مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-07-05

الوجه المتغير للقتال الليلي

في نوفمبر 2019، قُتل 13 جنديّاً من نخبة مغاوير الجيش الفرنسي في حادث تصادم ليلي بين مروحية من طراز كوغار ومروحية أخرى من طراز تايجر أثناء عمليات قتالية ضد مجموعة إرهابية مسلحة في حالة من الظلام الدامس «بالمستوى الخامس»، في صحراء مالي بين جاو وميناكا.لم يعد بإمكان الجيوش الوطنية التسليم تماماً بفكرة أنهم «أسياد الليل». وهذا ينطبق على الجيوش الصغيرة في الدول الأقل ثراء، وكذلك على القوى الأكثر قوة، على حد سواء.
 
إعداد: الدكتور يعقوبا جنين،
عضو هيئة التدريس بكلية الدفاع الوطني – الإمارات العربية المتحدة
 
لقد أثبتت الجيوش الوطنية في العصر الحديث كفاءتها في القتال الليلي؛ حيث هيأت العقائد والتدريبات والمعدات التي تم تكييفها للعمل وتحقيق التفوق على العدو في القتال الليلي. كما أن امتلاك معظم الجيوش الوطنية قدرات الرصد والرؤية الليلية بدرجة جيدة يؤدي إلى التمتع بميزة عملياتية وتكتيكية في القتال الليلي، ويكتسب هذا أهمية خاصة بالنسبة إلى عمليات القوات الخاصة. ففي سوريا على سبيل المثال، قامت القوات الخاصة الروسية، سبيتسناز (Specnaz)، بممارسة عمليات “الاصطياد الحر” (free hunting) ليلاً للعناصر الفاعلة غير الحكومية، باستخدام أنظمة الرؤية الليلية القادرة على اكتشاف مركبة على مدى يزيد عن ستة إلى سبعة كيلومترات باستخدام المروحية Mi-35، وحتى خمسة عشر كيلومتراً باستخدام مروحية Mi-28N.       
 
ليس هناك من فرق جوهري كبير بين الهجمات النهارية والليلية، باستثناء أن العوامل التي يُعتقد أنها توفر التفوق العملياتي تتأثر سلباً بانخفاض الرؤية؛ مما يزيد من تأثير عنصر المفاجأة. وتشمل هذه العوامل: استيعاب الموقف القتالي، والتعاون بين المقاتلين، وخفة الحركة في المناورة، وشدة التحمل، وقوة الروح المعنوية، والقدرة على القيادة بشكل فعال.
في سياق الوضع الراهن، من المرجح أن يشكل نوعان من الاشتباك تحديات كبيرة لقدرة الجيوش الوطنية على التحكم في بيئة العمليات ليلاً. النوع الأول هو العمليات القتالية الاحتكاكية أو الصدامية المكثفة ضد جماعات مسلحة محددة وخفيفة الحركة.
 
عند مواجهة خصوم أفضل تسليحاً، وكون بعضهم أيضاً أكثر خبرة في الحرب، يبقى مجال التفوق الوحيد الذي يمكن للجماعات الإرهابية والجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية الأخرى استغلاله هو معرفتها بالتضاريس ليلاً في المواقع التي يمكنها العمل فيها بسهولة. والواقع أنه، في أثناء الليل، لا يمكن أن تحل أجهزة الرؤية الليلية الأكثر تطوراً، والأفضل ذكاءً، والخرائط الأكثر دقةً، وأنظمة الملاحة الأكثر تطوراً، والأسلحة أو القوة الذهنية المتفوقة، محل الإتقان الغريزي لمعرفتهم بالتضاريس من خلال معرفتهم بالمنطقة المحلية التي يألفونها.4 وعلاوة على ذلك، فإن الضوء والصوت ينتقلان لمسافات أكبر في جوف الليل الهادئ.
 
أصبحنا ندرك، منذ الحرب الأفغانية السوفيتية، أن الجهات الفاعلة غير الحكومية – وهم المجاهدون في هذه الحالة - يستطيعون أيضاً «امتلاك» الليل. فقد تفوق المجاهدون على أعدائهم عندما كانت الرؤية ضعيفة، ولا سيما في التضاريس المألوفة لموقعهم المحدد. وكانوا قادرين على التحرك بسرعة والمناورة لمسافات طويلة دون منازع تقريبا تحت جنح الظلام.
 
تتيح أوقات الليل للجهات المسلحة غير الحكومية إمكانية إعادة التزود بالوقود، وتدمير القواعد المتقدمة للقوات النظامية التي تحاربهم، وتقويض معنويات خصومهم من خلال تزويد أنفسهم بالأسلحة في هذه العملية. وعلاوة على ذلك، فإن الانتشار الكبير لتقنيات القتال الليلي أدّى إلى تمكّن حتى الجهات الفاعلة غير الحكومية من استخدام معدات رؤية ليلية متطورة على نحو متزايد. 
 
أما الاعتبار الرئيسي الثاني فهو الكثافة العالية للحرب الحديثة. وما دامت السيطرة في القتال الليلي ضد الأعداء غير التقليديين غير مضمونة تماماً، فمن غير المستحسن أن تستمر الجيوش التقليدية في الاعتماد بشكل مفرط على القتال الليلي في التدريب القتالي على أوضاع الحروب. وعلى الرغم من أن الجيوش الوطنية الكبيرة كانت تتقن القتال الليلي في العقود الأخيرة، لا سيما تلك التي كانت تقوم باستعدادات لاشتباكات عالية الكثافة والشدة، كما هو حال الجيش الأمريكي أو الجيش الفرنسي، فإن الذي أدى إلى تغيير اللعبة هو تطور احتمالات القيام بحملات ضخمة ومكثفة ضد أعداء يمتلكون معدات متطورة مماثلة تمكّنهم من الاشتباك في عمليات قتالية ليلية. إننا بحاجة إلى إعادة النظر في العقيدة العسكرية النظامية؛ إذْ لا يمكن للدول المتقدمة أن تتوقع الحفاظ على تفوقها التكنولوجي إلى أجل غير مسمى، وبخاصة عندما يكون بإمكان أعدائهم تعقب واكتشاف جنودهم الراجلين الذين يقومون بعمليات قتالية ليلية.
 
باختصار، لقد أدّى سباق التسلح بين الدول، والتفوق المادي للجيوش النظامية على الحركات الفاعلة غير الحكومية، والتصاميم المصغرة لتقنيات الرؤية الليلية وإمكانية الحصول عليها والقدرة على تحمل تكاليفها في مسارح القتال الحالية، إلى جعل أوقات الظلام هي الظروف المفضلة للعمليات لدى جميع الأطراف في صراعات الأيام الأخيرة. وهذا يتطلب من جميع الدول إعادة تقييم عقيدة القتال الليلي، بل واللجوء بشكل مفْرط إلى القتال الليلي في ضوء التطورات التكنولوجية السريعة التي تعمل على تغيير سيناريوهات ساحة المعركة الحالية والمستقبلية لصالح دول وجِهات فاعلة من غير الدول أكثر مرونة وأوسع حيلةً ودهاءً. وكما قال شكسبير: «الصبح يتسلل إلى الليل فيذيب الظلام»، بينما سمحت التكنولوجيا الحديثة لقوى الظلام  باستعادة ضوء النهار في عالم العمليات القتالية الليلية.
 
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره