مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2023-04-02

تغير المناخ ومستقبل الأمن الإنساني في إفريقيا

تُعَد ظاهرة تغيُّر المناخ أبرز التهديدات التي تواجه دول العالم كافة في الآونة الأخيرة؛ حيث إن التداعيات الناجمة عنها لم تَعُد تقتصر على مجرد تصاعد وتيرة الطقس السيّئ، وموجات الجفاف والتصحر، وأزمات شُحّ المياه، وإنما أصبحت تنطوي على جُملة من التداعيات المتشابكة التي تهدد الأمن الإنساني بأبعاده المختلفة، وذلك في ضوء تأثير الكوارث المناخية التي باتت أكثر تواترًا وحدّة على الأمن الغذائي والمائي، بما يفاقم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض لها بعض دول العالم، ويؤثر سلبًا على الاستقرار السياسي.
 
بقلم: أ. فاروق حسين أبوضيف 
 
وفي هذا الإطار، سلَّط التقرير الصادر عن «معهد الدراسات الأمنية» (ISS)، بعنوان «فهم مخاطر المناخ والأمن الإنساني في إفريقيا» (Understanding Africa’s climate and human security risks) الضوء على تأثير تغيُّر المناخ على مستقبل الأمن الإنساني في القارة الإفريقية، باعتبارها المنطقة الأكثر عرضة للمخاطر والتهديدات ذات الصلة بتغيُّر المناخ، وتتزايد خطورة تلك التهديدات في ضوء الأزمات الاقتصادية والسياسية المتفاقمة التي يشهدها العديد من دول القارة، بما يجعل مواجهة تغيُّر المناخ أولوية قصوى في القارة السمراء.
 
إفريقيا.. الأكثر عرضة لعواقب تغيُّر المناخ
رغم أن القارة الإفريقية لا تسهم إلا بــ 3.1% فقط من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على الصعيد العالمي، فإنها تُعَد المنطقة الأكثر عرضة لمخاطر تغيُّر المناخ؛ حيث تعاني القارة السمراء من جُملة من الظواهر المناخية المتطرفة، تأتي في صدارتها موجات الجفاف، واضطراب معدلات هطول الأمطار، والتصحر، وموجات الطقس السيّئ، بما يمثِّل تحديًا كبيرًا للأمن الإنساني في القارة.
 
وأشار التقرير إلى أن تغيُّر المناخ لا يمثِّل أزمة بحد ذاته، وإنما تتفاقم المخاطر المحدقة به في ظل ارتباطها الوثيق بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في دول القارة؛ حيث إن الصراع على موارد المياه والغذاء الشحيحة يفضي إلى زيادة حدة التوترات وأعمال العنف على الصعيد المحلي، فضلًا عن أن انعدام الأمن الغذائي، وفقدان سبل العيش التي تعتمد في المقام الأول على مهنة الزراعة، يؤدي إلى تصاعد موجات النزوح والهجرة القسرية، بما يزيد الضغوط على البنية التحتية الضعيفة في بعض المناطق، بالإضافة إلى أن انتشار بعض الأمراض والأوبئة يفاقم الضغوط على أنظمة الرعاية الصحية المتهالكة، الأمر الذي يفضي إلى سلسلة ممتدة من الأزمات في جميع أنحاء إفريقيا، خاصة في السودان، والصومال، وحوض بحيرة تشاد، ومالي، وغرب إفريقيا، ودول الساحل الإفريقي. 
وأوضح التقرير أن التداعيات السلبية لتغيُّر المناخ لا تقتصر على الصعيد المحلي فحسب، وإنما قد تؤدي إلى توتر العلاقات بين دول القارة، لا سيَّما فيما يتعلق بالأنهار والأحواض العابرة للحدود، ويُعَد الصراع في حوض بحيرة تشاد المثال الأبرز على ذلك في هذا الصدد.
 
ويرجِّح التقرير استمرار الأمن المائي كأحد أبرز التحديات ذات الصلة بعواقب تغيُّر المناخ في القارة الإفريقية، وذلك في ضوء تشابك التداعيات الناجمة عنه، وارتباطه الوثيق بالأمن الغذائي ومستقبل معدلات الهجرة القسرية والنزوح، فضلًا عن أنه مُحدد رئيس لاندلاع أعمال العنف على الصعيد المحلي، وتأجُّج النزاعات على الصعيد الإقليمي.
 
تغيُّر المناخ واحتدام الصراع في حوض بحيرة تشاد 
تضم منطقة حوض بحيرة تشاد أجزاءً من الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، وتمتد حتى الجزائر وليبيا والسودان، وتواجه البحيرة في الوقت الراهن خطر الفناء؛ حيث تقلَّصت مساحتها السطحية بنسبة 90% منذ ستينيات القرن المُنصرم، نتيجة تداعيات تغيُّر المناخ، والإفراط في استخدام موارد المياه، وضعف التشريعات البيئية، وغياب أوجه التنسيق والإدارة المتكاملة لموارد المياه على المستويين الوطني والإقليمي بين الدول المشاطئة لحوض بحيرة تشاد.
 
هذا وقد أشار التقرير إلى تفاقم حدّة وتواتر الظواهر المناخية التي تشهدها منطقة حوض بحيرة تشاد في الآونة الأخيرة، وفي مقدمتها ارتفاع معدلات الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي الزراعية؛ مما أسفر عن تدهور الأمن الغذائي؛ حيث يتصارع نحو 30 مليون شخص في نيجيريا وتشاد والنيجر والكاميرون على إمدادات المياه المتضائلة في البحيرة؛ مما أفضى إلى اندلاع أعمال العنف، وخلق بيئة مواتية لنشاط الجماعات الإرهابية، لا سيَّما جماعة «بوكو حرام» التي اتخذت من المنطقة ملاذًا آمنًا لها منذ عام 2013. 
وفي هذا السياق، أفاد التقرير أن الظواهر المناخية المتطرفة التي شهدتها المنطقة أفضت إلى نزوح ما يقرب من 3 ملايين شخص من حوض بحيرة تشاد عام 2021، هذا فضلًا عن معاناة أكثر من 3 ملايين شخص من انعدام الأمن الغذائي، وقرابة نصف مليون شخص من سوء التغذية.
 
وأوضح التقرير أن تغيُّر المناخ قد يؤدي إلى استمرار تقويض الاستقرار بمنطقة بحيرة تشاد نتيجة زيادة حدة الصراعات، سواءً كانت صراعات خارجية بين دول المنطقة، أو داخلية على الموارد الشحيحة، على غرار الصراع القائم في نيجيريا بين المزارعين والرعاة من القبائل المختلفة على بعض الأراضي الزراعية.
ويتوقَّع التقرير أن يعزز استمرار هذه الصراعات من فرص الجماعات الإرهابية لاستقطاب مزيد من الشباب للانضمام إلى صفوفها، وجذب المزيد من المقاتلين، مشيرًا إلى أن الجفاف وما ترتب عليه من انعدام الأمن الغذائي في الصومال، على سبيل المثال، وفّر بدوره لتنظيم حركة الشباب مناخًا ملائمًا لزيادة قدرته التجنيدية. 
 
تغيُّر المناخ وآفاق التنمية في القارة الإفريقية
في ضوء التداعيات المتشابكة لتغيُّر المناخ وتأثيراتها السلبية على الأمن الإنساني، فلا يمكن معالجة الظواهر المناخية من المنظور البيئي فقط، وإنما يتعيَّن إدراج أهداف مكافحة التغير المناخي ضمن مخططات التنمية الشاملة في القارة، لا سيَّما وأن معالجة عواقب تغيُّر المناخ من شأنها دعم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وتعزيز التنمية الاقتصادية في القارة السمراء، بما يُسهِم في احتواء الصراعات وأعمال العنف التي تشهدها القارة في المستقبل. 
 
وفي هذا الإطار، أكَّد التقرير أهمية إعطاء الأولوية للاستثمار في البنية التحتية، وفي قطاع الزراعة الذي يُعَد بمثابة العمود الفقري للعديد من اقتصاديات الدول الإفريقية، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمار في قطاع السياحة، ودعم جهود التنمية المستدامة في المناطق الساحلية، مشيرًا إلى أن محدودية حجم التصنيع داخل الدول الإفريقية قد تمثل فرصة لتعزيز مسارات التنمية المستدامة وتحسين البنية التحتية لدعم جهود التكيف مع عواقب تغيُّر المناخ.
 
ومن ناحية أخرى، ألقى التقرير الضوء على «مفهوم العدالة المناخية»، الذي يعالج قضية المناخ من منظور أخلاقي وسياسي، وليس كقضية بيئية فقط، وذلك في ضوء الارتباط الوثيق بين تداعيات تغيُّر المناخ ومفاهيم العدالة الأخرى، لا سيَّما العدالة البيئية، والاجتماعية، التي تتضمن قضايا المساواة وحقوق الإنسان والمسؤولية التاريخية عن تغيُّر المناخ، مع تأكيد أهمية توزيع المخاطر المتعلقة بالمناخ. 
وأكَّد التقرير أهمية تبني منهج العدالة المناخية في التعامل مع ظاهرة تغيُّر المناخ، وتركيز جهود دول القارة الإفريقية على التخفيف من حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتقليل نسبة اعتماد اقتصاد الدول الإفريقية على الوقود الأحفوري، ودعم سُبُل الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، بالإضافة إلى دعم أهداف التنمية المستدامة؛ لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في ربوع القارة السمراء.
 
كذلك سلَّط التقرير الضوء على مفهوم «حوكمة المناخ»، والذي يُعرف بأنه «الدبلوماسية والآليات وتدابير الاستجابة التي تهدف إلى توجيه النظم الاجتماعية والدولية نحو منع المخاطر التي يفرضها تغيُّر المناخ أو التخفيف منها أو التكيف معها»، مشيرًا إلى أهمية إعادة بلورة سُبل إدارة مواجهة تغيُّر المناخ، مع إيلاء الاهتمام بتعزيز دبلوماسية المناخ في إفريقيا في المستقبل، لا سيَّما وأن سياسات المناخ الوطنية والإقليمية الراهنة في القارة الإفريقية تعاني العديد من عوامل الضعف، بالإضافة إلى عدم اتساقها مع التوجهات الدولية في هذا الصدد.
وفي هذا الإطار، شدَّد التقرير على أهمية وجود هيكل منظم ونهج واضح لإدارة دبلوماسية المناخ في القارة الإفريقية، وأشار إلى أن القارة الإفريقية بحاجة إلى التحول من مجرد الاقتصار على معالجة آثار تغيُّر المناخ إلى اعتماد نهج شامل للاستثمار في العمل المناخي.
 
سُبُل مكافحة تداعيات تغيُّر المناخ في القارة الإفريقية
إن مواجهة تداعيات تغيُّر المناخ في القارة الإفريقية تستلزم تعزيز التعاون بين دول القارة لتحقيق الأمن المناخي، الأمر الذي يتطلب التوعية بشأن مخاطر تغيُّر المناخ وآثارها المحتملة على مستقبل الأمن الإنساني، هذا فضلًا عن ضرورة إيلاء الاهتمام ببناء القدرات في العمل المناخي المحلي بإفريقيا، وتعزيز جهود التكيف والاستجابة للمخاطر الأمنية التي يفرضها تغيُّر المناخ. ويمكن في هذا الصدد، التطرق إلى أبرز سُبُل مكافحة تداعيات تغيُّر المناخ بشيء من التفصيل فيما يلي:
 
