مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-04-01

القيادة فــي معناها ومبناها ... السمـات والخصائـص والأدوار

أيام الحروب والأزمات يولد الأبطال التاريخيون
تعد القيادة ضرورة لأي مؤسسة أو منظمة، صغرت أم كبرت، لأنها توحد الجهود وتوجهها نحو تحقيق الأهداف. والقيادة متواجدة في أي مجتمع، بدائي أم حديث، ووجود قيادة من عدمه أو إمكانيات القائد وقدراته تحدث فرقاً جوهرياً في حياة الجماعة الإنسانية، إذ إن المشكلات التي تواجهها تفرض حلولاً متعددة ومعقدة، والاهتداء إلى أفضل الحلول وأنسبها، ثم إنجازها على أرض الواقع، وهذه مسؤولية القائد قبل غيره.
 
إعداد:
د. عمار علي حسن
 
نظرا إلى أهميتها فقد اهتمت علوم عدة بدراستها من زوايا أو منظورات مختلفة، مثل علم النفس وعلم علم الاجتماع، ولاسيما في فروع النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع السياسي وعلم الإدارة وعلم الأنثروبولوجيا.
ولا يمكن أن تكون هناك قيادة بلا أتباع، يظهر القائد من خلالهم ملكات التأثير والنفوذ والقدرة والزعامة والسلطة، ويقومون هم بإبداء القبول والرضى عن القائد، والموافقة على أقواله وأفعاله، في ظل درجة معينة من تفضيله عن غيره في تبوؤ موقع القيادة والقيام بمتطلباتها.
 
القائد والقيادة
القائد هو شخص يحتل موقعاً بارزاً ويمارس دوراً محورياً بالنسبة إلى تابعيه، وله باع طويل من النفوذ بينهم والسيطرة عليهم. والقيادة هي ممارسة السلطة والتأثير في نطاق علاقة اجتماعية معينة، وتكون لفرد في الجماعة أو أكثر، يحوزون القدر الأكبر في تسيير الأنشطة والتحكم في المعلومات واتخاذ القرارات. وحضور الجماعة أو الأتباع حول القائد حدت بهارولد لاسويل إلى أن يعرف القائد السياسي على أن "فرد يحول مشكلاته الذاتية إلى قضايا عامة" وهو ما توصل إليه إريك إريكسون حين صوره بأنه "شخص يجد حلاً لمشكلاته الخاصة عبر تغيير الأوضاع الاجتماعية بشكل كبير".
 
والقيادة صعبة وليست غريزة عامة بين الناس، ولا يتصدى لها إلا من يقدر عليها. فالقائد عليه مسؤوليات والتزامات حيال الجماعة التي سيدته أو المؤسسة التي رفعته، قد تمكنه من أن يعيش حياة طبيعية كالأفراد العاديين، وأن يتحمل النقد اللاذع لأقواله وأفعاله من دون تبرم، وأن يعتبر هذا حقاً لأتباعه، إن كان قائداً ديمقراطياً. ولذا يفضل البعض عدم التصدي للعمل العام خوفاً من النقد أو المساءلة أو ارتباك العيش والجور على الحياة الشخصية.
وقد تكون القيادة حاجة نفسية عند بعض الشعوب، أو لدى شعوب في بعض الظروف، حيث يتماهى الناس في شخص الزعيم، يصدقونه ويتبعون خطاه. ويختلف نوع التماهي أو سببه أو تبريره من مجتمع إلى آخر، ففي المجتمعات الإقطاعية ينظر إلى القائد باعتباره "السيد المطاع" وفي المجتمعات الحديثة يرونه إما واحداً منهم، ينتمي إلى خلفيتهم الاجتماعية ويؤمن بأشواقهم إلى العيش الكريم ويحمل مطالبهم ويسهر من أجل تحقيقها، وإما أنه شخص ذكي بارع في فعل كل ما يجلب لهم منفعة.
 
أسباب ظهور القائد
وهناك أسباب يمكن أن تؤدي إلى ظهور القائد في أي مكان وأي زمان، وهي:
 
 أولاً: توافر السمات النفسية عند شخص معين تجعله يتقدم على ما عداه، وتجعل الآخرين يتقبلون تقدمهم عليهم، وتلفت انتباه من يهتمون بالبحث عن قائد فيكتشفونها ويرعونها فتنمو مع الأيام، وتصقلها الخبرات، ويصير صاحبها قائدا بالفعل.
 
 ثانياً: توافر ظروف معينة تصنع القائد، ومع تغير الظروف وتبدل الأحوال واختلاف المجتمعات تتعدد القيادات، فلكل موقف قائده، ولكل ظرف رجله الكبير.
 
 ثالثاً: يدمج بين الاثنين، ويرى أن القيادة هي حصيلة تفاعل بين أطراف ثلاثة، الشخص بما لديه من سمات فائقة، والموقف الذي يساعد شخصاً ما على البروز، وخصائص الجماعة البشرية والآليات التي تعتمد عليها في الوصول إلى الأهداف التي تصبو إليها، وليس كل القادة لهم السمات والخصائص والأدوار ذاتها، بل يختلف الأمر ليس وفق قدرات القائد فحسب، بل أيضاً السياق الذي يحكمه والتنظيم أو الجماعة التي يقودها.
 
أصناف القادة
 ومن هذه الزاوية ينقسم القادة إلى ثلاثة أصناف:
 
 أولاً: القائد البيروقراطي، وهو شخص يمارس مهامه عبر تسلسل هرمي أو سلطة "مكتبية" متدرجة ويكون نفوذه على أتباعه مستمدا من القوانين واللوائح التي تحكم العلاقة معهم، وتعطيه سلطة العقاب والثواب. لكن هذا لا يمنع من أن يتمتع بعض القادة الإداريين بسمات شخصية، تجعل مكانتهم وهيبتهم غير مستمدة في كل الأحوال من النفوذ الرسمي الممنوح ابتداء لأصحاب المناصب العليا.
 
ثانياً: القائد الديمقراطي، الذي يشرك من هم دونه في صناعة القرارات، ولاسيما تلك التي تؤثر تأثيراً بالغاً في وجود الجماعة ومصلحتها. ولا يقوم القائد بهذا مكرهاً، إنما عند اقتناع بحق الآخرين في تحديد المسارات وتقرير المصائر. وفي بعض الأحيان تكون البيئة المحيطة بالقائد تسلطية، وتكون القوانين مفصلة لصالحه أو تعطيه صلاحيات شبه مطلقة أو مطلقة، لكنه يفضل تجنب كل هذا والعمل بروح الفريق، إيماناً منه بأن هذا هو الأسلوب الأفضل للوصول إلى القرار الرشيد.
 
أما الثالث فهو القائد المتسلط، الذي يمتلك ويمارس سلطة مطلقة على أتباعه، فلا يشاورهم أو يرجع إليهم في أمر أو قرار، وهم لا يملكون حياله إلا الطاعة التامة، وبعضهم قد يعتبرها واجباً لا فكاك منه. وأمثلة هذه القيادة يمكن أن نجدها في نظم الحكم المستبدة، والجيوش، وبعض الشركات، وعصابات المافيا وغيرها، والأسر الممتدة، والتنظيمات الاجتماعية الأولية التي تعتمد على علاقات القرابة. بل إننا قد نجد أمثلة لهذه القيادة في نظم ديمقراطية، يخرج فيها القائد على القانون أو يهمل القواعد التي تهندس علاقته ببقية السلطات أو بأعضاء الجهاز الإداري للدولة أو مساعديه، ويتصرف وفق ما يراه هو. لكن القائد وقتها يكون محل نقد واستهجان وقد تكلفه هذه المغامرة استمراره في موقعه. 
 
ويقسم ماكس فيبر القيادات إلى ثلاث: كاريزمية وتقليدية وقانونية ـــــ عقلانية، والأولى يزداد فيها دور الفرد، وينظر فيها إلى الزعيم باعتباره المحارب أو المخلص أو البطل القومي أو الثوري، وتظهر في أوقات التحولات الاجتماعية الفارقة التي يتم خلالها تحدي الوضع القائم وطرح بدائل مختلفة جذرياً عنه. ويوصف القائد الكاريزمي بأنه "الملهم" و"الشخصية الجذابة الآسرة" و"الشخص المهاب" الذي تتدافع الجماهير نحو إجلاله. 
 
وهناك خصائص لهذا النمط من القيادة، وفق فيبر، أولها أنها نتاج إدراك الأتباع لشخص معين على أنه ساحر وملهم، قد وهبه الله قدرة خارقة، أو صفات استثنائية، ولذا يجب الخضوع له، والامتثال لأوامره والسير خلفه، والثقة في تصرفاته في الأفراح والأتراح. وهذه حالة عاطفية بين الأتباع والقائد، يصعب الاعتماد على العقل والمنطق المحض في تفسيرها.
 وعلى النقيض من هذا النوع من القيادة فإن الاثنين الآخرين، حسب تقسم فيبر، يعتمدان على الرابطة الاجتماعية والقانونية للقائد، وليس على قدراته الذاتية.
 
أنواع صناع القرار
هناك دراسات حددت نوعين من صناع القرار: المهاجم العنيف والعملي الذرائعي. ويوجد من قسمهم إلى محافظ وإصلاحي وثوري. وأغلب الدراسات التي اهتمت بتناول موضوع "القيادة" توزع على أربعة منظورات رصدها بشير الخضرا في كتابه المهم "النمط النبوي الخليفي: في القيادة السياسية العربية والديمقراطية".
 
 أولها: المنظور النفسي، الذي اعتمد على تجارب معملية، ونظر إلى القيادة بوصفها "وظيفة اجتماعية" أو "تخصص" يؤديه فرد داخل الجماعة. ومع إيمان الكثير من علماء النفس بأهمية الموقف في تحديد "القيادة" رأوا أن يستبدل اصطلاح "قائد" بـــــ "الشخص المحوري" في الجماعة، الذي لا يتكئ نجاحه على ملكاته الخاصة وقدراته الذاتية من قبيل اتساق الشخصية والنضج الوجداني والذكاء وصفاء التحليل والعمل بتمكن تحت الضغط والهيبة في نفوس من حوله، إنما على تحفيزه لإمكانات المحيطين به وتوحيدها في اتجاه الهدف. 
 
والثاني هو المنظور الاجتماعي، الذي ينظر إلى القيادة باعتبارها ممارسة النفوذ على الجماعة الإنسانية، صغرت عند حدود المؤسسة أو المنظمة أو كبرت لتصير الأمة بأسرها، وذلك بغية القيام بثلاث وظائف هي: تعيين أهداف الجماعة، وتأسيس الهياكل اللازمة لتحقيقها، والحفاظ على هذه الهياكل وتعزيزها وتجديدها حتى تستمر قادرة على تلبية الأهداف. ووفق هذا المنظور تكون القيادة عملية "مكتسبة" أكثر منها عملية "موروثة" ولهذا يمكن تعلمها والتدريب عليها في مختلف المجالات.
 
والثالث فهو المنظور السياسي، وينظر إلى القائد باعتباره الرجل الكبير الذي يجلس على رأس السلطة التنفيذية، ويستخدم ما لديه من صلاحيات في إطلاق طاقات الجماعة، والنفخ في أوصال أفرادها، من أجل التقدم والرقي، أو الدفاع عن الوطن، والانتصار لمصلحته العليا. وهناك اقترابات ومداخل عدة اتبعها أصحاب هذا المنظور منها: مدخل الرجل العظيم في صناعة التاريخ سواء حركته القدرة أو دفعه الهدف أو من يمتلك طموحات ذاتية فائقة ويكون في كل الأحوال شخصاً ملهماً لمن حوله يحوطه الحب وتجلله المهابة، ومدخل المسار الديمقراطي الذي يرى أن القيادات موزعة داخل الجماعة وتتدرج من الأصغر حتى تنتهي إلى القائد الأول الذي يقف في قمة هرم النظام السياسي التعددي وتكون علاقته بالأتباع وهم الأغلبية العظمى من الشعب غير مباشرة، ومدخل الصفوة، الذي يؤمن بأن الحكم في النهاية يؤول إلى قلة متماسكة متحكمة حتى في المجتمعات الديمقراطية. 
 
والرابع المنظور التنظيمي، نشأ وترعرع في أحضان علم الإدارة وانفتح على علوم أخرى مستفيداً من عطائها المتجدد، وهو ينشغل بمهارات القيادة وسبل تعزيزها في مختلف التنظيمات أيا كان مجال عملها واهتمامها. وسلك هذا المنظور في بدايته مسلكاً بيروقراطياً، فجعل من القائد الناجح هو الذي يراقب التطبيق الدقيق للوائح والقوانين، ويلتزم بها في قراراته، ثم استفاد من علم النفس وعلم الاجتماع من زاوية اهتمام القائد الناجح بالروح المعنوية لمرؤوسيه، والخروج من الدائرة المغلقة للعلاقات غير الرسمية بينهم. وتأثر هذا المنظور باقترابات القرار والاتصال والنظم، حيث يكون القائد الناجح هو من يمتلك مهارة اتخاذ القرار الرشيد في سياق معقد ومركب، أو من يتمكن من التنسيق البارع بين مختلف الوحدات التي تشكل المنظومة، أو بين الاتصالات مهما كانت متضاربة أو متناقضة.
 
القيادة" و"الرئاسة"
لا بد في هذا المقام أن نميز بين "القيادة" و"الرئاسة" فالقادة قد لا يكونوا في كل الأحوال رؤساء، أي لديهم موقع رسمي وسلطة تحددها قوانين وتشريعات. ومن الممكن أن نجد شخصاً في مجتمع معين خارج الهياكل الرسمية لكن دوره في صناعة واتخاذ القرار كبير، أو له من الصيت والهيبة ما يجعل متخذ القرار يراعي موقفه ورأيه حتى ولو لم يرجع إليه مباشرة.
وقد يحدد السياق أو تتحكم الظروف في إنتاج القائد الذي يناسبها. ففي أيام الحروب والأزمات السياسية الحادة والطاحنة يولد الأبطال التاريخيون في حياة الشعوب. وفي الأيام التي تعاني فيها المجتمعات انقساماً داخلياً وفتنة أو وقوفاً على حافة الاحتراب الأهلي يولد الوسطاء والمفاوضون، الذين يطرحون الحلول الوسط، ويقربون بين الفرقاء المتصارعين، ويجذبونهم إلى منطقة للتلاقي، تمنع انفجار الوضع، وتعيد الاستقرار.
 
أساليب اختيار القادة السياسيين
تتفاوت أساليب اختيار القادة السياسيين، فهناك من يصل إلى القيادة لأسباب وراثية مثل ما يجري في النظم الملكية والمشيخات أو المجتمعات القبلية، وهناك من يحوزها لأسباب دينية، كحال الدالاي لاما في الصين، لكن الأغلبية تصل إليها عبر طريق سياسي طويل، يحتاج إلى جهد وعرق وتفكير، كأن يترقى الشخص داخل حزب سياسي أو تنظيم اجتماعي، ويخوض منافسات شرسة من أجل هذا الترقي، حتى يصل إلى قمة الهرم. وينطبق الأمر نفسه على الحياة العسكرية، حيث يبدأ الضابط رحلته من رتبة صغرى ويترقى تباعاً ويظفر في النهاية بالقيادة، بعد أن يكون قد تغلب على كثيرين في طريقه، بتصرفات مختلفة. 
 
وقد تحدثت النظريات الاشتراكية عن مبدأ "القيادة الجماعية" الذي تمثل في حق كل عضو في المناقشات الحرة داخل الحزب حول مختلف القضايا وحقه في انتخاب الهيئات والترشح لها ثم مراقبتها ومحاسبتها، ورأت أنها شرط لا غنى عنه لنشاط الحزب الثوري وتربية كوادره وتطوير فعالياته، عبر خلق الروح الجماعية التي تتحد فيها مواهب كثيرة في موهبة واحدة، وآراء متعددة في رأي واحد، وذلك في ظل الإيمان بروح التنظيم وانضباطه الحديدي، والشعور بالمسؤولية حياله. 
 
ولا يعني هذا أن تلك النظريات تجب القيادة الفردية تماماً أو تنكرها، بل تتحدث عن شخصيات لديها قدرات خاصة تؤثر في سير الأحداث، وتصل بسرعة إلى تحديد أقصر الطرق إلى تحقيق الأهداف، وتدرك أكثر من غيرها ما هو مطلوب في سبيل التطور الاجتماعي، وقياس اتجاهات الجماهير الغفيرة. كما أن القيادة الجماعية لا تعفي من مسؤولية لكل عضو من أعضاء التنظيم، مهما علت مكانته، عن المهام الموكلة إليه كفرد.
 
وفي مجال العلاقات الدولية تبدو "القيادة" ذات حدود مشتركة مع "الهيمنة" لأنها تصف الفاعل الدولي الذي يتمتع بزعامة بحكم الأمر الواقع الذي يتأسس على امتلاكه لشروط القيادة، أو ركائز القوة الصلبة والناعمة. كما تستخدم القيادة في تحليل دور الزعماء في توجيه السياسات الخارجية للدول أو أنشطة المنظمات الدولية.
 
وقد أظهرت دراسات عدة أن "النسق العقيدي للقائد" له دوره في صناعة قرار الدول حيال الخارج، ومن ثم فإن تحليل سماته النفسية وتجاربه الذاتية والعناصر التي شكلت تكوينه هو مسألة غاية في الأهمية كي نعرف لماذا يتصرف هكذا. وتزيد قيمة هذا المدخل في الدول المستبدة والشمولية التي تفتقد إلى مؤسسات راسخة تشارك في صناعة السياسة الخارجية أو تضعها، بما يعطي القادة مساحة أكبر للانفراد بهذه العملية أو جلها.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره