مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-11-30

الوجه القبيح ل الإنترنت كيف تتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصات لدعم الإرهاب أحيانا

يتعاظم الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي يوماً بعد يوم، ويتزايد أثرها في حياة المجتمعات والأفراد، ورغم الفوائد والفرص الكبيرة التي باتت تمنحها تلك الوسائل لمستخدميها، فإن مخاطر وتهديدات متزايدة تنشأ عن سوء استخدامها.
 
إعداد: ياسر عبد العزيز
 
مع تصاعد أثر شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) في تعزيز سبل الاتصال، وإتاحة الفرص لنقل الأفكار، وتسهيل الحصول على السلع والخدمات، برزت في السنوات الأخيرة تداعيات خطيرة لتلك الشبكة في ما يتعلق بتسهيل ارتكاب الجرائم، حتى بات هناك ما يعرف بـ "الجرائم الإلكترونية"، التي خصصت لها معظم دول العالم آليات لمكافحتها، كما تم سن قوانين عديدة لمواجهة التهديدات الناشئة عنها.
 
 تعطينا مواقع التواصل الاجتماعي، التي يستخدمها نحو 88% من مستخدمي شبكة "الإنترنت" المثل الأوضح على إمكانية تحول الفرص الكبيرة إلى مخاطر جمة في بعض الأحيان.
 ثمة تأكيدات كثيرة تشير إلى اعتماد "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) على مواقع التواصل الاجتماعي كآلية تجنيد وكسب تعاطف على نطاق واسع.
 
 وتمتلك "حركة الشباب المجاهدين" في الصومال التابعة لتنظيم "القاعدة" حسابات عدة على "تويتر" و"فيس بوك"، تستقطب من خلالها الأتباع، وتحرض على العنف والكراهية.
 وتعد مواقع التواصل الاجتماعي ميداناً خصباً لتأجيج النزاعات والحض على العنف والكراهية في مجتمعات عديدة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.
 
 وقد أوردت صحيفة "ذا ديلي ميل" البريطانية في أحد أعدادها الصادرة في العام 2012 أن ثمة 12300 جريمة مزعومة ارتبطت بموقع "فيس بوك" في العام 2011، مشيرة إلى أن "جريمة مفترضة تقع كل 40 دقيقة ارتباطاً بهذا الموقع".
 
 تفيد إحصاءات موثوقة أنه تجري إضافة 250 مليون صورة يومياً على "فيس بوك"، كما تضاف 200 مليون تغريدة إلى "تويتر"، فضلاً عن أربعة مليارات مشاهدة فيديو يومياً عبر "يوتيوب"، وقد تم رصد آلاف الصفحات التي تحوي محتوى ذا صلة بالإرهاب على تلك المواقع. 
 
 نحن نعيش عصر وسائل التواصل الاجتماعي؛ التي باتت مؤشراً إلى حال التحول السريع في حياة الناس، كما باتت جزءاً حيوياً رئيساً من الطريقة التي يفكرون بها، ويكونون مواقفهم، ويتخذون قرارتهم، ويرتكبون الجرائم عبرها في بعض الأحيان.
 
آلية تجنيد وتعبئة
على مدى الشهور الـ 12 الماضية، كرست مجموعة من الباحثين التابعين للمركز الدولي لدراسات الحركات الراديكالية (ICSR) نفسها لمتابعة نشاط نحو 190 من المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وتوصلوا إلى نتائج مهمة في هذا الصدد.
 
 لقد خلص هؤلاء الباحثون إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً "فيس بوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، تمثل "مصدراً أساسياً للتجنيد والإلهام والمعلومات" لهؤلاء المقاتلين المبحوثين.
 يقول السير ديفيد أوماند في كتابه "استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي" إن أحداث العنف التي اندلعت في بريطانيا في أعقاب مقتل أحد المواطنين على يد شرطي، في شهر أغسطس 2011، لم تكن لتحدث بذات الاتساع والتأثير لولا استخدام ناشطين لقنوات التواصل الاجتماعي في تأجيج حس العداء للشرطة والتحريض على الأعمال الإجرامية".
 
 ويعتقد خبراء وباحثون متخصصون أن ثمة 2000 مقاتل أوربي يقاتلون ضمن صفوف "داعش" في المناطق التي يحتلها، وأن 80% من هؤلاء تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
 وفي بعض الدول العربية، تندلع حروب كلامية على مواقع التواصل الاجتماعي باطراد، ويجري استهداف متبادل بين الشيعة والسنة، أو المسيحيين والمسلمين، أو الفرقاء السياسيين في تلك المناطق بخطاب كراهية متكامل الأركان.
 وينشط خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً في دول مثل الهند بين أتباع الأديان المختلفة، وكذلك في ألمانيا حيث يقوم "النازيون الجدد" باستهداف "اليهود" أو "السود" بخطاب كراهية وتحريض عبر تلك الوسائل.
 
 وفي بلد مثل مصر، تعد وسائل التواصل الاجتماعي منصة لتأجيج الطائفية أحياناً، وبسبب الأزمة السياسية في هذا البلد، يتم استخدام تلك الوسائل على نطاق واسع في التحريض على العنف ضد الدولة والمجتمع وقوى الأمن من جانب جماعات مثل "تنظيم الإخوان"، كما يتم شن هجمات مضادة ضد المعارضين السياسيين عبرها.
 
الهويات المصطنعة
يفيد أي تحليل دقيق لمحتوى معظم وسائل التواصل الاجتماعي في أوقات الأزمات والاضطرابات وأعمال العنف أن تلك الوسائل تلعب دوراً تأجيجياً في كثير من الأحيان، خصوصاً أن المستخدمين عادة ما يكونون في مأمن من ملاحقة السلطات رغم ارتكابهم جرائم التحريض وإشاعة الكراهية.
 
 تفيد الإحصاءات أنه من بين نحو 1.23 مليار حساب على "فيس بوك" ثمة 83 مليون حساب مزيف، كما يبلغ عدد الحسابات المزيفة على "تويتر" نحو 20 مليون حساب من إجمالي 500 مليون. يؤدي هذا إلى سهولة استخدام تلك الوسائط في شن هجمات الكراهية والتحريض على العنف من دون توقع أي مساءلة قانونية.
 وبموازاة هذا التصاعد في الأدوار السلبية لتلك الوسائل، تتعاظم الوظيفة الإخبارية لها.
 
 ويمكن القول إن الوظيفة الإخبارية لمواقع التواصل الاجتماعي ظهرت كمحاولة للالتفاف على تقييد بعض الأنظمة لوسائل الإعلام النظامية (معلومة الهوية ومحددة المسؤولية)، كما حدث في أحداث الإيغور في الصين، وفي الانتخابات الإيرانية 2009، وفي الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006، وغزة 2008، ثم خلال الصراع الدائر راهناً في سورية.
 
 لكن تلك الوظيفة شهدت أزهى عصورها، حينما تحولت مواقع التواصل الاجتماعي "بنية أساسية اتصالية" في دول التغيير العربي، التي شهدت الإطاحة بأنظمتها، من خلال أدوار مارستها تلك المواقع في الحشد والتعبئة وتنظيم المعارضة وبلورة الاحتجاجات وصياغة المواقف والشعارات.
 
 تعطي مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها صلاحيات غير قابلة للمنافسة من أي وسيلة إعلام نظامية؛ إذ تمكنهم من انتقاء الأخبار، وصياغتها، وتأطيرها، وبثها خلال ثوان معدودات، طالما كانوا يمتلكون هواتف جوالة ذكية، أو أياً من الوسائط التقنية الأخرى، وصلة لـ "الإنترنت".
 
الدور الإخباري يتصاعد
يمكن ملاحظة أن نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمصدر للأخبار تزداد باطراد في ظل سخونة الأوضاع السياسية من جهة، وكلما تعرض الإعلام النظامي لتضييق أو استهداف من السلطات من جهة أخرى.
 وقد شهدت السنوات القليلة الفائتة اتجاهاً من قبل السلطات في غير دولة إلى استهداف "مدونين" و"مغردين" باتهامات وأحكام بالسجن بأكثر مما يحدث مع الصحفيين والإعلاميين الذين يمارسون عملهم في وسائل الإعلام النظامية.
 
 وفي بعض الدول الغربية الكبرى مثل بريطانيا وألمانيا، تم توقيف أشخاص خلال السنوات الخمس الفائتة بسبب تدوينات أو "تغريدات" اُعتبرت محرضة على العنف، فضلاً عن مئات الناشطين والمدونين الذين يتعرضون للسجن في دول العالم الثالث بسبب المواد التي يقومون ببثها عبر صفحاتهم.
 
 يزيد الإقبال بحدة على مواقع التواصل الاجتماعي في أوقات الحروب والأزمات وعند الغموض والارتباك وتفاقم المخاطر، خصوصاً عندما تضعف الوظيفة الإخبارية لوسائل الإعلام التقليدية أو لا تلبي نهم المستخدمين المتصاعد للمتابعة والمشاركة في الأحداث الخطيرة.
 
 في مقابل الميزات الكبيرة التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها، خصوصاً على صعد السرعة والإيجاز والبلورة وإمكانات البحث وقدرات التعبئة والتوجيه، ثمة الكثير من السلبيات والاعتوارات؛ فتلك الوسائط لا تُخضع المحتوى الذي تبثه لأي شكل من أشكال التقييم أو المراجعة، ولا تُلزم من يبث هذا المحتوى بأي قدر من الالتزام، سوى ما يقرره طوعاً لذاته.
 
 يسهل جداً نقل الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون أي قدر من التوثيق، ويندر جداً استخدامها منسوبة لأصحاب الحسابات التي تم بثها من خلالها، وكثيراً ما يتم نقلها باعتبارها "حقائق لا تقبل الدحض"، كما يسهل طبعاً أن يتنصل صاحب الحساب من الرأي أو المعلومة أو التقييم الذي بثه قبل قليل بداعي أن "الحساب تمت سرقته"، أو أنه "لا يمتلك حساباً في الأساس"، ويزيد حجم تلك الاعتوارات، ويتفاقم أثرها في أوقات الحروب والنزاعات.
 
الأثمان الفادحة
تعطي مواقع التواصل الاجتماعي ميزات كبيرة لهؤلاء الذين يريدون استخدامها في حرف اتجاهات الجمهور عبر عمليات التزييف المتاحة بسهولة بالغة، كما أن ما يتم نشره عبر تلك الوسائل لا يمكن التحقق من صحته بسهولة.
 
 ستظل وسائط التواصل الاجتماعي تكسب أرضاً جديدة في ميادين الإخبار، طالما كان الإعلام النظامي تحت قيود القمع السلطوي، وطالما كان عاجزاً عن تغيير إيقاعه وتطوير أدواته، للحاق بجمهور بات مزاجه في التعرض الإخباري أكثر ميلاً للمقاربة الموجزة الموحية الحادة.
 لكن التحدي الكبير في هذا الصدد يتعلق بكيفية خلق التكامل والتعاون بين الإطارين النظامي وغير النظامي، بحيث يصبح أولهما أكثر تحرراً وسرعة وطزاجة، ويصبح الآخر أكثر دقة ومسؤولية وخضوعاً للضبط الذاتي.
 
 إن تدريب الصحفيين المحترفين على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في عملهم خلال فترات النزاع والاضطراب والحروب مسألة غاية في الأهمية، كما أن تكثيف الجهود في إطار ما يسمى بـ "التربية الإعلامية" سيكون مهماً لترقية الطريقة التي يتفاعل بها الجمهور مع ما تبثه تلك الوسائل.
 
الحد من المخاطر
يجب أن يلتزم الصحفيون الذين يعتمدون على تلك الوسائل خلال تغطياتهم في أماكن الحروب والنزاعات بالقواعد المهنية والأخلاقية المناسبة في هذا الصدد؛ وفي مقدمتها ضرورة تحري الدقة، والنسب إلى مصادر واضحة كلما أمكن، ووضع الأحداث في سياقها، إضافة إلى التثبت من الصور والفيديوهات وأوقات تسجيلها وتصويرها، وتقصي ما إذا كانت قد تعرضت لأي عمليات لتغيير محتواها بغرض إحداث تأثير معين غير موضوعي.
 
 وفي كل الأحوال فإن الاعتماد أحياناً على مواقع التواصل الاجتماعي في معرفة ما يجري في أوقات الحروب والنزاعات قد يكون ضرورياً في ظل غياب الإفادات التي تأتي عبر صحفيين محترفين، لكن هذا الاعتماد يجب أن يكون حلاً أخيراً من جهة، كما يجب أن يتم بحذر شديد وبعد تحر وتدقيق شديدين من جهة أخرى.
 
 لقد منحتنا وسائل التواصل الاجتماعي فرصاً عديدة حين قصرت المسافات، وسهلت الاتصالات، ونقلت الأفكار والصور، وعززت مفاهيم الحداثة، لكن في مقابل هذه الميزات والفرص الكبيرة ظهرت المخاطر الفادحة؛ ومنها تأجيج النزاعات، والتحريض على العنف، وإشاعة خطاب الكراهية، والخضوع لـ "المليشيات الإلكترونية" التي تستخدمها كأداة للتعبئة والحشد والاغتيال المعنوي أحياناً.
 
 ستشهد السنوات القليلة المقبلة اختباراً قاسياُ لتلك الوسائل ومستخدميها، فإما أن تستطيع أن تطور وسائل للتنظيم الذاتي تحد من أخطائها وتعزز أداءها الإخباري والاجتماعي، وإما أن تستسلم للممارسات الحادة والمنحرفة، فتصبح أدوات للتخريب، وتقويض أركان المجتمعات وهز سلمها الأهلي والعبث بمقدرات الأفراد والدول.
 
 إن سن قوانين تتسم بالكفاءة والمحافظة على الحريات الشخصية في آن واحد عمل ضروري يجب أن تقوم به كل دولة، لكن في المقابل ينغي أن تُخصص موارد وجهود كبيرة أيضاً لملاحقة الجرائم التي تُرتكب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً ما يتصل منها بدعم الإرهاب والترويج له.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره