة الأكثر أهمية التي يجب أخذها في الاعتبار هي أن الاعتماد المفرط على وسائل التواصل الاجتماعي قد يجعل المستخدمين عرضة للرقابة من قبل شركات التكنولوجيا الكبيرة التي تمتلك هذه المنصات، فهم أنفسهم ينتمون للفكر اليساري المحابي لجماعات الإسلام السياسي. لذلك يجب أن يكون لهذه الدول المشتركة منصة لوسائل التواصل الاجتماعي مستقلة خاصة بها لتجنب الرقابة وعدم حظرها كما فعل مع دونالد ترامب والعديد من أنصاره.
 
ومن المهم إدراك أنه لا يمكن التوقع لنجاح منصات إعلامية ضخمة ومؤثرة بدون مراكز فكرية ناجحة، لذلك على هذه الدول المشتركة في نفس التهديد على أمنها الوطني من المؤدلجين من الحركات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي أن يكون لها مراكز فكرية مشتركة بدلاً من إنشاء مراكز بحوث لكل دولة بشكل مستقل، فمواجهة التطرف يحتاج إلى عمل مشترك لإجراء دراسات معاً خاصة في تعزيز وتطوير مواجهة التطرف من خلال وسائل الإعلام المختلفة.   
 
وكما مراكز الفكر من العوامل المهمة لنجاح وسائل الإعلام المؤثرة، يمكن لمجموعات الضغط (اللوبيات) في الدول الغربية وبشكل رئيسي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن تلعب دوراً كبيراً في نجاح رسالة ورؤية وسائل الإعلام للدول المشتركة. فهذه الدول يمكنها تقديم المساعدة لبعضها البعض لأن هناك دولاً معينة لديها مجموعات ضغط أقوى من الأخرى خاصة في نفوذها للقاعدة الشعبية في داخل الدول الغربية مثل الولايات المتحدة. للأسف في الآونة الأخيرة، الاستقطاب السياسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة وصل ذروته مما أدى إلى عدم وجود أي اتفاق بينهما بشأن الأمور السياسية الحاسمة في الشرق الأوسط خاصة فيما يتعلق بالحركات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي، مما أدى إلى فوضى في المنطقة وقد انعكس هذا الاستقطاب السياسي على وسائل الإعلام الأمريكية. لذلك من المهم لهذه الدول المشتركة أن يكون لها دور فعال في اللوبيات لتصل رسالتها للقاعدة الشعبية في الولايات المتحدة، لأن الكثير من الجهات المؤثرة ليس لها دراية عن تفاصيل الذي يحدث في المنطقة. 
 
الخاتمة
من المهم التأكيد على أن انسحاب أمريكا من أفغانستان سيكون له تأثير استراتيجي وتحديات كبرى على دول المنطقة، لذلك على دول الإعتدال التي تعتبر السلام والتسامح والتعايش جزء لا يتجزأ من تكوينهم السياسي أن يقوموا بدورهم في لعب دور مهم في تفعيل قوتهم الناعمة وخاصة في المجالات الدبلوماسية والإعلامية. والذي يساعهم في ذلك أنهم لاعب دبلوماسي مشترك مع دول الاتفاقيات الإبراهيمية مما سيفعل دورهم بشكل أكبر بتكوين رابطة إقليمية للدول التي تشترك في نفس التهديد على أمنها الوطني من المتطرفين من الحركات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي. كذلك يمكن لدول الإعتدال من خلال النجاحات في علاقاتهم الدبلوماسية أن يساعدوا في تكوين تحالف إعلامي مشترك لمواجهة التطرف من الناحية الإعلامية. 
 

 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره