2024-04-03
توجهات الصناعات الدفاعية في ظل المخاطر العالمية الجديدة
تشير العديد من الدراسات الرصينة إلى أنه من المرجح أن تصبح المياه مورداً جيوسياسياً ذو أهمية تفوق النفط الخام، حيث من المتوقع أن يرتفع الطلب بأكثر من 50 في المائة بحلول عام 2030. ومع استمرار تفاقم التغير المناخي وارتفاع نسب الاستهلاك للمياه وعوامل الجفاف وقلة إمدادات المياه، فإن خطر الصراع على هذا المورد الحيوي يتزايد بشكل كبير وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في حقبة حافلة بتحديات غير مسبوقة، يسلط تقرير المخاطر العالمية 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الضوء على البيئة المتغيرة للمخاطر العالمية، والتي كان لها تهديدات وانعكاسات خطيرة على صناعة الدفاع العالمية. ويعتمد التقرير على الرؤى التي أبداها أكثر من 1,400 شخص من خبراء المخاطر العالمية وصنّاع السياسات وروّاد الصناعة، حيث يكشف النقاب عن مستقبل تسود فيه المعلومات الخاطئة والمضللة وتلوح فيه التهديدات البيئية في الأفق.
وفي طليعة المخاطر قصيرة الأمد، تبرز المعلومات الخاطئة والمضللة، التي تتفاقم بسبب التقدم الذي تحرزه التكنولوجيا الموجهة بالذكاء الاصطناعي. ويعزز هذا الاتجاه الاستقطابَ المجتمعي، ويشكل تحدياً غير مسبوق للأمن القومي والاستقرار العالمي، إذ يشير إلى تحول محوري نحو إعطاء الأولوية للدفاع السيبراني وسلامة المعلومات في مجال الصناعات الدفاعية.
وسيكتسب تطوير حلول وأدوات الأمن السيبراني المتقدمة لمحاربة الأخبار الزائفة أهمية قصوى لحماية عمليات الحوكمة والحيلولة دون تصاعد الصراعات. كما أن التهديد طويل الأمد الذي يتمثل في التغير المناخي والأحوال الجوية القاسية يسلط الضوء على التحديات البيئية التي تلوح في الأفق. ومن هنا، ينبغي على الصناعات الدفاعية أن تتغلب على تلك التهديدات عبر تعزيز قدراتها الاستجابية للكوارث الطبيعية وفاعليتها في دعم المهام الإنسانية.
وللحد من آثار التغير المناخي على الصناعات الدفاعية، يتطلب ذلك الاعتماد على التقنيات الخضراء والممارسات المستدامة. كما يمكن أن تسهم الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة والمواد الصديقة للبيئة في الحدّ من البصمة الكربونية الناجمة عن العمليات العسكرية، بحيث تنسجم الأنشطة الدفاعية مع أهداف الاستدامة العالمية.
نظام عالمي مشتَّت
يشير استشراف نظام عالمي متعدد الأقطاب أو مشتت إلى مشهد جيوسياسي معقَّد في المستقبل، ومع تزايد التنافس بين القوى المتوسطة والعظمى، تواجه صناعة الدفاع مشكلة التكيف مع بيئة جيوسياسية ديناميكية، لذا، فإن تعزيز التحالفات وتكثيف التعاون الدولي سيكون أمراً بالغ الأهمية للتصدي للتحديات الأمنية العالمية. ليس ذلك فحسب، بل أنه يجب أن تتمتع الصناعات الدفاعية بالمرونة والجاهزية للاستجابة للتحالفات المتغيرة والتهديدات الناشئة في عالم مشتت ومفكك للغاية.
وفي هذا الصدد، قالت سعدية زاهدي، المديرة العامة للمنتدى الاقتصادي العالمي: «إن وجود نظام عالمي غير مستقر يتسم بالاضطراب وغياب الأمن، والآثار المتفاقمة لأحوال الطقس المتغيرة وحالة الغموض وعدم اليقين الاقتصادي، تتسبب جميعها بتسريع وتيرة انتشار المخاطر العالمية، بما في ذلك المعلومات الخاطئة والمضللة».
وتمثل حالة عدم اليقين الاقتصادي المستمرة والانقسامات المتزايدة مستوى آخر من مستويات التعقيد. ومن منظور شركات الدفاع، يُترجَم هذا من خلال المضيّ في مشهد يتّسم بالتقلبات في ميزانيات الدفاع وأولويات الاستثمار. كما أن التركيز على الابتكار وفاعلية التكلفة سيكون أمراً ضرورياً للحفاظ على القدرة التنافسية وتلبية متطلبات الحروب الحديثة.
وعلاوة على ما سبق، يمكن للمشاريع الصناعية أن تسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال إيجاد فرص عمل جديدة وإحداث نقلة نوعية تكنولوجية، لاسيما في المناطق التي تعد عرضة للصراعات المستمرة أو للتغيرات المناخية.
وفي المقابل، يدعو تقرير المخاطر العالمية 2024 إلى إعادة التفكير في كيفية معالجة هذه المخاطر المتعددة، كما يشير إلى أهمية تبني مقاربة مزدوجة للصناعات الدفاعية، بما في ذلك: الابتكار لمواجهة التهديدات الجديدة والتعاون عبر الحدود لتعزيز الأمن العالمي.
ويؤكد التقرير على دور ومساهمة الصناعة في إيجاد الحلول لمواجهة تلك التحديات، بدءاً من إدماج الذكاء الاصطناعي في عملية صنع القرار بشأن النزاعات وانتهاءً بتطوير تقنيات النمذجة المناخية. وعلاوة على ذلك، تعدّ الشراكات بين القطاعين العام والخاص أمراً أساسياً لبناء القدرات والصمود والتعامل مع مشهد المخاطر سريع التطور.
وتشير الرؤى والتصورات التي تضمنها تقرير المخاطر العالمية 2024 إلى مستقبل مليء بالتحديات والتهديدات التي تتطلب من الجميع اتخاذ الاجراءات الاستراتيجية من أجل التكيف معها وتعزيز الابتكار والتعاون سوياً بهدف التصدي بشكل استباقي لتلك المخاطر، ولتمكين قطاع الدفاع من الإسهام بفاعلية في عالم أكثر أمنا واستدامة ومرونة، ولاجتياز تعقيدات القرن الحادي والعشرين.
وبحسب التقرير، فإن المعلومات المزيفة تؤدي إلى تقييد وهدم الأمن القومي، وتؤثر في الرأي العام، وتتسبب في زعزعة استقرار الحكومات، وخاصة في ظل التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي. وتواجه صناعة الدفاع طلباً متزايداً على حلول الأمن السيبراني المتطورة، بما في ذلك أدوات اكتشاف المعلومات الخاطئة وحملات التضليل ومكافحتها. ولذلك يغدو تطوير القدرات في مجال حرب المعلومات أمراً بالغ الأهمية لحماية البيانات وحماية سلامة مساحات المعلومات.
وبالنظر إلى تنامي تهديدات الحرب السيبرانية وحرب المعلومات، تحرص بعض الحكومات على تخصيص ميزانيات جديدة لتحديد أولويات المجالات الدفاعية، وقد يؤدي هذا التحول إلى زيادة الاستثمار في وحدات الدفاع السيبراني، وتكنولوجيا المراقبة المتقدمة، والأدوات التحليلية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والمصممة لاحتواء آثار المعلومات المزيفة والتصدي لها. وقد تشهد قطاعات الدفاع التقليدية تخصيص موارد جديدة، بحيث يحدو ذلك بالشركات إلى إجراء تعديلات على عروض منتجاتها وخدماتها.
صراعات جديدة
ويمكن لاستخدام المعلومات المزيفة أن يأجج الاضطرابات المجتمعية ويزعزع استقرار المناطق المختلفة وأن يؤدي إلى صراعات ومعارك جديدة في المجالات الرقمية والمعلوماتية تتجاوز الحدود المادية. ولابد لصناعة الدفاع أن تَبتكر من أجل الوصول إلى استراتيجيات وتقنيات متطورة تُعالج الخطوط غير الواضحة التي تفصل بين الحروب التقليدية والعمليات السيبرانية، بما في ذلك العمليات النفسية والحملات التأثيرية.
ولمحاربة انتشار المعلومات المزيفة بشكل فعال، قد تحتاج الصناعات الدفاعية إلى التعاون بشكل وثيق مع القطاعات المدنية، بما في ذلك شركات التكنولوجيا، ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، والمؤسسات الأكاديمية؛ إذْ يمكن أن تساهم شراكات كهذه في تيسير تطوير حلول مشتركة بين القطاعات لتحديد حملات التضليل والمعلومات الخاطئة وتتبعها وتحييدها.
كذلك، يمكن أن تؤدي صناعة الدفاع دوراً رئيسياً في تطوير البرامج والتقنيات التعليمية لتحسين المعرفة الرقمية، ومهارات التفكير الناقد، والوعي العام، للحد من تأثير المعلومات المضللة. وتتطلب الطبيعة العالمية لحرب المعلومات وجود تعاون دولي يسهم في وضع القواعد واللوائح وحشد الجهود المشتركة لمكافحة المعلومات المضللة. ولعل صناعة الدفاع تتصدر تعزيز الحوار والتعاون، وتطوير التقنيات المشتركة، والمشاركة في التدريبات متعددة الجنسيات التي تركز على حرب المعلومات والدفاع السيبراني.
إن العلاقة بين المعلومات المزيفة والاضطرابات المجتمعية تشكل تحدياً أمام صناعة الدفاع العالمية للتكيف مع المشهد الأمني سريع التغير. ويستلزم ذلك تحول التركيز إلى قدرات الحرب السيبرانية والمعلوماتية وزيادة التعاون عبر القطاعات. ويمكن لصناعة الدفاع أن تساهم من خلال معالجة هذه التحديات في عالم رقمي متزايد الترابط.
وساهم تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي في إبراز مخاوف أخرى، بما في ذلك، أزمة تكاليف المعيشة المستمرة التي تحمل أيضاً آثاراً كبيرة على صناعة الدفاع العالمية، فيما تعيد هذه المخاطر المتشابكة تشكيل المشهد الأمني، وتتطلب تحولات استراتيجية داخل قطاع الدفاع، ومن الممكن أن تؤدي أزمة تكاليف المعيشة المستمرة إلى زيادة التكاليف التشغيلية لشركات الدفاع، نتيجة لارتفاع تكاليف المواد الخام وحتى دخل العمالة.
من جانب آخر، تعمل الحكومات التي تواجه ضغوطًا اقتصادية على تعديل ميزانياتها الدفاعية، كما تعطي الأولوية للاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الفورية مقابل المشاريع الدفاعية طويلة المدى. وقد يؤدي ذلك إلى تأخير العقود، وانخفاض الطلبيات، والدفع نحو تحقيق كفاءة التكاليف في صناعة الدفاع، فضلاً عن دفع الحكومات إلى تعديل أولوياتها الدفاعية.
ويمكن أن يكون هناك تركيز أكبر على تدابير الأمن الداخلي، وتقنيات السيطرة على الحشود، وأنظمة المراقبة لرصد الاضطرابات المجتمعية والتخفيف من حدتها. كما ستحتاج صناعة الدفاع إلى تكييف عروضها لتلبية هذه الأولويات المتغيرة، مع التركيز على حلول الأمن الداخلي وأنظمة الدفاع التقليدية.
إن المخاطر المتشابكة المتمثلة في عدم الاستقرار الاقتصادي، والمعلومات المضللة، والانقسامات المجتمعية، تُبرِز أهمية المرونة والأمن السيبراني. لذا يتعين على شركات الدفاع أن تعمل على تعزيز دفاعاتها السيبرانية ضد حملات المعلومات المضللة التي تستهدف عملياتها وسلاسل التوريد الخاصة بها. كما سيكون لها دور حيوي في بناء أنظمة مرنة للحكومات والمجتمع المدني للصمود في وجه الصدمات الاقتصادية والمعلوماتية والتعافي منها.
وتؤكد الطبيعة العالمية لهذه التحديات على الحاجة إلى التعاون والتنظيم على الصعيد الدولي، لاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي وسلامة المعلومات. ولعلّ صناعة الدفاع تجد نفسها منخرطة على نحو متزايد في المبادرات العالمية لإرساء مبادئ ومعايير للاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي ومكافحة المعلومات المضللة. ومن الممكن أن تصبح المشاركة في المنتديات الدولية والتعاون مع القطاعات الأخرى أكثر شيوعاً كجزء من استراتيجية أوسع لمعالجة هذه المخاطر.
وعلى الرغم من أن المخاطر البارزة تشكل تحديات كبيرة، فإنها تفتح أيضاً فرصاً جديدة في السوق لمزيد من الصناعات الدفاعية والحلول المبتكرة لمواجهة المعلومات المضللة، وتعزيز المرونة السيبرانية، ومعالجة التأجيج المجتمعي، فضلاً عن الابتكار وتعزيز النمو في مجالات أخرى، تتضمن الذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات، والتقنيات الأمنية غير الفتاكة، وربما تجد شركات الدفاع القادرة على اجتياز هذه التحولات بفاعلية سبلاً مثمرة وجديدة للتوسع.
وتطرح المخاطر المتشابكة تحديات معقدة لصناعة الدفاع العالمية، ويقتضي التكيف مع هذه التغيرات مقاربة استراتيجية تركز على الابتكار التكنولوجي، والمرونة، والتعاون الدولي. ومن خلال تلبية هذه الاحتياجات الناشئة، يمكن لصناعة الدفاع أن تساهم في الأمن الوطني والعالمي في عالم يمر بتغيرات متزايدة أثناء التعامل مع الضغوط الاقتصادية والديناميات المجتمعية.
وتمر صناعة الدفاع بلحظة محورية؛ حيث يستدعي مشهد المخاطر، وتعقيدات النظام الجيوسياسي المشتت، وأحوال الغموض الاقتصادي، استجابة دقيقة واستباقية من قطاع الدفاع؛ إذ لم يسبق أن كانت حتمية التكيف الاستراتيجي والابتكار بهذا الوضوح في أي وقت مضى. ومن ثم فإن من الضروري أن تقوم الصناعة بإرساء تدابير الأمن السيبراني المتطورة وممارسات الاستدامة البيئية، وترسيخ التعاون الدولي، وتعزيز هياكل الأمن العالمية.
ويعتبر هذا أمر بالغ الأهمية في التعامل مع النظام العالمي متعدد الأقطاب، والتصدي للتحديات المتشابكة المتمثلة في المعلومات المضللة، والتغير المناخي، والتوترات الجيوسياسية. ولصناعة الدفاع دور مميز في التنمية الاقتصادية، لاسيما في المناطق المعرضة للصراعات أو مَواطن الضعف البيئية. وبوسع قطاع الدفاع أن يبني مجتمعات أكثر مرونة وقدرة على الصمود من خلال التركيز على إيجاد فرص عمل جديدة، ونقلة نوعية تكنولوجيا، وممارسات مستدامة.
وتهدف الدعوات العالمية إلى اتباع مقاربة شاملة تشتمل على الابتكار التكنولوجي والتعاون الاستراتيجي عبر القطاعات، والالتزام بالمعايير الأخلاقية، ولاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي وسلامة المعلومات، فضلاً عن تعزيز قدرة الصناعات الدفاعية على التأقلم والابتكار لمواجهة المخاطر متعددة الأوجه والعمل على بلورة مسارها المستقبلي ومساهمتها في الاستقرار والأمن العالميين.
وتعتبر الرؤى الواردة في تقرير المخاطر العالمية 2024 بمثابة تحذير ودليل إرشادي للعاملين في مجال الصناعات الدفاعية. وبإمكان هذا القطاع أن يثبت أهميته وفاعليته في سياق عالمي متسارع، وذلك من خلال التصدي بشكل استباقي للتحديات المبينة في التقرير، علماً أن الطريق نحو الأمام يتطلب بذل جهود متضافرة للتغلب على تعقيدات الحقبة المعاصرة.
ومن خلال الارتقاء إلى مستوى هذه التحديات، يمكن لصناعة الدفاع أن تساهم بشكل كبير في إرساء عالم أكثر أماناً واستدامة ومرونة، كما سيعزز تجسيد الرؤية الاستشرافية الاستراتيجية من القدرة على التكيف مع المخاطر العالمية الحالية والمستقبلية.
لا يوجد تعليقات