2023-09-28
بريكس والعرب والنظام العالمي الجديد .. بين الثابت والمتحول
مخاضُ نظامٍ عالمي جديد يعيشه العالم اليوم، ومستقبلٌ مليء بالتحديات والصّعوبات على كل الأصعدة، تجلّى معه حقُّ الدول في أن تولي مصالحها ومصالح شعوبها الأولوية الأكبر، من خلال تنويع علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع القوى العالمية، فالشراكات الإيجابية قادرةٌ وبقوة على تخطي تحديات اليوم والمستقبل المركبة والمعقدة والمتداخلة .. من تغير المُناخ إلى أمن الطاقة والغذاء إلى الرعاية الصحية، وفي ظلّ ذلك، تشكّل التّحالفات الاقتصادية إحدى أهم التوجهات البارزة التي تهيمن على المشهد الراهن والمستقبلي بين الدول، والتي من شأنها أن تسهم وبقوة في استقرار ونمو الاقتصاد العالمي، وفي تنمية التجارة الدولية.
إعداد: د. سفانة الديب
ومن هنا جاء سعي منظمة «بريكس» إلى خلق نظام عالمي جديد متعدد القطبيّة، يهدف إلى تعزيز التّعاون الاقتصاديّ والسّياسيّ والثّقافيّ لتحقيق مصالح الدّول المشتركة، ويكون مؤثّراً في رسم السّياسات العالميّة الجديدة، وقادرعلى الصّمود أمام ما يواجه العالم من أحداث اقتصاديّة
وفي ضوء تطوٍر مفصليٍّ ومهم على مستوى التحالفات الدولية، تمكنت بريكس من تحقيق نجاح كبير وتقدم نوعي في قمتها الخامسة عشرة يوم 24 أغسطس لعام 2023 في جنوب أفريقيا، بتوسيع مجموعتها لتشمل ستة بلدان جديدة هي الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، والأرجنتين، ومصر، وإثيوبيا، وإيران ... بهدف تحقيق الشراكة الاستراتيجية وتعزيز الاتصال والتنسيق في القضايا الإقليمية والدولية الرئيسية، حيث شهدت قمة جوهانسبورغ خطابات مهمة، تشير إلى آلية جديدة تعمل ليكون لها تأثير في مختلف الجوانب الاقتصاديّة والسياسية العالمية، وليكون وجودها مؤشراً حقيقياً لبداية حقبة جديدة، إذ يعد التقدم وتوسيع مجالات التعاون الفعلي من أجل رفع القدرة الاستراتيجية لدول بريكس على المشاركة في إصلاح نظام الحوكمة العالمية، مسؤولية تاريخية مهمة لدول بريكس في المستقبل، بعدما تطورت المجموعة من مفهوم نظري لمؤسسة مالية وسلسلة من الأحداث المتفرقة إلى كيان حقيقي يؤثر في الحوكمة العالمية.
ودول البريكس، وبوصفها داعمة للنظام التجاري المتعدّد الأطراف، تقود أيضاً سياسة تجارية ترمي إلى تعزيز دورها كقوة جارية إقليمية، بحيث أدى نجاح تخصّصاتها الإنتاجية ودينامية أسعارها المناسبة إلى زيادة عائدات التصدير التي تشكل أصلاً الاحتياطيات الأجنبية التي تغذّي الصناديق السيادية، وبذلك يمكن للقوى الاقتصادية الناشئة الجديدة أن تكتسب صفة القوة المالية لبلدان بريكس، كي تصبح بالفعل القوة الاقتصادية الأكثر فاعلية في القرن الحادي والعشرين.
نظام عالمي جديد
وحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن من شأن هذا التحرك أن يعيد تشكيل النظام العالمي، إذ أكد زعماء الدول الأعضاء - مرارا وتكرارا- أنهم لا يريدون منافسة مباشرة مع أي تكتل آخر، وإنما يريدون تحقيق التنوع والتوازن وسط الاستقطاب المتزايد .
ولعل أهم التساؤلات التي طرحتها عملية توسيع قاعدة مجموعة بريكس” كانت حول انضمام ثلاث دول عربية، هي الإمارات والسعودية ومصر، ومايحمله ذلك من انعكاسات وتداعيات مهمة على الشرق الأوسط، وبالتالي ما الذي تعنيه هذه الخطوة في ميزان المصالح المشتركة بين الثابت والمتحول ؟
إن انضمام الإمارات ومصر والسعودية لبريكس سيكون له تأثير إيجابى على اقتصاد وقوة المنطقة، إذا تحققت بعض الشروط والضمانات؛ فمن ناحية، قد تساهم هذه الفكرة فى زيادة حجم التبادل التجارى والاستثمارات بين هذه الدول، وفتح أسواق جديدة ومتنوعة للسلع والخدمات، وتحسين البنية، ومن ناحية أخرى، قد تسهم فى رفع مستوى التأثير والنفوذ لهذه الدول فى المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وإصلاح نظام الحوكمة الاقتصادية العالمية، بحيث يعبر عن مصالحها بشكل أفضل، كما قد تساهم فى تعزيز دور هذه الدول فى حل القضايا الإقليمية والدولية، مثل الأزمات السورية والليبية والفلسطينية وغيرها، بطرق سلمية وشاملة.
فكرة جديدة وطموحة
وتعتبر فكرة الانضمام بحد ذاتها فكرة جريئة وطموحة، تهدف إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين هذه الدول العربية وخمس دول نامية هى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، ولكن تبقى الضرورة أن تضع الدول الثلاث فى اعتبارها بعض المخاطر والتحديات التى قد تواجهها فى سبيل تحويل هذه الفكرة إلى حقيقة، ولتحقيق التأثيرات الإيجابية السابقة الذكر، فمن جهة، يجب على هذه الدول أن تحافظ على علاقات جيدة مع باقي شركائها، وأن تتجنب أى تصادم أو تنافس معها، ومن ناحية أخرى، يجب عليها أن تتوافق على رؤية واستراتيجية مشتركة للتعاون مع «بريكس»، وأن تضع آليات ومؤسسات فعالة لتنسيق مواقفها ومصالحها بما يحقق التوازن والتنوع والمصالح في الوقت نفسه .
وإذا تحدثنا بنظرة واقعية متجردة وبعيدة عن التقليل والتهويل ، تبقى الحقيقة التي يعترف بها الباحثون الغربيون أنفسهم هي أن بريكس باتت أكثر بريقاً مما كان متوقعاً، وغدت عاملاً مهماً في صياغة مستقبل العالم، ليس بما تشكله الدول المؤسسة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) بل بما سيحدث بعد توسيع العضوية ... وهنا تبرز دعوة دول ذات تأثير اقتصادي وسياسي لافت في أقاليم عدة عبر العالم، في مقدمها الإمارات والسعودية ومصر في منطقة الشرق الأوسط والفضاءين الآسيوي والأفريقي، هذا مع وجود لائحة انتظار طويلة، تضم دولاً أخرى لا تزال تترقب الدعوة.
الإنسانية والسياسة
الدور الإماراتي بين الإنسانية والسياسة .. كان الحاضر الأكثر فاعلية وقوة في أزمات الإقليم المختلفة، وإخماد الصراعات المشتعلة، عبر المساهمة في إيجاد الحلول السلمية وطرح الأفكار والرؤى الجديدة، حيث تحرص دولة الإمارات على تعزيز علاقاتها مع جميع دول العالم، وتولي الشراكات مع الدول صاحبة التجارب والخبرات الاقتصادية المتميزة اهتماماً استثنائياً، بما يسهم في بناء جسور التواصل والتعاون مع مختلف دول العالم، وبما يحقق المصالح المشتركة ويسهم في جهود التنمية والتطوير والتقدم في شتى المجالات .
وفي منشور عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، قال الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان : «نقدر موافقة قادة مجموعة «بريكس» على ضم دولة الإمارات العربية المتحدة إلى هذه المجموعة المهمة، ونتطلع إلى العمل معًا من أجل رخاء ومنفعة جميع دول وشعوب العالم ».
وتعتبر دولة الإمارات، « وهي واحدة من دول قليلة تدير ما يزيد عن تريليون دولار من رأس مال الثروة السيادية»، مساهماً كبيراً في بنك التنمية الوطني، وهو بنك مجموعة بريكس الذي تم إنشاؤه لإقراض مشاريع التنمية في الأسواق الناشئة .
وبالنظر إلى الانعكاسات والآثار الاقتصادية والسياسية لهذا الانضمام على دولة الإمارات، سوف نلمس ماحققته أبو ظبي من حرية الحركة على المسرح الدولي، بطرق وجدت نفسها وفقاً لها بأنها قادرة على الفعل وراغبة في ذلك الفعل .
آفاق تنموية إضافية
ووفقاً لذلك تستطيع الإمارات خلال الفترة القادمة من القرن الحادي والعشرين أن تصنع لنفسها منظومات جديدة من السياسات الخارجية، التي من المؤكد أن توفر لها نطاقاً أوسع من حرية الحركة والتصرف التي تحقق بها مصالحها الوطنية وطموحاتها على الساحة الدولية، ذلك أن سعي الإمارات بالانضمام إلى هذا التحالف يعتبر في جوهره محطة جديدة نحو تعزيز نهضتها ونجاحاتها وحضورها وشراكاتها وعلاقاتها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع كيانات اقتصادية كبرى، وذلك بهدف تمكين اقتصادها غير النفطي، وفي سبيل بناء اقتصاد مستدام ، إلى جانب استكشاف فرص استثمارية جديدة.
إن الإمارات بتوجهها نحو هذه الخطوة تفتح آفاقاً تنموية إضافية ومتنوعة، خاصة أن دول «بريكس» اليوم، تعتبر من أسرع اقتصادات العالم نمواً، وهو ما يسهم في خلق فرص استثمارية ضخمة من شأنها أن تحدث تحولاً، ليس فقط على صعيد المشهد الاقتصادي فيما بين دول «بريكس» ذاتها، وإنما على الصعيد العالمي والدولي .
لا يوجد تعليقات