2022-08-01
جولة بايدن الأولى بالشرق الأوسط.. هل عاد الرئيس الأمريكي صِفْر اليديْن؟
بهذه العبارات التي أطلقها الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، انتهت جولته الأولى بمنطقة الشرق الأوسط، والتي استمرت طيلة أيام أربعة (13 – 16 يوليو 2022) التقى خلالها بقادة الدول الخليجية في مدينة جدة السعودية بالإضافة إلى زعماء كلٍ مصر والأردن والعراق، وما سبق ذلك من زيارته للأراضي الفلسطينية وإسرائيل.
بقلم: جهاد عمر الخطيب
ولعل أبرز ما ميَّز تلك الجولة “الندّية” التي أظهرها قادة الدول العربية بعدما أسقط “بايدن” المنطقة نسبياً من حساباته تمامًا منذ وصوله للسلطة لتهيمن حالة من الفتور على العلاقات بين واشنطن والحلفاء الشرق أوسطيين. بيْدَ أن الحرب الروسية الأوكرانية قالت كلمتها، وأعادت الاعتبار مجددًا للمنطقة وأهميتها الجيوسياسية لا سيما فيما يخص كبح جماح القفزات الجنونية في أسعار الطاقة عالميًا. وفي هذا الصدد، تُرى هل حقَّق «بايدن» ما يصبو إليه من جولته بالمنطقة أم أنه عاد «صِفْر اليدين» قبيْل أشهر معدودة على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل؟
جولة أولى لـ «بايدن» في خضم سياسة «فك الارتباط» بالمنطقة
أتت الجولة الأولى لـ «بايدن» بالمنطقة بالتزامن مع ذروة انتهاج واشنطن سياسة «فك الارتباط» تجاه الشرق الأوسط سواء على مستوى الفكر أو الممارسة؛ فعلى مستوى الفكر، اتسمت الفترة التالية للانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس 2021 حتى قبيْل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بوجود حالة من الشد والجذب داخل أروقة مراكز الفكر الأمريكية بشأن الدور الأمريكي في المنطقة، وتعالت الكثير من الأصوات التي نادت بضـرورة الانسحـاب العسكري من دول المنطقـة - وفي طليعتها العـراق وسوريا - على غرار الانسحاب من أفغانستان.
وكان الأساس الذي استندت عليه تلك الرؤى يتمحور حول التكلفة الباهظة لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، فضلًا عن غياب جدواه، لا سيما أن واشنطن لم تَعُد بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، وذلك في ضوء المزاعم بشأن نجاحها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط و»استقلال قطاع الطاقة الأمريكي» منذ عام 2019 حينما استطاعت الولايات المتحدة إنتاج الطاقة (النفط والغاز الطبيعي والفحم والوقود الحيوي وبعض الكهرباء) بمعدلات تجاوزت معدلات استهلاكها لأول مرة منذ الخمسينيات.
وعلى مستوى الممارسة، تبيَّن لنا بصورة جلية سقوط منطقة الشرق الأوسط نسبياً من الحسابات الأمريكية منذ وصول «جو بايدن» لسدة الحكم في يناير .2021، .
كان الهاجس الرئيس المسيطر على فريق السياسة الخارجية لـ «بايدن» تصاعُد أدوار كلٍ من روسيا والصين على الساحة الدولية، في مقابل أفول القيادة الأمريكية للعالم بشكل ملحوظ على مدار العقديْن الماضييْن، الأمر الذي يستلزم تخصيص الموارد كافة لهذا الأمر، والانسحاب من مناطق أخرى في العالم أقل أهمية، وفي مقدمتها الشرق الأوسط.
وجاءت تحركات إدارة «بايدن» على مدار الأشهر التالية لتوليه السلطة ترجماناً لرؤي إدارته بشأن اعتبار التنافس مع الصين الأولوية الأولى، ولعل أبرز هذه التحركات وأكثرها تأثيرًا كان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان - بنهاية أغسطس 2021- بعد عشرين عامًا ممَّا أسمته واشنطن «حربًا على الإرهاب العالمي» غير عابئة بسقوط كابول السريع والمدوي في قبضة طالبان.
اتفاق أوكوس
ليس هذا فحسب، بل أعادت إدارة «بايدن» إحياء التوجُّه نحو آسيا (Pivot to Asia) الذي تبنَّاه “باراك أوباما” من قبل، وسار “بايدن” طوال عام 2021 على خطى “أوباما” في هذا الصدد. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى اتفاق “أوكوس” للغواصات النووية بين كلٍ من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا في سبتمبر 2021، وما أفضى إليه من أزمة دبلوماسية بين أستراليا وفرنسا على خلفية إنهاء “أحادي الجانب” من قِبل أستراليا لفقة تضمَّنت شراء غواصات فرنسية تقليدية.
ولم يبرهن اتفاق “أوكوس” على إيلاء الإدارة الأمريكية الحالية قدرًا كبيرًا من الاهتمام لمنطقة الإندو – باسيفك (منطقة المحيطين الهندي والهادئ) فحسب، بل إعطاء هذه المنطقة أولوية على رأب الصدع الذي اعترى الشراكة عبر الأطلسي في عهد «ترامب»، باعتبار أن متاخمة النفوذ الصيني في تلك المنطقة يُعَد خطوة مهمة لإضفاء مزيد من الثقل على موقف واشنطن في المنافسة مع بكين، وعدم الاكتراث بتداعيات ذلك الاتفاق، وما ترتَّب عليه من خسائر للجانب الفرنسي بصفة خاصة.
فضلًا عن ذلك، أولت إدارة «بايدن» - طيلة العام المنصرم – الاهتمام بتفعيل دور الحوار الأمني الرباعي ««Quad، والذي يضم كلًا من الولايات المتحدة، وأستراليا، والهند، واليابان، وتوسيع نطاق مجالات التعاون والشراكة في ظل هذا التحالف. وكلها تحركات تستهدف احتواء نفوذ بكين في منطقة الإندو – باسيفك.
وهذه التحركات الأمريكية سالفة الذكر، لم يقابلها سوى تهميش منطقة الشرق الأوسط، وتسريع خطوات الانسحاب العسكري من المنطقة. وهذا الانسحاب لم يكن عسكريًا فحسب، بل انسحب بالتبعية إلى العلاقات التي تجمع بين واشنطن والحلفاء الشرق أوسطيين في صورتها الكُلية، ونشير في هذا الصدد إلى إعلان البنتاجون في يونيو 2021، سحب بعض من القوات والمعدات العسكرية – منظومات دفاع جوي – وإعادة بعضها للصيانة في الولايات المتحدة، فيما أُعلن عن نقل البعض الآخر إلى أجزاء أخرى بالعالم، الأمر الذي أثار تكهنات بشأن احتمالية نقلها لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ بما أنها تحظى بالاهتمام الأكبر للإدارة الأمريكية الحالية.
الحرب الروسية الأوكرانية
بيْدَ أن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير 2022 أربك الحسابات الأمريكية كثيرًا، وأعاد الاعتبار مجددًا لمنطقة الشرق الأوسط، لا سيما فيما يخص دورها في استقرار سوق النفط العالمية، وذلك في ظل الارتفاع الجنوني وغير المسبوق في ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا في سابقة هي الأولى من دولها منذ أزمة النفط التي رافقت حرب أكتوبر المجيدة في عام 1973. ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، شهدت أسعار الطاقة قفزات هائلة منذ الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا بمعدل 448 % في مارس 2022، علاوة على ارتفاع أسعار الغذاء على شاكلة غير مسبوقة، وبمعدل 84 % في الفترة ذاتها، وارتفاع أسعار الأسمدة الزراعية بمعدل 222 %، وهي تطورات جعلت العالم يعاني أزمات غذاء وطاقة.
ولعل الرغبة المُلحة لجو بايدن في كبح جماح هذا الارتفاع الجنوبي في أسعار الطاقة والغذاء ومعدلات التضخم كانت بيت القصيد، والهدف الرئيس من جولته الأولى بالمنطقة بعد فتور الذي هيمن على العلاقات الأمريكية بالحلفاء التقليديين في منطقة الشرق الأوسط منذ وصول بايدن للسلطة؛ ولذا قام “بايدن” بالجولة في هذا التوقيت تحديدًا، وكان الأمل يحدوه في إقناع المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاجها من النفط بعد مطالبات أمريكية عديدة لمنظمة “أوبك”بزيادة الإنتاج النفطي لتهدئة الأسعار العالمية المرتفعة، أخذًا في الاعتبار التقديرات المُتَداولة بشأن وصول دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الحد الأقصى لإنتاج النفط بينما لا يزال بإمكان المملكة السعودية زيادة إنتاجها النفط بنحو 150 ألف برميل يوميًا.
ولعل السؤال المُثَار في الوقت الراهن: هل حقَّق “بايدن” المرجُوَّ من جولته الأولى بالشرق الأوسط؟
وللإجابة على هذا التساؤل المطروح بشأن جولة «جو بايدن» الشرق أوسطية، لابد من مقارنة مخرجات تلك الجولة بالأهداف الرئيسة التي لأجلها اتخذ بايدن قراره بالاضطلاع بجولة في المنطقة لأول مرة رغم مرور ما يربو على العام ونصف العام من توليه السلطة، وقيامه إبَّان تلك الفترة بجولات خارجية عديدة شملت دولًا أوروبية وآسيوية. وكما أشرنا آنفًا فإن الهدف الرئيس لتلك الجولة، وتخلي الرئيس الأمريكي عن نهجه في تهميش منطقة الشرق الأوسط يتمحور حول إقناع المملكة السعودية بزيادة إنتاجها النفطي، إلى جانب أهداف أخرى من بينها احتواء التهديدات الإيرانية للأمن والاستقرار الإقليمييْن.
وبالنظر إلى مخرجات جولة «بايدن» الشرق أوسطية، يتراءى لنا أنها لم تُحقِّق شيئًا سوى الوعود؛ وعود أطلقها بـ «قمة جدة للأمن والتنمية» أمام قادة الدول الخليجية إضافةً إلى كلٍ من مصر والأردن والعراق بشأن عدم التخلي عن المنطقة أو الانسحاب منها بما يترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران، وكذا وعود أخرى بتقديم مليار دولار لمحاربة الجوع بإقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونحو 18 اتفاقية ومذكرات تفاهم مع المملكة العربية السعودية في مجالات الطاقة والاستثمار والاتصالات والفضاء والصحة.
على الجانب الآخر، لم يستطع «جو بايدن» في الحصول على ضمانات وتعهدات فورية من قِبل الدول الخليجية لا سيما المملكة السعودية بشأن زيادة إنتاجها من النفط. ومن ثم، عاد الرئيس الأمريكي «صِفْر اليدين» بعدما أخفق في التوصُّل لحل بشأن أزمة الطاقة في الداخل، وما يرافقها من ارتفاع معدلات التضخم، وهي أخطر التحديات التي تواجه الحزب الديمقراطي قبيْل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل، وكل ما هنالك أنه قبل جولة «بايدن» في المنطقة، وتحديداً في مطلع يونيو 2022، وافق تحالف «أوبك بلس» على رفع الانتاج النفطي خلال شهر يوليو 2022 ليصل إلى 648 ألف برميل يوميًا، وبالمثل خلال شهر أغسطس المقبل، وذلك بدلاً من الكمية التي كانت مقررة سلفًا، وهي 432 ألف برميل يوميًا.
ورغم ذلك، فإن هذه الكميات التي أُعْلِن عن زيادتها ليست كبيرة بما يكفي للتأثير على ديناميكيات سوق النفط العالمية، كما أنها لن تُعوِّض النقص في كميات النفط الروسي حال فرض حظر غربي موسع على واردات النفط الروسية. وقد أفضى إخفاق جولة «بايدن» في إقناع المملكة السعودية بزيادة إنتاجها النفطي إلى حالة من الإحباط الملحوظ عند متابعة الرأي العام الأمريكي، وتقييمه لمخرجات الجولة، والتي رأى أن فشلها في إحداث أية تغييرات جوهرية كان متوقعًا.
وخلال توقُّف «بايدن» في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، لم يُحرز أيّ تقدم يُذكر فيما يتعلق بمفاوضات السلام المجمّدة منذ فترة طويلة، الأمر الذي دفعه إلى التركيز على تدابير اقتصادية شملت المساعدة على تعزيز الجيل الرابع من الإنترنت في الأراضي الفلسطينية، فضلًا عن توقيع ميثاق أمني جديد مع إسرائيل تتعهَّد فيه واشنطن بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
ورغم ذلك الميثاق، لا تزال الفجوة كبيرة بين نهجي واشنطن وتل أبيب في التعامل مع طهران؛ فاستخدام القوة خيار مطروح وبقوة بالنسبة لإسرائيل، ولا نبالغ إذا ما قلنا أنه الخيار الأكثر جدوى وفقًا للمدركات الإسرائيلية في حين أن «بايدن» أكَّد خلال جولته بالمنطقة أن الدبلوماسية هي السبيل الأول لتحييد البرنامج النووي الإيراني، وأن القوة هي «الملاذ الأخير».
وختامًا
فإننا لن نبالغ إذا ما قلنا أن «جو بايدن» قد عاد من جولته الشرق أوسطية الأولى «بخفيّ حُنَيِن»، وأن جُلّ ما قدَّمته تلك الجولة - التي استمرت على مدار أربعة أيام – كانت الوعود والتعهدات بعدم التخلي عن الحلفاء وعبارات رنانة، فيما افتقرت لاستراتيجية واضحة من أجل «إعادة ضبط» السياسة الأمريكية تجاه المنطقة أو دعم أمنها واستقرارها بعد سنوات من الاضطرابات والأزمات والحروب كانت محصلتها مشهد بالغ التعقيد تتحمل واشنطن الجزء الأكبر من المسؤولية عنه.
ولعل مكمن فشل الجولة يتمحور حول فقدان الثقة في الولايات المتحدة كشريك يمكن الوثوق به بعد فترة من محاولاتها تهميش المنطقة، والانسحاب منها غير عائبة بمصالح الحلفاء، وعودتها مجددًا للمنطقة من منظور براجماتي بحت اقتضه ظروف استثنائية مفاجئة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية. وهذه الثقة التي ضُرِبت في مقتل لن يكون من اليسير عودتها مجددًا سوى بخطوات جادة، وليس مجرد وعود وشعارات ببناء مستقبل إيجابي للمنطقة؛ ولذا ليس بُمستغرب أن تكون حصيلة الجولة هزيلة، وألا تُسفر عن نتائج مؤثرة.
لا يوجد تعليقات