1. التوعية بمخاطر تغيُّر المناخ 
أكَّد التقرير أن الدول الإفريقية بحاجة إلى زيادة الوعي بالمخاطر المتشابكة لتغيُّر المناخ، لا سيَّما التهديدات الأمنية المتفاقمة التي تواجه القارة في هذا الشأن، والتي تقف كحجر عثرة أمام إقرار سياسات وطنية وإقليمية فعالة لمجابهة المخاطر المحدقة بالأمن المناخي. 
وأشار التقرير إلى أهمية تسليط الضوء على التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتشابكة لظاهرة تغيُّر المناخ وعدم الاقتصار على التداعيات البيئية فقط؛ وذلك للوقوف على مقدار التهديد الذي تمثله ظاهرة تغير المناخ، وفهم درجة وطبيعة المخاطر المرتبطة بها.
ولفت التقرير الانتباه إلى اختلاف درجة الوعي بشأن مخاطر تغيُّر المناخ من منطقة لأخرى داخل القارة الإفريقية، مثل التفاوت بين منطقة الساحل والقرن الإفريقي وبين المنطقة الجنوبية بالقارة.
 
2. بناء وتعزيز القدرات في العمل المناخي بإفريقيا 
شدد التقرير على أهمية بناء قدرات الأفراد والمجتمعات الإفريقية على إدارة أو الحد من أو تقويض المخاطر المتعلقة بالظواهر المناخية المستمرة، مثل التصحر، أو تلك التي تطرأ بصورة مفاجئة كحرائق الغابات، مؤكدًا أهمية أن يكون العمل المناخي بمثابة أداة لتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية في القارة الإفريقية في المستقبل.
 
3. تمويل جهود مكافحة تغيُّر المناخ
سلَّط التقرير الضوء على ضرورة إيلاء الاهتمام بتمويل جهود مكافحة تغيُّر المناخ في القارة الإفريقية، وضمان وصول التمويل الكافي إلى الدول والمناطق الأكثر عرضة لعواقب تغيُّر المناخ، مع تركيز هذه الدول في المستقبل على حماية القطاعات الأكثر تضررًا، وفي صدارتها قطاع الزراعة، فضلًا عن التركيز على تمويل جهود التكيف مع تغيُّر المناخ على المدى الطويل، وعدم اقتصار التمويل على جهود التخفيف.
 
4. تعزيز دبلوماسية المناخ 
أكَّد التقرير الحاجة الملحة إلى تعزيز دبلوماسية المناخ في إفريقيا، وذلك عبر التركيز على المشاركة في المحافل الدولية والإقليمية؛ لإلقاء الضوء على التداعيات الكارثية لتغيُّر المناخ في القارة، وعدم اقتصار مناقشة الأزمة داخل أروقة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن فحسب، وإنما توسيع نطاقها ليشمل مجموعة الدول الصناعية السبع، ومجموعة العشرين، ومنظمة التجارة العالمية، ووضع تداعيات تغيُّر المناخ على رأس أولويات المحادثات التي تشارك بها دول القارة على الصعيد العالمي.
وختامًا، يتعيَّن على الدول الإفريقية أن تنظر إلى ظاهرة تغيُّر المناخ باعتبارها متغيرًا ديناميكيًّا ينطوي على جُملة من الانعكاسات على نماذج الأمن والاقتصاد والتنمية في القارة؛ حيث تشير التقديرات إلى أن ظاهرة تغيُّر المناخ والتداعيات الكارثية المصاحبة لها، لا سيَّما الجفاف والتصحر والشُح المائي، ستؤدي إلى تقويض الأنشطة الزراعية والأمن الغذائي، ومن ثَمَّ نزوح ملايين الأشخاص، بما يفاقم النزاعات والأزمات في القارة، ويخلق بدوره بيئة خصبة لنمو وانتشار الجماعات الإرهابية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره