مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-06-01

تحديات الأمن الخليجي في ظل احتمالية تراجع الدور الأمريكي 2023

تحظى منطقة الخليج بأهمية استراتيجية في السياسة الدولية؛ نظرًا لاحتوائها على إمكانات ضخمة من مصادر الطاقة، فضلًا عن أهميتها الجيواستراتيجية والاقتصادية الحيوية، ما جعل ضمان الأمن وتوازن القوى بالمنطقة يحظى بأولوية على أجندة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن المنطقة تتسم بواقع جيواستراتيجي شديد التقلب والتعقيد. لذا فإن البحث في معضلة الأمن يستلزم بالضرورة تحديد مصادر التهديد، وسبل مواجهتها، واستراتيجيات الحماية؛ فعلى الرغم من تراجع خطر التنظيمات الإرهابية المتطرفة، لا سيما بعد هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، وتحجيم تنظيم القاعدة في اليمن ومناطق أخرى في الشرق الأوسط، فإن خطر الإرهاب والتطرف الديني لا يزال قائمًا، ويمثل تهديدًا فعليًّا لدول المنطقة.
 
 
بقلم: أ. د. أيمن صالح البراسنة
 
فضلًا عن ذلك، فهناك تهديدات تتعلق بحالة عدم الاستقرار في الدول التي شهدت اضطرابات إبان ما عُرِفَ بثورات «الربيع العربي» عام 2011 وما بعدها، كما أن هناك خطر عدم الاستقرار في اليمن، ناهيك عن استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في العراق، واستمرار انسداد الأفق حتى الآن أمام سبل إيجاد تسوية للملف النووي الإيراني.
 
 
تجدر الإشارة هنا إلى أن طبيعة التحديات التي تواجه منطقة الخليج لم تعد تقليدية من حيث استمرار الحروب بالوكالة عبر توظيف الميليشيات، والتهديدات السيبرانية، واستهداف منشآت الطاقة، والقرصنة، وعرقلة الملاحة البحرية. وفي السياق ذاته، فإن استمرار الأزمات الإقليمية يؤثر على أمن دول الخليج، ويؤدي إلى الإخلال بميزان القوى بالمنطقة. كل هذه العوامل أو مصادر التهديد أدت إلى تعميق مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي، وتزايد حالة عدم اليقين بشأن التطورات المستقبلية في المنطقة. 
 
 
وفي هذا الصدد، تتجلّى أهمية إدراك أن أمن منطقة الخليج ضروري لتحقيق أمن الاقتصاد العالمي، ولذلك فإن عبء حماية أمن المنطقة لا يقع على عاتق دول الخليج بمفردها، بل يعتبر مسؤولية جماعية إقليمية وعالمية. لقد أظهرت الأزمة الروسية ــ الأوكرانية في الآونة الأخيرة أن النفط والغاز سلعتان عالميتان، ولذلك سيظل الحفاظ على الاستقرار في الخليج مهمًا للسياسة الدولية؛ لأن دول الخليج العربية ستظل من المُصدِّرين الأساسيين للنفط والغاز في الاقتصاد العالمي.
 
 
أهمية التعاون العربي الصيني في تحقيق التوازن الاستراتيجي
في ظل عدم جدوى توازن القوى على الصعيد المحلي في الخليج؛ بسبب اختلال توزيع القوة المادية بين القوى المحلية بعد خروج العراق من معادلة التوازن مع إيران، فإن دور الولايات المتحدة الأمريكية في حماية الخليج لا غنى عنه، حيث استمر هذا الدور عبر الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ الانسحاب البريطاني من منطقة الخليج في عام 1971، وحتى يومنا هذا. 
 
 
صحيح أن هناك حالة من التقلب لدى بعض الإدارات الأمريكية بخصوص طبيعة السياسة الأمنية المتبعة تجاه الخليج، إلا أن هذا الأمر يتغير بتغيُّر الإدارة. وعلى دول الخليج أن تتعامل مع بعض التغير في السياسة الأمريكية على هذا الأساس. لقد اعتبر عدة مراقبين إلى جانب عدد قليل من السياسيين الأمريكيين -بمن فيهم الرئيس السابق «ترامب»- أن الزيادة المذهلة في إنتاج النفط الأمريكي خلال العقد الماضي، وتنويع مصادر التوريد، أدت إلى تقليل الأهمية الاستراتيجية للخليج بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. وبحسب بعض المحللين، فإن الوجود الأمريكي في المنطقة يكلف الولايات المتحدة من ناحية الإنفاق العسكري أكثر من قيمة النفط ذاته، ويُجادل البعض بأن الولايات المتحدة يمكن أن تخفض ميزانيتها الدفاعية بنسبة 15٪ إذا تخلّت عن وجودها العسكري في المنطقة.‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬وبالمقابل هناك اتجاه آخر يرى أن أمن إمدادات النفط وعبوره الآمن عبر الممرات البحرية يتطلب وجودًا عسكريًّا أمريكيًّا كبيرًا في المنطقة. 
 
 
هذا الجدل يطرح سؤالًا محوريًّا، وهو هل فعلًا هناك تراجع أمريكي عن حماية أمن الخليج؟، وما مبررات ذلك التراجع إن وجد؟، وما البدائل التي يمكن تصورها للحفاظ على الأمن في الخليج؟‬‬‬‬‬ فلا شك أن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع شركائها في الخليج تعرضت لصدمات متعددة خلال العقود الأخيرة، وهناك عدة مواقف ساهمت بالفعل في زيادة شكوك دول الخليج حول مدى التزام الولايات المتحدة بضمان أمن دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيَّما الرسائل المختلطة، وتقلبات سياسة الولايات المتحدة تجاه الخليج في السنوات الأخيرة، والتي أثارت مزيدًا من التساؤلات والجدل -الذي لم يحسم بعدُ داخل الولايات المتحدة- حول الدور الأمريكي في المنطقة. 
 
 
والإجابة عن التساؤلات السابقة تستدعي ابتداءً وصف حالة الأمن في الخليج، والتي اتسمت بالهشاشة في أحسن الأحوال، خصوصًا في ظل بعض السياسات الأمريكية التي عمقت من مشكلة الأمن بالمنطقة، لا سيَّما في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق في عام 2003.  
 
 
بالإضافة إلى ذلك، فإن الردود الأمريكية على ما عُرِفَ بـ«ثورات الربيع العربي» عام 2011، في عهد إدارة الرئيس «باراك أوباما» قد زادت من شكوك دول الخليج، حيث لم تفعل واشنطن الكثير للحفاظ على حلفائها وشركائها الإقليميين، مما بعث برسائل غير مطمئنة لدول الخليج، وعزز من ارتيابها حول مدى جدية التزام الولايات المتحدة بأداء دورها «كضامن» لأمن الخليج. هذا الإدراك لدى دول الخليج عززته سياسة الرئيس الأمريكي «أوباما» بشأن «إعادة التوازن إلى آسيا»، والتي سعت لإيلاء المزيد من الاهتمام الأمريكي لمنطقة الإندو-باسيفيك، وتكثيف الوجود العسكري الأمريكي في بحر الصين الجنوبي؛ بهدف تعزيز المواجهة أو التنافس مع الصين. 
 
 
وقد عزّز من ارتياب دول الخليج إزاء الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة تصريحات سابقة أفاد بها الرئيس الأمريكي الأسبق «أوباما» في مقابلة له مع مجلة «ذا أتلانتك» الأمريكية (The Atlantic) عام 2016، والتي أكد خلالها أن السعوديين بحاجة إلى «مشاركة» الشرق الأوسط, وأضاف «أن المنافسة بين السعوديين والإيرانيين -والتي ساعدت في تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن- تتطلب منا أن نقول لأصدقائنا وكذلك للإيرانيين أنهم بحاجة إلى إيجاد طريقة فعالة لمشاركة الجوار، وإقامة نوع من السلام البارد». هذه الشكوك تجاه مدى التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج ودول المنطقة إلى الاتجاه نحو توثيق علاقاتهما السياسية والاقتصادية والعسكرية مع الصين وروسيا.
 
 
وعلى الرغم مما تقدم، فقد بات جليًّا أن الولايات المتحدة ستستمر على المدى المنظور في لعب دور رئيس في حماية أمن منطقة الخليج،  ومواجهة أي مصادر محتملة للتهديد. ولكن في الوقت نفسه، ينبغي لدول الخليج إدراك أن هناك نقاشًا وجدلًا واسعًا في الداخل الأمريكي حول طبيعة دور الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وذلك ما بين تيار يؤيد «فك الارتباط» عن قضايا المنطقة، وتيار آخر يؤمن بضرورة السعي للحفاظ على التفوق الأمريكي العالمي عبر الحفاظ على «دور محوري» في منطقة الخليج. ولا شك أن هذا الجدل -غير المحسوم- أسهم بصورة أو بأخرى في التآكل المطرد لمصداقية الولايات المتحدة بين شركائها الخليجيين. بيد أن العلاقات الأمنية والدفاعية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي لا تزال واسعة، فمن الناحية العسكرية تُظهر المؤشرات الحالية أن الولايات المتحدة لا تزال «شريكًا أساسيًّا» لدول الخليج في ضمان أمنها، حيث بلغ عدد القوات الأمريكية الدائمة والمؤقتة بالخليج والشرق الأوسط نحو 34 ألف جندي في عام 2021، وكذلك هناك اتفاقيات دفاع مشترك بين الولايات المتحدة ودول الخليج. أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة هي المصدر الرئيس لمبيعات السلاح والمعدات العسكرية المتطورة للشركاء الخليجيين. 
 
 
وعمومًا، فإن الجدل الدائر في الأوساط السياسية الأمريكية حول طبيعة التزامات الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية قد جاء بفعل انخراط واشنطن في غزو أفغانستان عام 2001، وكذلك انخراطها في غزو العراق عام 2003، الأمر الذي خلق نفورًا قويًّا من أي التزامات أمريكية خارجية جديدة، وأوجد رغبة مُلحة لضرورة «الانخراط المنضبط»، وبما يتلاءم مع المصالح الأمريكية الحيوية. لكن ذلك لا يعني -كما يفترض بعض المحللين- أن هناك اتجاهًا أمريكيًّا جديدًا نحو العزلة والانكفاء على الداخل، أو عدم الانخراط في الشؤون الدولية وشؤون منطقة الخليج، كما أنه على الجانب الآخر، لا يوجد لدى دول مجلس التعاون الخليجي أي خيارات واقعية بديلة عن الحماية الأمريكية في الوقت الراهن. 
 
 
ويمكن التدليل على صحة ما تقدم من خلال عدة اعتبارات، في مقدمتها أن دول الخليج لم تتمكن من إنشاء هياكل عسكرية مشتركة فعالة، وبالتالي فهي غير قادرة بمفردها -في الظروف الحالية- على مواجهة التهديدات المحتملة في بيئة جيواستراتيجية معقدة ومتقلبة. وقد تم تأكيد هذا الواقع عن طريق الهجمات التي نفذها الحوثيون بطائرات بدون طيار وصواريخ كروز التي استهدفت معملين تابعين لشركة «أرامكو» في المملكة العربية السعودية عام 2019، حيث أدت لخفض القدرة التصديرية للنفط السعودي إلى النصف لنحو بضعة أسابيع. وعلى الرغم من تشكك قادة دول الخليج بشأن استمرارية الدور الأمريكي في توفير الحماية للمنطقة، فإنه لا توجد قوة عظمى أخرى مهتمة حاليًّا أو قادرة على القيام بالدور الأمريكي في المنطقة. ويترافق ذلك مع إصرار الولايات المتحدة على الاستمرار في لعب دور مركزي بالمنطقة في المستقبل المنظور، حيث لا تزال تقوم بمهام حماية حلفائها وشركائها في الخليج، وردع أي حروب إقليمية محتملة، والحد من الانتشار النووي في المنطقة، فضلًا عن مكافحة الإرهاب والتطرف، والإبقاء على الممرات البحرية مفتوحة، خصوصًا وأن نفط الخليج يظل مصلحة حيوية للأمن القومي الأمريكي، حتى مع تحقيق معدلات مرتفعة من الإنتاج النفطي الداخلي في الولايات المتحدة. 
 
 
لذلك، فإن القول بأن دور الولايات المتحدة «يتراجع» في منطقة الخليج -كما يذهب بعض المراقبين- لا يعكس تقييمًا دقيقًا للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، ولا لطبيعة العوامل أو المحددات التي تؤثر في الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة، وعلى رأسها الحفاظ على المكانة الأمريكية على الساحة الدولية، وضمان أمن الطاقة العالمي، وهو ما يتطلب دورًا أمريكيًّا أساسيًّا في منطقة الخليج. وهذا الدور قد يتم إعادة ضبطه ليتضمن مشاركة أمريكية «مقيدة»، ولكنها مستدامة وفاعلة، وبما ينسجم مع مصالح الطرفين. 
 
 
ومن المُرجَّح أن تشتمل أي مراجعة لوضعية الولايات المتحدة الأمنية مستقبلًا على تخفيض الانتشار العسكري في دول الخليج، ولكن دون أن يتضمن ذلك انسحابًا من المنطقة أو تراجعًا عن توفير الردع والحماية لدول الخليج. بعبارة أخرى، يمكن أن يحدث تقليص لحجم الوجود العسكري الأمريكي إذا عززت واشنطن بالمقابل جهود دول مجلس التعاون الخليجي لتطوير أنظمة الإنذار المبكر والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والدفاعات الجوية الحديثة والأمن البحري. هذا يتطلب أيضًا تعزيز الدفاعات الخليجية من خلال مبيعات أنظمة الأسلحة المتطورة؛ لضمان ردع موثوق به ضد إيران. وباعتبار أن إعادة الطمأنينة قد تكون أكثر كلفة وصعوبة من الردع، فإن دول الخليج بحاجة إلى عدة ضمانات أمنية، لا سيما وأنها ملتزمة بعلاقاتها الأمنية والدفاعية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
 
 
نموذج شراكة أمنية جديدة: «الأمن المنسق»
إن استعادة الثقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وجيرانها عبر أساليب الحوار والتفاهم مطلب أساسي للوصول إلى الحد الأدنى من ترتيبات الأمن الإقليمي في المنطقة، وتلبية الاحتياجات الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي. لكن ذلك يتطلب وضع تصور لتحقيق تقارب فعلي بين دول الخليج الست وكلٍ من: العراق، وإيران، واليمن، والهند، وباكستان، على صعيد مواجهة مصادر التهديد. وفي هذا الصدد، سيكون من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن منطقة الخليج لا تكمن أهميتها فقط في كونها مصدرًا تقليديًّا للنفط، بل لكونها أيضًا تعتبر ركيزة أساسية لأمن الممرات البحرية، فضلاً عن استثماراتها المالية الكبيرة في الخارج، ودورها اللوجيستي خلال الأزمات. 
 
 
ومن الناحية العملية، يصعب الوصول إلى نماذج أمنية طموحة في المنطقة، حيث ليس من المأمول أن تحقق الشراكة الأمريكية الخليجية مكانة شبيهة بحلف شمال الأطلسي، وليس المطلوب أيضًا أن تتوصل الأطراف التي لها مصلحة في استقرار الخليج إلى صيغة تحالف على غرار حلف «الناتو». ولكن ينبغي أن تتوصل الأطراف المسؤولة عن الأمن في المنطقة إلى أطر تفاهم وتعاون وشراكة لتحقيق الأمن الإقليمي الشامل. أما بالنسبة لمصادر التهديد فقد أضحت متغيرة وغير تقليدية؛ حيث تجاوزت مسألة الأسلحة التقليدية إلى توظيف التكنولوجيا في مجال الدفاع (في ظل التطور في صناعة طائرات الدرونز والصواريخ وغير ذلك). بالإضافة إلى عوامل التهديد ضد أمن الطاقة، سواء المنشآت النفطية ذاتها، أو استهداف طرق العبور. هذا النوع من التهديد يتطلب، بالإضافة إلى استمرار الدور الأمريكي، تعزيز القدرات الدفاعية لدول الخليج ذاتها. 
 
 
بناءً على ما سبق، وبدلًا من الحديث عن تراجع الدور الأمريكي، ربما يمكن القول إن هناك حاجة ملحة لإعادة تعريف وتكييف الدور الأمريكي في شؤون الخليج بما يبعث برسائل مطمئنة للدول الخليجية. ولذلك من الضروري أن يكون هناك وجود عسكري أمريكي بالحد الأدنى لأغراض الردع، وفي الوقت ذاته ينبغي تفعيل وممارسة الدبلوماسية الوقائية عبر دعم مبادرات خفض التوتر والمصالحة، سواء بين دول مجلس التعاون الخليجي نفسها، أو بينها وبين وإيران. 
 
 
وبمعنى آخر، فهناك حاجة إلى تحسين البيئة الجيواستراتيجية في النظام الإقليمي الخليجي الفرعي، وتخفيف حدة العداء والخلاف عبر اتباع نهج الدبلوماسية كخيار أول؛ من أجل أن تكون المنطقة أكثر استقرارًا على المدى الطويل. وهذا الأمر ربما يتطلب أن تعيد الولايات المتحدة - بالتنسيق مع دول الخليج - إشراك إيران في الحوار مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتسهيل جهود التوصل إلى تسوية بين الطرفين. كما يتطلب أيضًا وضع جدول أعمال، بالتشاور مع الشركاء في الخليج، يُركز على القضايا الإقليمية، لا سيما القضايا الأمنية غير التقليدية التي تحفز أشكال التعاون، وتحد من التهديدات، بما قد يجذب المشاركة الإيرانية. فهناك عدد من القضايا الملحة التي تتلاقى مصالح جميع دول المنطقة لبحثها وإيجاد الحلول بشأنها، بما في ذلك معالجة القضايا المتعلقة بالبيئة، وتغير المناخ، ومكافحة الإرهاب والقرصنة، وتعزيز الأمن السيبراني، والتصدي للأزمات الصحية. 
 
 
ومن الناحية الواقعية، من غير المرجّح أن تنجح محاولات القوى الإقليمية في إيجاد نظام أمني إقليمي محلي مستقر بعيدًا عن الدور المحوري للولايات المتحدة، خصوصًا أن لدى المملكة العربية السعودية وإيران وجهات نظر متباينة فيما يتعلق بمسألة ضمان أمن الخليج، حيث ينظر كل منهما للآخر بعين الشك وعدم اليقين، وهو ما ينعكس سلبًا على فرص تحقيق الأمن الإقليمي الشامل. بمعنى آخر، ربما يجدر الآن تصحيح مسار العلاقات الأمنية الأمريكية الخليجية لتشتمل على تطوير منظومة أمنية تتضمن معايير وإجراءات للتشاور والتنسيق، بالنظر إلى أن أمن الخليج لا يمكن أن يكون مسؤولية واشنطن وحدها، بل يعد مسؤولية جماعية لكل القوى التي لها مصالح في المنطقة. وليس المطلوب في هذا الصدد تشكيل تحالف فعلي بين الدول التي لها مصالح في المنطقة، ولكن ينبغي رسم خارطة طريق لرفع مستوى الشراكة الأمنية بين هذه القوى، آخذين بعين الاعتبار أن العديد من المخاوف الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي قائمة على مبررات منطقية. لذلك، فإذا كانت واشنطن تسعى إلى إيجاد نظام أمني أكثر تعاونًا وشمولية، بحيث يسمح بتخفيض حجم مشاركتها العسكرية في المنطقة، فسيتعين عليها مراجعة وتقييم وجودها العسكري بالمنطقة، وطمأنة شركائها في الخليج في آنٍ واحد. 
 
 
وختامًا، يمكن القول إنه بالنسبة لدول الخليج، وبغض النظر عما إذا كانت خيارات شراء الأسلحة الروسية والصينية تبدو معقولة وجذابة، فلا يزال من غير الممكن بالنسبة لروسيا والصين تقديم صفقات مماثلة لتلك التي توفرها الولايات المتحدة، سواء فيما يخص السلاح أو التكنولوجيا أو الضمانات الأمنية. بالإضافة إلى أن دول الخليج تدرك أنه رغم جاذبية فرص الازدهار والاستثمار في الشرق، فإن القوى الغربية تبقى أفضل طرف يمكن الرهان عليه لتعزيز الأمن في منطقة الخليج. ولذلك لا تستطيع دول الخليج الاستغناء عن الدعم الاستراتيجي الأمريكي في المستقبل المنظور، وأي تفكير ببدائل للدور الأمريكي -من باب تنويع الخيارات- سيظل محدودًا للغاية في ظل الظروف الراهنة.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره