مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-07-05

الهجمات السيبرانية .. تهديد متعاظم للأمن والاستقرار والاقتصاد العالمي

الهجمات السيبرانية التي تزايدت وتيرتها في الآونة الأخيرة تشير بوضوح ليس فقط إلى تأثيرها المدمر، أمنياَ واقتصادياً ، وإنما أيضاً إلى أنها قد تصبح أهم أدوات إدارة حروب وصراعات المستقبل، بالنظر لما تتسم به من انخفاض في التكلفة، وصعوبة الجهات التي تقف ورائها. ولعل ما يفاقم من مخاطر هذه الهجمات هي العقبات التي تحول دون تطبيق مبادئ القانون الدولي عليها، ما يجعل من الصعوبة معاقبة الجهات التي تقف ورائها.
 
بقلم: د. داليا السيد
 
مفهوم الهجمات السيبرانية  
الهجمات السيبرانية هي هجمات يتم تنفيذها بواسطة أجهزة الحاسوب عبر شبكات الانترنت والاتصالات الرقمية  بهدف تغيير أو تعطيل برامج  أو تدمير معطيات أو سرقة معلومات أو اختراق  انظمة التحكم  والأوامر، والعمل على إحداث أضرار في أنظمة وبرامج وأجهزة الطرف الآخر وتعطيلها عن العمل، وغالباً ما تستهدف هذه الهجمات البنية التحتية للدول، ومحاولة إحداث أكبر الأضرار بها، وإصابتها بالشلل التام، كي تعجز عن تقديم الخدمات للسكان.   
 
وتتنوع الأدوات التي يتم من خلالها تنفيذ الهجمات السيبرانية، حيث تشمل  الفيروسات أو “الديدان الإلكترونية “، والتطبيقات السرية المعروفة تحت مسمى “الأبواب الخلفية” أو برامج “حجب الخدمة” وغيرها من البرمجيات الفيروسية التي تستهدف زعزعة أو شل الهدف أياً كان، سواء أكانت فرداً أم مجموعة من الأفراد أم منظمة أم شركة أم وكالة حكومية أو جه رسمية.
 
وتتنوع الجهات التي تقف وراء ظاهرة تنامي الهجمات السيبرانية على الصعيد العالمي في الآونة الأخيرة، وتشمل ما يلي: 
1 - الدول، التي تمتلك قدرات تقنية وتكنولوجية متطورة تتيح لها توظيفها في القيام بهجمات سيبرانية في مواجهة خصومها سواء لأغراض عسكرية (تدمير منشآت – وقف مشروعات) أو تجسسية كالحصول على معلومات أو إحداث تدمير في البنية التحتية الأساسية، كشبكات الكهرباء والمياه والمواصلات والاتصالات.
 
2 - عصابات الجريمة المنظمة، والتي غالباً ما تلجأ إلى الهجمات السيبرانية للحصول على فدية مالية، وتلجأ في ذلك إلى اختراق أنظمة المعلومات التي تدير الخدمات الأساسية في بعض الدول، لمساومتها للحصول على مبالغ مالية. 
 
3 - القراصنة من الأشخاص العاديين والذين يمتلكون مهارات تقنية فائقة، يتم توظيفها في الحصول على مبالغ مالية أو في اختراق الأمن المعلوماتي للدول، والحصول على معلومات حساسة عن قضايا السياسة الخارجية للدول، على النحو الذي جسدته ظاهرة» ويكليكس»، حينما حيث استطاع جوليان أسانج أن يكشف العديد من أسرار السياسة الخارجية الأمريكية وعلاقات الولايات المتحدة مع العديد من القوى الكبرى.
 
أنواع الهجمات السيبرانية
هناك عدة أنواع للهجمات السيبرانية، لعل أبرزها:
1 - التجسس باستخدام الفيروسات أو “أحصنة طروادة “، وذلك بهدف سرقة المعلومات السرية التي لم يتم تأمينها بشكل صحيح ، والتي يمكن أن يتم اعتراضها ايضا وقرصنتها، والمثال على ذلك الهجوم السيبراني الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية في شهر ديسمبر 2020،  والذي نجح في اختراق مؤسسات حيوية وحساسة كوزارات الدفاع والخارجية والخزانة والتجارة والطاقة والأمن الداخلي، وعدداً من الوكالات الفيدرالية الرسمية ومراكز الأبحاث والمنظمات غير الحكومية . وتكمن خطورة هذه النوعية من الهجمات أنها تمثل تهديداً كبيراً وجدياً للأمن القومي للدول المختلفة، المتقدمة منها والنامية، خاصة أن الهدف منها يكون في الأغلب هو اختراق نظم حماية وتأمين الشبكات الإلكترونية لهذه المؤسسات، والتجسس عليها ونقل المعلومات منها بواسطة استخدام برامج خبيثة.
 
2 - استهداف البنى التحتية الحساسة كمحطات الطاقة وتوزيع المياه وأنابيب النفط  والاتصالات ووسائل النقل والمستشفيات، بهدف تعطيلها التام عن العمل، والمثال على ذلك الهجوم السيبراني الذي استهدف خط أنابيب نفط «كولونيال بايبلاين» في الساحل الشرقي بالولايات المتحدة في شهر مايو 2021، وأدى إلى نقص واسع النطاق في إمدادات الطاقة بجميع أنحاء الولايات المتحدة، خاصة أن هذا الخط ينقل ما لا يقل عن 45 بالمئة من البنزين والديزل والكيروسين الأمريكي من مصافي التكرير في خليج المكسيك إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة. ووفقا للشرطة الفيدرالية، فقد نفذت مجموعة «دارك سايد» الإجرامية هذا الهجوم السيبراني باستخدام برنامج فدية. وفي السياق ذاته، حذرت وزيرة الطاقة الأمريكية جنيفر جرانهولم في شهر يونيو 2021 من وقوع هجمات سيبرانية تهدد شبكات الكهرباء في الولايات المتحدة الأمريكية، وكشفت أن الأعداء قادرون على استخدام الاختراقات  السيبرانية لإغلاق شبكات الكهرباء الأمريكية.  
 
وتستهدف الهجمات السيرانية أيضاً مؤسسات الرعاية الصحية، وخاصة في ظل جائحة كوفيد - 19، والمثال على ذلك اختراق نظام الرعاية الصحية في جمهورية إيرلندا في شهر مايو 2021 من جانب قراصنة مجهولين، الأمر الذي أثر بالسلب على معظم الخدمات الصحية، بما في ذلك اختبارات فيروس “كورونا”، ورعاية مرضى السرطان وتتبع حالات “كوفيد - 19”.  وارتفعت الهجمات السيبرانية على أنظمة الرعاية الصحية بشكل ملحوظ في العديد من الدول الأوروبية، وخاصة منذ أن بدأت جائحة كوفيد - 19 العام الماضي، وذلك بهدف سرقة البيانات الشخصية، ثم تحصيل الأموال للسماح للمسؤولين بالعودة، والتهديد ببيع البيانات عبر الإنترنت، وهو نوع من الهجوم يُعرف باسم “برامج الفدية”. 
 
3 - الهجمات السيبرانية التي تستهدف المنشآت ذات الطابع العسكري كالمحطات النووية والأقمار الصناعية ومحاولة تخريبها وإحداث أكبر ضرر بها، والمثال على ذلك استهداف أجهزة الطرد المركزي للمفاعل النووي الإيراني من خلال فيروس «ستاكسنت»، ويعتقد على نطاق واسع أن الولايات المتحدة وإسرائيل طورتا هذا الفيروس الذي تم اكتشافه عام 2010 بعد استخدامه لمهاجمة منشأة لتخصيب اليورانيوم في موقع نطنز النووي الإيراني، وكان هذا أول مثال معروف لفيروس يستخدم لمهاجمة معدات صناعية ومنشآت نووية.
 
وفي أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، وما ترتب عليه من تصعيد التوتر بين واشنطن وطهران، فقد لجأتا إلى الهجمات السيبرانية كأحد أدوات إدارة الصراع بينهما، وأعطى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أوامره المباشرة للقيادة السيبرانية الأمريكية، عقب إسقاط إيران لطائرة «غلوبال هوك» الأمريكية في العام 2019 بتنفيذ عمليات لتعطيل أجهزة الكومبيوتر التي تستخدمها إيران للتحكم بإطلاق الصواريخ والمدفعية، وكذلك استهدف شبكة تجسس إيرانية كانت مكلفة بمراقبة السفن التي تعبر مضيق هرمز.  
 
 لماذا يتزايد الاعتماد على الهجمات السيبرانية؟
تزايدت الهجمات السيبرانية بصورة لافتة في الآونة الأخيرة ، حتى أن هناك تقديرات تشير إلى أن هناك هجوم سيبراني يحدث كل 39 ثانية، وهذا يمكن تفسيره بالنظر إلى العوامل والاعتبارات التالية:
 
1 - أن الهجمات السيبرانية تعد قليلة التكلفة لدى مقارنتها بالأدوات الأخرى من القوة، حيث تشير العديد من الدراسات إلى أن أدوات القرصنة باتت أقل تكلفة وأكثر سهولة ، مما يتيح للجهات التي تلجأ إليها سواء كانت دولاً أو مؤسسات أو أفراد إلحاق ضرر أكبر مقابل نسبة ضئيلة من التكلفة السابقة، كما أن هذه الهجمات تكلف 4 % فقط من تكلفة الآلة العسكرية، حتى أن هناك من يشير إلى أنه يمكن تمويل حرب سيبرانية كاملة عبر الإنترنت بتكلفة دبابة. 
 
2 - التأثير المدمر واسع النطاق: غالباً ما يكون تأثير الهجمات السيبرانية مدمراً، وقد يؤدي إلى إحداث شلل تام في البنية التحتية للدول في المجالات والقطاعات التي ترتبط بحياة البشر ، وخاصة في مجالات الصحة العامة وشبكات الكهرباء والمياه والاتصالات والنقل، إذ أن فقيام دولة بهجوم سيبراني على واحدة من هذه القطاعات كفيل بتوقف الحياة بشكل كامل، وهذا ما خلص إليه تقرير أعدته لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان البريطاني مؤخراً، حبنما وصف الهجمات السيبرانية بأنها: «أكثر دماراً من التفجير الذري، باستطاعتها تدمير أنظمة الإلكترونيات، ومحطات ضخ المياه، والهواتف، ومحطات الإذاعة والتلفزة، وتوقيف الاتصالات، وانهيار الأنظمة المالية».   
 
3 - صعوبة معرفة الجهات التي تقف ورائها: تتسم الهجمات السيبرانية بأنها غير مرأية،  الأمر الذي يجعل من الصعوبة معرفة الجهات التي تقف ورائها، وليس أدل على ذلك من أن عمليات التحقيق في هذه الهجمات تستغرق شهوراً ، وغالباً ما تنتهي دون معرفة الجهة التي تنفذها، وهذا يرجع إلى أن هذه الهجمات تندرج ضمن الحروب الخفية التي تقتحم الأنظمة الإلكترونية وتسبق العمل العسكري.
 
4 - السرعة في تنفيذ الأهداف: تتسم الهجمات السيبرانية بأنها لا تستغرق إلا وقتًا بسيطًا في تنفيذ أهدافها، مقارنة بالحرب التقليدية التي تستغرق سنوات لحسمها. وليس أدل على ذلك من تعرض أكثر من 74 دولة في العالم في مايو من العام 2017  لهجمات إلكترونية متزامنة خطيرة أدت إلى تعطيل معظم المستشفيات البريطانية، كما أصابت دولا عظمى مثل الصين وروسيا، ووصف بعض الخبراء تلك الهجمات بـ«الخطيرة» و«المرعبة» لأنها قادرة على تعطيل الحياة في كثير من دول العالم في آن واحد وفي وقت قياسي. 
 
مخاطر الهجمات السيبرانية على الأمن والاقتصاد الدولي
لا شك أن تزايد اللجوء إلى الهجمات السيبرانية بمظاهرها السابق الإشارة إليها ينطوي على تهديد واضح للأمن والاستقرار والاقتصاد الدولي، بالنظر لما يلي:
1 - أنها قد تهدد الاستقرار المالي العالمي، خاصة إذا استهدفت المؤسسات المالية العالمية، كالبنوك العالمية الكبرى، ففي ظل الترابط بين البنوك والمؤسسات المالية، فإن تعرض إحداها لأي نوع من الهجمات السيبرانية قد يمتد تأثيره إلى شبكات المال والأعمال في العالم أجمع، ويؤدي إلى حالة من الفوضى المالية، وربما تؤدي إلى انهيار البورصات والأسواق المالية، مما يؤدي إلى إحداث خسائر مالية باهظة للدول، والتشكيك في منظومتها الأمنية، خاصة إذا طالت هذه الهجمات الودائع والمدفوعات الخاصة بالأفراد، الذين قد يسرعون إلى استرداد أموالهم أو إلغاء حساباتهم البنكية.
 
2 - تسهم في تصاعد حدة الحروب التجارية والاقتصادية، خاصة أن هذه الهجمات السيبرانية تخترق في بعض الأحيان أنظمة معلومات الدول، وتحصل بموجبها على بعض الأسرار والمعلومات الاقتصادية الحساسة، والمثال على ذلك الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والتي اندلعت منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ولا تزال قائمة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، فهي تعود بالأساس إلى اتهام واشنطن لبكين بسرقة أسرار المنتجات والصناعات الأمريكية، ومحاولة تقليدها وغزو الأسواق الكبرى بها، ومن ثم ضرب الاقتصاد الأمريكي بشكل غير مباشر. وليس أدل على ذلك من قرار الرئيس جوبايدن بتمديد الحظر الذي فرضه الرئيس السابق دونالد ترامب على استثمار الأمريكيين في الشركات الصينية التي لها صلة مع الجيش الصيني، وذلك في مؤشر واضح على أن الولايات المتحدة تنظر بقلق إلى الشركات الصينية. ولعل اللافت في هذا السياق أن قرار بايدن قد زاد عدد الشركات الصينية المحظور الاستثمار بها من 48 إلى 59 شركة، إضافة إلى أن هذا القرار يشمل أيضاً الشركات التي تطور وتساعد الحكومة الصينية في تكنولوجيا المراقبة التي تمارسها على المواطنين، مثل التكنولوجيا المستخدمة ضد الأقليات المسلمة مثل المسلمين الإيجور والمعارضين في هونج كونج.
 
3 - تهديد الأمن القومي للدول: تمثل الهجمات السيبرانية تهديداً مباشراً للأمن القومي للدول، خاصة حينما تستهدف البنية الرقمية للدول، والقطاعات الحساسة بها، والاستيلاء على أسرار عسكرية أو سياسية أو صناعية، فيما يعد نوعاً من أنواع التجسس الصريح، الذي يمكن أن يستغل بعد ذلك للضغط على الدولة، ومساومتها لتبني مواقف محددة في قضايا ومواقف عديدة. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الهجوم الصيني عام 2014 بهدف سرقة بيانات خاصة بالطائرة المقاتلة فانتوم 35، والاختراق الروسي لشبكات البيت الأبيض ووزارة الخارجية في العام نفسه، ومحاولة التأثير على الانتخابات الرئاسية عام 2016، بل وصل الأمر إلى المجال البحثي والطبي، فأصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي الأمريكي تحذيراً في مايو 2020 من محاولات اختراق صيني لسرقة نتائج البحوث الخاصة باكتشاف لقاح ضد مرض فيروس كورونا. 
 
4 - تلجأ العديد من دول العالم إلى «الهجمات السيبرانية»، باعتبارها أحد الأدوات المهمة في الحروب الحديثة، التي تعتمد بالاساس على الأسلحة الإلكترونية، التي يتم توظيفها في توجيه ضربة أولى لحواسب العدو، أو حتى باستهداف الحياة المدنية والبنية التحتية المعلوماتية، ويشير خبراء الأمن والاستراتيجية إلى أن الدول التي تمتلك بنية تحتية تكنولوجية متقدمة تكون فرصها أكبر في تحقيق الهيمنة الإلكترونية الواسعة في حال دخلت في حرب أو في صراع مصالح مع أية دول أخرى، فبدلاً من إستخدام الأدوات العسكرية التقليدية ، يمكن من خلال الضغط على لوحة المفاتيح تدمير البنية المعلوماتية في الدول المستهدفة، وتحقيق آثار تدميرية تفوق تلك التي تستخدم فيها القوة العسكرية ، حيث يمكن شن هجوم سيبراني يستهدف إغلاق المواقع الحيوية وإلحاق الشلل بأنظمة القيادة والسيطرة والإتصالات ، أو قطع شبكات الإتصال بين الوحدات والقيادات المركزية، أو تعطيل أنظمة الدفاع الجوي ، أو إخراج الصواريخ عن مسارها ، أو التحكم في خطوط الملاحة الجوية والبحرية ، أو إختراق النظام المصرفي وإلحاق الضرر بأعمال البنوك وأسواق المال. 
 
وتشير العديد من الدراسات إلى أن الهجمات السيبرانية بسماتها السابق الإشارة إليها باتت أهم أدوات إدارة الصراعات بين الدول، وهذا ما يفهم من تبادل الاتهامات فيما بينها حول هذه الهجمات، فنائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف قال في مقابلة مع وكالة أنباء «نوفوستي» في شهر مايو 2021: إنه تم تنفيذ معظم الهجمات السيبرانية على روسيا في عام 2020 من عناوين مسجلة في دول غربية، وكشف أن هذه الهجمات استهدفت منشآت ومواقع لها علاقة بتصميم اللقاحات، والإدارات الحكومية، ومؤسسات القطاع المالي، ومؤسسات المجمع الصناعي- العسكري، والمنشآت والمؤسسات العلمية والتعليمية، ومراكز الرعاية الصحية، ومؤسسات النقل العام، في حين توجه الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية في المقابل أيضاً اتهامات لروسيا والصين بالوقوف  وراء العديد من الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة.
 
التجارب الدولية الرائدة في تطوير الأمن السيبراني 
ونظراً لأهمية «البعد السيبراني» في حروب وصراعات المستقبل، فإن العديد من دول العالم باتت تولي أهمية بتشكيل إدارات متخصصة للعمليات السيبرانية ضمن قواتها المسلحة، فيما اتجهت العديد من دول العالم إلى تعزيز دفاعاتها ضد خطر التعرض لهذه الهجمات، والاهتمام بتطويرها أمنها الإلكتروني كنوع من الإجراء الوقائي للتصدي لهذه الهجمات، ومن أهم التجارب الدولية في هذا السياق:
 
1 - التجربة الأمريكية: وقع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في شهر مايو 2021، أمرا تنفيذياً نشره البيت الأبيض عبر موقعه، بهدف لتحسين البنية التحتية للأمن السيبراني القومي، عقب الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها مرافق أمريكية حساسة في شهر ديسمبر 2020. وينص هذا القرار على ضرورة تحديث تقنيات الأمن السيبراني للحكومة الفيدرالية، وذلك لمواكبة بيئة التهديدات المتطورة بشكل متزايد، والعمل على تطوير وحوكمة الخدمات السحابية التي تعتمد الوكالات الفيدرالية عليها في عملها، كما فرض الأمر إنشاء برنامج يهدف لضمان تدريب الوكالات الفيدرالية وتجهيزها للتعامل مع أي مخاطر سيبرانية محتملة، وإنشاء مجلس متخصص بمراجعة إجراءات السلامة على الإنترنت، تسند إليه مهام تقييم الحوادث الإلكترونية الكبيرة التي قد تستهدف البلاد، ووضع دليل موحد للحكومة الفيدرالية، وذلك للاستجابة للحوادث والتعامل مع ثغرات الأمن الإلكتروني، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين قدرات الكشف عن ثغرات الأمن الإلكتروني، والحوادث التي تستهدف شبكات الحكومة الفيدرالية، وتحسين قدرات الأخيرة في التحقيق بشأن الهجمات ومعالجتها.ويأتي هذا الأمر التنفيذي تطويراً  للاستراتيجية السيبرانية القومية الأمريكية التي تم الإعلان عنها عام 2018 ،  والتي تقوم على أربع ركائز رئيسية، أولها تعزيز الأمن القومي الأمريكي. وثانيها تعزيز الاقتصاد الأمريكي الرقمي، بتشجيع الابتكار في قطاع التكنولوجيا. وثالثها مكافحة التهديدات السيبرانية، من خلال استخدام كافة أدوات القوة الأمريكية لردع أي هجمات سيبرانية، وتعزيز المعايير الدولية في الفضاء السيبراني. ورابعاً الدعوة إلى حرية الإنترنت في جميع أنحاء العالم، وتزويد حلفاء الولايات المتحدة بقدرات سيبرانية؛ للتعامل مع التهديدات السيبرانية التي تستهدف المصالح المشتركة.
 
2 - التجربة الروسية: تعمل أجهزة الأمن الروسية على مكافحة الجرائم السيبرانية، وعلى وجه الخصوص، جرائم السرقة الإلكترونية التي تشكل خطرا كبيرا على أمن البلاد، كونها تسمح للمجرمين، ليس فقط بالوصول إلى المعلومات بشكل غير شرعي، كسرقة المعلومات والكسب المادي أو المعنوي أو السياسي غير المشروع وسرقة الحسابات المصرفية، بل وأيضا الحصول على معلومات سرية للجهات المستخدمة للتكنولوجيا، كالمؤسسات والمصارف والجهات الحكومية والأفراد، والابتزاز بواسطتها. وقد أعلن الرئيس فلاديمير بوتين، خلال اجتماع للهيئة القيادية لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي  في فبراير 2021  أن بلاده بحاجة إلى استراتيجية مؤكدة لمكافحة الجرائم الإلكترونية، بناءً على التنبؤ بالوضع، مع الأخذ بالاعتبار المخاطر المحتملة على المجتمع والدولة.
 
3 - التجربة الصينية: تعمل السلطات الصينية على تحصين أمنها السيبراني من خلال «الجدار الناري العظيم»، وهو عبارة عن نوع من الرقابة على الإنترنت، ولا يسمح هذا الجدار الناري لجميع المواقع العالمية بالوصول إلى الصين، ورغم مساوئ الحجب لكنه في نفس الوقت يبقي الصين بعيدة كل البعد عن اختراق انظمتها كونها تقوم بمراقبة كل صغيرة وكبيرة تحدث على الإنترنت، مما يجعلها بعيدة عن التأثيرات السلبية التي يمكن أن تحدثها الهجمات الرقمية على أمنها الوطني. كما تؤكد الاستراتيجية العسكرية للصين أهمية تطوير الدفاع السيبراني ودعم مساعي الدولة في الفضاء الإلكتروني والمشاركة في التعاون السيبراني الدولي، وتستهدف هذه الاستراتيجية التصدي للتهديدات السيبرانية الكبرى، وضمان  تأمين  الشبكة الوطنية وأمن المعلومات والحفاظ على الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي.
 
4 - التجربة الأوروبية:  قترحت المفوضية الأوروبية، في ديسمبر2020، تحديثاً لقواعد الأمن السيبراني، والمعروفة باسم «توجيه الشبكات وأمن المعلومات»، والتي تشمل العديد من القطاعات، بما في ذلك الرعاية الصحية، لتعزيز الدفاعات الإلكترونية. هذا في الوقت الذي تتخذ فيه العديد من الدول الأوروبية إجراءات لتطوير أمنها السيبراني، فبريطانيا تعمل علي تشكيل قوات سيبرانية وطنية بإدارة وزارة الدفاع ومكتب الاتصالات الحكومية البريطانية، كما أسست فرنسا أسست وحدة معنية بمكافحة القرصنة أطلق عليها «الجيش الإلكتروني»، ونجحت في  العام 2020 في صد هجمات ضد (850) ألف جهاز كمبيوتر حول العالم، فيما أكدت وزارة الداخلية الألمانية في 8 يناير 2020 إدخال تحسينات في إجراءات التصدي للهجمات الإلكترونية، وتدشين «مركز دفاع سيبراني إضافي».  
 
5 - التجربة الإماراتية: أدركت دولة الإمارات منذ وقت مبكر أهمية تعزيز أمنها الرقمي، خاصة أنها من الدول الرائدة في تطبيقات التكنولوجيا الرقمية في العديد من القطاعات، ولهذا اتخذت مجموعة من التدابير والإجراءات القانونية والمؤسساتية لضمان حماية أمنها السيبراني، حيث تم إنشاء مجلس الأمن السيبراني، الذي يختص ضمن مهامه باقتراح وإعداد التشريعات والسياسات والمعايير اللازمة وإعدادها لتعزيز الأمن السيبراني لكافة القطاعات المستهدفة في الدولة، وإعداد وتطوير وتحديث الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني في الدولة، ووضع خطة وطنية متكاملة للاستجابة لكافة التهديدات السيبرانية، ووضع الآليات والأطر العامة لتبادل ومشاركة وحوكمة المعلومات المرتبطة بالأمن السيبراني بين الجهات والقطاعات المختلفة محلياً ودولياً. في الوقت ذاته، فإن الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني، والتي أطلقتها الهيئة العامة لتنظيم الاتصالات خلال شهر مايو 2019 والتي تهدف إلى تكوين منظومة سيبرانية ذكية قائمة على الابتكار والإبداع وتطوير الثقافة الرقمية في المجتمع ، والعمل على درء المخاطر وتلبية الاحتياجات المتزايدة  لمواجهة التحديات الأمنية في الفضاء السيبراني، وفي الوقت نفسه الاستفادة الكاملة من السوق الاقتصادي للأمن السيبراني والفرص المتاحة لتوفير المزيد الأنشطة العملية وفرص العمل في مجال التكنولوجيا  المتقدمة والاقتصاد الرقمي بشكل آمن.   
 
خاتمــــة
تشكل الهجمات السيبرانية تهديداً متعاظماً للأمن والاقتصاد الدولي، ولهذا تتزايد الدعوات الدولية والأممية بضرورة تجريم هذه الهجمات السيبرانية، والعمل على صياغة منظومة قانونية دولية محوكمة للتعامل معها، ويتم الالتزام بها من جانب جميع دول العالم،  حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريس، دعا إلى صياغة قواعد عالمية لتقليل أثر الهجمات السيبرانية على المدنيين. إن وجود منظومة قوانين دولية تجرم الهجمات السيبرانية سيمثل لا شك رادعاً للجهات التي تقف ورائها، وتقليل المخاطر التي تنطوي عليها. 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره