مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-06-01

المرأة والخدمة العسكرية: نظرة تاريخية

مشاركة فعالة في ميادين القتال والدفاع عن الوطن
 
من نافل القول أن المرأة نصف المجتمع، وأن أي إقصاء لها يعد هدراً لطاقات كبيرة في المجتمع، وهذا الأمر ينطبق على مناحي الحياة كلها، وعلى المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والتنموية، وليس المجال العسكري خارج هذه القاعدة المهمة.
 
إعداد: تامر ياسر
 
وتعود مشاركة المرأة في الجيوش إلى أكثر من أربعة آلاف سنة، فقد أدت المرأة أدواراً مهمة في الجيش في الحضارات القديمة، فكان لها مشاركات في جيوش المصريين القدماء والفينيقيين والبابليين والآشوريين والإغريق والرومان. وإن كان دورها في القتال المباشر قد ظل على الدوام مثار جدل ونقاش واسعين.
 
المرأة في الجيش في العصور القديمة
لقد انطلقت تلك المشاركة النسائية مع ظهور المجتمعات والدول المنظمة، فكانت المرأة في مصر الفرعونية تشارك في مختلف جوانب الحياة، ومن ذلك الجانب العسكري، كما شهدت دولة الإغريق مشاركة فعالة للمرأة سياسياً وعسكرياً، والأمر نفسه ينطبق على الدولة الرومانية والفينيقية والبابلية. 
 
وربما تكون زنوبيا ملكة تدمر المرأة الأبرز في تاريخ مشاركة المرأة في قيادة الجيوش حيث رافقت زوجها ملك تدمر في المعارك والغزوات العسكرية، وتابعت هذه المسيرة بعد موته.
 
وفي الإغريق يحدثنا التاريخ عن "الأمازونيات" في آسيا الصغرى، اللواتي كانت تقودهن "أرتيميس" إلهة الصيد، وكانت هناك "أثينا" التي تتحدث عنها الأساطير الإغريقية على أنها امرأة قوية مسلحة تساعد الأبطال. أما عند الرومان فيحدثنا التاريخ عن "بيلونا" إلهة الحرب عند الرومان. 
 
بينما تشير كتب التاريخ إلى الملكة "بوديكيا" البريطانية التي تقدمت جيش بلادها لمواجهة الرومان قبل الميلاد بنحو ستة عقود. كما يرد ذكر القديسة "أولجا" الروسية التي قادت معارك انتقاماً لمقتل زوجها الملك "أيقور".
 
المرأة في صدر الإسلام
وفي صدر الإسلام، وظّف المسلمون كل طاقات مجتمعهم في معاركهم، وكان للمرأة دور بارز في الحروب والغزوات، ولاسيما من خلال بث الحماسة في نفوس الرجال، والاهتمام بالجرحى والمصابين، وتأمين الغذاء. وربما كانت الخنساء هي الشخصية الأبرز في تلك الفترة، إضافة إلى نسيبة بنت كعب المازنية، وخولة بنت الأزور التي شهدت معركة اليرموك.
 
المرأة في جيوش العصر الحديث
كانت مشاركة المرأة تزداد أهمية في الحروب الكبرى والطويلة، حيث تخسر الجيوش كثيراً من الجنود، ويصبح تعويضهم أمراً صعباً، الأمر الذي يجعلها تستعين بالنساء في الخدمة العسكرية، بحيث لا يقتصر عمل هؤلاء المجندات على الخدمات المساعدة كالتمريض والتموين، بل يتعداه إلى مهام ميدانية تتعلق بمساعدة المقاتلين في الميدان.
 
وربما كانت الحرب العالمية الأولى خير مثال على ذلك، حيث استعانت ألمانيا بالنساء للعمل في الصناعات الحربية والمهن المكتبية ووسائل وأدوات الاتصال في المناطق الخلفية، كما استعانت بريطانيا بالنساء لتقديم خدمات مختلفة، والتحقت مجموعات من النسوة البريطانيات بوحدات المشاة والبحرية عام 1917 م، وفي القوات الجوية في عام 1918 م. وهؤلاء كنّ من المدنيات اللواتي يحصلن على رواتب مقابل أعمالهن. وفي هذه الفترة بدأت بريطانيا التفكير جدياً بموضوع الخدمة الإلزامية للنساء.
 
وأسست القوات المسلحة الأمريكية وحدات نسائية التحقت عام 1917 م، حيث ارتدت المجندات اللباس العسكري، وقمن بمهام وأعمال تتلاءم وما تستطيع المرأة إنجازه، فكان منهن عاملات مقاسم الهواتف، والكاتبات والموظفات في الخدمات الإدارية، الأمر الذي أتاح إرسال الجنود الذين كانوا يقومون بهذه المهمات إلى الميدان والصفوف القتالية المتقدمة.
 
المرأة في الحرب العالمية الثانية
شكلت الحرب العالمية الثانية نقطة فاصلة في مجال مشاركة المرأة في الأعمال العسكرية، فقد بدأت النسوة المشاركة في الصناعات الحربية، وقمن بأعمال أخرى في القوات المسلحة، كالمجالات الطبية، إضافة إلى قيادة الشاحنات، والعمل كمرشدات اجتماعيات في صفوف القوات المسلحة. وتبعت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك دول عدة، مثل كندا وفرنسا وهولندا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا. ومنذ ذلك الحين جرى اعتبار الوحدات النسائية وحدات إضافية أو احتياطية معترف بها رسمياً.
 
وتعد ألمانيا في مقدمة الدول التي طبقت نظام التجنيد الإجباري للنساء، كما اعتمد الاتحاد السوفيتي نظام التجنيد الإلزامي للنساء، حيث شاركن في القتال في الخطوط الأمامية ضمن وحدات مختلطة، وذلك بعد أن خسرت روسيا كثيراً من مقاتليها في الحرب.
 
وعملت المرأة في قوات الولايات المتحدة الأمريكية، كميكانيكيات طائرات، وفي إعداد المظلات وتطبيقها، كما كان منهن مدربات على الأسلحة، وأخريات عملن ضمن أطقم طائرات النقل العسكرية، وقد شهدت الحرب العالمية الثانية أسر اليابان لعدد من الممرضات الأمريكيات اللواتي كن يعملن في الفلبين، كما أسرت ألمانيا عدداً من الأمريكيات اللواتي كن منتشرات مع القوات الأمريكية في أوروبا. 
 
إضافة إلى ذلك، شهدت هذه الفترة انخراط عدد من النساء الأمريكيات والبريطانيات والروسيات في مجال الجاسوسية وأعمال التخريب خلال الحرب، وشاركت بعض النساء الفرنسيات والإيطاليات والروسيات واليوغسلافيات في صفوف المقاومة ضد القوات التي احتلت بلادهن خلال الحرب. 
 
المرأة في الجيش بعد الحرب العالمية الثانية
بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية، اتخذت عدد من الدول قرارات بتحجيم دور مشاركة النساء في القتال، وحصرت مشاركتهن في الأعمال الإدارية والطبية. فيما شهد النصف الثاني من القرن العشرين انضمام أعداد كبيرة من النساء للقوات المسلحة، وتراوح الأمر بين الإبقاء على التجنيد الإجباري، وفتح باب التطوع أمام النساء.
 
أما في الفترة الراهنة فتشير الإحصاءات إلى أن نحو نصف جيش كوريا الشمالية من النساء، أما في الجيش الأمريكي فيوجد الآن نحو 230,000 امرأة عاملة أي حوالي 11 % من مجموع القوات المسلحة. كما أن المرأة تشكل 20 % من احتياطي الجيش الأمريكي و6 % من الحرس الوطني. وتشكل الأستراليات حالياً نسبة 12.8 % من القوات المسلحة الأسترالية، وتبلغ نسبة النساء في الجيش البريطاني 9 % من القوات المسلحة البريطانية.
 
أما في فرنسا، فيبلغ عدد النساء نحو خمس العسكريين الفرنسيين، ومن حقهن المشاركة في كل المجالات، فيما عدا سلاح الغواصات وقوات الدرك التي من وظيفتها السيطرة على الشغب، وعلى الرغم من السماح للنساء للالتحاق بالخدمة في سلاح المشاة القتالي، إلا أن أغلبهن لا يخترن ذلك السلاح.
 
أما في ألمانيا، فقد زاد عدد النساء في الجيش الألماني 3 أضعاف في 2013م عما كان عليه في 2001م. ومنذ 2009م، فإن 800 من المجندات يعملن في وحدات قتالية.
وتُعتبر إسرائيل واحدة من بين الدول القلائل في العالم التي تفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على النساء كما الرجال، فتعتبر المرأة جزءاً أساساً للقوة البشرية في الجيش الإسرائيلي، فتشارك في العمليات العسكرية البرية. وحملت ثلاث إسرائيليات رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي في العام 2012م.
 
المرأة العربية في الجيش
دخلت المرأة العربية ميدان القوة العسكرية من بابها الواسع، إذ تحتل الجزائر المرتبة الأولى عربياً في دمج النساء بمؤسسات الدولة العسكرية، مع ترقية ثلاث نساء إلى رتبة لواء. وهكذا، يكون في الجزائر أربع نساء يحملن لقب لواء، وفي المغرب المجاورة، كان آخر إعلان عن جنرال امرأة في الجيش في 3 نوفمبر 2012م، وتعمل النساء في الجيش المغربي في مجالات مختلفة تتعلق بالجيش خاصة الصحة والأعمال الاجتماعية، من دون إرسالهن إلى الحدود. 
 
أما في الأردن فبدأت المرأة العمل في القوات المسلحة الأردنية في عام 1950 م كمعلمة في مدارس التربية والتعليم والثقافة العسكرية. وفي عام 1962م تأسست كلية الأميرة منى للتمريض بهدف إعداد وتأهيل الفتيات الأردنيات للعمل في القوات المسلحة الأردنية في مجال الخدمات الطبية والتمريضية. وقد تم تجنيد الفوج الأول من خريجي الكلية عام 1965م برتبة ملازم أول وكان عددهن آنذاك ثماني ضابطات. 
 
وعلى المستوى الإداري فقد تم في عام 1973 م تجنيد عدد من الجامعيات الأردنيات للعمل كإداريات في القوات المسلحة الأردنية. 
وبسبب التوسع في تجنيد المرأة في القوات المسلحة أنشئت عام 1995 م إدارة شؤون المجندات لتعنى بشؤون المرأة في القوات المسلحة، وقد كانت انطلاقة هذه الإدارة عام 1993م.
 
المرأة الإماراتية والجيش
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت رؤية القيادة الإماراتية عميقة من خلال إتاحتها الفرصة للمرأة الإماراتية للمشاركة إلى جانب الرجل في بناء الدولة والمجتمع في مختلف المجالات، ومن ذلك المجال العسكري، حيث تعد مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية أول مدرسة عسكرية لتدريب الإناث في الدولة وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وكانت المدرسة محطة مهمة لبدء القوات المسلحة بتدريب الإناث ضمن كوادرها، حيث تأسست المدرسة في شهر أغسطس عام 1990 م بناء على توجيهات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
 
كما أرسلت الإمارات عدداً من بناتها للدراسة في أكاديمية "ساندهيرست" العسكرية الملكية، ليخضعن للدورة الدراسية نفسها التي يخضع لها زملاؤهن الذكور في هذه الكلية العسكرية العريقة.
 
وفي عام 2014 م أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، القانون الاتحادي رقم 6 بشأن الخدمة الوطنية والاحتياطية، تأكيداً على ما ورد في المادة 43 من دستور دولة الإمارات التي تنص على أن الدفاع عن الاتحاد فرض مقدس على كل مواطن وأداء الخدمة العسكرية شرف للمواطنين ينظمه القانون. وقد ترك القانون للفتيات الإماراتيات حرية الالتحاق بالخدمة الوطنية على أن تكون مدة الدورة التدريبية لهن تسعة أشهر، واشترط القانون موافقة ولي أمر الفتاة للسماح لها بالالتحاق بالخدمة.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره